أهمية الوقت ووعود السنة الجديدة

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 
المجموعة: مقالات لنيافة الانبا بيشوى الزيارات: 3033

                                                                                                                                                                 
 نور الحياة
جلسة مع النفس
الله يشتهى أن يرى النور فينا
ليكن نور
لنتب قبلما تفر السنون
الجهاد الإيجابي
علم معرفة الله ومذاقة الملكوت
لي الحياة هي المسيح
قانون الحياة الروحية


محبة المسيح هي التي تشغل كل القلب وكل الوقت
كل شيء لمجد الله
نور الحياة
يقول إنجيل معلمنا يوحنا البشير "في الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ. هَذَا كَانَ في الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ. كُلُّ شيء بِهِ كَانَ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ. وَالنُّورُ يُضِيءُ في الظُّلْمَةِ وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ" (يو 1: 1- 5).
يُذكرنا هذا الجزء من إنجيل يوحنا ببداية الكتاب المقدس بسفر التكوين الذي يقول "في الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ. وَقَالَ اللهُ: "لِيَكُنْ نُورٌ" فَكَانَ نُورٌ. وَرَأَى اللهُ النُّورَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَفَصَلَ اللهُ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ. وَدَعَا اللهُ النُّورَ نَهَارًا وَالظُّلْمَةُ دَعَاهَا لَيْلًا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا وَاحِدًا" (تك 1: 1-5).
هناك تشابهات كثيرة بين الجزئين كما يلي:
سفر التكوين  
إنجيل معلمنا يوحنا الرسول
في الْبَدْءِ
"وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ. وَقَالَ اللهُ: "لِيَكُنْ نُورٌ" فَكَانَ نُورٌ". 
"فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ. وَالنُّورُ يُضِيءُ في الظُّلْمَةِ وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ".
أول شيء قاله الله: "لِيَكُنْ نُورٌ" فَكَانَ نُورٌ وَرَأَى اللهُ النُّورَ أَنَّهُ حَسَنٌ.
"فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ".
"وَفَصَلَ اللهُ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ".
 {كلمة الله هو الذي أظهر لنا نور الآب وهو الذي أنعم علينا بمعرفة الروح القدس الحقيقية}.
"وَالنُّورُ يُضِيءُ في الظُّلْمَةِ وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ"
وَقَالَ اللهُ: "لِيَكُنْ نُورٌ".
"كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِى الذي يُنِيرُ كُلَّ إنسان آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ" (يو 1: 9).
سنلاحظ وجود علاقة عجيبة جدًا بين السيد المسيح باعتباره هو كلمة الله وبين النور كقول السيد المسيح "أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِى فلاَ يَمْشِى في الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ" (يو 8: 12) فالسيد المسيح هو كلمة الله أي هو الإعلان الذي يعلنه الله عن ذاته أو صورة الله الغير المنظور؛ فإذا كان الله نورًا.. فمن أراد أن يعرف الله فليبصر النور, ولذلك قال القديس يوحنا الإنجيلي "وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا" (يو 1: 14). ونقول في القداس الإغريغوري "الذي أظهر لنا نور الآب", وفي الكتاب المقدس "الشَّعْبُ الْجَالِسُ في ظُلْمَةٍ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا" (مت 4: 16) نور أنار على البشرية.. أشرق.. بدد ظلمات الجهل, وظلمات الخطية... استنارت العقول بمعرفته بعد أن نشر إبليس الظلمة في العالم "كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِي الذي يُنِيرُ كُلَّ إنسان آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ" (يو 1: 9). معرفة السيد المسيح هي التي تجعل حياة الإنسان منيرة؛ فتهرب منه مشاعر الظلمة, ومشاعر الكراهية, ومشاعر البغضة, ومشاعر الخطية. لذلك يقول "وَفَصَلَ اللهُ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ. وَدَعَا اللهُ النُّورَ نَهَارًا وَالظُّلْمَةُ دَعَاهَا لَيْلًا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا وَاحِدًا"؛ لأنه لما فصل بين النور والظلمة أشرق النور. ويقول معلمنا بطرس الرسول "إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ في قُلُوبِكُمْ" (2بط 1: 19).
