الكتاب المقدس محور الكرازة ومنهجها لنيافة الأنبا باخوميوس

تقييم المستخدم: 5 / 5

تفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجوم
 
شكلت الكرازة ولازالت تشكل أحد الاهتمامات الرئيسية للكنيسة منذ نشأئها وحتى اليوم، فكانت حياة التعليم "Keregma" وحياة الشهادة سواء بالكلمة "Wittiness" أو بالدم "Martyria" ضمن الملامح التى ميزت الحياة الكنسية فى الكنيسة الأولى وذلك إلى جانب حياة الخدمة "Diakonia" وحياة الشركة "Kenonia" وحياة الصلاة الليتورجية "Liturgua" كما كانت هذه الملامح هى سبب قوة وانتشار الكنيسة الأولى. وجميعها يستند على الكتاب المقدس. والكرازة تتمتع باهتمام خاص فى فكر الكنيسة القبطية وتاريخها، وذلك لأن الكنيسة القبطية هى الكنيسة التى أسسها مرقس الرسول، أحد الرسل السبعين. لذلك فهى كنيسة رسولية، وتحيا بفكر رسولى إنجيلى أصيل، والباحث المدقق يدرك أنه لم يعطل الكنيسة القبطية عن الكرازة سوى الاضطهادات والظروف القاسية التى واجهتها الكنيسة ووضعتها أمام صعوبات كنسية ولاهوتية وروحية واجتماعية، لها أبعادها الإيمانية والسياسية والفكرية، والتى جعلت الكنيسة القبطية تركز كل اهتمامها فى المحافظة على قطيعها فى الكنيسة المحلية.
ولاشك أن الكنيسة القبطية لم يغب عنها إحساسها بالمسئولية تجاه خدمة الكرازة، رغم كل الظروف. لأنها تدرك أن الكرازة ليست احتياج مؤقت فى حياة الكنيسة، بل هى مسئولية متجددة، نحو توصيل رسالة الخلاص إلى كل إنسان، فى كل مكان وزمان فالكنيسة تؤمن أن مجالات الكرازة تتعدد وتختلف تبعاً لمتغيرات الأزمنة والأماكن.
† فهناك شعوب كثيرة لازالت تعيش فى ظلام الوثنية، والاحصائيات العالمية تشير إلى أن أعداد هذه الشعوب لازالت تقدر بالملايين.
† كما أن هناك العديد من التجمعات المسيحية التى تطلق على نفسها أسماء متعددة لكنائس مختلفة، ولكن هذه الكنائس من جهة إيمانها وعقيدتها تعتبر بعيدة كل البعد عن المسيحية الحقيقية. وهذه الكنائس أيضاً تحتاج أن تتعلم الإيمان المسيحى الأرثوذكسى القويم.
† كما أن هناك مجال آخر للكرازة فى العصر الحديث، وذلك بين الكنائس المسيحية المعروفة، والتى دخلت إليها بعض التعاليم الخاطئة، وأصبحت شعوبها فى حاجة إلى عمل الكرازة من جديد Rechustiangation. ولاشك أن مسئولية الكنيسة القبطية إزاء كل هذه الفئات المختلفة، هى أن تقدم الإيمان السليم لهذه الكنائس والشعوب التى انحرفت عن الإيمان، فهذه المتغيرات وتلك المجالات المتعددة للكرازة، تؤكد أن هناك ضرورات كرازية تقع على عاتق الكنيسة القبطية. ونحن نشكر الرب الذى أوجد وعياً كبيراً نحو العمل الكرازى، فى تاريخنا الحديث. فقط تأسست أسقفيات متخصصة فى العمل الكرازى، وكذلك أوفد العديد من الخدام لمناطق الكرازة لتسد الاحتياج الناشئ عن إتساع العمل فى هذه الخدمة. ولاشك أن هذا الوعى الكرازى لا يعتبر أمراً جديداً على الكنيسة، بل يمكننا أن نؤكد أن الكنيسة القبطية قد عاشت بهذا الفكر وهذا الوعى منذ نشأتها، لأنها كنيسة إنجيلية.
