مبدأ الحضن واللمسات: في العلاقة مع الأبناء

تقييم المستخدم: 5 / 5

تفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجوم
 
المجموعة: ابونا داود لمعى الزيارات: 2962

                                                                                                                                                                                                

 هل تعتقد أن الحضن أو اللمسات الحانية لها تأثير إيجابي على الأبناء؟

للأسف بعض بيوتنا  تكون فيها العلاقة جافة جدًا بين الآباء والأمهات من جهة وبين الأبناء من الجهة الأخرى. فمثلًا تجد الأب لم يحاول أبدًا في أحد المرات أن يحمل ابنه ليحضنه ويقبله ويُغرقه بحنانه، أو تجد الأم مثل "العسكري" كل علاقتها بأولادها عبارة عن أوامر وانتهار، لم تحاول أبدًا أن تخرج عن جديتها في التعامل معهم، لم تحاول أبدًا أن تدلل ابنتها وتعاكسها أو تأخذها في حضنها!
وعندما تسأل عن السبب، تجد إجابة الأب مثلًا:
"ده أنا بعدم العافية علشان أجيب لهم فلوس!"


من قال أن الأولاد محتاجين فلوس؟!".
وتجد إجابة الأم: " ده أنا واقفة على رجليَّ من الصبح لغاية بالليل علشان أطبخلهم"!
"مش محتاجين طبيخ، محتاجين حضن، محتاجين دلع".  
من قال أن الأكل والمال، أهم عند الأولاد من التدليل والعناق ولمسات الحب؟!
لمسات الحب احتياج إنساني ضروري وهام جدًا للأبناء
التعبير عن الحب للأبناء باللمسات – واللمسات تشمل: الحضن، أو العناق، أو التقبيل، أو التدليل، أو أي نوع من أنواع اللمسات الحانية مثل مسك اليد أو التربيت (الطبطبة) - احتياج إنساني حقيقي مطلوب، والطفل الذي لا يشبع بلمسات نقية من والديه، يحتاج لهذه اللمسات من أي طرف آخر. وهنا يتدخل الشيطان. والبنت التي لا تشبع بحضن والديها، تقع في حضن الشيطان. بينما البنت الشبعانة بحضن نقي من والديها لن تلجأ أبداً للحصول على هذا الاحتياج خارج بيتها. هذه قاعدة لا بد أن تضعوها في أذهانكم.
ماذا قال الكتاب المقدس عن هذا الاحتياج الإنساني الطبيعي؟
(الحضن واللمسات النقية)
 1- الحضن واللمسات النقية أمر طبيعي وضروري للأبناء:
+    في مثل الابن الضال (إنجيل لوقا 15: 11-32) صوَّر لنا الرب يسوع استقبال الأب لابنه التائب فقال: "وَإِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيدًا رَآهُ أَبُوهُ، فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ" (إنجيل لوقا 15: 20). أي أن العناق والتقبيل شيء طبيعي في العلاقات الإنسانية. ويتضح أيضًا من الآية أن الأب هو المُبادر بالرغم من أن الابن هو المخطئ!
      فإذا كان السيد المسيح له المجد بنفسه هو الذي روى هذا الكلام، إذًا علينا أن نتعلم أن هذه اللمسات الحانية من الآباء مثل العناق والتقبيل (الحضن الحاني) ضرورية جدًا للأبناء.
 
2- الحضن واللمسات النقية تحمل للأبناء العديد من الرسائل الإيجابية بدون كلام:
+    أيضًا كلمة "وَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ"، هذا التصرف من الأب أعطى للابن الإحساس بالأمان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في مواضِع أخرى. وتلقى من خلاله رسالة صامته جعلته يشعر: "أنا مقبول عند أبويا"، "أبويا لسه بيحبني فعلًا"، "أبويا رضي عليَّ"...
+    إذًا هذه التعبيرات الحسية النقية التي نعطيها لأبنائنا هامة جدًا بالنسبة لهم لأنها تعطيهم رسائل بدون كلام أننا نحبهم جدًا وأننا راضين عنهم وهذا ما يمنحهم الأمان والطمأنينة والشبع.
 