جلسة مع النفس
 في بداية سنة جديدة فلنطلب من الله أن يملأ حياتنا من النور كأبناء للنور, فنحن نقول في التسبحة "قوموا يا بني النور؛ لنسبح رب القوات". حياة القديسين هي حياة منيرة وحياة الأشرار هي حياة مظلمة, وكلمة الله الذي هو السيد المسيح هو الذي ينير عقولنا.. هو الذي يجعلنا نحب النور ونُقبل إليه؛ لذلك قال السيد المسيح "لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ السَّيِّآتِ يُبْغِضُ النُّورَ وَلاَ يأتي إِلَى النُّورِ لِئَلا تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ. وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُ الْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى النُّورِ لكي تَظْهَرَ أَعْمَالُهُ أَنَّهَا بِاللَّهِ مَعْمُولَةٌ" (يو 3: 20, 21), "وَهَذِهِ هي الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً" (يو 3: 19), لا يمكن لإنسان يحب السيد المسيح أن يعيش في الظلمة, فالظلمة تعيش فيها الثعابين والحشرات والخطايا المختفية التي لا يريد الإنسان أن يعترف بها, وتعيش فيها مشاعر الخطية والعداوة والكراهية؛ لذلك فالاعتراف بالخطية يجعل الثعابين تهرب... كقول القديس موسى الأسود: طالما الإنسان يُخبئ داخل إنائه الثعابين (أي لا يكشف أفكاره) تظل تعيش بداخله, لكن حينما يكشف الغطاء تفر الثعابين التي بالداخل وتهرب سريعًا حينما تجد نفسها قد انكشفت, مثلما يقول الكتاب المقدس "لأَنَّ كُلَّ مَا أُظْهِرَ فَهُوَ نُورٌ" (أف 5: 13), فالله هو الذي يفتش أورشليم بسراج, لذلك نقول له "اخْتَبِرْنِي يَا اللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. وَانْظُرْ إِنْ كَانَ في طَرِيقٌ بَاطِلٌ وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا" (مز 139: 23, 24).
لابد للإنسان الذي يجلس مع نفسه ويراجع نفسه أن يرى هل هو يسلك في النور؟ يقول لله: أنت يا رب يا مَن فتشت أورشليم بسراج فتش مخازن قلبي من الداخل, اكشف لى أي شيء دفين داخلى لا يتفق مع صلاحك.. لقد كان مجيئك يا رب إلى العالم من أجل أن تبعث النور في حياة بني البشر وتجعل حياتهم منيرة, فعندما كان معلمنا بولس الرسول يكلم أهل فيلبى قال لهم "اِفْعَلُوا كُلَّ شيء بِلاَ دَمْدَمَةٍ وَلاَ مُجَادَلَةٍ، لكي تَكُونُوا بِلاَ لَوْمٍ، وَبُسَطَاءَ، أَوْلاَدًا للهِ بِلاَ عَيْبٍ في وَسَطِ جِيلٍ مُعَوَّجٍ وَمُلْتَوٍ، تُضِيئُونَ بَيْنَهُمْ كَأَنْوَارٍ في الْعَالَمِ" (في 2: 14, 15). الإنسان البسيط الذي يقتنى في حياته الداخلية البساطة ونقاوة القلب, ماذا يحدث له؟ يقول "تضيئون بينهم كأنوار في العالم" حياته منيرة مملوءة من النور. من يستطيع أن يسبح الله إلا الإنسان الذي يملأ النور قلبه وحياته, ولذلك يقول "قوموا يا بني النور لنسبح رب القوات"، الذي يقدر أن يمتلئ فمه من التسبيح ويُفرح قلب ربنا والملائكة هو الإنسان الذي حياته منيرة, الذي ليس للشيطان مسكنًا في داخله.
الله يشتهى أن يرى النور فينا
"في البدء... قَالَ اللهُ: لِيَكُنْ نُورٌ" نقول: يا رب في بداية السنة الجديدة أنت تقول ليكن نور.
"وَرَأَى اللهُ النُّورَ أَنَّهُ حَسَنٌ" أنت يا رب الذي تبعث النور في حياتنا, ثم بعد هذا أنت الذي تفرح به. وتقول: يا رب أنا نفسي أفرح قلبك. فإن بعثتَ في داخلي نور الحياة أنت نفسك ستجد في شيئًا حلوًا تفرح به؛ بمعنى أنه من الممكن أن {يتحايل} الإنسان على ربنا ويقول له: إن لم يكن لأجلى أنا فليكن لأجلك أنت؛ فأنا أريد أن أفرحك.
كثيرًا ما نجد في المزامير معانٍ مثل هذه أن يتحايل الشخص على ربنا ليعمل في حياته وبذلك يصبح هو مصدر فرح وسرور لربنا. يمكن أن يقول أحد إن الله هو نفسه نور وساكن في النور وملتحف بالنور و"اللاَّبِسُ النُّورَ كَثَوْبٍ" (مز 104: 2), فكيف يفرح إن رأى نورًا في؟ طبعًا هو نفسه النور الحقيقي ومصدر النور لكن يحب كذلك أن يرى النور في الخليقة؛ ولذلك قيل عن السيد المسيح إنه هو "النُّورُ الْحَقِيقِيُّ" فلماذا إذًا هو اسمه النور الحقيقي؟ لأنه هو مصدر للنور بالنسبة للخليقة, لكن النور الذي فينا هذا عطية من الله أو انعكاس للنور الحقيقي.
