† عائلة مارمرقس كانت عائلة غنية حتى وإن فقدوا ثروتهم في القيروان في ليبيا لكنها كانت عائلة غنية. ونحن نقول في مديحة مارمرقس عن مريم أمه: مريم أمك قديسة، جعلت بيتها كنيسة.
† كانت مريم أم مارمرقس تستضيف السيد المسيح وتلاميذه الاثنى عشر وبالطبع هذا يحتاج إلى إمكانيات مادية معينة تساعد على استضافة هذا العدد الكبير وليس مرة أو مرتين بل مرات كثيرة.
† وواضح من أحداث الكتاب المقدس أن هذا البيت اعتاد السيد المسيح على الدخول فيه حتى أنه صار فيما بعد هو الكنيسة الأولى التي يجتمع فيها آبائنا الرسل.
وكلنا يعلم من الكتاب المقدس أنهم جاءوا ليقبضوا على ربنا يسوع في البستان. وهذا البستان كان من ضمن أملاك عائلة مارمرقس في أورشليم. لقد اعتاد السيد المسيح أن يقضي خلوة مع تلاميذه في البستان.
وكما يؤكد كل الدارسين أنه البيت الذي حل فيه الروح القدس على التلاميذ في اليوم الخمسين والذي كانت تجتمع فيه الكنيسة الأولى، لذلك رأينا أن معلمنا القديس بطرس عندما خرج من السجن في سفر الأعمال إصحاح 12، هرب على بيت يوحنا أو بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس، حيث يقول الكتاب: " ثُمَّ جَاءَ وَهُوَ مُنْتَبِهٌ إِلَى بَيْتِ مَرْيَمَ أُمِّ يُوحَنَّا الْمُلَقَّبِ مَرْقُسَ، حَيْثُ كَانَ كَثِيرُونَ مُجْتَمِعِينَ وَهُمْ يُصَلُّونَ" (سفر أعمال الرسل 12: 12).
ماذا حدث في الليلة الأخيرة قبل الصلب؟
† في الليلة الأخيرة التي أسلم فيها الرب يسوع ذاته جاء الجند ليقبضوا على السيد المسيح في البستان بقيادة يهوذا. قبل هذا ذهب يهوذا الى العلية لأنه كان تاركًا المسيح والتلاميذ في العلية وكان ذلك في يوم الخميس ليلًا. وعندما أحضر يهوذا الجند والعسكر من الهيكل إلى العلية لم يجد المسيح في العلية حيث كان قد خرج. وكان يهوذا يعلم خط سير السيد المسيح فذهب بالجند إلى "وادي قدرون" خارج أسوار أورشليم وذهبوا للبستان لكي يقبضوا على السيد المسيح.
† كان مارمرقس في البستان وعندما سمع صوت الضجة وصوت أقدام كثيرة (صوت الذين جاءوا ليقبضوا على الرب يسوع) خرج في عجالة ليستطلع الأمر وهو لابسًا إزارًا على عريه (والإزار رداء مثل السويتر sweater). كان مارمرقس في ذلك الوقت شابًا وبه حمية الشباب واندفاعهم فخرج سريعًا قبل أن يكمل ارتداء ثيابه فوجدهم يقبضون على المسيح فسار مع الموكب ولكن عندما حاول الجند يمسكوا به ترك لهم الإزار وهرب عاريًا.
مارمرقس لم يذكر عن نفسه إلا ضعفاته
† وهنا نجد أن مارمرقس عندما دوَّن إنجيله لم يذكر عن نفسه شيء إلا ضعفاته وبالكاد يا أحبائي استطاع الدارسين أن يصلوا إلى أن مارمرقس هو الذي كتب الإنجيل وذلك من لمحات خفية.
