نعمة المسيح الغنية تحول ضعفنا إلى قوة

                                                                                                                                                                                                        

وتتعجب! هل هذا هو مارمرقس الذي تعرى؟! هل هذا هو مارمرقس الذي ترك إزاره والذي فرَّ ضعيفًا هاربًا؟! أجل. نعمة المسيح الغنية قادرة أن تحول الضعف إلى قوة.
ومن خلال هذا المحور سأتناول ثلاثة نقاط في موضوع الثياب:
1- فئة من الناس عراها الشيطان من ثيابها وسنرى موقف المسيح مع هذه الفئة ممثلة في آدم وحواء.
2- فئة أخرى عرت نفسها من ثوب النعمة وسنرى أيضًا موقف المسيح كيف سيستر هذا العري ممثل في نوح.
3- فئة ثالثة نزعت الثياب عنا وعن قديسيه ممثلين في يوسف الذي نزعوا عنه ثيابه. وسنرى أيضًا موقف المسيح منه.
ثلاثة فئات يا أحبائي سنمر عليها في عجالة ونتلمس منها دروس ببركة مارمرقس، وبصلاته تكون نافعة لحياتنا.

 

 آدم وحواء قبل وبعد السقوط
أولًا: آدم وحواء مثالًا لمن عراهم الشيطان من ثوب النعمة:
† أول مرة يا أحبائي سمعنا عن الثياب والعري في الكتاب المقدس كان في سفر التكوين الإصحاح الثاني. حيث خلق الرب آدم وحواء وقال الكتاب عنهما: "وَكَانَا كِلاَهُمَا عُرْيَانَيْنِ، آدَمُ وَامْرَأَتُهُ، وَهُمَا لاَ يَخْجَلاَنِ" (سفر التكوين 2: 25). هذه هي حالة أبونا آدم وأمنا حواء قبل الخطيئة. وعندما نقول حالة أبونا آدم وأمنا حواء قبل الخطيئة أي هذه هي صورتهما التي أرادها لهما الله (أو التي كانت في ذهن الله للإنسان). أي أن الله عندما خلق الإنسان كان يرى أن الصورة المثلى للإنسان هي صورة آدم قبل السقوط. كل ما ذكر في "تكوين 1" و "تكوين 2" عن آدم وحواء هي الصورة المثلى للإنسان والتي هي في فكر الله (صورة آدم وحواء قبل السقوط) بينما "تكوين 3" تكلم عن آدم بعد السقوط.

صورة آدم وحواء قبل السقوط:
1- الله جبل الإنسان ليعمل:
† وإذا تأملنا في صورة آدم وحواء قبل السقوط نجد أن الله جبل آدم ووضعه في الجنة ليعملها ويحفظها. إذًا في فكر الله أن الإنسان لا بد أن يعمل. فالعمل من طبيعة تكوين آدم وهو أمر غير متعلق بالخطيئة والسقوط. فنجد الكتاب المقدس يقول:
"وَأَخَذَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ وَوَضَعَهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لِيَعْمَلَهَا وَيَحْفَظَهَا" (سفر التكوين 2: 15)أي الله وضعه في الجنة ليعملها ويحفظها (فلاح)).
ولكن بعد السقوط أصبح آدم يتعب ويعرق في العمل حيث قال الله له:
" مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ. بِالتَّعَبِ تَأْكُلُ مِنْهَا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِكَ" (سفر التكوين 3: 17)
" بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتَّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ" (سفر التكوين 3: 19)

2- خلق الله آدم وحواء ليتناسلا ويتكاثرا:
† أيضًا من الصورة التي في فكر الله للإنسان أنه عندما خلق آدم وحواء باركهما وقال لهما: "أكثرا وأثمرا واملآ الأرض" وكان هذا قبل السقوط. إذن كان في فكر الله قبل سقوط آدم وحواء أن آدم وحواء سيتناسلا لا نعرف الطريقة. ولكن في فكر الله أنهما سيثمرا.

3- النباتات كانت هي طعام آدم وحواء:
† آدم وحواء قبل السقوط كان طعامهما النباتات البقل والعشب إذًا هذه هي الصورة المثالية للإنسان في فكر الله. البعض يعتب على الكنيسة منتقدًا الطعام النباتي الذي نأكله في الصيام متعللين بالآية: "فَلاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ فِي أَكْل أَوْ شُرْبٍ، أَوْ مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أَوْ هِلاَل أَوْ سَبْتٍ،" (رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي 2: 16)،وهم مخطئين في انتقادهم هذا لأن الكنيسة كأم من حقها أن تحكم أولادها لأجل خلاص نفوسهم (كأم تؤدب أولادها). كما أن الكنيسة في اتخاذها الطعام النباتي طعامًا لأبنائها إنما تعود بهم إلى الطبيعة والصورة التي كانت في فكر الله عندما خلق آدم وحواء وهي في ذلك تنهج نهج المسيح عندما سأله الفريسيون: "هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَبٍ؟ فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟" (إنجيل متى 19: 3) أي أن السيد المسيح أرادهم أن يتخذوا الصورة التي في فكر الله لآدم وحواء مثلًا يقتدوا به. هكذا أيضًا الكنيسة بتعاليمها كأم توجهنا أن نرجع للصورة التي في فكر الله، كما علمنا السيد المسيح.

4- آدم وحواء في بساطتهما وبراءتهما كانا عريانين دون أن يخجلا:
† من ضمن الصورة التي في فكر الله للإنسان أن آدم وحواء كانا عريانين، يقول لنا الكتاب المقدس "وَكَانَا كِلاَهُمَا عُرْيَانَيْنِ، آدَمُ وَامْرَأَتُهُ، وَهُمَا لاَ يَخْجَلاَنِ" (سفر التكوين 2: 25). فنحن مشكلتنا أن ذهننا تلوث بالخطيئة، مرات كثيرة ذهني يرتبك عندما أتخيل منظرهما! كيف كانا عريانين تمامًا هكذا؟! السبب أنه كان لديهما صلح كامل بين النفس والجسد لم يكن هناك خطيئة. كان آدم بارًا ولديه بساطه وطهارة وكانت حواء معين نظيره لا يرى فيها غير هذا. فكان كلاهما عريانين وهم لا يخجلان. ترى ما هي الصورة التي سنكون عليها في السماء، هل سنكون مرتدين ملابس؟! لا أستطيع أن أجيب على هذا السؤال هذا السؤال، وإنما المؤكد أننا سنعود إلى حالة البساطة وحالة البراءة الأولى لأن الله لم يخلق أي شيء قبيح لنغطيه بالثياب، ولكن القبح دخل بسبب الخطيئة. والدليل على ذلك أن الطفل في بساطته لا يهتم إذا كان عاريًا أم مرتديًا ثيابًا، لا يعنيه ذلك بالمرة. هذه البساطة والبراءة كانت الصورة التي في فكر الله عن آدم وحواء. لو كان الله يريد أن يرتدي آدم وحواء ثيابًا لكان خلقهما مرتدين ثياب، ولكن الحقيقة أنهما عاشا عريانين دون أي خجل، حالة من النقاء، حالة من التسامي، حالة من الصلح ما بين النفس والجسد.

† فالصورة التي في فكر الله إن الإنسان لن يحتاج ملبس فهكذا عاش أبانا آدم وأمنا حواء.