عندما رأى الله النور أنه حسن؛ فرح به. في المزمور مثلًا يقول "أية منفعة في دَمِى إِذَا هبطتُ إِلَى الْجحيم؟ هَلْ يعترف لُكَ التُّرَابُ أو يُخْبِرُ بِحَقِّكَ؟... حولت نوحي إلى فرح لي, مزقت مسحي ومنطقتني سرورًا؛ لكي ترتل لك نفسي ولا يحزن قلبي" (مز 30:, 9, 11, 12).. ما الفائدة يا رب إن أنا ذهبت إلى الجحيم.. ليست هناك فائدة, لكن إذا عملتَ في حياتي وجعلتني بارًا؛ سوف أملأ لك الدنيا تسبيحًا وترتيلًا وصلاةً؛ وأفرِّح الملائكة والقديسين, كما يقول "لأَنَّ أَحْشَاءَ الْقِدِّيسِينَ قَدِ اسْتَرَاحَتْ بِكَ أَيُّهَا الأَخُ" (فل 1: 7), ربنا يفرح من الأمور الروحية.. ربنا يفرح لما يرى قديسًا. كُتب عن السيد المسيح "الذي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِينًا بِالْخِزْيِ" (عب 12: 2), فمجرد إنه يرى الكنيسة عروسه المحبوبة وهي مملوءة بباقة من القديسين الممتلئين بالنور والمجد والبهاء؛ قال: من أجل هؤلاء أنا مستعد أن أعمل أي شيء, مستعد أن أحتمل العار والخزي والآلام.

 "رَأَى اللهُ النُّورَ أَنَّهُ حَسَنٌ" الله يشتهى أن يرى هذا النور فينا.. يريد أن يراه مثلما قال "حِينَئِذٍ يُضِيءُ الأَبْرَارُ كَالشَّمْسِ في مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ " (مت 13: 43)؛ لذلك نرسم القديسين في الأيقونات تحيط بهم هالة من النور.
ليكن نور
 "وَقَالَ اللهُ: لِيَكُنْ نُورٌ فَكَانَ نُورٌ" نحن نقول له: يا رب نريد في بداية السنة الجديدة أن تقول هذه الكلمة.. أنت الذي قلت أن يشرق نور من ظلمة, أنت تأمر فيكون.. يا رب ليس بقوتنا نستطيع أن نجعل هذا النور يشرق بل بكلمتك؛ لأن "في الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ... فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ". مثلما قال معلمنا بطرس الرسول "إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ في قُلُوبِكُمْ" (2بط 1: 19).. متى يا رب سوف ينفجر النهار داخل قلوبنا؟.. متى يطلع كوكب الصبح؟ هذا الأمر لابد أن نصلى ونطلب من أجله, فهو يقول "اسْأَلُوا تُعْطَوْا. اطْلُبُوا تَجِدُوا. اقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ" (مت 7: 7).
لنتب قبلما تفر السنون
 في بداية السنة الجديدة ينبغي للإنسان أن يفكر ما هي الأخطاء الثابتة في حياته التي يجب أن يتخلص منها لكي تصبح حياته منيرة؟ هناك أخطاء ثابتة معه دائمًا يجب أن يفكر كيف يجعلها لا تستمر- حتى متى ستظل تلازمه؟ ويقول يا رب ها هي سنة تمر وراء سنة وماذا ستكون النهاية يا ترى؟.. مثلما يقول الكتاب "اذْكُرْ خَالِقَكَ في أَيَّامِ شَبَابِكَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِى أَيَّامُ الشَّرِّ أَوْ تَجِيءَ السِّنِينَ إِذْ تَقُولُ: «لَيْسَ لِى فِيهَا سُرُورٌ», قَبْلَ مَا تَظْلُمُ الشَّمْسُ وَالنُّورُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَتَرْجِعُ السُّحُبُ بَعْدَ الْمَطَرِ. في يَوْمٍ يَتَزَعْزَعُ فِيهِ حَفَظَةُ الْبَيْتِ وَتَتَلَوَّى رِجَالُ الْقُوَّةِ وَتَبْطُلُ الطَّوَاحِنُ لأَنَّهَا قَلَّتْ وَتُظْلِمُ النَّوَاظِرُ مِنَ الشَّبَابِيكِ. وَتُغْلَقُ الأَبْوَابُ في السُّوقِ. حِينَ يَنْخَفِضُ صَوْتُ الْمِطْحَنَةِ وَيَقُومُ لِصَوْتِ الْعُصْفُورِ وَتُحَطُّ كُلُّ بَنَاتِ الْغِنَاءِ... لأَنَّ الإنسان ذَاهِبٌ إِلَى بَيْتِهِ الأَبَدِي وَالنَّادِبُونَ يَطُوفُونَ في السُّوقِ. قَبْلَ مَا يَنْفَصِمُ حَبْلُ الْفِضَّةِ أَوْ يَنْسَحِقُ كُوزُ الذَّهَبِ أَوْ تَنْكَسِرُ الْجَرَّةُ عَلَى الْعَيْنِ أَوْ تَنْقَصِفُ الْبَكَرَةُ عِنْدَ الْبِئْرِ. فَيَرْجِعُ التُّرَابُ إِلَى الأَرْضِ كَمَا كَانَ وَتَرْجِعُ الرُّوحُ إِلَى اللَّهِ الذي أَعْطَاهَا" (جا 12: 1- 7)... "قَبْلَ مَا يَنْفَصِمُ حَبْلُ الْفِضَّةِ" بمعنى قبل أن يفارق الروح الجسد, فالإنسان يجب أن يتخلص من خطاياه الثابتة ويبكت نفسه, حتى متى ستظل تلازمه؟! يجب أن يأخذ موقفًا جادًا مع خطاياه القديمة ولا يعطيها الفرصة أن تستمر. الإنسان أيضًا لا يجب أن يترك الأمور متداخلة بل يحدد ما هي الخطايا العابرة وما هي الخطايا الثابتة؟ فمثلًا شخص عنده خطية عابرة مرت عليه مرة واحدة أو مرتين فقط, من الجائز أن يكون مرة قال كلامًا ثم شعر أنه ليس صادقًا فيه, لكن لا تتكرر كثيرًا فقد فعلها ثم ندم عليها واعترف بها ولكنها ليست طبعًا ثابتًا فيه.. مثل هذه تمر, ولكن عنده خطايا أخرى ثابتة أو خطية ثابتة تلازمه مثل خطية الغضب أو خطية الكبرياء, فالمشكلة في الخطايا التي تلازم الإنسان باستمرار, متى سيتخلص منها؟.. خصوصًا إذا تحولت إلى جزء من طبعه وهذه لها خطورتها على حياة الإنسان وعلى علاقته مع ربنا، يقول له في أيام شبابك ممكن أن تستطيع التخلص منها قبل أن تأتى أيام الشر أو تجىء السنون, أما في المستقبل فكيف تضمن أنك تستطيع أن تجاهد؟ كيف تضمن أنك تستطيع أن تسهر وتصلى من أجل هذا الأمر؟ كيف تضمن أنه سيكون عندك فرصة لأصوام وميطانيات metanoia وتعب؟ كيف تضمن أن الإرادة ستكون حاضرة بقوة مثل الآن؟ (الكبار في السن لا يتضايقوا فمن الجائز أن يكونوا قد نفذوا هذا الكلام وهم شباب أو ربما ما زالوا شبابًا رغم كبر سنهم).

ما أريد أن أقوله إن الإنسان يجب أن يفكر في حياته الحاضرة ويقول أنا لا أضمن كم يتبقى لي من العمر مثلما يقول في المزمور "كم هي أيام عبدك متى تجرى حكمًا على الذين يضطهدونني" (مز 119: 84) كم متبقي من الزمن فأنا ما زلت أعيش في هذه المذلة, متى تجرى لي حكمًا على الذين يضطهدونني (الشياطين)؟!. حتى الإنسان في شبابه هل يضمن كم سيعيش من الزمن؟ متى سيصبح كنغم من قيثارة داود يفرح قلب الله بحياته؟ متى تكون حياته أنشودة تفرح بها الملائكة وتستريح بها أحشاء القديسين؟ متى تمتلئ آنيته من الزيت مع الخمس عذارى الحكيمات؟ متى تجرى لي حكمًا على الذين يظلمونني؟... معاكسات الشياطين أشكال وألوان ولا نهاية لها، ويقول أحيانًا "كادوا يفنونني على الأرض" (مز 119: 87) بمعنى أسقطوني وراحوا يدقون في حتى كادوا أن يميتوني، ويقول "إِلَى مَتَى يَرْتَفِعُ عَدُوِّى عَلَى!... الذين يحزنونني يتهللون إن أنا زللت" (مز 12: 1, 4).
 ولذلك فالإنسان في بداية السنة الجديدة يقول: يا رب أنا أريدك أن تطرد هذه الخطايا الثابتة في حياتي, لا أريد أن تمر علىّ سنة وراء الأخرى وأنا كما أنا لا أتغير؛ لأن عدم التغيير وعدم النمو مقياس مرعب, فلا يوجد أحد ينمو فجأةً من لا شيء، مثلًا تكون حياته خالية من الفضيلة تمامًا وقبل نياحته بعشر دقائق سيصبح إنسانًا مملوءًا من الفضائل الروحية!! هذا المفهوم لا يتفق مع مثل العذارى الحكيمات اللواتي "أَخَذْنَ زَيْتًا في آنِيَتِهِنَّ مَعَ مَصَابِيحِهِنَّ" (مت 25: 4).

