حتى المجرمين لهم احلام... جرجس ميخائيل

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

كان طفلا شديد الذكاء، نشيط جدا وكان يمكن ان يكون لامعا جدا في حياته رغم ظروفه الحياتية الصعبة التي عاش فيها، فقد ولد لأسرة فقيرة تسكن في احراش الغابة التي تقبع على الطرف البعيد لهذه المدينة الكبيرة التي يزورها الحجيج في أوقات من السنة فيتصدقون على هذه العائلة وعائلات أخر تسكن نفس هذا المكان، كان طيب القلب ولكن كل أصدقاؤه الذين تربوا معه كانوا أشرارا على السواء، فتقسى قلبه يوما بعد يوم.

 

كان صديقه المقرب ارتيماس سىء الطباع وفظ وأغواه كثيرا بسرقة الحجيج حتى انه برع جدا فيها وكان دائما ما ينجو من العقاب هو وصديقة ارتيماس، فلم يلاحظه أحد لسنين عديدة فقد كان رشيقا يتنقل كفهد ينقض على فريسته فيخطفها ويختفى سريعا في ظلام هذه الغابة المخيفة، فإستحق عن جدارة ان يكون زعيما لهذه العصبة من قاطعى الطريق.

ورغم أن عمل هذه العصابة أخذ في الإزدهار خلال السنوات التي يكبر فيها المرء ويفقد كل القيم لتحل محلها قوانين خاصة لهذه العصابة أشبه بكود القراصنة، إلا ان الزعيم إحتفظ في قلبه ببعضا من "طيبة القلب" التي كانت له منذ الصغر، فقد كان هذا سره الخفى ما بينه و ما بين نفسه، لا يجرؤ على البوح به أمام أحد أفراد العصابة التي إتسمت بالقسوة، كلما تعمقوا أكثر و كلما ازدهرت أعمالهم، اما هو فكان يأنس لحيوانات البريه فتراه يطعم دبه صغيرة فقدت أمها، او انه يرجع بعض المسروقات لعائلة فقيرة قد سرقها افراد عصابته، وكان يظن انه تمادى في هذا الأمر حين كان يخلو لنفسه متفكرا في الكون ومن صنعه وهل من رحمه له؟ وهل يتدخل الله في انه لم يقبض عليه حتى الآن برغم صيت عصايته الزائع في هذه الأرجاء؟!! هل الله يشفق على الأشرار؟ فالشمس مازالت تسطع في المكان والمطر أيضا يملأ أرجاء الغابة بالمياه....فلو ان الله لم يكن رحيما لأغلق ميازيب السماء عنه و عن أفراد عصابته!! فهو مازال المتحكم في كل شيء كما كانت تقول له والدته يوما ان كان صغيرا فقد أخذ اليسير من التعليم اليهودى وكانت تخطر على باله – كمثل الحلم - هذه الآية التي حفظها عن ظهر قلب "أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا" أشعياء 43، فقد كان يتذكرها كمن يهذى بها كلما أضاف شرا فوق تلال الشرور التي لديه ولسان حاله يقول كيف يحدث هذا؟ وكيف الخلاص إذن من كل هذا؟!...إنه حلم.

لم يرى ارتيماس صديقه اى من هذه الأفعال "الطيبة" مطلقا والتي كانت كفيلة بان تفقده مكانته، لكنه كان يظن انه يستحق أن يكون هو زعيما لهذ العصابه لأنه على حد وصفه لنفسه بلا قلب، بلا مشاعر وان الزعيم لابد ان يكون هكذا، خصوصا مع ضحاياه وحتى يضمن ولاء كل افراد العصابة.... لكن بعض من طيبة قلب الزعيم جعلته نوعا ما محبوبا من أفراد عصابته، هذا ما جعل ارتيماس يتهكم عليه بين الوقت والآخر، لكن زجره واحده كانت كفيلة بإسكاته فقد كان أرتيماس يخافه بعض الشىء فقد رأه قبلا يقتل بيدين باردتين، فكان شخصيته مليئة بالتناقضات المبهمة حتى لأقرب أصدقائه، حتى جاء ذلك اليوم الذى قبض على أفراد من هذه العصابة من جنود الوالى الرومانى بسبب طيبة هذا الزعيم الذى تأخر بسبب إنقاذه لهذه الفتاه الصغيرة التي كانت معلقة بجزع شجره على حافة الهاوية فبذل جهدا حتى خلصها بنفسه فكان هذا سببا في القبض عليه، مما جعل ارتيماس يسبه بأنه لولا خيبته هذه لم يستطع جنود الوالى من اللحاق بهم وأسرهم!!.

