غباوة سجين

                                                                                                                                                                                                                         
سمع أخنوخ عن الإمبراطور وعظمته وجبروته وأيضًا عن غناه وجماله فأحبه جدًا، وكثيرًا ما كان يقتني صورته ليضعها أمامه ويخاطب صاحبها في إجلال وإكبار.

ارتكب أخنوخ جريمة ما دفعت به إلى السجن، ليعيش في زنزانته يعاني من العزلة والضيق في مرارة. لكنه بقي مواليًا للإمبراطور لا حديث له مع السجّان أو المسجونين أو الزائرين إلاّ عنه!

إذ كان الإمبراطور يحب السجين جدًا، اشتاق أن يُسجن عوضًا عنه. فتخفي الإمبراطور مرتديًا زِيّ سجين عِوض الثوب الملوكي والتاج، طالبًا تنفيذ الحكم الصادر ضد أخنوخ فيه.


دخل الإمبراطور الزنزانة بثياب رثة، ليأكل خبز الضيق ويشرب ماء المرارة، يعيش بين جدران السجن وسط المساجين الأشقياء، بينما انطلق أخنوخ في حرية يخلع الثياب الرخيصة المهينة، ويرتدي ثيابًا فاخرة، يشارك أسرته وأصدقاءه الحرية والحياة.

كم كانت دهشة الكثيرين حين شاهدوا هذا السجين - الذي أحبه الإمبراطور، وُسجن عِوضًا عنه - يخجل من الإمبراطور ويستهين به، محتقرًا إيّاه لأنه ارتدى ثياب السجن، ودخل إلى زنزانته نيابة عنه. لقد كرَّمه جدًا في غيابه وُبعده عنه كجبّارٍ عظيمٍ حيث كان محاطًا بالعظمة الملوكية، والآن يستخف بحبه!

هذا ما حيّر القديس يوحنا الذهبي الفم الذي روى لنا قصة الجحود هذه إذ رأى اليهود واليونانيين يحتقرون المصلوب من أجلهم، متذكرًا كلمات الرسول بولس: "ونحن نكرز بالمسيح مصلوبًا لليهود عثرة ولليونانيين جهالة" (1كو23:1).

لم يكونوا قادرين على قبول حب اللَّه الكلمة وتنازله ليدخل إلى زنزانة حياتهم، رافعًا إيّاهم إلى حرية مجد أولاد اللَّه.

يبقى الصليب سرّ العشق الإلهي،  يختبره من عرف الحب الإلهي العملي الباذل، فيرى اللَّه ليس في معزلٍ عنه وإنما يبادره بالحب.

ليصمت فم ذاك الفيلسوف الفرنسي، سجين القرن العشرين، القائل: "أبانا الذي في السموات؛ لتبقَ أنت في سماواتك ولنبقى نحن في أرضنا...!"


جراحات مجد وقوة!

* كثيرًا ما يخفي الإنسان آثار جراحاته.

 فتبَّنى الطب الحديث علم التجميل،

 ليخفي كل أثرٍ للجراحات،

 حاسبًا إيّاها تشويهًا!

* أما أنت يا مخلصي فقمت من الأموات،

 تحمل في جسدك الممجد آثار جراحات الصليب!

 إنها ليست تشويهًا تحتاج إلى تجميل!

 بل هي جراحات الحب الفائق!

 جراحات مجد وقوة!

 تبقى سر جمال فائق أبدي!

* صليبك وجراحاتك هي قوة اللَّه للخلاص،

 ليست عثرة، بل موضوع عشقٍ لنفسي،

 ليست جهالة، بل كشف عن الحكمة الإلهية!

* صليبك بجراحاته فتح أبواب السماء،

 وضمني إلى مصاف السمائيين!

 أنعم بالحياة السماوية،

 وأشارك السمائيين تسابيحهم وتهليلاتهم!

* على الصليب بسطت يديك المجروحتين،

 لتضم الشعب مع الشعوب،

 وتقيم من كل الأجناس أعضاء جسدك الواحد!

‎* صليبك مزق الصك المكتوب ضدي،

 فديتني من بنوة إبليس لأصير ابنًا للَّه،

 عوض العبودية المرة وهبتني حرية مجد أولاد اللَّه!

* صليبك شهَّر برئيس هذا العالم،

 حطّم سلطانه ونزع عنه مملكته!

 صرتُ حرًا، تقيم فيَّ مملكة النور!

 قدمت لي برك، فلا تحطمني الخطية!

 وهبتني سلطانًا، فلا أخاف قط!

* صليبك العجيب كشف لي عن شخصك الحبيب!

 أنت حبي، يا شهوة قلبي!

 أنت حياتي وقيامتي، يا غالب الموت!

 أنت نوري وتسبحتي، يا مصدر الفرح!

 أنت خبز السماء وينبوع المياه الحية!

 أنت قائد نفسي وطريق الحق، تحميني من الشباك!

 نعم! لأصرخ قائلًا مع الرسول:

 "أما أنا فحاشا لي أن أفتخر إلاّ بصليب ربنا يسوع"

 "قد رُسم بينكم يسوع وإياّه مصلوبًا!