الجهاد الإيجابي
 الإنسان في بداية السنة الجديدة لا يجب أن يفكر فقط في النواحي السلبية في حياته ولكن أيضًا في النواحي الإيجابية، يقول: يا رب نفسي أفرح قلبك بثمار الروح القدس, ولقد قال السيد المسيح "اَلأَمِينُ في الْقَلِيلِ أَمِينٌ أَيْضًا في الْكَثِيرِ" (لو 16: 10), إذا كنت أمينًا على أفكارك أثناء اليقظة الله يعطيك الفكر المقدس أثناء النوم، الإنسان الأمين على حواسه يعطيه الله قداسة المشاعر, والإنسان الأمين على مشاعره يعطيه الله نقاوة الأفكار, وهكذا الإنسان الذي يصلى بعاطفة ويكون أمينًا في صلواته ويصلى من قلبه ومن فكرة يعطيه الله أن يصلى بالروح. الإنسان يعمل بقدر ما يستطيع في جهاده مع ربنا فينظر الله لأمانته فيعطيه ما هو أعظم، إذا اقتنى ثمار الروح القدس ربنا يعطيه مواهب الروح القدس. ما هي ثمار الروح القدس؟ "وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ" (غل 5: 22, 23)، وما هي مواهب الروح القدس؟ مواهب الروح القدس هي أن يعرف الإنسان الأسرار الإلهية, مثلما قال معلمنا بولس الرسول في رسالة كورنثوس الأولى إنه من ضمن مواهب الروح القدس موهبة النبوة. في العصر الرسولي كانت هناك موهبة أخرى هي التكلم بالألسنة, وهي من أجل الكرازة لشعوب العالم ولما لم يعد لها ضرورة الآن انتهت وبطلت. لكن باقي مواهب الروح القدس موجودة ونسمع عنها ونراها باستمرار في سير القديسين الذين لديهم مواهب الروح القدس. ولكن الأهم من مواهب الروح القدس هو ثمار الروح القدس في الحياة, لأنه إن أخذ أحد مواهب وهو لا يملك ثمار الروح القدس يضيع, مثل أن يكون هناك شخص ما لديه موهبة شفاء الأمراض وهو بعيد عن الله؛ فينطبق عليه قول السيد المسيح "كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي في ذَلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ, اذْهَبُوا عَنِّى يَا فَاعِلِي الإِثْمِ" (مت 7: 22, 23), هذه المواهب من الممكن أن يأخذوها من أجل هدف إلهي أراده الله؛ من أجل بنيان الكنيسة, من أجل راحة إنسان مريض. لكن الثمار ينبغي أن تسبق المواهب.

علم معرفة الله ومذاقة الملكوت
 من مواهب الروح القدس العلم والمعرفة، أي عندما يقرأ شخص في الكتب المقدسة يعطيه الروح القدس علمًا, كما نقول في القداس الإغريغوري {أعطيتني علم معرفتك}... معرفة أسرار ملكوت السموات مثلما كان القديسون يعاينون أمجادًا سماوية ومواهب روحية أي يعاينون الأسرار بالمناظر, ولكن ليست هي الهدف في حد ذاته, وإذا وصل لها الشخص وهو غير مؤهل روحيًا تضره.
 الإنسان الذي ينمو في الحياة الروحية في علاقته مع ربنا، بعد أن يأخذ ثمار الروح القدس يأخذ مواهب الروح القدس فهذا تطور طبيعي للنمو, أي بعد أن يتمتع بالسلام الداخلى والفرح الروحي والثمار الحقيقية للروح القدس من الممكن أن يتمتع بإعلانات ملكوت السموات في حياته.. فهو إذًا نمو طبيعي في الحياة الروحية, إنما إذا جاء بطريقة مبكرة أو مفتعلة يؤذيه ولا يفيده. لكن المقصود هو النمو الطبيعي للذين يزدادون في حياة الشركة مع الله فيرفعهم فوق مستوى العالم المنظور بمواهب فائقة للطبيعة. أحيانًا كانت تُعطى هذه المواهب في بداية العصر الرسولي؛ لبنيان الكنيسة وانتشار الإيمان, وأحيانًا تعطى لكي تشعر النفس بروعة الحياة مع الله وبعظمة الوقوف أمامه؛ فتأخذ عربون ملكوت السموات.. وطبعًا حياة الشركة مع ربنا هي عربون الملكوت. وإلا فكيف يدخل الإنسان الملكوت وهو لا يعرف عنه شيئًا ولا تذوقه؟! الذي سيدخل الملكوت هو الذي تذوق حلاوته.