ماذا حدث لآدم وحواء بعد السقوط؟!
† إذا كانت هذه هي صورة آدم وحواء قبل الخطية، فما هي صورتهما بعد السقوط في الخطيئة؟! سنتكلم عن ذلك أيضًا حتى ندرك مقدار الهوة السحيقة التي انحدرنا لها.
نحن نصلي في القداس قائلين (وسقطنا من الحياة الأبدية). كلمة "وسقطنا" هي التعبير الدقيق لما حدث للإنسان. أحيانًا وأنا أقول كلمة "وسقطنا" في القداس أشعر وكأني أهبط في بئر عميق أو كأني أسقط من ارتفاع شاهق إلى هوة سحيقة. سقطنا من ارتفاع وعلو وسمو النعمة (من الحياة الأبدية) ونفينا من فردوس النعيم (إلى عمق وهوة الخطيئة). وماذا حدث بعد الخطيئة؟!

آدم وحواء شعرا بالعري بسبب الخطيئة:
† بعد الخطية، انفتحت أعين آدم وحواء وعلما أنهما عريانان وبدأ آدم يشعر بالخجل، وأراد أن يخفي عريه، فاختار أكبر ورق شجر (أوراق التين) لكي يكسو بها نفسه. صنع آدم وحواء لأنفسهما مآزر (وفي بعض الترجمات صنعا لأنفسهما مناطق، وكلمة منطقة تعني مجرد أنه يغطي وسطه هو وحواء).
† لقد سرق لباس البساطة ولباس الطهارة والنعمة من أبونا آدم وأمنا حواء. فهما مثالًا لفئة من الناس سرق الشيطان ثوب النعمة منهم.
وحاول آدم أن يستر عريه، كما هو الحال عندما يشعر بني البشر بضعفهم وخطيئتهم فيحاولوا أن يستروا عريهم وخطيئتهم بمحاولات فاشلة. ولكن ماذا حدث لآدم؟ بمجرد ظهور الشمس جفت هذه الأوراق (أوراق التين التي ستر بها عريه) وسقطت. وعندما ناداه الرب رد قائلًا: "سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ" (سفر التكوين 3: 10) لم تفلح طريقته البشرية في تغطيته من عريه! لازال يشعر بالعري. الإنسان الصادق مع نفسه يعرف تمام المعرفة أن: "خارج دائرة المسيح سيظل يشعر بعريه مهما عمل من أعمال بر وأعمال صلاح" أي انه "سيظل الإنسان يشعر بعريه طالما هو خارج الصليب".

الرب ستر عري آدم وحواء بذبيحة لكي تصير رمزًا للمسيح:
† يقول الكتاب: "وَصَنَعَ الرَّبُّ الإِلهُ لآدَمَ وَامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا" (سفر التكوين 3: 21). ويجب أن نعلم جيدًا يا أحبائي أن الوحي المقدس يقصد كل كلمة قيلت في الكتاب المقدس. فالكتاب يقول "صنع الرب" ولم يقل "خلق الرب" ما كان أسهل على الله الذي خلق هذا الكون كله أن يخلق جلد. ولكن كلمة "صنع" تعني أن الجلد كان موجودًا والله صنع هذه الأقمصة منه. والجلد في الطبيعة لا يوجد إلا على أجساد الحيوانات، فكلمة صنع الرب أقمصة من جلد تفسيرها الوحيد أن الرب ذبح ذبيحة وأخذ جلد الذبيحة ليغطي به عري آدم. وقد رأى آدم الله وهو يفعل هذا. وكان هذا أول إشارة للفداء وأول ذبيحة، وبدأ الإنسان يدرك أن هناك نفس تموت عوض عنه هو وعن حواء حتى تستر عريهما.
† وأود أن أقول لمن يخشون على أولادهم من الصوم أن الله ذبح هذه الذبيحة فقط لأخذ جلد الذبيحة وليس لأكل لحمها. فالله لم يصرح للإنسان بأكل اللحم إلا بعد الطوفان وكان ذلك بسبب زيغان الإنسان. فمن المعروف طبيًا أن الطعام النباتي هو الوضع المثالي والأفضل لصحة الإنسان.
† والدليل على أن آدم تعلم تقديم الذبائح من الرب الإله نفسه، أن هابيل عندما أراد أن يقدم ذبيحة لله، قدم ذبيحة من أبكار غنمه ومن سمانها. "وَقَدَّمَ هَابِيلُ أَيْضًا مِنْ أَبْكَارِ غَنَمِهِ وَمِنْ سِمَانِهَا" (سفر التكوين 4: 4). أي أن آدم علم أولاده ما تعلمه من الله. لقد سار هابيل في طريق الرب بينما سار قايين بفكره البشري.
فهذه يا أحبائي أول حالة عري في الكتاب المقدس وكيف أن الرب سترها بذبيحة لكي تصير رمز للسيد المسيح.