 

كان إسمه ديميتريوس الذى يعنى المنتسب لديمترى إله الزراعة عند الإغريق أو هكذا قالت له امه عن مصدر اسمه... ولكنهم كانو ينادونه ديماس اختصارا للاسم، تذكر هذا عندما ناداه العسكر ليقف امام القاضي الذى لم يأخذ وقتا طويلا في الحكم عليه بالموت هو وارتيماس صديقه صلبا...هذه العقوبه الشنيعة التي لم يأتي التاريخ بمثلها في الوحشية و المهانة.

أتى يوم تنفيذ العقوبة وكان ديماس متقبلا للفكرة نوعا ما، اما ارتيماس فكان تارة يضحك مخفيا خوفه، وتارة يجدف ويسب ديماس، لأنه يموت بسبب تصرفه الأخرق، أخذهما العسكر للمكان المعد فإذا بهما يجدان كل أورشليم قد خرجت عن بكرة ابيها وكل الشعب في هياج عظيم مابين هتافات إصلبه، وهتافات اقل حده لماذا يصلب البار؟ كان ديماس قد سمع عن يسوع قبلا وكيف انه هو النبى المقتدر في الأقوال والأفعال امام الجميع، وقد سمع من الحجاج الذين وفدوا الى العيد في اوروشليم كم من المعجزات صنع وأكثر ما أثار إهتمامه كيف أقام الميت بعد أن انتن في القبر وسمع أيضا عن مؤامرات اليهود ونيتهم لقتل هذا البار الذى لم يفعل شرا مطلقا و كثيرا ما قارن نفسه به وكيف هو مملوء من كل ثمر ردىء.... وزاد عجبه حين وجده من بين الذى سينفذ عليهم ذات الحكم بالصلب في هذا اليوم!، فأحس إحساسا عجيبا يغمره رغم عمق الألم.

عندما رفع صليب يسوع ورآه ديماس بجانبه...أحس انه يعرفه بطول عمره، فقد رأه "كنور الشمس المشرقة" التي انارت أيامه رغم ظلمة طريقه وإشتم فيه رائحة المطر...رائحة الرحمة التي كثيرا ما إرتوى من مياهها، راه خبز الحياة الذى تاق إليه كثيرا لينقذه من مرارة شره ويحرره من عمق معرفته للشيطان، ولما غفر لصالبيه تأكد انه المخلص وليس غيره غافر الخطايا ومانح العطايا وتذكر آيته المحببة و الوحيدة "أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا" أشعياء 43، ولما أهرق دم البار على الصليب رأى فيه الذبيحة الحقيقية لمغفرة الخطايا...إعترف بخطاياه امام الجميع انه ينال عقوبته و المجازاة بالعدل عما صنع ورغم تعيير صديقه له وليسوع إلا انه إنتهره مدافعا عن "الحق" وكما كان دائما نهازا للفرص، إنتهز الفرصة الأخيرة بذكاء رغم وطأة المعاناة... فصرخ قائلا "إذكرنى يارب متى جئت في ملكوتك"...نعم كان آثيما لكن حياته لم تخلو من "الجهاد يوما " والتطلع الى الله، فإستحق ان ينال الخلاص الذى تاق إليه سنين عمره باحثا عن هذا الحلم الذى تحقق الآن...لقد تعامل الله معه طوال حياته...ها صوت إبن الله يأتيه بالفرح ..."اليوم تكون معى في الفردوس".

 

حتى المجرمين لهم احلام... جرجس ميخائيل

أضف تعليق


كود امني
تحديث

تم التطوير بواسطة شركة ايجى مى دوت كوم
تصميم مواقع مصر - ايجى مى دوت كوم