وفى عجالة شديدة نحب أن نتعرف على مفهوم الفكر الكرازى للكنيسة القبطية، من خلال رؤيتها الكتابية، وعقيدتها اللاهوتية وممارستها الطقسية، وتاريخ آبائها، وذلك لنتعرف على جذور الفكر الكرازى فى الكنيسة القبطية.

أولا: الفكر الكرازى فى الكتاب المقدس
والكنيسة القبطية تؤمن أن الكتاب المقدس هو دستور الحياة المسيحية، فهو مصدر حياة الإنسان المسيحى "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (مت 4:4)، كما أنه هو غذائه الروحى، والسراج الذى يضئ سبله فى الحياة فى العالم "سراج لرجلى كلامك ونور لسبيلى" (مز 105:119)، علاوة على أن الكنيسة أيضاً، تؤمن أن الكتاب المقدس هو قانون الدينونة الأخيرة "من يرذلنى ولا يقبل كلامى فله من يدينه، الكلام الذى تكلمت به هو يدينه فى اليوم الأخير" (يو 48:2).وبالإضافة إلى كل ذلك فلاشك أن موضوع الكرازة هو موضوع يشغل حيزاً كبيراً من وصايا وتعاليم الكتاب المقدس.
1- الكرازة فى المسيحية هى ضرورة إنجيلية
ولأن محور الكتاب المقدس هو عمل خلاص ربنا يسوع المسيح وفدائه، لذلك فإن محور الكرازة فى الكنيسة القبطية هو الكتاب المقدس، ولأن كنيستنا القبطية هى كنيسة إنجيلية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فهى أيضاً كنيسة كارزة.
أ- الكتاب المقدس يشرح تاريخ الكرازة فى الفكر الكتابى :
ولعل ضرورة الشهادة لعمل الله فى حياة البشرية، هى فكرة لها جذورها فى الكتاب المقدس :
† فقد اختار الله شخصية معينة لتقوم بعمل الكرازة "ولم يشفق على العالم القديم، بل إنما حفظ نوحاً ثامناً كارزاً للبر، إذ جلب طوفاناً على عالم الفجار" (2بط 5:2).
† كما كانت الخيمة موضع مسكن الله فى العهد القديم تسمى خيمة الشهادة لتشهد بوجود الله فى وسط شعبه، ليؤمنوا به، ويقبلوا عمله فى حياتهم (عد 15:9).
† كما أن فكرة الشهادة بالوصية الإلهية كانت تلازم الشعب، لذلك سمى لوحى العهد بلوحى الشهادة (مز 21:27، 6:30، 18:31، 15:32).
† كما أنه من الملاحظ فى الكتاب المقدس، أن فكرة الشهادة لم تنته بظهور شخص ربنا يسوع المسيح فى الجسد بل لقد كان القديس يوحنا المعمدان شاهداً للسيد المسيح "يوحنا شهد له ونادى..." (يو 32:1)، "يوحنا رأى وشهد" (يو 34:1)
† كما كان الرب يسوع يكرز للجموع ببشارة الملكوت، ويشهد عن فدائه المعلن لكل البشرية، وعن خدمته يشهد الكتاب المقدس "كان يجول يصنع خيراً ويكرز ببشارة الملكوت" (مت 35:9، مر 13:1)، كما يحدثنا الكتاب المقدس كيف كان الرب يسوع يكرز فى مجامع الجليل، ولعل وصية الكتاب المقدس "أنه كما سلك ذاك ينبغى أن نسلك نحن أيضاً" (1يو 6:2) توضح ضرورة الكرازة، كعمل إلهى ووصية كتابية.
† كما كان الرب يسوع يؤكد فى تعاليمه على ضرورة الكرازة، وذلك عندما أثنى على المرأة ساكبة الطيب، وأكد ضرورة أن يكرز بما خدمته هذه المرأة، حيثما يكرز برسالة الإنجيل المقدس (مت 13:26، مر 9:14).