السيد المسيح (آدم الثاني) تعرى ليستر عري آدم الأول والبشرية كلها:
† ليس هناك جدال على أن المسيح هو آدم الثاني كما قال بولس الرسول في رسالته إلى رومية:
"الإِنْسَانُ الأَوَّلُ مِنَ الأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ. كَمَا هُوَ التُّرَابِيُّ هكَذَا التُّرَابِيُّونَ أَيْضًا، وَكَمَا هُوَ السَّمَاوِيُّ هكَذَا السَّمَاوِيُّونَ أَيْضًا. وَكَمَا لَبِسْنَا صُورَةَ التُّرَابِيِّ، سَنَلْبَسُ أَيْضًا صُورَةَ السَّمَاوِيِّ" (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 15: 47-49)
فكما في آدم الأول مات الجميع كذلك في المسيح أيضًا سيحيا الجميع.
† هناك يا أحبائي توافق بديع بين آدم الأول الذي تعرى في البستان في جنة عدن وبين السيد المسيح (آدم الثاني).
فآدم الأول كان في البستان عريان وسرق الشيطان منه الثوب. فجاء المسيح آدم الثاني وفي البستان أيضًا حيث قبر المسيح منحوت في البستان قام السيد المسيح تاركًا ثيابه التي هي (الأكفان) ويقول نص الكتاب: "فَقَامَ بُطْرُسُ وَرَكَضَ إِلَى الْقَبْرِ، فَانْحَنَى وَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً وَحْدَهَا، فَمَضَى مُتَعَجِّبًا فِي نَفْسِهِ مِمَّا كَانَ" (إنجيل لوقا 24: 12). وترك الأكفان يشير إلى أنه بعد الموت يرجع الإنسان لحالة البرارة الأولى. فالصورة التي سنعيش بها في السماء ستكون كما كان آدم قبل السقوط بغير ثياب حيث أن السيد المسيح بتركه الأكفان قد ستر عري آدم الأول.
† لذلك أقول لك أنه ليس من الغريب أن مريم المجدلية عندما رأت المسيح ظنت أنه البستاني (لم تعرفه) وفي خطئها هذا شيء من الصحة لأنه إشارة إلى أن يسوع (آدم الثاني) يعمل بستانى كأدم الأول ويقوم بتجديد الخليقة أي أعاد صورة البرارة الأولى للإنسان.
فقيام السيد المسيح وتركه للثياب (الأكفان) يعنى أن السيد المسيح تعرى كما تتعرى الذبيحة عند سلخها من جلدها الذي يغطيها.
وكأن خلع ثياب السيد المسيح في الصليب (سلخ) إشارة لسلخ الذبيحة. لقد تعرى السيد المسيح على الصليب ليستر عري أبونا آدم.

الخلاصة:

الخلاصة يا أحبائي أن آدم وحواء اللذان سرق الشيطان منهما ثوب البرارة، تعرى السيد المسيح لكي يستر عريهما وعري البشرية كلها مرة أخرى.
وعندما نرجع لأبونا مارمرقس نجد أنه في هروبه أثناء القبض على السيد المسيح قد عراه الشيطان وأظهر ضعف طبيعته البشرية وقد فرح مارمرقس وفرحنا معه جميعًا بصليب يسوع المسيح الذي سترنا مرة أخرى بعريه. ضعفاتنا في المسيح يسوع قال لا أعود أذكرها.