العظيم بين الباباوات

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 
المجموعة: قصة من تاريخ الكنيسة الزيارات: 17778

البابا شنودة الثالث يذكر عظمة البابا كيرلس الرابع ودعاه أبى الإصلاح

pop-kirilos4ذكر البابا شنودة البابا كيرلس الرابع فى عظته عن الوقت (1) ودعاه أبى الإصلاح لأنه أستغل الوقت القصير الذى مكثه بطريركا وفعل اعملاً عظيمة فى تاريخ الكنيسة القبطية فقال : " إنى أعجب للأشخاص الذين يبحثون عن وسيلة لقتل الوقت، بأية الطرق: بوسائل الترفيه أو التسلية أو الثرثرة أو اللهو …… ولا يدرى هؤلاء أنهم أذ يقتلون وقتهم، يضيعون حياتهم ….. الذى يقتل الوقت لا يشعر أن لحياته قيمة، هو إنسان يعيش بلا هدف، وبلا رسالة. حياته رخيصة فى عينيه.

أما الذين يحترمون حياتهم، فكل دقيقة منها، منتجة ونافعة، ولذلك فهناك أشخاص كانت حياتهم قصيرة، ولكنها عجيبة وعميقة …. يوحنا المعمدان بدأ حياته من سن الثلاثين، وأستمرت خدمته حوالى سنة، أستحق خلالها أن يكون أعظم من ولدته النساء. فى هذه الفترة القصيرة أعد الطريق قدام الرب، وهيأ له شعباً مستعداً، وعمد آلافاً من الناس بمعمودية التوبة. بعكس متوشالح الذى عاش 969 سنة، لم نسمع عنها شيئاً من هذا.

السيد المسيح نفسه، كانت مدة خدمته فى الجسد 3 سنين وثلث. ولكنه فى تلك الفترة القصيرة عمل أعمالاً لم يعملها أحد من قبل، ولو كتبت واحدة فواحدة، ما كانت تسعها الكتب. وحقق قضية الخلاص، وقدم للناس صورة الله.

أيضا البابا كيرلس الرابع، كانت مدة خدمته 6 سنوات وبضعة أشهر. ومع ذلك عمل فيها ما أستحق عليه لقب (أبو الأصلاح).

كثيرون عاشوا حياة قصيرة، ولكنهم قدموا فيها أعمالاً عظيمة. وكثيرون نالوا العظمة وهم بعد أطفال أو صغار، أو مجرد شبان. القديس تادرس تلميذ القديس باخوميوس أب الشركة، والقديس ميصائيل السائح، والقديس يوحنا القصير، أمثلة لعظمة العمر الصغير.

فالقديس تادرس وهو فى حدث شبابه المبكر، كان أباً ومرشداً لكثيرين، ومؤسساً لأديرة ووكيلاً

للقديس باخوميوس…… والقديس ميصائيل صار سائحاً قبل أن يبلغ العشرين من عمره……

والقديس يوحنا القصير – وهو فى حداثة عمره – أستطاع أن يعلق الاسقيط كله بأصبعه كما يشهد قديسوا البستان. هؤلاء وصلوا إلى المجد فى فترة وجيزة، وهم فى مقتبل العمر، وصعدوا بسرعة، لأنهم لم يضيعوا وقتهم، أخذوا الأمور بجدية. كل دقيقة كانت ترفعهم إلى فوق، وتدخلهم إلى الأعماق، وتنميهم. كان وقتهم دسماً، كله بناء لأنفسهم وللآخرين، لم يضع منه شئ، كان وقتهم بركة للآخرين.

هناك إنسان وقته فى صالحه، يحييه وآخر وقته ضده. إنسان فى لحظة يكسب كل شئ، وآخر فى لحظة يخسر الكل

نشـــــــــــأتة

نشأته وٌلد عام 1816م (1532ش) بقرية نجع أبو زرقالي من بلدة صوامعة سفلاق المعروفة بالصوامعة الشرقية، بإقليم أخميم، محافظة جرجا (2) ، يلقّبه البعض "الصوامعي". وُلد من أبوين تقيّين وقد أسماه داود .

كان أبوه توماس بن يشوت بن داود يشتغل بالزراعة وكان غنيًا، ولم يكن أبوه متعلما ولكنه كان يحب أن يسمع التعليم فى الكتاب المقدس اتسم بالروحانية واهتمامه بخلاص نفسه وخلاص أولاده. وكانت أمه تقية. وقد أسماه داود على أسم جده الكبير .

وأرسله ابوه تواماس إلى في كُتّاب القرية الملحق بالكنيسة وتعلم فيه حيث تعود الأقباط إرسال أولادهم لتعلم المزامير والتسبحة والقراءات الكنسية واللغة القبطية واللغة العربية ومبادئ الحساب فتفوق على أقرانه . ولما اكمل داود مرحلة الكتاب ذهب ليساعد أباه فى الزراعة وكان أثناء عمله محبا للوحدة في صباه شبّ داود (صاحب السيرة) قوي البنية مفتول العضلات، يفضّل ممارسته للخلوة والوحدة، وكان كثراً ما ينفرد بعيداً ويقضي أغلب أوقاته في التأملات بعيدًا عن القلق والارتباك في المشاكل .