† وأيضاً يوضح الكتاب المقدس كيف أختار الرب يسوع تلاميذه، وأرسلهم ليكرزوا "واختار الأثنى عشر ليكونوا معه وليرسلهم ليكرزوا" (مر 14:3) ويظهر الكتاب المقدس أن موضوع "كرازتهم كان هو ملكوت الله" (لو 2:9).
† كما أوحى الرب يسوع تلاميذه قبل صعوده إلى السموات قائلاً: "اكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مر 15:16)، "تكونون لى شهوداً فى أورشليم، وفى كل اليهودية، وفى السامرة، وإلى أقصى الأرض" (أع 8:1).
† لذلك ليس من الغريب أن نجد هذا الفكر الكرازى منطبعاً فى أذهان الآباء الرسل "وكان التلاميذ بأقوال كثيرة يشهدون للرب" (أع 40:2).
† كما نجد معلمنا يوحنا الحبيب يكتب فى رسالته "وقد رأينا ونشهد ونخبركم" (1يو 2:1).
† وكذلك يكتب معلمنا بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاوس "كيف أنه لا يخجل أبداً بشهادة ربنا يسوع المسيح" (2تى 8:1) ويكتب أيضاً "ولكن الرب وقف معى وقوّانى لكى تتم بى الكرازة، ويسمع جميع الأمم" (2تى 17:4) كما نجد بولس الرسول دائماً "متابعاً بشهادة لله" (1كو 1:2).
ب- الكتاب المقدس يؤكد على ضرورة إعداد الكارزين وإرساليتهم :
وعن هذا يكتب بولس الرسول "لأنه إن كان العالم فى حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة استحسن الله أن يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة" (1كو 21:1).
ويؤكد معلمنا بولس على فكرة الإرسالية؟ وكيف يدعون بمن لم يؤمنوا به؟ وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوا به؟ وكيف يسمعون بلا كارز؟ وكيف يكرزون إن لم يرسلوا؟ (رو 14:10).
ج- الكتاب المقدس يؤكد على ضرورة الكرازة كتنفيذ لوصية المحبة كوصية كتابية :
لأن عمل الكرازة هو المناداة بالإنجيل، باعتباره هو البشارة المفرحة بشخص الرب يسوع وفدائه، لذلك اعتبرت الكرازة فى المفهوم الكتابى هو طريقة التعبير عن محبتنا الحقيقية للرب، والتى لا يمكن أن تكون محبة علمية، إلا من خلال محبتنا للآخرين "تحب الرب إلهك من كل قلبك.. وقريبك مثل نفسك" (مت 39:22) فبقدر محبتنا لله بقدر سعينا نحو خلاص أبناءه، الذين سفك دمه عنهم، ففى لقاء ربنا يسوع المسيح مع معلمنا بطرس على بحيرة طبرية، قال له: "أتحبنى يا سمعان بن يونا.. أرع خرافى" (يو 15:21). فالمحبة الحقيقة لن تكون إلا من خلال الكرازة بشخص الرب يسوع مخلصاً وفادياً، وذلك من خلال نوال الملكوت السماوى. فمحبتنا الحقيقية للآخرين هى التى تجعلنا نسعى نحو خلاصهم، وهذا ما دفع معلمنا بولس الرسول أن يكتب عن أنسبائه اليهود "لكننى كنت أود لو كنت أنا نفسى محروماً من المسيح لأجل أقاربى وأنسبائى حسب الجسد" (رو 3:9) فمحبته لأخوته كانت هى الدافع لسعيه نحو خلاصهم.
لذلك نجد معلمنا بولس الرسول فى إحساس عميق بالمسئولية يؤكد "إذ الضرورة موضوعة علىّ فويل لى إن كنت لا أبشر" (1كو 19:9). لذلك فإن القلوب التى ألتهبت بمحبة الرب، لابد أن تنادى مع إشعياء النبى: "هاأنذا أرسلنى" (إش 8:6).