3- الحضن واللمسات النقية احتياج حقيقي حتى للكبار:
+    مهما كبرنا سنظل في حاجه إلى هذه اللمسات الحانية. ففي مثل الابن الضال، كان هذا الابن شابًا وليس طفلًا، ولكن بالرغم من ذلك جرى عليه أبوه وأخذه في حضنه وقبله، وكان هذا التصرف الجميل من الأب بالطبع أغلى عند الابن أكثر من الحلة الأولى، والخاتم، والحذاء الذي سيلبسهم، وأغلى من الخروف الذي سيأكله!  لأنه كان في احتياج شديد لهذه اللمسات.
+    السيد المسيح سمح للمرأة الخاطئة أن تلمس رجليه، وقال الفريسي في نفسه " لَوْ كَانَ هذَا نَبِيًّا، لَعَلِمَ مَنْ هذِهِ الامَرْأَةُ الَّتِي تَلْمِسُهُ وَمَا هِيَ! إِنَّهَا خَاطِئَةٌ " (إنجيل لوقا 7: 39)، بينما السيد المسيح له المجد لم تكن لديه أدنى مشكلة في أن تلمسه المرأة الخاطئة، لأنه يعلم قيمة هذه اللمسات النقية، التي تحمل مشاعر توبة. كانت المرأة الخاطئة تُريد أن تأخذ بركة، وتشعر أن لمستها للسيد المسيح ستمحو كل ذنوبها.
 
4-  الحضن واللمسات النقية لغة يفهمها الطفل أكثر من الكلمات:
+    عندما قدم الناس أولادهم للرب يسوع لكي يلمسهم ويباركهم (إنجيل مرقس 10: 13-16)، (إنجيل لوقا 18: 15-17) انتهر التلاميذ الأولاد، فيروي لنا الكتاب المقدس عن هذا الموقف: "فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ ذلِكَ اغْتَاظَ وَقَالَ لَهُمْ: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لاَ يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ»". ويصوِّر لنا معلمنا مرقس هذا الموقف بطريقة أكثر وضوحًا قائلًا: "فَاحْتَضَنَهُمْ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَبَارَكَهُمْ ". أي أن السيد المسيح له المجد احتضن الأولاد ووضع يده عليهم تعبيرًا عن حبه لهم.
+    إذًا ربنا يسوع كمربي، وكمعلم التربية في التاريخ كان يتعامل مع الأطفال بالذات باللمسات وبالأحضان لأنها لغة قريبة جدًا للطفل يفهمها ويشعر بها.

  5- الجوع العاطفي نتيجة طبيعية لعدم إشباع الأبناء بلمسات الحب:
+    ولأن العناق والحضن والتقبيل هي اللغة التي يفهمها الطفل فمن الطبيعي أن تجد طفل يجري ليرتمي في حضن "جدو" أو "بابا" أو "ماما".
+    لكن تصوروا معي أب دائم الابتعاد عن الأبناء وكأنه يقول لهم "ممنوع الاقتراب"! أو أم جافة في تعاملها مع أبنائها وبناتها لانشغالها عنهم بأمور المنزل مثلًا. بالتأكيد سيتعَب أبنائهم نفسيًا جدًا، وسيكون هؤلاء الأولاد والبنات  في حالة جوع عاطفي شديد (ليس جوع للأكل أو جوع للمادة، بل جوع للحضن واللمسات!)
+    للأسف نحن كثيرًا ما نهمل هذا الجانب من جوانب العلاقة بين الكبير والصغير