لي الحياة هي المسيح
 نصيحتي لكم في بداية السنة الجديدة ألا تضيعوا وقتكم في أمور تشغلكم عن الهدف الأساسي الذي من أجله تركتم العالم وأتيتم إلى الرهبنة.. لا تجعلوا العمل مثلًا يتحول إلى هدف داخل الرهبنة؛ فإن تحول إلى هدف تضيع الرهبنة، اجعلوا ثمار الروح القدس وثمار حياة الفضيلة هي هدفكم, العمل مجرد وسيلة تساعد الإنسان أن يستمر في الطريق ولا يعيش في حياة التكاسل أو التراخي. حتى الألحان وأي أمور أخرى يجب ألا تكون هدفًا في حد ذاته.. لا يشغل الإنسان شيء إلا ربنا, مثلما قال معلمنا بولس الرسول: بماذا أفتخر؟!.. لا أفتخر حتى ولا بالأمور الدينية أو الروحية؛ فيقول "إِنْ ظَنَّ وَاحِدٌ آخَرُ أَنْ يَتَّكِلَ عَلَى الْجَسَدِ فَأَنَا بِالأَوْلَى. مِنْ جِهَةِ الْخِتَانِ مَخْتُونٌ في الْيَوْمِ الثَّامِنِ، مِنْ جِنْسِ إِسْرَائِيلَ، مِنْ سِبْطِ بِنْيَامِينَ، عِبْرَانِي مِنَ الْعِبْرَانِيِّينَ. مِنْ جِهَةِ النَّامُوسِ فَرِّيسِي. مِنْ جِهَةِ الْغَيْرَةِ مُضْطَهِدُ الْكَنِيسَةِ. مِنْ جِهَةِ الْبِرِّ الذي في النَّامُوسِ بِلاَ لَوْمٍ" (في 3: 4- 6). لقد تفوقتَ جدًا في حياة التدين يا معلمنا بولس, ولكنه يكمل قائلًا "لَكِنْ مَا كَانَ لِي رِبْحًا فَهَذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ خَسَارَةً. بَلْ إِنِّي أَحْسِبُ كُلَّ شيء أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّي، الذي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لكي أَرْبَحَ الْمَسِيحَ. وَأُوجَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ لِي بِرِّى الذي مِنَ النَّامُوسِ، بَلِ الذي بِإِيمَانِ الْمَسِيحِ، الْبِرُّ الذي مِنَ اللهِ بِالإِيمَانِ. لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ" (في 3: 7- 10). يقول أنا لا أريد شيئًا على الإطلاق ولا حتى مظهر التدين, فأنا رجل فريسي ومختون في اليوم الثامن ومن جنس إسرائيل وعبراني من العبرانيين ومن جهة البر الذي في الناموس بلا لوم.. لكن أين المسيح؟ هذا هو المهم.
 كثيرون غرقوا في ميناء الرهبنة؛ لأنهم جعلوا لديهم أهدافًا أخرى غير السيد المسيح, فلا تشغلوا أنفسكم بأي هدف مهما كان هذا الهدف. لا تأخذوا من الرهبنة شكلها, مثلًا لا يكون هدف الشخص في الرهبنة أن يكون راهبًا متوحدًا ليقولوا عنه أبونا المتوحد أو أمنا المتوحدة. تذكروا قول القديس بولس الرسول "مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لكي أَرْبَحَ الْمَسِيحَ" هو طبعًا لا يتكلم عن خسارة في النقود إطلاقًا بل هو يتحدث عن وضعه الديني ووضعه من جهة البر الذي في الناموس, قال مع إني وصلت إلى مجد كبير جدًا في طريق الفريسية والعبادة الناموسية وأخذت وضعي الرسمي, لكن كل هذا لا شيء إذا تمتعت بالسيد المسيح "لأَنَّ لِي الْحَيَاةَ هي الْمَسِيحُ" (في 1: 21), "لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ" (أع 17: 28).

قانون الحياة الروحية
 ويكمل قائلًا "لَيْسَ أَنِّى قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلًا، وَلَكِنِّى أَسْعَى لَعَلِّى أُدْرِكُ الذي لأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضًا الْمَسِيحُ يَسُوعُ... وَلَكِنِّى أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ... فَلْيَفْتَكِرْ هَذَا جَمِيعُ الْكَامِلِينَ مِنَّا، وَإِنِ افْتَكَرْتُمْ شَيْئًا بِخِلاَفِهِ فَاللهُ سَيُعْلِنُ لَكُمْ هَذَا أَيْضًا. وَأَمَّا مَا قَدْ أَدْرَكْنَاهُ، فَلْنَسْلُكْ بِحَسَبِ ذَلِكَ الْقَانُونِ عَيْنِهِ، وَنَفْتَكِرْ ذَلِكَ عَيْنَهُ" (في 3: 12- 16). ما هو هذا القانون؟ قال "أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ" هذا هو قانون الحياة مع السيد المسيح، وما معنى أنسى ما هو وراء؟ هل أنسى الخطايا؟ من الممكن, ولكن القديس بولس الرسول هنا لم يقصد هذا ولكنه يقصد أن ينسى أي خير عمله وأي مستوى روحي وصل إليه؛ لأنه يقول "لَيْسَ أَنِّى قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلًا" مهما عملت فأنا في نظر نفسي لا شيء.