2- الكتاب المقدس يقدم شخص الرب يسوع كموضوع الكرازة:
ومن المعروف أن الكتاب المقدس بعهديه، يدور حول موضوعاً واحداً متصلاً، وهو موضوع خلاص البشرية الساقطة، وهذا الموضوع هو موضوع أساسى فى الفكر اللاهوتى المسيحى، فالعهد القديم يحكى قصة السقوط، وكيفية إعداد الله لذهن البشرية عبر القرون، لفكرة مجىء الفادى والمخلص، وذلك من خلال النبوات والأحداث والأشخاص الرمزيين، والشرائع والطقوس. لذلك يؤكد الرب يسوع "فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهى التى تشهد لى" (يو 39:5). والكتاب المقدس بعهديه يشرح لنا قضية الخلاص فى توافق رائع، منذ سقوط أبينا أدم، ووعد الله له بالخلاص، "نسل المرأة يسحق رأس الحية" (تك 15:3).
ثم تأكيد الكتاب أنه "بدون سفك دم لا يمكن أن تحصل مغفرة" (عب 23:9) ثم يشرح الكتاب المقدس كيف تحقق هذا الخلاص من خلال تجسد أقنوم الكلمة، الرب يسوع المسيح ابن الله "الذى يؤمن بالابن له حياة أبدية، والذى لا يؤمن بالابن لن يرى حياة أبدية بل يمكث عليه غضب الله" (لو 36:3).
3- الكتاب المقدس يقدم مادة دسمة للكرازة :
يمثل الكتاب المقدس أهمية كبيرة فى حياة الكنيسة، فقد رتبت الكنيسة أوشية خاصة بالكتاب المقدس، وهى أوشية الإنجيل والشخص المدقق يستطيع أن يدرك أن كل كلماتها مأخوذة عنه (مت 16:13،17)، كما أن هناك مناسبات تقرأ فيها أسفار كاملة من الكتاب المقدس "مثل أسبوع الآلام وليلة سبت الفرح" حيث تقرأ الأناجيل ورؤيا القديس يوحنا اللاهوتى، كما أن الكنيسة تعتبر الكتاب المقدس هو أحد وسائط النعمة اللازمة لخلاص نفوس أولادها.
والكتاب المقدس أيضاً فى مجال العمل الكرازى يقدم مادة دسمة للكرازة. فالكنيسة القبطية هى كنيسة تكرز وتعلم بالكتاب المقدس، ويظهر ذلك من الأمور التالية :
† الكنيسة تعلم أولادها الصلاة بالأجبية. وصلوات الأجبية كلها مأخوذة من الكتاب المقدس.
† والصلوات الطقسية فى سر الإفخارستيا، وطقس رفع بخور عشية وباكر، هى عبارة عن قطع منتقاه من الكتاب المقدس.
† وكل القراءات التعليمية فى الكنيسة فى كل الخدمات، سواء صلوات الأسرار، أو صلوات المناسبات "مثل الجنازات... الخ" هى قراءات مأخوذة من الكتاب المقدس. وتحوى قراءات البولس والكاثوليكون والابركسيس والإنجيل والمزامير...
† كل الصلوات المرتبة فى الكنيسة لخدمة الأسرار، أو خدمة المناسبات الكنسية المختلفة، كلها مأخوذة من الكتاب المقدس.
ثانياً: الفكر الكرازى فى عقيدة الكنيسة القبطية:

إن العقيدة المسيحية هى عقيدة تختلف عن عقائد الديانات الأخرى أيا كانت مسمياتها. فالديانات الأخرى قد تقدم الإله الذى يخلص بواسطة الآخرين، أما المسيحية فهى الديانة الوحيدة التى تقدم الإله الذى يخلص خلاصاً حقيقياً، فهو الإله الذى يخلص بذاته.
المسيحية تقدم شخص ربنا يسوع المسيح الإله المتجسد "الذى ليس بغيره الخلاص" (أع 13:4) لأنه هو الوحيد غير المحتاج إلى الخلاص، وهو الوحيد غير المحدود، الذى يمكنه أن يخلص من الهلاك الذى أتى حكمه على الإنسان، بسبب كسره لوصية الإله الغير المحدود.