اختلط داود بالعربان وتعلّم منهم بركوب الخيل والجمال وكان يسابقهم فأحبوه ، وكثيرًا ما كان يرافقهم في أسفارهم في الجبال والقفار . هذا كله لم يدفعه إلي محبة العالم بل إلي الزهد فيه ، فصار يهوى الوحدة أكثر فأكثر فاشتاق بالأكثر إلي الرهبنة . وكان كثيراً ما يلبس الزي البدوي فحاول بعض مقاوميه مهاجمته بالقول بأنه بدوي الأصل ، وقد اعتمدوا علي صورته المشهورة وهو راكب الجمل الهجين بزي بدوي ، لكن تصدّى كثيرون من معاصريه للرد عليهم ( الصورة المقابلة صورة نادرة للبابا كيرلس الرابع لفنان قبطى الصورة تجمع بين حياته قبل الرهبنة وهو بالزى البدوى وبعد أن أصبح بطريركا ماسكاً فى يده عصا الرعاية ) .

داود يصبح راهباً بأسم داود الأنطونى

ولما بلغ الثانية والعشرين من العمر عزم على ترك بيت أبيه واهله وقريته وحاول أباه قدر الأمكان أن يثنيه عن عزمه لكنه لما رأى تصميمه تركه , فقام وتوغل فى الصحراء قاصداً دير كوكب البرية أبى جميع الرهبان ويرى الكثير من المؤرخين أن سنة رهبنته كانت عام 1554 للشهداء , وكان الدير فى وقت رهبنته تحت رياسة القس أثناسيوس القلوصنى (3) وهناك لبس اسكيم الرهبنة القبطية المقدس وأحتفظ فى الرهبنة بأسمه الأصلى داود .

وبعد مرور سنة على رهبنته فى الدير برز كأحد الدارسين بعمق فى الكتاب المقدس , وأمتدت خدمته إلى أخوته الرهبان فكان يجمعهم ويقرأ لهم الكتاب شارحاً إيه , وكان يحببهم فى مطالعته والبحث فيه والخوض فى أعماق معانيه فتوسم فيه رئيس الدير النعمه والذكاء والكفاءة , وفاحت البريه بسيرته العطرة وأشتم رائحة أعماله البابا بطرس السابع الشهير ببطرس الجاولى فإستدعاه إليه وباركه وقام الأنبا صرابامون الأسقف الشهيد بمشاركه البابا بالدعاء والبركة له وتنبأ له بمستقبل عظيم فى خدمة الكنيسة , رسمه البابا قسيساً , وكان القس أثناسيوس قد هرم وكبر فى السن ولم يجد فى الدير غير القس داود الأنطونى ليعتمد عليه فى كثير من أعمال الدير كما عهد إليه تدبير أمر الرهبان وإحتياجاتهم , وكان القس داود الأنطونى على الرغم من السلطات الواسعة التى وكلت إليه فى الدير كان ينكر ذاته مفضلاً الآخرين على نفسه فنما فى الفضيلة كما نمى فى الزهد ايضاً .

القس داود الأنطونى يصبح رئيساً لدير الأنبا أنطونيوس

وبعد مرور سنتين من رهبنته حتى أنتقل رئيس الدير إلى الأمجاد السمائية فأجمع الرهبان على أختيارة رئيسا لهم وأئتمنوه على ديرهم بالرغم من حداثة سنة وحداثة رهبنته , فكتبوا برايهم إلى البابا بطرس الجاولى فأقرهم على أختياره وقام بترقيته إلى رئاسة الدير .

ومنذ ذلك الوقت بدأت مواهبه فى الظهور والعمل الدائم بلا كلل فى حقل خدمة الكنيسة وشعبها :-

** وضع نظام للدير وأخذ فى أصلاح أحواله الأدبية والمادية

** ثم عكف على على توسيع مداركه ومعرفته عن طريق البحث والدراسة كما عنى بتعليم الرهبان خاصة الأميين منهم

** وللدير عزبة أسمها بوش (بوسن) فى شمال بنى سويف التى كانت وما تزال مقر دير أنطونيوس , فقام بجمع كثير من كتب الدير وأحضر لها كتباً جديده وجعلها لمطالعة أبناء المنطقة وفتح بابها لكل من يريد القراءة أو البحث , كما قرر ألا يبقى فى هذه العزبة إلا الرهبان القائمين بالأعمال فى الزراعة .

بذل كل الجهد لكي لا يترك الرهبان الدير إلا عند الضرورة مع العودة السريعة. لقد آمن بهذا الفكر لذا عندما صار بطريركًا أصدر قرار بمنع الرهبان من الخروج من الأديرة إلا بأذن منه التزامًا بما تعهدوا به أمام الله والناس. ومن أقواله في هذا ما معناه: "من يختار ثوب الرهبنة مات عن الدنيا ودفن نفسه بمحض إرادته، بدليل أنهم يصلّون عليه صلاة الموتى؛ فهل يخرج ميت من قبره؟ الرئيس الذي يأذن للراهب في الخروج من ديره يكون قد أخرج ميتًا من قبره وعليه وزره".

** ثم وجه عنايته لتعليم عزبة بوش (بوسن) المسئول عنها الدير فأفتتح كتاباً لتعليم الأولاد فى بوش , سواء منهم الرهبان أو أولاد القرية وكبارها لتعليم اللغتين العربية والقبطية والعلوم الأخرى .

** وكان فى أوقات فراغه يحضر الرهبان ويناقشهم فى مختلف الموضوعات الدينية والأدبية والتاريخية , وتقول المؤرخة أيريس حبيب المصرى (4) : " ولكى يشجع الرهبان وغيرهم من الشباب على طلب العلم تتلمذ هو على يد الشيخ الذى كان مدرساً للغة العربية فى الكتاب الذى أنشأه فأتقنها فكان نموذجاً صالحاً لرهبانه وشبان القرية الذين ألتحقوا بمدرسته "

نــــوادره

** عندما أصبح القس داود الأنطونى رئيساً لديره حدث أنه ذهب إلى عزبه بوش (بوسن) ليرد زيارات أهل البلدة فمر متعمداً فى طريق على جانبه جامع متهدماً قلام المسلمين على ترك الجامع بهذه الحالة ووعد بمساعدتهم إذا هم شرعوا فى بناءه , فكانت محبته لهم سبباً فى مساعدتهم له فى أعماله الإنشائية فى عزبة بوش .