محبة المسيح هي التي تشغل كل القلب وكل الوقت

ما أريد أن أقوله: خسارة أن تضيعوا وقتكم في أي شيء وتشغلوا أنفسكم بسببه. اجعلوا كل الأمور هدفًا ثانويًا أمام التمتع بالفرح بالرب, لأنه يقول "افْرَحُوا في الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ وَأَقُولُ أَيْضًا افْرَحُوا" (في 4:4). لا تجعلوا أي شيء يشغلكم. كل هذه الأمور الثانوية تُطرح {تتنفض} خارج باب القلاية, لأن القلاية هي الفردوس الذي نلتقي فيه مع السيد المسيح.. إن فكرت مثلًا في ماذا ستكون سُمعتك في الدير؟ قل لنفسك: لا تهمني سمعتي.. "لَكِنْ مَا كَانَ لِي رِبْحًا فَهَذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ خَسَارَةً... وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لكي أَرْبَحَ الْمَسِيحَ". إن {لخبطت الدنيا}؛ لا يهم. من الأفضل أن أكون راهبًا لا يفهم شيئًا, حتى إن وُجهت لي محقرة أو إهانة بسبب خطاياي فهذا صالح ومفيد لي, لكن لا أتضايق أو أغضب, بل أفرح وأُسر "لأَنَّهُ كَمَا تَكْثُرُ آلاَمُ الْمَسِيحِ فِينَا، كَذَلِكَ بِالْمَسِيحِ تَكْثُرُ تَعْزِيَتُنَا أَيْضًا" (2كو 1: 5) لماذا؟ لأن الهدف واضح أمام عينيه وهو السيد المسيح فقط ولا شيء إلى جواره. إن اكتشف الراهب هذه الحقيقة ووضعها قدام عينيه باستمرار؛ سوف تقطع سفينة حياته طريقها بسلام في طريق الرهبنة؛ حتى تصل إلى بر الأمان. مهما يحدث في الدير من أحداث, لا يهم ما دام المسيح في حياته فلا يريد شيئًا آخر, "لكي أَرْبَحَ الْمَسِيحَ... وَأُوجَدَ فِيهِ... لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ" يقول الراهب: أنا قد مُت عن المديح وعن الكرامة وعن العالم وعن الناس, كما يقول بستان الرهبان [غرباء نحن يا أخي فلنكن غرباء بالكمال], [لأن محبة المسيح غربتني عن البشر والبشريات]، هل هذا يعنى أن الراهب لابد أن يكون معبسًا في وسط الناس لكي يثبت أنه غريب؟ أبدًا على العكس, بل المسيح الذي فيه يملأ الدنيا فرحًا وسلامًا وحبًا, لكن لا يوجد أمر يدخل إلى العمق من الداخل؛ لأن المسيح يفرح قلبه ويكفيه فلا يوجد وقت يضيعه.. هذه هي الحقيقة التي يجب أن يكتشفها الراهب... لا يوجد وقت يضيعه، هو يسعى ويقول "أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا في الْمَسِيحِ يَسُوعَ, فَلْيَفْتَكِرْ هَذَا جَمِيعُ الْكَامِلِينَ مِنَّا" (في 3: 14, 15), إن قلتم نحن لسنا كاملين فلهذا لا ينطبق علينا هذا الكلام, يرد عليكم السيد المسيح قائلًا "فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الذي في السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ" (مت 5: 48), وما هي الرهبنة؟ أليست هي طريق الكمال, إذًا "أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ, أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا في الْمَسِيحِ يَسُوعَ" أي لا يكون عند الراهب شيئًا آخر يبحث عنه سوى هذا, لا يضيع حياته في أي أمر.. خسارة الأيام التي أكلها الجراد.. وخسارة السنين التي ضاعت في أمور لا ينبغي أن ينشغل بها الإنسان. متى تكون صورة السيد المسيح قدام عيني الراهب باستمرار؟ متى مشاعره لا تفارق مشهد الصلبوت والقيامة والعرش السماوي؟ متى تكون هذه الأمور هي التيfda تشغل قلبه بدلًا من الانشغال بالعمل أو الطعام ؟! إن أخطأ أحد في العمل لأنه يسرح في السماويات فطوباه. متى يصبح العقل دائمًا مشغولًا بربنا وبالأمور السماوية؟! "أَخِيرًا أَيُّهَا الإِخْوَةُ كُلُّ مَا هُوَ حَقٌّ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، ففي هَذِهِ افْتَكِرُوا" (في 4: 8). وأي شيء عدا هذا لا نفكر فيه. حينما ينشغل الراهب بربنا وبالسماء؛ يجد قلبه مشتعلًا بمحبته ولا يطيق أن تطول غربته في الجسد؛ فيقول "لِي اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا, وَلَكِنْ أَنْ أَبْقَى في الْجَسَدِ أَلْزَمُ مِنْ أَجْلِكُمْ" (في 1: 23, 24). هناك ما يشغل قلبه وعقله ويطير فيه.. ويقول لهم أنا سأبقى قليلًا في الجسد لأجلكم, لكنني أشتهى أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدًا.. خسارة أن يضيع الراهب حياته في أي شيء سوى الامتلاء من الروح القدس والاستعداد لميراث ملكوت السماوات "حَارِّينَ في الرُّوحِ عَابِدِينَ الرَّبَّ" (رو 12: 11). خسارة أن يضيع وقته في أمور باطلة, فكل دقيقة تمر لها قيمتها في حياة الإنسان, فلا يُقال له {ضيعت زمانك وأفنيته, كنزك في التراب أخفيته, ومصباحك من عدم زيته طفى, وبقيت في الظلمات}.