كما أنه هو الوحيد القادر على الخلقة، وهو بهذا يستطيع أن يتخذ لنفسه جسداً يجوز
به حكم الموت "بدون سفك دم لا يمكن أن تحصل مغفرة" (عب 22:9) وفى ذات الوقت
لا يخضع لسلطان الموت بل يدوسه بقيامته المقدسة المحيية. وبهذا الفكر اللاهوتى العميق تكون الكرازة بشخص الرب يسوع المسيح المخلص، هى وحدها البشارة المفرحة، التى يوصى بها معلمنا بولس الرسول أهل كولوسى قائلاً: "غير منتقلين عن رجاء الإنجيل الذى سمعتموه، المكروز فى كل الخليقة" (كو 23:1).
كما تؤكد الكنيسة أيضاً على ضرورة الكرازة من خلال عقيدتها، التى خلصتها فى قانون الإيمان المسيحى، عندما تشهد الكنيسة فى جملة واحدة مختصرة، ولكنها تحمل مفهوم لاهوتى عميق عن ضرورة الكرازة، وذلك عندما نقول فى قانون الإيمان: "نكرز ونبشر بالثالوث القدوس لاهوت واحد".
ثالثاً: الفكر الكرازى فى طقس الكنيسة القبطية:

يذخر طقس الكنيسة القبطية بالعديد من الصلوات والمفاهيم والرموز والممارسات الطقسية، التى تعكس فكر الكنيسة الكرازى نذكر منها بعض الأمور على سبيل المثال لا الحصر :
1- اهتمت الكنيسة القبطية فى تصميم المبنى الكنسى، بالاحتفاظ بمكان خاص للموعوظين، يعرف بخورس الموعوظين.
2- هناك أوشية خاصة بالموعوظين، تصليها الكنيسة فى العديد من صلوات الأسرار الكنيسة: مثل سر المعمودية، وكذلك فى صلوات المناسبات "كقداس اللقان".
3- احتفظت الكنيسة بصلوات وقراءات خاصة، تعرف بقداس الموعوظين، وهى تشمل الجزء التعليمى من طقس تقديس سر الإفخارستيا.
4- هناك صلوات وطلبات خاصة بقبول كلمة الله يقولها الأب الكاهن فى دورة بخور البولس، والتى تعرف بسر البولس.
5- فى دورة بخور الابركسيس: لا يدور الكاهن بالبخور فى الكنيسة، وذلك من أجل تنبيه الشعب لضرورة الصلاة، لكى يكمل الرب عمل الكرازة بالإنجيل.
6- فى الصلوات الخاصة بأوشية الإنجيل، هناك طلبات خاصة، من أجل انتشار الكتاب المقدس وصحة التعليم به وحفظه والعمل به.
7- هناك اشارت خاصة تتعلق بالعمل الكرازى، وذلك فى صلوات الأواشى فى الكنيسة: مثل أوشية الاجتماعات، وفيها طلبة خاصة من أجل اقتلاع عبادة الأوثان، ومن أجل أن يبارك الرب اجتماعاتنا، لكى تكون لنا بغير مانع ولا عائق.
8- هناك طلبات خاصة من أجل العمل الكرازى بين غير المؤمنين وأيضاً من أجل صحة الإيمان ووحدته، وذلك فى صلوات القداس الإلهى "غير المؤمنين ردهم لتنقضى افتراقات الكنيسة" (القداس الغريغورى).
رابعاً: الفكر الكرازى فى تاريخ الكنيسة القبطية:

فالقديس مارمرقس لم يكن كارزاً للبنتايوليس وكنيسة الإسكندرية فقط، بل كان كارزاً للمسكونة كلها. فهو أحد الإنجيليين الأربعة، الذى بشر العالم بإنجيله، ولا زال العالم ينتفع بإنجيله. كما كرز بذاته فى العالم المعروف فى زمانه (أسيا وأفريقيا وأوروبا) حيث ذهب إلى اليهودية ولبنان، وأنطاكيا فى سوريا، كما خدم فى أورشليم أيضاً.