وإحدى هذه اللمحات الخفية هي أن كل الإنجيليين لم يذكروا معلومات عن "سمعان" الذي سخروه ليحمل الصليب إلا أنه "رجل قيرواني كان آتيًا من الحقل اسمه سمعان"ولكن مارمرقس وبدون قصد قال "فَسَخَّرُوا رَجُلًا مُجْتَازًا كَانَ آتِيًا مِنَ الْحَقْلِ، وَهُوَ سِمْعَانُ الْقَيْرَوَانِيُّ أَبُو أَلَكْسَنْدَرُسَ وَرُوفُسَ، لِيَحْمِلَ صَلِيبَهُ" (إنجيل مرقس 15: 21) فهذا الرجل قيرواني أي من نفس البلد التي ولد فيها مارمرقس وعلى ما يبدو أن ألكسندروس وروفس هؤلاء كانوا في سن متقارب مع مارمرقس فهم أصحابه لذلك ذكر عنهم هذه التفاصيل دون أن يقصد لأنه يعرفهم جيدًا. لكن معلمنا مارمرقس لم يذكر عن نفسه شيء إلا ضعفاته.
† وبالنسبة للآية: "وَتَبِعَهُ شَابٌّ لاَبِسًا إِزَارًا عَلَى عُرْيِهِ، فَأَمْسَكَهُ الشُّبَّانُ، فَتَرَكَ الإِزَارَ وَهَرَبَ مِنْهُمْ عُرْيَانًا" (إنجيل مرقس 14: 51، 52)، هذه الحادثة لم يذكرها أحد من الإنجيليين الآخرين (متى ولوقا ويوحنا)، الوحيد الذي ذكرها مارمرقس.
مارمرقس كان له نفس طبيعتنا البشرية الضعيفة:
† في الحقيقة هناك معنى رمزي لهذه القصة (قصة هروب مارمرقس عاريًا) هو أن مارمرقس يحب المسيح كما نحبه نحن جميعًا ولديه مشاعر قوية جدًا تجاه شخص المسيح, وأشعر فعلًا أني لو وُضعت في موضع القديس مرقس كنت سأقول للمسيح كما قال بطرس: "ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك"، ولكن الحقيقة أن الإنسان كثيرًا ما يخطئ في حساب النفقة، كثيرًا ما يخطئ الإنسان في تقدير ثقل التجربة وضعف طبيعته. أبونا مارمرقس اندفع وراء المسيح أثناء القبض عليه من شدة حبه له ولكن أمام عمق التجربة وضغطها ظهر الضعف الداخلي الذي في حياته. ففي انطلاقه وراء المسيح كان كأنه يصرخ: "ولو اضطررت أن أموت معك لا أتركك" وإذا به وقت الضيقة (وقت أن أمسك به الجنود) يهرب حتى لو اضطره الأمر أن يترك ملابسه ويهرب عاريًا لينقذ نفسه.
مارمرقس الذي هرب في الضيقة يتحول إلى كارز باسم المسيح:
† هذه التجربة عرت مارمرقس ونزعت ثيابه منه، وكشفت لمارمرقس الضعف الذي في طبيعته. ونحن نرى طبيعتنا وضعفنا في ضعفات القديسين مثل مارمرقس، نفرح بضعفاتهم لأن بها ننال النعمة، لأن محبة المسيح الفائقة ونعمته الغنية جدًا غيرت أبونا مارمرقس حتى أن معلمنا بولس الرسول كارز المسيحية الأول ورسول الأمم يكتب في رسالته الثانية لتلميذه تيموثاوس وهي آخر رسالة كتبها معلمنا بولس الرسول يقول: "خُذْ مَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ لأَنَّهُ نَافِعٌ لِي لِلْخِدْمَةِ" (رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس 4: 11) وكأن بولس الرسول يقول: أنا محتاج لهذا الرجل إلى جواري لأنه سيؤدي خدمات لن يستطيع غيره أن يؤديها. لقد كان بولس الرسول في ذلك الوقت في السجن مكبلًا فرأى أن مارمرقس هو الوحيد القادر أن يتمم خططه الكرازية.