** من نوادره إنه اعتاد التفتيش ومباشرة شئون الزراعة وذلك في وقت هياج العربان وبطش سعيد باشا بهم عام 1272هـ، وفي الطريق صادفه إعرابي وكان القس داود رئيس الدير راكبًا دابته ومرتديًا لباسًا بسيطًا جدًا. قال له الأعرابي: "أنزل يا نصراني". أجابه الرئيس: "ليس لك مطمع في لباسي لأنه لا يساوي فلسًا"، واستعطفه أن يتركه لكن الإعرابي ازداد خشونة وغطرسة وقال له: "أتبقى راكبًا وأنا ماشٍ؟" أجابه: "دعني وشأني". فما كان من الأعرابي إلا أن لطمه علي وجهه وهو يقول "أنزل يا نصراني يا ملعون". ملك القس داود نفسه ولم ينزل عن الدابة وإذ حاول الإعرابي إنزاله بالقوة لم يستطع، بل في محاولته زلقت رجله في بركة ملآنة طينًا، وكان الممر ضيقًا فتركه القس داود وهو ملهي في غسل ثيابه. جاء الأعرابي إلي العزبة يطلب مقابلة الرئيس ليشتكي له الراهب الذي غرسه في الطين بلا سبب. فسأله: "أحقا ما تقول؟" أجابه "نعم"، قال له أنظر إليَّ! أنا هو من تشتكيه، وأنت الذي لطمتني، ومع هذا فإني أسامحك وأعطيك نصف أردب قمحًا وشعيرًا، فخجل الأعرابي منه جدًا.

إرساله إلى أثيوبيا

بدأت إرساليات الأنجليكان تعمل فى أثيوبيا (الأنجليز) وتبنى بعض الأثيوبيين بعض الهرطقات وحدث خلاف كبير بين الحباش ومطرانهم القبطى فرأى البابا بطرس الجاولى أن يرسل القس داود الأنطونى بخطابين رسائل إلى الأثيوبيين والمطران القبطى وأستأذن القس داود الأنطونى فى أستصحاب راهب معه لأن الرب له المجد أرسل تلاميذه أثنين أثنين فأذن له البابا بطرس وكان هذا الراهب الذى أختاره أسمه برسوم (5) وقد قضيا فى أثيوبيا سنة وستة اشهر وقد نجحا فى المهمه المكلفين بها

إختياره ليكون بطريركـــا - كــذب المنجمون ولو صدقـــوا

وتنيح البابا بطرس الجاولى أثناء تواجد القس داود الأنطونى وزميله فى أثيوبيا أما القس داود ألنطونى لما طالت أقامته بدون جدوى وفائدة من وجوده طلب عودته فتقدم فتقدم إلى النجاشى وأخبره برغبته فى العودة ولكن النجاشى أعاقه عدة أيام وبعدها صرح له بالعودة ومغادرة البلاد وأنقضت ثلاثة شهور و 12 يوما ما بين موت البابا بطرس الجاولى ووصول القس داود الأنطونى إلى مصر , وفى هذه الفترة تضاربت الآراء والأقاويل البعض كانوا يرون فى القس داود الأنطونى ضالتهم المنشودة والبعض الاخر عارضهم .

كان عدد كبير من المطارنة فى صف الراهب داود الأنطونى وأيدهم الأراخنة الآتية أسمائهم : تادرس شلبى , تادرس عريان , برسوم واصف , حنا عبيد , يوسف نصر الله , حنين حنس واخوه أسطفانوس , روفائيل الطوخى , حنا القسيس , بطرس نحلة , أبراهيم لطف الله , يوسف مفتاح , تادرس سيدهم ,كان أكثرهم حماسة هو حنا جريس وأبراهيم خليل .. وقد ظل هؤلاء المناء يقاومون التيار المعارض لأنتخاب القس داود الأنطونى الذى كان يطلق ألشاعات لتحطيم معنويتهم منها : القس داود الأنطونى قتلوه الأحباش

وحدث أن وصلت رسالة عقب مشاورات إختيار البطريرك من القس داود لأحد المسئولين من اصدقاءه ينبئه فيها بمغادرة أثيوبيا ووصوله حدود مصر فإبتهج الذين أختاروه وأعادوا تزكيته فى الجلسة الثانية فعارضهم البعض وطلبوا أنتخاب الأنبا يوساب أسقف أخميم ولم يصلوا إلى نتيجة وتقدم مؤيدوه لترشيحه وحين وصل إلى القاهرة فى 17 يوليو سنة 1852 م أستقبل أستقبالاً مهيباً , ونزل بالمقر الباباوى ضيفاً ومكث بها اياما .

وحدث أن تقدم المؤيدين للقس داود الأنطونى بطلب لعباس باشا لأقامة داود بطريركاً .إلا أن عباس باشا حاكم مصر قبل أن يبت فى طلبهم سأل اليازيرجات (6) وطلب رأيهم فى أختيار داود بطريركاً فقال المنجمون له : " أنها تشير إلى أنه سيكون شؤماً على الرياسة المدنية , من خصام وشدة وضيق وموت الوالى وتمزيق شمل أتباعه لو أختير داود بطريركاً " وكان عباس باشا قد قرر فى فترة من الفترات الفتك بالمنجمين إلا أن ما قيل له اثر فيه وجعله يتطير من الخوف إذا أصبح القس داود الأنطونى بطريركاً وأضطرب عباس باشا وشدد فى السؤال للمنجمين فأكد المنجمين ما أعلنوا .