 نموذج سلبي متكرر في حياتنا:
      يعود الصغير من المدرسة حزينًا لأنه حصل على درجات سيئة. والمشكلة التي تحدث في كل البيوت تقريبًا هي أن يكون رد فعل الأب والأم غير حكيم إما بانتهار الطفل (إزاي تجيب نمرة زي كده؟!)، أو بضرب الطفل وعقابه!
      وتكون نتيجة هذا التصرف الغير حكيم من الآباء: إيذاءًا نفسيًا شديدًا للطفل، قد يظل متأثرًا به لسنوات طويلة، لماذا؟ لأن الطفل أصلًا موجوع من شعوره بالفشل وشعوره بالذنب، فلماذا نُزيد من وجعه باللوم والكلمات الصعبة أو بالعقاب؟! يكفي ما به من ضيق وألم.
      الطفل في هذه الحالة يكون في غاية الاحتياج إلى حضن بابا أو ماما، فلا بد من احتضانه وتخفيف الألم عنه بكلمات مثل: "المرة الجاية تجيب نمرة حلوة"، بلمسات الحب هذه يستطيع الطفل مواجهة مشكلته ويبدأ في التفكير الإيجابي: "طب خلاص أنا المرة الجاية هعمل أحسن".
+    بعض الدراسات تقول أن أغلب البنات اللاتي انحرفنَّ، نشأن في بيوت جافة جدًا في التعامل معهن. كانت تنقصهن هذه اللمسات الحانية النقية من الأم والأب (أو تعرضنَّ للمسات غير نقية).
 
6- الحضن الأبوي النقي ما أجمله!! لماذا يتجنبه البعض؟!
+    الحضن الأبوي النقي من أب أو أم لأولادهم، ما أجمله! لماذا يستصعبه البعض؟! إذا كان ربنا نفسه يستخدم كلمة حضن في كلامه، فيقول: "حضن إبراهيم"، ونحن نتصور أن ربنا يأخذنا في حضنه في الكنيسة ونسميه "حضن الآب".
+    كذلك المزمور يقول: "أعظمك يا رب لأنك احتضنتني" أي أنه، حتى في علاقتنا مع الله نتصور هذا الحضن الأبوي الجميل. فلماذا نخاف منه؟! أو لماذا لا نعبر لأولادنا عن حبنا لهم بالحضن واللمسات؟!
+    واللمسات قد تكون تربيت (طبطبه) أو الإمساك باليد.
 
7- الحضن الأبوي النقي ينشئ أبناء شبعانين حب:-
← أنظروا علاقة يوحنا الحبيب بالسيد المسيح:
+    يوحنا الحبيب كانت نفسيته نفسية طفل. كان لا يجلس إلا ملاصقًا للرب يسوع ومتكئًا برأسه على صدر يسوع!! لم نسمع مطلقًا أن الرب يسوع انتهره قائلًا: "ما تأعد كويس؟!"
+    وقد انطبعت هذه الصورة ليوحنا المتكيء على صدر المسيح في أذهاننا يرسمها الفنانين في صورهم وأيقوناتهم، ونرمها نحن في الترتيلة قائلين: "خبرني يا يوحنا عن صدره الحنان".
+    ولم ينتقص هذا أبدًا من شخصية يوحنا الذي صار بطريركًا للعالم كله فيما بعد، لأنه الوحيد في التلاميذ الذي عاش أكثر من 90 سنة، وكان لا يخاطب أبنائه في الإيمان إلا بكلمة "يا أولادي"  وكانت حياته عبارة عن حب للجميع، وتكلم كثيرًا عن المحبة في رسائله، لأنه كان قد شبع من حضن وحب يسوع!
+    البعض يعتبر أن الحضن واللمسات تعبيرات رومانسية عن الحب بينما هي احتياج ضروري لأبنائنا وبناتنا في كل عمر.
 +    ففي معجزة شفاء الأبرص، المعروف أن الأبرص غير مسموح له أن يقترب من الناس لأن مرضه معدي (لا بُد أن تفصل بينه وبين الناس مسافة 20 متر مثلًا)، وكان في وقت يسوع ممنوع لمس الأبرص لأن مرض البرص كان في معتقداتهم نجاسة، ولكن في قصة شفاء الأبرص حدث شيء غريب يقول لنا الكتاب: "وَكَانَ فِي إِحْدَى الْمُدُنِ، فَإِذَا رَجُلٌ مَمْلُوءٌ بَرَصًا. فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ خَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلاً: «يَا سَيِّدُ، إِنْ أَرَدْتَ تَقْدِرْ أَنْ تُطَهِّرَنِي». فَمَدَّ يَدَهُ وَلَمَسَهُ قَائِلاً: «أُرِيدُ، فَاطْهُرْ!». وَلِلْوَقْتِ ذَهَبَ عَنْهُ الْبَرَصُ" (إنجيل لوقا 5: 12، 13).
      الرب يسوع لم يتبع القاعدة بل اقترب من الأبرص (كسر المسافة المفروضة) بل ولمسه، لأنه يعلم أنه يحتاج إلى هذه اللمسة. إنسان له 10 سنين مثلًا لم يلمسه أحد! تصوروا معي حجم الفرق الذي صنعته هذه اللمسة الحانية من الرب يسوع مع الأبرص؟! بالتأكيد فرقت معه جدًا وشعر أنه بني آدم وأعطته رسالة إيجابية: "أنا طبيعي، المسيح مش خايف يلمسني"!
    
