فن الكتابة

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


فَنُّ الكِتَابَةِ


                   alt                                                                                                                                                      (خبرة شخصية)
              
كان لوظيفة الكاتب مكانة رفيعة في أيام حياة السيد المسيح على الأرض ؛ لذا قال أن : ”كل كاتب متعلم في ملكوت السموات يشبه رجلاً ربَّ بيت يُخرج من كنزه جددًا وعتقاء“ (مت ١٣ : ٥٢)... فوظيفة الكاتب الكنسي تتعدَى الوظيفة اللاهوتية والشروحات التفسيرية والأدبية والتعليمية ، لتصير فنية تختص بضبط النصوص ومراجعتها ، وإحصاء عدد الحروف ؛ حيث كلمة ”كاتب“ في الأصل العبرﻱ تعني ”سوفير“ من الفعل ”سافار“ أﻱ ”أحصَى“، ومنها جاءت كلمة ”سِفْر“ أﻱ ”كتاب“.


والكتابة في عمومها هي صياغة الكلمة مطبوعة بروح بصمة الكاتب وخبرته ؛ التي تحيك قماشة ؛ نسيجها إبداعًا ، يلمس عقل وقلب القارئ ، وتصير في جملتها معبِّرة عن هوية الكاتب... تعكس صورته وخصوصيته وقدرته على التعبير ، وخبرته الوجدانية والحياتية ؛ المصاغة باللغة ؛ التي هي المادة الخام للكتابة ، والتي بشرارة الفكر تُصاغ إبداعيًا ؛ لتتجسم في المعاني والأفكار ؛ عبر التعبير الطيِّع والمتجدد ببراعة واستهلال حرفي وفني ، يتراكم ليختزن ميراث كتابات ثمينة جعلتنا كأقباط أغنياء بأصالتنا التي تكونت بطريقة تراكمية وهَرَمية وقاعدية ؛ منذ البدايات الأولى، وهي التي نغترف منها بالاقتباس والنقل الموضوعي ؛ الذﻱ نقطف من أزهاره وأثماره ، زخمًا روحيًا واختباريًا مدثرًا ؛ بيقين ملء بركة الإنجيل.

 

متعة الكتابة في وجعها وإلهاماتها وومضاتها وتوقدها وعصفها الذهني ؛ ومزاحمة أفكارها التوليدية ، التي تجعل الكاتب ، كلما قرأ ما كتبه يجده جديدًا ،  ولا يقوَى على إعادة كتابته مرة أخرى ؛ حيث فصحة الإلهام ومَلَكة البلاغة... متعتها في رسالتها ومخاضها وتوصيلها ؛ متعة ترصُّ في داخلنا إمتاعًا وإقناعًا وإشباعًا وربحًا لوزنة العقل والقلب ؛ حتى ينطق القلم وينطق وراءه الكثيرون ، معرفةً واقتناعًا وتنويرًا وتبصيرًا.

ولفن الكتابة مذاقه ونكهته على خلفية كل كاتب ، شعورًا وخبرة واختبارًا ؛ يعبر عنه في مرآة خزانة المعاني ورَجَاحة الألفاظ ورصّها في مكانها وأشكالها ومواضعها ، وفي معايرة الكلمة بمعيارها ، ثم تنقيحها وإتقانها وتدقيقها.. إذ أنه فَنٌ لا يتوقف عند كونه تحصيل معلومات ؛ لكنه تدقيق وإفراز روحي ؛ قبل أن يكون فكريًا ، وهو أيضًا أصداء للخبرة الشخصية والمنهجية التي تحتوﻱ الكاتب ،

وتنضج كتابته بمعايير أعماق المعنى والدلالات ، وفعل حياتها ومعايشتها بامتياز ، مع تدفق الخبرة الحية بتراثها البنيوﻱ المحكم ، لتكون صيرورتها نافعة تلمس الاحتياج الواقع

.
ولا يمكن أن نغضّ الطرف عن الأهمية القصوَى للغة ؛ التي هي المادة الخام في مشروع الكتابة ؛ حيث أنها كائن حي يتطور على الدوام ؛ كما تتطور الكائنات الحية ، وتطوُّرها يحقق معاصرتها في الاتصال ؛ حتى لا تكون لغة (خشبية) أو (محنَّطة) متكيفة مع الواقع... فاللغة على أيَّة حال ؛ ليست مقدسة في حد ذاتها ؛ لكنها تحتاج إلى التثاقف ؛ حتى تصير طيِّعة ومضافة ؛ واستخدامها معبر بإحتراف جمالي.