وقد صاحب القديسين بولس وبرنابا فى رحلتهما الأولى، حيث بشر معهما فى نواحى سوريا وأنطاكية (أع 27:11-30) حوالى سنة 45م. وانحدر معهما إلى سلوكية (أع 4:13). كما ظهر القديس بولس فى خدمة كنيسة روما. كما تتضح كرازته فى كولوسى، من توصية معلمنا بولس الرسول فى رسالته إلى كولوسى، إذ يقول: "يسلم عليكم ارسترخس المأسور معى ومرقس ابن أخت برنابا الذى أخذتم لأجله وصايا أن أتى إليكم فأقبلوه" (كو 10:4) والمعروف أن كنيسة البندقية (إيطاليا) بشرها القديس مرقس. لذلك سعيت للحصول على جسده من الإسكندرية، وهناك كاتدرائية كبيرة تحمل اسمه، وقد نقل جزء من جسده المودع هناك إلى القاهرة فى بابوية البابا كيرلس السادس فى سنة 1968م. والمعروف تاريخياً أن مامرقس أتى إلى منطقة البنتابوليس (الخمس المدن الغربية) قبل مجيئه إلى الإسكندرية حيث أنها مسقط رأسه. والخمس المدن الغربية. عرفت بالغربية لكى تميز عن المدن الشرقية التى ورد ذكرها فى الإنجيل. وهى خمس مدن كانت تعرف بأسماء.. برنيق (وهى بنغازى الآن) كوشيره أو طوكره (هى العقورية) طلميتة (وهى منطقة برقه أو المرج). القيروان (وهى الشحات الآن) وابولونيا (وهى سوسة الآن) وهناك وديان فى منطقة الخمس المدن الغربية بالجبل الأخضر فى ليبيا، تعرف بوادى مرقس، ووادى الإنجيل، ووادى الأسد، ووادى ميناس (أى أبو ميناس) حيث استشهد الشهيد مارمينا هناك.
ويتضح من هذا العرض السريع أن كاروزنا مرقس الرسول كارز. لذلك كنيستنا كنيسة كارزة، وتؤمن بالعمل الكرازى وضرورته.
ومدرسة الإسكندرية اللاهوتية كان لها دور كرازى، فعندما بدأ مارمرقس كرازته بالإسكندرية، أدرك ضرورة إنشاء المدرسة اللاهوتية، حتى يمكن للكنيسة أن تواجه المدارس الفلسفية الوثنية فى ذلك الزمان. وكان اهتمامها الأول تدريس التعاليم المسيحية والعلوم والآداب والفلسفة وسرعان ما انتشرت تعاليم هذه المدرسة، حتى أتى إليها طلاب من أقطار متعددة مثل: سوريا وفلسطين واليونان، علاوة على المصريين الذين كانوا يتتلمذون على أباء الإسكندرية فصار منهم المعلمون والنساك والمفسرون للكتاب المقدس. وعندما رجعوا إلى أوطانهم كانوا يكرزون بالإنجيل فى وسط شعبهم.
ونذكر من هؤلاء الآباء والمعلمون: الفيلسوف بنتينوس، الذى كان وواقياً وأمن بالمسيحية وأوفده البابا ديمتريوس البابا الثانى عشر إلى الهند. وتعاون بنتينوس مع العلامة اكليمندوس فى ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة المصرية.
† العلامة اكليمندس: ذهب للكرازة فى فلسطين سنة 202م، ثم ذهب إلى قيصرية، ومنها إلى أورشليم، حيث كان يشجع أسقفها الذى كان مسجوناً فى ذلك الزمان، وكان يعظ ويكتب عظات فى موضوعات روحية ولاهوتية.
† والبابا ديونسيوس: نفى أيام فاليريانوس، إلى ليبيا حيث كان يقوم بخدمة الكرازة سنة 257م.