وتزايد الصراع بين المؤيدين للثلاثة المرشحين وهم :-

** القس داود الأنطونى

** أنبا يوساب أسقف جرجا وإخميم (بخلاف الأنبا يوساب الأبحّ)

** الأنبا اثناسيوس أسقف أبو تيج .

وكثر التحزب والتشتت وصاروا يجتمعوا فى الليل والنهار ولبثوا أياما فى المناقشات والمجادلات .

وعندما أستفحل الأمر أستعان مؤيدوا أنصار القس داود بالمستر ليدر وهو شخصية معروفه ليتوسط لدى عباس باشا فى موضوع قبول القس داود بطريركا فكلمه فوعده ولكنه ماطل فى وعده حتى قدم من بلاد الحبشة قس حبشى ومعه كثير من الهدايا الثمينة وكتاب من النجاشى لعباس باشا فقابله ومكث معه اياماً وقد اختلف المؤرخون فى قصة مجئ القس الأثيوبى , فقال بعض المؤرخين أن القس الأثيوبي جاء إلي مصر ليشتكي داود لدي البابا لأنه وقف أمام الهرطقة التى أتبعها الأثيوبيين ، إذ وجد البابا تنيّح وعلم بترشيح القس داود بطريركًا أثار إشاعات كثيرة منها أنه قد شوّه صورة الحكومة المصرية لدي النجاشي الأمر الذي أثار عباس باشا ضده , وقال مؤرخون آخرون أنما أشيع فى كل مكان أن القس داود ألأنطونى ذهب أثيوبيا ليستعين بالنجاشى وقومه للخروج على طاعة عباس باشا حاكم مصر , لإغستدعى عباس باشا القس داود ألنطونى إلى دار المحافظة وأستجوب عما حدث فى اثيوبيا وعلاقته بأمبراطور أثيوبيا , وكان عباس باشا قد أمر أن يذهب به إلى مجلس الأحكام بقلعة الجبل فكانوا يحضرونه مرة ومرتين ويشددون عليه السؤال فكان يجيب على اسئلتهم وهو هادئاً رزينا حكيماً فى ردوده فإتاظ عباس باشا وأشتد بغضه للقبط فأمر بطرد الموظفين ألقباط من خدمة الحكومة ونفى بعض منهم .

وأستدعى عباس باشا أحد الباشاوات على أن يبلغ أحد ألأقباط وأسمه جاد أفندى شيحة عن رغبته فى أختيار بطريرك غير القس داود الأنطونى وطلب التعجيل فى رسم البطريرك الذى يريده هروباً من وساطة القنصل الإنجليزى , فجمع جاد الأساقفة وأخبرهم بأوامر عباس باشا فلم يوافقوا إلا أن مؤيدى أسقف أخميم أتفقوا على تنفيذ خطة عباس باشا بالحيلة وأتفقوا على أنهم يأتوا ليلاً ويجتمعون ليلاً ويوسمونه بطريركا فإذا أصبح الصباح يفاجأ مؤيدوا القس داود الأنطونى بالأمر الواقع , ويعتقد أن جاد أفندى كان قد حصل على تأييد شفوى لأسقف أخميم من عباس باشا حاكم مصر .

وذهب الأساقفة إلى المقر الباباوى وتبعهم بعض الأراخنة فى الخفاء , ودخل معهم أسقف أخميم وجاد أفندى وبعض أقاربه وأغلقوا الأبواب ووضعوا عليها حراساً وبدأوا صلوات الرسامة سراً .

ولكن مقاصدهم شتتها القدير فبينما هم كذلك وإذا بأعمى من المعلمين من عرفان المكاتب يطوف فى الشوارع والحارات ليلاً ويصرخ بأعلى صوته قائلاً : قوموا من نومكم يا أقباط ففى هذه اللحظة يتممون رسامة أسقف أخميم " ولبث ينادى حتى أستيقظ المسيحيين وأنطلقوا إلى المقر الباباوى وأقتحموا الأبواب , وكثر الهرج والمرج حتى مطلع الفجر فلم يستطيعوا إكمال الرسامة وهكذا باءت خطتهم بالفشل لأنهم فاجأوهم ليلاً وأخرجوه من بالكنيسة وأغلقوا أبوابها وأقاموا حُراسًا أثيوبيين، ثم اشتكوا للحكومة تصرف حزب الأسقف يوساب وطلبوا سيامة القس داود إرضاء للشعب. أحالت الحكومة الأمر إلي الأنبا كبريل ورتبيت الأرمن لحل المشكلة.

وأطلق معارضين القس داود الأنطونى أشاعة للتشهير حيث زعموا أن القس داود الأنطونى تزوج من أمرأة ولديه منها ولدان أثناء أقامته فى الحبشة وأن القسيس الحبشى هو الذى قال هذا الكلام , ولكن تقصى الأقباط هذه الحقيقة وأتضح كذب القسيس الحبشى .

إذ دام الخلاف عشرة أشهر اقترح الأنبا كبريل ورتبيت الأرمن ومناصرو القس داود سيامة مطرانًا عامًا لكل مصر تحت الاختبار- كما فعل البابا مرقس الثامن - واحتالوا على الخديوي بذلك لكي يبدّدوا خوفه، وقد تم ذلك في 10 برمودة سنة 1569 التى توافق 17 أبريل سنة 1853م . مطران عام إذ سيم مطرانًا عامًا باشر إدارة البطريركية .