لقد عرفنا الكُتَّاب الأوائل ؛ وكم كانوا مؤثرين ولهم كتاباتهم التي أثْرَتْ الكنيسة وأغْنَتْ مكتبتها وعلومها.. كذلك الكُتَّاب المعاصرين من أمثال : البابا شنودة الثالث ، والأنبا يؤانس ، والأنبا بيمن ، والأنبا غريغوريوس ، والأنبا أثناسيوس ، والأنبا صموئيل ، والقمص مرقس داود ، والقمص منسَّى يوحنا ، والقمص بيشوﻱ كامل ، والقمص يوسف أسعد ، والقمص صليب سوريال ، والقمص متى المسكين ، والقمص تادرس يعقوب ، والقس شنودة ماهر ؛ ود. وهيب جورجي؛  والقس باسيليوس المقارﻱ ، وأثناسيوس المقارﻱ ، والأرشيدياكون حبيب جرجس ، والمقدس يوسف حبيب ، والأستاذة إيريس حبيب المصرﻱ ، ود. موريس تواضروس ،  وسليمان نسيم ، ووليم سليمان قلادة ، ورمسيس نجيب ، ود. نصحي عبد الشهيد ، وكثيرين عوضهم الله بالأجر الصالح السماوﻱ.

لقد صارت لي كتاباتهم نبعًا ونهجًا وحُجّةً ومرجعية معيارية ، وكذا أرضية تعليم متسعة ، دفعتني إلى خبرة رحلة الكتابة وفنّها ؛ الذﻱ بدأتُه منذ خمسة وثلاثين عامًا، مع بدايات عمل ودراسة مجموعة إكثوس الآبائية.. فمِنْ وقتها وإلى الآن اختبرتُ عذاب الكتابة ومُعَاناتها كمَخاض ولادة ؛ جعل الكتابة حياتي وفكرﻱ وتنفسي وقضيتي وسلاحي في تطوير واقعي للأفضل ؛ كي أدرك ما أدركني لأجله سيدﻱ ومخلص نفسي المسكينة.. فلن يتغير العالم بغير الكتابة ؛ وبدون المعرفة الحقيقية نهلك... معرفة الحياة والشركة والالتصاق ؛ وتفتيش الكتب التي لنا فيها حياة.

ولعل وجود مشروع الكتابة (اللاهوتية والآبائية) ؛ يمنحنا رؤية تساعدنا جميعًا ، لنجدد ونبدع وننفتح ونترقَى ؛ فلا نكون مستهلِكين فقط ؛ لكن منتجين أيضًا... نسطر إنسانيتنا وإيماننا وعقيدتنا وأخلاقنا السلوكية العملية ، ونعكس محاولات السمو بالحرف والكلمة والفكر والمعنى.

إن نجاحنا يكون عندما يصير كل واحد منا نحلةً نشيطة ؛ تمتصّ الرحيق لتمتثله وتفرز عسلاً ، وأيضًا عندما يكون كل واحد منا (مشروع قارئ) ؛ ينطلق متعلمًا في ملكوت السموات المتسع ، ويكون لسانه قلم كاتب ماهر (مز ٤٥ : ١).   

فكل كاتب ملكوتي ماهر يعرف قيمة الملكوت وعمله ؛ ينضم ضمن كتيبة العلم والحكمة التي تخدم قاعدة علم اللاهوت والخلاص والمعرفة السمائية في نبوات العتيقة ؛ وفي الأمور المختصة بمسيحنا في جميع الكتب... فهيمًا خبيرًا مؤرخًا حافظًا شارحًا ؛ مختبر كنوز كتب البيعة المحفوظة فيها ؛ ليجعلها مخبَّأة في الصدور.


القمص أثناسيوس چورچ.

http://frathanasiusgeorge.wordpress.com/

أضف تعليق


كود امني
تحديث

تم التطوير بواسطة شركة ايجى مى دوت كوم
تصميم مواقع مصر - ايجى مى دوت كوم