9- عدم حضن أو لمس الطفل ينقل له رسائل سلبية عنيفة جدًا:
+    ومن هذه القصة (معجزة شفاء الأبرص) علينا أن نلتفت إلى أنه أحيانًا عدم اللمس، أو عدم الحب، أو عدم الحضن يقدم رسالة عنيفة جدًا للأبناء مفادها: "إنت (جربة) وحش" -بدون كلام- ويكبر الطفل وبداخله عقدة أنه إنسان سيء (وحش)، وغير محبوب، بينما الحقيقة أنه "زي الفل"!
      وبالرغم من أن الوالدين يحبون أبنائهم جدًا، لكن تنشأ المشكلة من أنهم لا يدركون مدى أهمية لغة الحضن ولمسات الحب.

ملخص المحاضرة:

+    التعبير عن الحب للأبناء بالحضن واللمسات احتياج إنساني حقيقي هام وضروري جدًا للأبناء.
+    هذه التعبيرات الحسية النقية التي نعطيها لأبنائنا تعطيهم العديد من الرسائل الإيجابية -بدون كلام- تجعلهم يدركون مدى حبنا لهم، وهذا ما يمنحهم الإحساس بالأمان والطمأنينة والشبع، ويحميهم من أي انحرافات أخلاقية.
+    قاعدة لا بد أن تظل دائمًا في أذهاننا: الطفل الذي لا يشبع بلمسات نقية من والديه، يحتاج لهذه اللمسات من أي طرف آخر. وهنا يتدخل الشيطان. والبنت التي لا تشبع بحضن والديها، تقع في حضن الشيطان. بينما البنت الـشبعانة بحضن نقي من والديها لن تلجأ أبداً للحصول على هذا الاحتياج خارج بيتها.
+    أحيانًا عدم اللمس، أو عدم الحضن يقدم رسالة عنيفة جدًا للأبناء مفادها: "إنت وحش" أو "إنت غير محبوب" أو "إنت غير مقبول" -كل هذه رسائل صامته بدون كلام- ويكبر الطفل وبداخله عقدة داخلية أنه إنسان سيء (وحش)، وغير محبوب، بينما يكون في الواقع "إنسان صالح ومحبوب"!
+    ربنا يسوع كمربي، وكمعلم التربية في التاريخ كان يتعامل مع الأطفال بالذات باللمسات وبالأحضان لأن الطفل قد لا يفهم الكلمات ولكنه يفهم جيدًا الحضن واللمسات. فهذه اللغة قريبة جدًا للطفل.
+    إذا تعرض أحد أبنائك للفشل في أي وقت من الأوقات ولأي سبب، عليك أن تُدرك حجم الألم والوجع الذي يُسببه له هذا الفشل، فكن حكيمًا ولا تُزيد ألمه ووجعه بالتأنيب أو بالانتهار أو بالعقاب، بل احضنه وضمه إلى صدرك وشجعه وعرفه أن هذه ليست نهاية العالم، وأنه بالاجتهاد لا بد سيتغلب على هذا الفشل.