وتقول المؤرخة أيريس حبيب المصرى (7) تعليقاً على هذا الحدث : " أن الأقباط لم يستطيعوا أن يبددوا أوهام عباس باشا (بعد أقوال المنجمين) فإحتالوا حيلة جازت عليه وهى أنهم طلبوا رسامته مطراناً عاماً على الكرازة المرقسية , فإن ثبتت كفائته وثبتت بهتان الشائعات نصبوه بطريركاً . وبهذه الوسيلة نجحوا فى أقامته رئيساً عليهم , لأن "المطران العام " ما هو إلا بطريرك وإن أختلفت التسمية , وقد رسمه الأساقفة بأسم "كيرلس الرابع " فأصبح رابع بطريرك يحمل هذا الأسم والبابا العاشر بعد المائة "

وتكلمت المؤرخة أيريس حبيب المصرى عن المبدأ الرسولى فى أقامة البطريرك فقالت : " هو عدم أنتقال الأسقف من إيبارشية إلى غيرها وعدم جمعه بين إيبارئيتين , وعدم ترشيح أساقفة (لهم إيباشيات) للباباوية بل أنتصار هذا الترشيح على الرهبان , وأن للمطران العام الحق فى الترشيح للكرسى الباباوى أسوة بأبى الإصلاح .. "

وقال أحد المؤرخين (8) : " فقام خصومه وحالوا بينه وبين أنجاز مصالح الطائفة وأستدوا عليه شدة بالغة حتى أنه إذا أراد النوم لا يجد لرسأسه وسادة ولا أجنبة فراشاً وإذا جاع لا يطعم إلا ما قدموه إليه وإذا زاره أحد لا يأذنون بلقائه وهو مع ذلك ساكن البال رائق الحال لا يألوا جهداً فى تأليف القلوب المتفرقة والنفوس المتنافرة حتى طرحوا الخلاف جانباً ومن ذاك الحين أخذ يباشر أعمال الطائفة , وكان أول عمل باشره هو بناء المدرسة الكبرى الباقية إلى اليوم وهى أول مدرسة أقيمت لتعليم شبان الأقباط فأشترى عدة منازل وهدمها وأقام على أنقاشها مدرسة مسيحية ويقال أنه أنفق فى بنائها 600 ألف قرش فكان بناؤها موجباً لأجماع الجميع على أختياره بطريركاً "

ماذا كانت وظيفة الأنبا كيرلس كالمطران (أو كالأسقف) عام ؟

تحت العنوان السابق كتب القمص أنطونيوس الأنطونى (9) موضحا للأقباط معنى ووظيفة وعمل الأسقف العام فى دراسة عميقة كما عهدنا منه فى كتبه فقال : " لم يكن اسقفاً كباقى الأساقفة إذ كانت له صفة العمومية - فكان مسئولاً عن الكرازة كلها , كما يتضح من منشوراته الرعوية ومشروعاته العامة , وكما يتضح أيضاً من تصريح الخديوى الذى وافق فيه على أن يكون أنبا كيرلس مطراناً على طائفة ألأقباط أى على الشعب القبطى كله , وقد وضحها أيضاً بقوله يدير أشغال البطرخانة (البطريركية) فى عمل وكيل بطريرك حيث لا يوجد بطريرك .

أى أن أنبا كيرلس بإختصار كان يقوم بعمل بطريرك ولكن يلقب مطران عام , وبما أنه رسم مكان البطريرك البابا بطرس الجاولى فهو أول كل شئ أسقف على الإسكندرية وبذلك فهو رئيس الكنيسة , مهما كانت التسمية , لأنه لا تصح رسامة أسقفاً أو مطراناً فى غيبة البطريرك وبعد أن استقر الأنبا كيرلس فى وظيفتة (رتبته) كمطران عام لجميع تخوم الكرازة المرقسية والتى أستمرت ما يقرب من سنة واحدة وشهرين والتى بدأ فيها بهمة لا تعرف الكلل فى تنفيذ برامجة الإصلاحية , فوجه أهتمامه نحو نشر التعليم النشئ فى الكتاتيب ويحث الأراخنة والمعلمين وأرباب الحرف على المساهمة فى جمع المال لأنشاء المدارس النظامية لتهذيب البنين والبنات ونشر المعارف الصحيحة فى جميع البلاد (10)

فى 23 أغسطس سنة 1853 م أصدر الأنبا كيرلس المطران العام منشوراً للأصلاح :-

1 - منع الكهنة من عمل عقد أملاك عند أجراء الخطوبة .

2 - تحذير الكهنة من تزويج البنات القاصرات .

3 - تحزير من زواج المترملات المتقدمات فى السن من الشبان .

4 - شرط أخذ رضاء وموافقة الزوجين قبل الأكليل المقدس .

وقد أوردت المؤرخة أيريس حبيب المصرى (11) تزكية كتبها المطارنة لأن يصير بطريركاً وهى :

" هذه تذكية أبينا القمص داود المنتخب أن يصير بطريرك على خلافة مار مرقس الرسول بمدينة الإسكندرية والنوبة والحبشة والخمس مدن الغربية "