† والعلامة أوريجانوس ذهب إلى روما سنة 212م، وإلى البصرة ثلاث مرات، بشر فيها بالإيمان، وسنة 265م ذهب إلى فلسطين، وسنة 219م إلى أنطاكيا.
† والبابا أثناسيوس البابا العشرون: اتسمت خدمته، بالحفاظ على الإيمان فى جهاده ضد الأريوسيين واحتمل النفى عدة مرات، وفى نفيه إلى تريف سنة 335م كتب كتابه عن القديس أنطونيوس الكبير، الذى كان سبباً فى انتشار الرهبنة فى أوروبا وكان بركة لكثيرين منهم القديس أوغسطينوس.
ولقد اهتم البابا أثناسيوس بالكرازة فى الحبشة، ورسم لها الأنبا سلامة، كأول أسقف على الحبشة، كما اهتم بخدمة البدو فى الصحراء الشرقية وسيناء، وأرسل لهم الراهب موسى الذى اشتهر بقداسته فأحبهم وأحبوه ورسم أسقفاً عليهم. لقد اهتمت الكنيسة القبطية بالكرازة فى السودان والنوبة. حيث أنشأت الكنائس، وأوفد الرهبان أيام الإمبراطورة ثيؤدورا فى بابوية البابا ثيؤدوسيوس السكندرى، وبواسطته أرسل الراهب بلويانوس حيث بشر النوبة بالإيمان المسيحى. وقد امتدت الكرازة سنة 546م إلى مناطق فرس، ومملكة علوه سنة 575م، ومنطقة سوبا (بجوار الخرطوم) ومنطقة ضعفا النيل الأزرق. حيث أوفد الرهبان للكرازة ورسم لهم الأسقف لونجينوس فى سنة 580م. وترجم الكتاب المقدس إلى اللغة النوبية تابعة للكرسى المرقسى.
خامسا: كرازة الكنيسة فى أوروبا :
من المعروف فى التاريخ أن الكنيسة أرسلت الآباء الرهبان إلى ايرلندا وبشروا بالإيمان، ومن هناك انتقلت الكرازة إلى الأجزاء البريطانية، وكان المبشرون الأقباط من الرهبان والتجار الذين يحملون الغلال إلى الدولة الرومانية، كان لهم عمل كرازى، ووصلوا إلى سواحل أسبانيا والبرتغال. ويذكر أسقف ليون بوخريوس فى فرنسا أن الرهبان المصريين الأقباط استقروا فى فرنسا.
ولعل فى دراستنا لتاريخ الفرقة الطبية وخدمة وشهادة القديس موريتيوس، ندرك أثرها فى نشر المسيحية فى سويسرا، وكذلك خدمة القديسة فيرينا لأهل سويسرا. وقد تسلم قداسة البابا شنوده الثالث جزء من رفات هذه القديسة، والقديس موريتيوس وهى مودعة الآن بالكنيسة فى مصر.
إننا بهذا العرض السريع. نؤكد أن الكرازة ضرورة إنجيلية. وأن كنيستنا كنيسة كارزة، وأن الكتاب المقدس هو محور كرازتها، وكانت تكرز بواسطة بطاركتها وأساقفتها ورهبانها وأبنائها فى كل قارات العالم. وفيما نحن نؤكد إيمان الكنيسة بالكرازة نؤكد أيضاً أن الكنيسة تؤكد أن محور الكنيسة هو الإنجيل. فكاروزها هو أحد كتبة الإنجيل "إنجيل مرقس" وأن هدف الكنيسة من الكرازة هو خلاص النفوس، لأنها تنادى من خلال الكرازة بالإيمان بالإنجيل.. البشارة المفرحة. والإيمان بالمسيح الفادى والمخلص، والدعوة للتوبة وباقى ممارسة الأسرار الإلهية، فى استحقاقات الصليب.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

تم التطوير بواسطة شركة ايجى مى دوت كوم
تصميم مواقع مصر - ايجى مى دوت كوم