كل شيء لمجد الله
 لذلك يقول معلمنا بولس الرسول "فَإِذَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئًا فَافْعَلُوا كُلَّ شيء لِمَجْدِ اللهِ" (1كو 10: 31), "لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ في أَجْسَادِكُمْ وفي أَرْوَاحِكُمُ التي هي لِلَّهِ" (1كو 6: 20). لا تجعل صومك يتحول إلى معثرة أو إلى مصدمة لك أو لغيرك.. اعمل كل شيء لمجد ربنا.. لا تجعل تداريبك الروحية تتحول إلى مشكلة في الدير "اِفْعَلُوا كُلَّ شيء بِلاَ دَمْدَمَةٍ وَلاَ مُجَادَلَةٍ، لكي تَكُونُوا بِلاَ لَوْمٍ، وَبُسَطَاءَ، أَوْلاَدًا للهِ بِلاَ عَيْبٍ في وَسَطِ جِيلٍ مُعَوَّجٍ وَمُلْتَوٍ، تُضِيئُونَ بَيْنَهُمْ كَأَنْوَارٍ في الْعَالَمِ" (في 2: 14, 15). حين يأتي الناس إلى الدير يشتهون أن يروا قديسين فرحين منيرين, هم يتوقعون أن هؤلاء الذين يقضون حياتهم في حياة الصلاة والعبادة ليلًا ونهارًا, لابد أن تملأ الشفافية الروحية والنور حياتهم من الداخل والخارج.. يريدون أن يروا الفرح والسلام اللذيْن يفتقدانهما في العالم. ولكن هذا لا يعنى أن نعيش مع الله ليرانا الناس وينتفعوا منا, بل المقصود عندما يروننا دون قصد منا ونحن نحيا حياة النعمة والبركة أفضل من أن يروننا في حياة الغم والهم ويظنون أنهم مخدوعون في فكرتهم عن الحياة مع ربنا.
 الإنسان البسيط الذي لله نجده إنسانًا سهلًا؛ لأن السيد المسيح حاضر في حياته باستمرار, لا يوجد عنده أبدًا أي أمر مُعقد, يأخذ كل الأمور ببساطة؛ لأنه لا يدخل في معركة مع أي أحد, هو بالفعل يحارب الشياطين الحروب الروحية, لكن البشر الذين حوله هم زملاء طريق فيقول لنفسه: ربنا يعيننا ويعينهم. لذلك أقول حتى الصوم والتداريب الروحية والقوانين وكل هذه الأمور لا يجب أن نتركها تتحول إلى مشكلة في علاقتنا مع بعضنا البعض, فكلها أمور ممكن أن تمر في محبة, كما يقول الكتاب "لِتَصِرْ كُلُّ أُمُورِكُمْ في مَحَبَّةٍ" (1كو 16: 14)؛ فلا يوجد وقت نضيعه في الغضب؛ لأن لدينا هدفًا روحيًا أسمى بكثير. أيضًا قال معلمنا بولس الرسول "وَلْيَكُنْ كُلُّ شيء بِلِيَاقَةٍ وَبِحَسَبِ تَرْتِيبٍ" (1كو 14: 40), ولذلك أيضًا في بساطة نقدر أن نرتب الأمور "وَأَمَّا الأُمُورُ الْبَاقِيَةُ فَعِنْدَمَا أَجِيءُ أُرَتِّبُهَا" (1كو 11: 34).