بسم الإله الواحد الآب والأبن والروح القدس الثالوث المقدس المساوى الغير مفترق بلاهوت واحد , هذا هو إلهنا نحن معشر المسيحيين الأرثوذكس , نتوكل عليه إلى النفس الأخير , ونرسل له إلى فوق التمجيد فى الأعالى كل إمتلاً بيعة الرب الجامعة الرسولية , وكل الأرثوذكس المجتمعين , من الأساقفة الفضلاء والقمامصة والقسوس معاً , والشمامسة وكل الشعب المحب للمسيح , الذى بكورة مصر , عندما لحقنا اليتم ووجع القلب , عندما أكمل سيرته أبينا الطوباوى رئيس ألساقفة الفاضل أنبا بطرس , وتنيح هذا المتمسك بالفضايل , الذى نال جميع المواعيد المقدسة صاحب الذكر الحسن ... ومضى إلى الرب الذى أحبه , وسمع من الرب ذلك الصوت المملوء فرحاً , القائل نعماً أيها العبد الصالح ألمين , أدخل إلى فرح سيدك , ولما تيتمنا من أبوته , وصارت كنائس الرب المقدسة أرامل , هذا الذى كان يرعاهم بتعاليمه , وبهذا صرنا فى جهد وأهتمام عظيم كلنا , وسألنا الرب أن يظهر لنا من هو مستحق لهذه الرياسة الكهنوتية العظيمة , ليرعانا فى طريق الرب ويرشدنا إلى ميناء البيعة المقدسة , وإن كنا عارفين بمحبة الأبوية التى للمدينة المحبة للمسيح الإسكندرية , وكل كورة مصر , وطيب قلبهم , وليس يريدوا أن يصيروا ايتاماً , إلى زمان بعيد , فلهذا إجتهدنا أن نكمل عمل لارب , وطلبنا إلى الثالوث المقدس بقلب نقى وأمانه مستقيمة لكى يكشف لنا من هو مستوجب لهذه الوساطة لنقدمة إلى هذه الدرجة التى لرتبة رياسة الكهنوت , فبمنحة علوية وفعل الروح القدس , وأتفاق منا كلنا وطيب قلب , كشف لنا أن ننظر إلى أبينا البكر الطاهر القمص داود المدعو كيرلس الجزيل العبادة للرب رئيس دير أبونا الأب البار العظبم ألأنبا أنطونيوس سابق أب جميع الرهبان بجبل العربة , وأخترناه لنا أن يصير رئيس أساقفة على الكرسى الرسولى , الذى للمسيح مرقس الأنجيلى ناظر الإله بالمدينة العظمى الإسكندرية , وكل كورة مصر وتخومها , لأنه رجل عابد للرب , مزيناً بالفهم , محباً للغرباء , معلماً نقياً , ومجتهداً على صدق الأنجيل , وأقمناه رأساً للرعاة ورئيس أساقفة , ولقوام وأعتدال كنايس الرب المقدسة , ومخلصاً لأنفسنا , لكى يرعانا بكل الرأفة والوداعة , لكى نحن أيضاً نرسل إلى فوق التسبيح والشكر , ونرفع إلى الذى أحسن إلينا مخلصنا يسوع المسيح , إلى الأبد آمين .

ونحن الأساقفة المجتمعين , سطرنا هذه التزكية , وشهدنا فيها وكل الذين أجتمعوا معنا محبين الرب الكهنة الفضلا , ومحبين الزهد الرهبان , وكل الشعب المحب للمسيح , الذى للمدينة العظمى الإسكندرية وما يليها مجداً وأكراماً للآب والأبن والروح القدس , الآن وكل أوان إلى دهر الداهرين آمين .

تحريرياً فى يوم الأحد 28 من شهر بشنس سنة 1570 الموافق 4 حزيران سنة 1854 الموافق الأحد السادس من الخمسين .

الموقعين على هذه التزكية : أنا أبرآم أسقف كرسى اورشليم وما يتبعها أرتضيت بهذه التذكية كما كتبت (ختم) .. أنا صرابامون أسقف كرسى اسيوط أرتضيت بهذه التذكية كما كتبت (ختم) .. أنا مكاريوس أسقف كرسى أسيوط أرتضيت بهذه التذكية كما كتبت (ختم) .. أنا أطاسوس أسقف كرسى منفلوط أرتضيت بهذه التذكية كما كتبت (ختم) .. أنا يا كوبوس أسقف المنيا والأشمونيين أرتضيت بهذه التذكية كما كتبت (ختم) .. أنا آبرآم أسقف كرسى قوص وقنا أرتضيت بهذه التذكية كما كتبت (ختم) .. أنا اسحق أسقف البهنسا والفيوم أرتضيت بهذه التذكية كما كتبت (ختم) .. أنا اثناسيوس أسق أبو تيج أرتضيت بهذه التذكية كما كتبت (ختم) .. أنا يوساب أسقف جرجا وأخميم أرتضيت بهذه التذكية كما كتبت (ختم) .. أنا ميخائيل أسقف كرسى أسنا أرتضيت بهذه التذكية كما كتبت (ختم) .. أنا القمص عبد القدوس رئيس دير العدرى بالسريان أرتضيت بهذه التذكية كما كتبت (ختم) .. أنا القمص يوحنا رئيس دير العدرى بالبراموسى ببرية شهيت أرتضيت بهذه التذكية كما كتبت (ختم) .. أنا القمص جرجس رئيس دير الست دميانة ببرارى الزعفران أرتضيت بهذه التذكية كما كتبت (ختم) .. أنا القمص ميخائيل خادم ورئيس دير أبو مقار بجبل شيهات أرتضيت بهذه التذكية كما كتبت (ختم) .. أنا القمص جرجس من كهنة دير أبو مقار أرتضيت بهذه التذكية كما كتبت (ختم) .. أنا الخورى بسقوبس ميخائيل وكيل كرسى صنبو أرتضيت بهذه التذكية كما كتبت (ختم) ..

وهكذا أجتمع الأقباط واتفقوا على رسامة النبا كيرلس بطريركاً فأقيمت حفلة تنصيبه بعد سنة وشهرين من رسامته مطراناً عاماً فى ليلة الأحد 4 يونيو 1854 م الموافق 28 بشنس سنة 1570 ش .

ولم تمضى على رسامته أربعين يوماً حتى مات عباس الأول قتيلاً فى قصر بنها فى 14 يوليو سنة 1854 م .

طـــرائف الزى البــــدوى

ويروي توفيق إسكندر في كتابه (12) ثلاثة حوادث تقترن بالزي البدوي الذى كان كثيراً ما يلبسه

1 - خرج البابا كيرلس الربع في إحدى السنوات قاصدًا دير الأنبا أنطونيوس مع بعض الرهبان وغيرهم وكان يصطحب بعض العرب كعادته لحمايتهم خلال الطريق ، حدث أن طمع شيخ هؤلاء العرب في البابا ومن معه ، وكان البابا قد تعود على طرقهم من كثرة صداقتهم معهم فأراد أن يردعه قبل أن يسيء التصرف ويفعل شيئاً لا تحمد غقباه . ففي ليلة حالكة الظلام وقفت القافلة للراحة , و بعد فترة خرج الشيخ من خبائه وتوغل في البادية لقضاء حاجة فاقتفى البابا أثره وهو يرتدي ثيابًه البدوية، وإذ كان قوي القلب والذراعين فاجأ الشيخ بسرعة وأستولى على سلاحه الذي في يده قبل أن يفطن ويأخذ حذره , وأمره أن يخلع ثوبه الخارجي ، فارتعب الشيخ ولما بدأ يخلع ثوبه ، لكن البابا فاجأه بالكشف عن شخصه وصرح له أنه إنما فعل ذلك من قبيل الدعابة ، أدرك الشيخ قوة شخصية البابا وأن حياته كانت فى يده فأمن البابا شر الشيخ وفى نفس الوقت تكوّنت بينهما صداقة حميمة، إذ الشيخ قد أعجب بشخصه وحسن سياسته . وقد روي الشيخ نفسه ما حدث لمن حوله مظهرًا إعجابه بشخصية البابا.

2 - احتاج وهو رئيس لدير الأنبا أنطونيوس وكان أسمه داود الأنطونى لشراء مواشي من جهة المنيا، فاصطحب بعض الأعراب المعينين لحراسة العربا وارتدى زيّهم وقصد تلك الجهة وبعد شراء المواشي عرج علي ياكوبوس أسقف المنيا ليأوي عنده الأعراب. وقيل أن هذا الأسقف كان جبار شديدًا لكن جاءه الأعراب فقابلهم بالترحاب ظنًا أنهم جميعًا أعراب وذبح لهم وأكرمهم، وبعد انصرافهم قال القس داود إلي الأسقف "أنا داود بقيت لأشكرك". فهاج الأسقف جدًا واستنجد بخدمه لكن القس داود لحق بأصحابه وسار جمعيهم معًا. 3

3 - بعد إقامته بطريركًا نزل في دار ابن عمه ببلده بوش ويدعي المعلم أنطونيوس عبد الملك، فجلس يوما بفناء الدار وكان يرتدي ملابس الأعراب وإذا بجماعة جاءوا إلي المعلم أنطونيوس وادعوا أنهم قسوس كنائس معينة وإذا رأوا الجالس بالفضاء ضيفا إعرابيًا صاروا يتحدثون معه وادعوا أنهم أصدقاء البابا البطريرك وأنه يجلهم ويحترمهم فسألهم أن ينتظروا قليلاً وظنوا أنه قام ليحضر لهم ما تجود به نفسه لخيرهم، ثم عاد إليهم بملابسه البطريركية وهو يقول لهم: "هأنذا صديقكم البطريرك".

التعـــليم

.، فبدأ ببناء كلية بجوار الدار البطريركية، وهي أول مدرسة أهلية للأقباط في القطر المصري، ضمّت تلاميذ من كل المذاهب والأديان بلا تميّز، الأمر الذي خلق ارتياحًا عامًا وسط الشعب، بل في الجو الحكومي وشعر الكل بصلاحيته لمركز البطريركية. سيامته بابا وبطريرك الكرازة المرقسية سرعان ما انضم المعارضون إلى محبي المطران العام لما رأوا فيه من همّة قوية للعمل والإصلاح، وفي ليلة الأحد 11 بؤونة 1579ش (1854م) تم إقامته بطريركًا وكان الكل متهللين. وحضر جميع الأساقفة فيما عدا أسقفيّ إخميم وأبي تيج. وقد تبوأ السُدة البطريركية بعد أن مكث مطرانًا عامًا لمدة سنة وشهرين. الاهتمام بالتعليم

آبــــاء البطاركة العظـــــام

قيل أنه بعد سيامة ابنه بطريركًا صعد البابا كيرلس من سلم آخر غير السلم العام في مقرة البطريركي ، وإذا بأبيه جالس ولم يقف لتهنئته فعاتبه. أجابه والده قائلاً: "علام أهنّيك وقد كنت مطالبًا أولاً بنفسك، وأنت اليوم مطالب بأمّة بأسرها؟ ألم تقرأ ما جاء في دانيال "جعلتك رقيبًا علي شعبك وأطلبهم منك "

أعمال البابا كيرلس الرابع والأيقونات

لقد أشار بتلر - نقلاً عن المقريزي المؤرخ العربي الشهير الذى عاش فى القرن الرابع عشر - أن كيرلس الأول - البطريرك الرابع والعشرون - هو الذى علق أيقونات فى كنائس الأسكندريه عام 420 ميلادية فى المقر البطريركي أولاً ثم أنتشر تعليق الأيقونات فى كنائس مصر الأخرى بعد ذلك .

وفى دير السريان (13) يوجد على شمال باب الخورس الاول حجر رخامى ملصق بالحائط عليه كتابة قبطية 23 سطر قبلى وقد ترجمها إلى العربية العلامة اقلاديوس لبيب ونشرها فى مجلة عين شمس ونصها : " باسم الثالوث القدوس المساوى فى الجوهر الأب والإبن والررح القدس قد صار انتقال أبينا المطوب الأنبا يحنس كاما فى اليوم الرابع والعشرين من شهر كيهك فى الساعة الأولى من الليل فى اليوم الخامس والعشرين فى رئاسة الأنبا قزمان رئيس اساقفة اسكندرية وادارة أبينا الأب ابراهيم على كنيسة ابينا القديس انبا يحنس ، وبعد عشرة شهور من انتقال ابينا القديس كمسرة الله وتوفيقه ، تنيح أبى الأب استفانوس بسلام من الله آمين وذلك فى سنة575من استشهاد القديسين تحت حكم ملكنا وربنا يسوع المسيح آمين له

** أول من افتتح مدرسة لتعليم البنات في مصر هو البطريرك كيرلس الرابع عشر , الذي لقب بأبي الإصلاح

1- كان يجيد إلى جانب اللغة العربية الغة القبطية و اليونانية و ال تركية و الانجليزية و الإيطالية إلماماً تاماً.

2- أنشاً ثالث مطبعة فى مصر فى الدار البطريركية (بعد المطبعة التى أحضرها نابليون إبان الاحتلال الفرنسى و المطبعة الأميرية ببولاق).

3- وضع اللبنة الأولى فى تأسيس الكلية الإكليريكية و إهتم بانشاء مدرسة لاهوتية لتثقيف الكهنة و رجال الدين. كما أقام بكل دير مكتبة لتعليم الرهبان.

4- قام بانشاء المدارس الآتية: مدرسة الأقباط للبنين - مدرسة الأقباط للبنات - مدرستين أخريين للبنين و البنات بحارة السقايين. و كان التعليم فى هذه المدارس بالمجان.

5- أول من أنشا مكتبة عامة، ثم عممها فى جميع المدارس التى أنشأها و أصبح بكل مدرسة مكتبة عامة. حتى أن إحدى هذه المكتبات بلغت شهرتها إلى رئيس الوزراء يوسف باشا وهبة (له شارع فى حى الظاهر) و أهداها مكتبته النفيسة.

6- هو أول من إهتم بتعليم الفتاة فى الشرق العربى كله و كما سبق نرى إنه أنشأ مدارس لتعليم الفتيات. و عندما هاج بعض المتذمتين و الرجعيين و إشتكوه للوالى (الخديو إسماعيل) وقف الوالى فى صف سيدنا البابا كيرلس الرابع و أوقف أفدنة من ماله الخاص لكى يصرف منها البابا على مدارس الفتيات.

7- أول من منع زواج البنات قبل بلوغهن سن الرشد، و منع الاكراه فى الزواج و أن يوقع الطرفين بالرضا على العقد الابتدائى. كما أنصف المرأة فى الميراث و ساواها بأخيها بدلاً من تطبيق الشريعة الإسلامية (للذكر حق الأنثيين).

8- أوفده سعيد باشا إلى أثيوبيا لتحسين العلاقات بين مصر و أثيوبيا فكان بمثابة سفير لمصر هناك.

9- كان وطنياً غيوراً جداً و قد دافع عن وطنيته هو و الأقباط ضد إشاعة مغرضة مفادها طلبه من الخديو إعفاء الأقباط من الخدمة العسكرية و قال "حاشا أن أكون جباناً بهذا المقدار حتى لا أعرف الوطنية أو أفترى على أبنائى الأقباط بتجردهم من محبة وطنهم و عدم الميل لخدمته و الدفاع عنه و حماية حدوده و أرضه"

مناقشات البابا كيرلس الرابع مع شيوخ الأزهر

وكان البابا كيرلس الرابع كثيراً ما كان يناقشه علماء الأزهر وشيوخه وفى خطاب للأستاذ عبد الحليم إلياس فى حفل الذكرى المئوية للبابا الأنبا كيرلس الرابع فقال (14) : وكان يعقد حلقات مذاكرة ومناظرة علمية مع كبار العلماء فى جو من الألفة والمحبة والسماحة والكرامة , وكان السادة العلماء يبادلونه حباً بحب "

وكان كثيرا ما يزور سعيد باشا فى قصره , وحدث أنه زاره بينما كان يوجد عنده بعض الشيوخ وكان معهم أحد شيوخ الإسلام المتعصبين فأخذ يتحرش بالبابا قائلاً له : " يا جناب البطريرك أن لكم كتاباً منزلاً ولكن يا للخسارة أنكم تشركون بالله وتقولون أن المسيح أبن الله ومساوياً له فى الجوهر " فقال له البطريرك : " ماذا نعمل وقد حيرنا القرآن ؟ " فقال الشيخ الأزهرى : " يتبرأ القرآن الشريف من ذلك " فقال له البطريرك : " لقد جاء فى سورة الشورى : " وليس كمثله شئ " (42: 9) " فقال الشيخ الأزهرى : " الكاف زائدة " فقال له البطريرك : " نحذفها " فقال الشيخ الأزهرى : " لا يمكن " عندئذ قال له البطريرك : " نعمل بحكمها " فقال الشيخ الأزهرى : " لا يمكن " قال له البطريرك : " من أين أتت الحيرة إذاً ؟ " فسكت الشيخ الأزهرى وحاول احد الشيوخ ألاخرين أن ينقذ صديقه الأزهرى من الورطة التى سقط فيها فقال له : " لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن"