مقالات قداسة البابا تواضروس الثانى

أخبار مسيحى دوت كوم

قداسة البابا يشهد حفل تخريج أولى دفعات برنامج لوجوس للقيادة

قداسة البابا يشهد حفل تخريج أولى دفعات برنامج لوجوس للقيادة

السبت ٩ سبتمبر ٢٠٢٣م.. ٤ نسئ ١٧٣٩ش. قداسة البابا يشهد حفل تخريج أولى دفعات برنامج لوجوس للقيادة شهد قداسة البابا تواضروس الثاني، أعمال اليوم الختامي لبرنامج لوجوس للقيادة (L.L.P) والذي...

الرياضة بين التدين والطائفية.. نادى عيون مصر يفتح الباب على قضية الأقباط المصريين وكرة القدم

الرياضة بين التدين والطائفية.. نادى عيون مصر يفتح الباب على قضية الأقباط المصريين وكرة القدم

أثار افتتاح نادي عيون مصر باب التقدم لاختبارات القبول جدلا واسعا، وجاء في الإعلان عنه في الصحف والمواقع القبطية: أعلن نادي عيون مصر الرياضية التابع لكنائس وسط القاهرة، فتح باب...

أسقف الشباب بالكنيسة الأرثوذكسية يطمئن الأقباط بشأن صحته من ألمانيا

أسقف الشباب بالكنيسة الأرثوذكسية يطمئن الأقباط بشأن صحته من ألمانيا

أسقف الشباب بالكنيسة الأرثوذكسية يطمئن الأقباط بشأن صحته من ألمانيا نشرت الصفحة الرسمية لأسقفية الشباب على موقع التواصل الاجتماعى "فيسبوك" فيديو للأنبا موسى أسقف الشباب بالكنيسة الأرثوذكسية يطمن فيهاجموع الأقباط...

"علامات نهاية الأيام" في عظة الأحد على قناة ON ابونا ارميا بولس

"علامات نهاية الأيام" في عظة الأحد على قناة ON ابونا ارميا بولس

أذيعت، كلمة للأب القمص إرميا بولس كاهن كنيسة السيدة العذراء بشارع عياد بك بشبرا عبر قناة ON إحدى قنوات الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية المالكة لقنوات (ON - dmc - الحياة...

ختام ملتقى شباب لوجوس الثالث

ختام ملتقى شباب لوجوس الثالث

الأحد ٢٨ أغسطس ٢٠٢٢م.. ٢٢ مسرى ١٧٣٨ش. ختام ملتقى شباب لوجوس الثالث استضاف ملتقى لوجوس الثالث لشباب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية صباح أمس المحامية الدولية الدكتورة ماري بقطر حيث روت تجربتها...

قداسة البابا ناعيًا نيافة الأنبا إيساك: عاش حياته هادئًا وصامتًا

قداسة البابا ناعيًا نيافة الأنبا إيساك: عاش حياته هادئًا وصامتًا

الأربعاء ٧ سبتمبر ٢٠٢٢م.. ٢ نسيء ١٧٣٨ش. قداسة البابا ناعيًا نيافة الأنبا إيساك: عاش حياته هادئًا وصامتًا نعى قداسة البابا تواضروس الثاني مثلث الرحمات نيافة الأنبا إيساك الأسقف العام الذي...

عظة الاربعاء: الأسرة المقدسة التي تشهد للمسيح".. الحلقة (١١) من "أسرتي مقدسة"

عظة الاربعاء: الأسرة المقدسة التي تشهد للمسيح".. الحلقة (١١) من "أسرتي مقدسة"

لأربعاء ٧ سبتمبر ٢٠٢٢م.. ٢ نسيء ١٧٣٨ش. "الأسرة المقدسة التي تشهد للمسيح".. الحلقة (١١) من "أسرتي مقدسة" ألقى قداسة البابا تواضروس الثاني عظته الأسبوعية في اجتماع الأربعاء مساء اليوم، من...

قداسة البابا تواضروس الثانى ينعى الملكة اليزابيث ملكة انجلترا

قداسة البابا تواضروس الثانى ينعى الملكة اليزابيث ملكة انجلترا

نعى قداسة البابا تواضروس الثانى ملكة انجلترا يوم الخميس 8 سبتمبر والتى حكمت انجلترا مدة سبعين عاما

قداسة البابا يستقبل نيافة الأنبا أنيانوس ووفد كهنة وأراخنة بني مزار

قداسة البابا يستقبل نيافة الأنبا أنيانوس ووفد كهنة وأراخنة بني مزار

الخميس ٨ سبتمبر ٢٠٢٢م.. ٣ نسئ ١٧٣٨ش. قداسة البابا يستقبل نيافة الأنبا أنيانوس ووفد كهنة وأراخنة بني مزار استقبل قداسة البابا تواضروس الثاني في المقر البابوي بالقاهرة اليوم الخميس، نيافة...

تفاصيل مساعدات الكنيسة للأسر الفقيرة.. تزويج الفتيات ومراكز لـعلاج الإدمان

تفاصيل مساعدات الكنيسة للأسر الفقيرة.. تزويج الفتيات ومراكز لـعلاج الإدمان

أعلنت أسقفية الخدمات العامة والاجتماعية والمسكونية بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، 6 خدمات تقوم بها لمساعدة الأسر المحتاجة سواء فى تزويج الفتيات،

البابا تواضروس يبحث أوضاع لبنان والقدس مع ممثلى الكنيسة

البابا تواضروس يبحث أوضاع لبنان والقدس مع ممثلى الكنيسة

استقبل البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية،

دير الشهيد مارمينا العجايبى بمريوط يحذر من "نصاب" ينتحل صفة راهب

دير الشهيد مارمينا العجايبى بمريوط يحذر من "نصاب" ينتحل صفة راهب

حذر دير الشهيد مارمينا العجايبى بمريوط، من شخص مجهول الهوية ينتحل اسم أحد الأباء الرهبان يقوم بالاتصال بالكنائس،

مطران شبرا يعلن فتح دير مارجرجس بميت دمسيس أمام الزائرين حتى 29 أغسطس

مطران شبرا يعلن فتح دير مارجرجس بميت دمسيس أمام الزائرين حتى 29 أغسطس

أعلن الأنبا مرقص مطران شبرا الخيمة وتوابعها، والنائب البابوي والمشرف على دير ما رجرجس بميت دمسيس،

صور.. البابا تواضروس يلتقى باحث دكتوراه الألحان القبطية فى العظة الأسبوعية بالكاتدرائية

صور.. البابا تواضروس يلتقى باحث دكتوراه الألحان القبطية فى العظة الأسبوعية بالكاتدرائية

استضاف البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، مساء اليوم خلال العظه الأسبوعية بالكاتدرائية،

الكنيسة الأسقفية تنظم تدريبا لمعلمى "الاحتياجات الخاصة" لخدمة أطفال التوحد

الكنيسة الأسقفية تنظم تدريبا لمعلمى "الاحتياجات الخاصة" لخدمة أطفال التوحد

استضاف مركز المنارة لخدمة ذوى القدرات الخاصة التابع للكنيسة الأسقفية بمصر، اليوم السبت،

مقالات البابا شنودة الثالث

     المال الحرام في التجارة والمعاملات

المال الحرام في التجارة والمعاملات

22 تموز/يوليو 2015

** المال الحرام عن طريق الغش: كأن يبيع أحدهم شيئًا به تلف على أنه شيء سليم، مستغلًا عدم اكتشاف الشاري للعيب الموجود في تلك البضاعة! ما أنبل البائع الذي بكل...

     شيطان التخدير وشيطان التأجيل

شيطان التخدير وشيطان التأجيل

22 تموز/يوليو 2015

حينما يكون الإنسان متيقظًا ومتنبهًا لنقاوة قلبه، صاحيًا عقلًا وروحًا، فإنه من الصعب أن يسقط... ولذلك قال أحد الحكماء: "إن الخطيئة تسبقها إما الشهوة أو الغفلة أو النسيان" فحالة الغفلة...

    الشهوة: أنواعها وخطورتها

الشهوة: أنواعها وخطورتها

21 تموز/يوليو 2015

** الشهوة هي أصل وبداية خطايا كثيرة. فالزنى يبدأ أولًا بشهوة الجسد. والسرقة تبدأ بشهوة الاقتناء أو شهوة المال. والكذب يبدأ بشهوة في تبرير الذات أو في تدبير شيء ما....

    اللعنة

اللعنة

02 تموز/يوليو 2015

* اللعنة لم تصب آدم وحواء لسببين: أولا: لأن الله كان قد باركهما قبلًا (تك 1: 8) وهبات الله بلا ندامة (رو 11: 9)، ولا يرجع فيها مهما حدث. إنها...

 أنواع من الراحة

أنواع من الراحة

22 حزيران/يونيو 2015

موضوع الراحة ورد في أول الكتاب المقدس، في قصة الخليقة، حيث قيل (وبارك الله اليوم السابع وقدسه، لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقًا) (تك 2: 12)....

 أنواع من المحبة

أنواع من المحبة

22 حزيران/يونيو 2015

توجد محبة طبيعية مثل المحبة بين البنوة والأبوة، لذلك شبه الله محبته لنا بمحبة الأب للأبناء.وتوجد محبة مكتسبة كمحبة الأصدقاء والأقرباء والزملاء، أو المحبة بين خطيب وخطيبته، أو بين زوج...

 الأخوة الأوائل

الأخوة الأوائل

02 تموز/يوليو 2015

وهكذا كانت مشكلة هابيل، أن قربانه كان مقبولًا أمام الله، فتضايق أخوه، ويقول الكتاب في ذلك:"فاغتاظ قايين جدًا، وسقط على وجهه" (تك 4: 5).إذن قايين لم يكن يسعى إلى محبة...

 التعب بين النفس والروح

التعب بين النفس والروح

22 حزيران/يونيو 2015

هناك مريض إن قيل له إن حالته خطيرة، قد تتعب نفسه، ولكنه يستعد لأبديته فتستريح روحه. بينما لو خدعوه وصورا له الأمر بسيطا لراحة نفسه وشغلوه بمسليات عالمية، لا يهتم...

 الحب أولًا لله

الحب أولًا لله

22 حزيران/يونيو 2015

ان أردنا أن نفهم المحبة على أساسها الحقيقي، الكتابي، فينبغي أن نضع أمامنا هذه الحقيقة وهى:المفروض أن المحبة موجهة أولا وقبل كل شيء إلى الله تبارك اسمه..وهذا ما يقوله لنا...

 الحسد والغيرة

الحسد والغيرة

02 تموز/يوليو 2015

المشكلة تكمن في عدم وجود استعداد داخلي.لا تقل "إنني أذهب إلى الكنيسة ولا أستفيد".. لأن غيرك يذهب ويستفيد. لو كنت تريد أن تستفيد لاستفدت. إن لم تستفد من القداس، يمكنك...

 الخروج من محبة الله

الخروج من محبة الله

02 تموز/يوليو 2015

* لا شك أن كسر الوصية كان عملًا ضد محبة الله. لأن الرب يقول: "الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني" (يو 14: 21). ويقول القديس يوحنا الحبيب "من قال...

 الموت

الموت

02 تموز/يوليو 2015

"يوم تأكل منها موتًا تموت " (تك 2: 17). كان الموت هو العقوبة الأساسية للخطية. والكل قد خضع له، مات آدم وحواء، ومات كل نسلهما، وسيموت النسل الذي يولد فيما...

 تحذيرات الله قبل الخطية

تحذيرات الله قبل الخطية

02 تموز/يوليو 2015

ما أعمق هذا الحنو، في معاملة الله للخطاة..إنه يظهر لقايين، أول إنسان هلك على الأرض. ويكلمه، ويشرح له التجربة التي أمامه، وينصحه، بل ويناقشه أيضًا: "لهذا سقطت على وجهك؟ ليس...

 قوة الصلاة وقوة الإيمان

قوة الصلاة وقوة الإيمان

22 حزيران/يونيو 2015

نوع آخر من القوة، هو قوة الصلاة.. الصلاة القوية في إيمانها، وفي حرارتها، وفي انسحاقها وفي روحياتها، التي يمكن أن تصعد إلى السماء وتأتى بالاستجابة. كثيرون يشعرون بقوة الشخص الذي...

 كل جليات له داود

كل جليات له داود

16 حزيران/يونيو 2015

1- صراحة : أنت ترى أن تكون صريحاً في الدفاع عن الحق.. ولكن صراحتك كثيراً ما تجرح الناس فيستاؤون ويأخذون منك موقفاً، راجع نفسك كم شخصاً استخدمت معه هذا الأسلوب...

 مشكلة ثنائية وفقدان الثقة

مشكلة ثنائية وفقدان الثقة

02 تموز/يوليو 2015

إن معرفة الشر عند كثيرين، ارتبطت بشهوة الشر، أو على الأقل ارتبطت بالصراع بين الخير والشر.وعاش الإنسان حياته في هذا الصراع، وتشوهت أفكاره بمعرفة الشر، وجلبت له هذه المعرفة الظنون...

آباؤنا‏ ‏الرسل‏ ‏القديسون تنوع‏ ‏في‏ ‏الشخصية‏ ‏والظروف

آباؤنا‏ ‏الرسل‏ ‏القديسون تنوع‏ ‏في‏ ‏الشخصية‏ ‏والظروف

28 تموز/يوليو 2011

تحتفل‏ ‏الكنيسة‏ ‏بعيد‏ ‏الرسل‏ ‏القديسين‏ ‏يوم‏ 5 ‏أبيب‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏عام‏ ‏الموافق‏ 12 ‏يوليو‏,‏في‏ ‏موعد‏ ‏ثابت‏ ‏لايتغير‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏عام‏.‏وإن‏ ‏كان‏ ‏يسمي‏ ‏عيد‏ ‏الرسل‏,‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏بوجه‏ ‏خاص‏ ‏عيد‏ ‏استشهاد‏ ‏القديسين‏...

آباؤنا‏ ‏الرسل‏ ‏القديسون لقداسة البابا شنودة

آباؤنا‏ ‏الرسل‏ ‏القديسون لقداسة البابا شنودة

04 أيار 2010

‏بعيد‏ ‏الرسل‏ ‏القديسين‏ ‏يوم‏ 5 ‏أبيب‏ ‏من‏ ‏كل‏ ‏عام‏ ‏الموافق‏ 12 ‏يوليو‏,‏في‏ ‏موعد‏ ‏ثابت‏ ‏لايتغير‏ ‏في‏ ‏كل‏ ‏عام‏.‏وإن‏ ‏كان‏ ‏يسمي‏ ‏عيد‏ ‏الرسل‏,‏إلا‏ ‏أنه‏ ‏بوجه‏ ‏خاص‏ ‏عيد‏ ‏استشهاد‏ ‏القديسين‏ ‏بطرس‏ ‏وبولس‏.‏...

أحبوا ذواتهم محبة ضارة للبابا شنودة الثالث

أحبوا ذواتهم محبة ضارة للبابا شنودة الثالث

11 أيار 2010

هناك أشخاص فيما يريدون أن يبنوا أنفسهم، يهدمونها! وإذ يعملون على تحقيق ذواتهم، يفقدونها! إنهم أولئك الذين يحبون ذواتهم محبة خاطئة تكون ضارة بهم ... فمَن هم؟ وما نوعية أخطائهم؟

أسباب القلق لقداسة البابا شنودة الثالث

أسباب القلق لقداسة البابا شنودة الثالث

11 أيار 2010

للقلق أسباب كثيرة تختلف من شخص إلى آخر حسب نوع نفسيته، ونوع الظروف التي يمرّ بها

« »

البداية القوية

                                                                                                                                                                                            

 يقول السيد الرب "قَدْ ذَكَرْتُ لَكِ غَيْرَةَ صِبَاكِ مَحَبَّةَ خِطْبَتِكِ ذِهَابَكِ وَرَائِي في الْبَرِّيَّةِ في أَرْضٍ غَيْرِ مَزْرُوعَةٍ" (أر 2:2).

 كان يقصد أن يقول هذا الكلام لبنى إسرائيل عندما خرجوا من مصر في برية سيناء وفي صحراء جرداء ليس فيها ماء, وعندما واجهوا البحر الأحمر وخطورة الانحصار بينه وبين جيش فرعون, وبالإيمان ذبحوا خروف الفصح ووضعوا الدم على العتبة العليا والقائمتين؛ وعبر الملاك في كل أرض مصر وضرب أبكار المصريين.. بداية قوية.. خرجوا وعجين الخبز لم يختمر بعد, لدرجة أنهم وضعوه في ملاءات, وأكلوا خروف الفصح مشويًا بالنار وهم لابسين أحذيتهم متمنطقين وجامعين ما يخصهم. أي أنهم أناس مستعدون للسفر, يأكلون خروف الفصح وهم على وشك الرحيل, والعجين لم يختمر بعد, لذلك فيما بعد أصبحوا يعيدون الفصح ويأكلون فيه فطيرًا وليس خميرًا.

كان الموقف جبارًا؛ فبعد أن عاشوا في هذه الأرض أربعمائة وثلاثين سنةً, في ليلة واحدة خرج الملايين من شعب إسرائيل. لا يوجد مُخرج يستطيع أن يصوِّر هذا المنظر, وإن استطاع سيصور ألفًا أو ألفين شخص على الأكثر, لكن ستمائة ألف شخصٍ من سن عشرين سنة إلى سن ستين سنة رجالًا فقط!! ومعروف طبعًا أن ذكور شعب بني إسرائيل قد قُتلوا عند ولادتهم في فترة معينة أيام موسى النبي الذي كان سنه في هذا الوقت ثمانين سنةً -لكنه نجا بترتيب إلهي- فكل الذين في سنِّه ليسوا بموجودين لكن في مقابلهم توجد إناث, فعدد الإناث كان أكثر من الذكور في فترة معينة. فيصبح المجموع ستمائة ألف ذكر في مقابلهم إناث, وغيرهم أيضًا الذين هم أكبر من ستين سنة وأصغر من عشرين سنة, فممكن أن يصل العدد الكلى إلى ثلاثة مليون شخص, يجمعون كل ما يخصهم ويخرجون دفعة واحدة -جيش ضخم جدًا- ليلة لا تُنسى عبر الأجيال.

 لهذا يقول "ذكرت لك غيرة صباك محبة خطبتك ذهابك ورائي في البرية", خروج من أرض عاشوا فيها زمانًا طويلًا, خروج من وسط مجتمع له تقاليد وعادات صارمة (مجتمع المصريين)... جيوش مُسلّحة بمركبات فرعون. خارجون وحولهم مخاطر كثيرة جدًا, خارجون إلى برية وهم لا يعرفون ماذا سيأكلون أو سيشربون فيها, خارجون وكفى. كما كان موسى النبي وهارون يقولان لفرعون "الرَّبُّ إِلَهُ الْعِبْرَانِيِّينَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ قَائِلًا: أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي في الْبَرِّيَّةِ." (خر16:7).

 الحماس الذي كان لديهم هو الذي شق البحر الأحمر أمامهم. حقًا إن التي شقت البحر الأحمر هي عصا موسى النبي لكن الغيرة والحماس الذي كان لدى الشعب شق الماء. لذلك يقول الكتاب المقدس "وَجَمِيعَهُمُ اعْتَمَدُوا لِمُوسَى في السَّحَابَةِ وفي الْبَحْرِ." (1كو2:10). ونحن نعلم ارتباط المعمودية بالإيمان. عبروا "وَالْمَاءُ سُورٌ لَهُمْ عَنْ يَمِينِهِمْ وَعَنْ يَسَارِهِمْ." (خر22:14). أي أن الماء حولهم عاليًا وواقفًا, مَن ذا الذي يخاطر بحياته ويمشى بجانب ماء واقفًا مثل السور؟! مَن مُمسك بهذا الماء؟! لا يوجد حاجز من الزجاج ولا من البلاستيك ولا مباني ولا شيء على الإطلاق, لكن الماء واقف من هنا ومن هناك وهم يمشون في منتصفه!. إذًا مَن دخل في هذا المسار يكون قد قَبِل الموت؛ بمعنى أنه قد وضع في نفسه أن الموت في المياه أفضل من الموت في العبودية أو بسيف فرعون ومركباته وجيوشه. كان لابد لهذا الشعب لكي يصل لأرض كنعان أن يخرج ببداية قوية, لأنه إن لم تكن بداية الطريق الروحي بداية قوية, فكيف سنصِل إلى نهاية المطاف؟

 عندما يخرج الإنسان من العالم يكون لديه أشواقًا روحية كثيرة, مشتاق لحياة الكمال الروحي, وكمال تنفيذ الوصية, أمامه مجموعة كبيرة من الوصايا قلبه مشتاق لتنفيذها.

الاشتياقات الأولى

كلما يصلى الإنسان المزمور الكبير في صلاة نصف الليل يقول "اشتاقت نَفْسِي إِلَى اشتهاء أَحْكَامِكَ في كُلِّ حِينٍ." (مز119(118) (2): 20)... يجد الكتاب المقدس يقول له مثلًا "إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلًا فَاذْهَبْ وَبِعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ في السَّمَاءِ وَتَعَالَ اتْبَعْنِي" (مت21:19), "لَيْسَ أَحَدٌ تَرَكَ بَيْتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ حُقُولًا لأَجْلِى وَلأَجْلِ الإِنْجِيلِ. إِلاَّ وَيَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ الآنَ في هَذَا الزَّمَانِ بُيُوتًا وَإِخْوَةً وَأَخَوَاتٍ وَأُمَّهَاتٍ وَأَوْلاَدًا وَحُقُولًا مَعَ اضْطِهَادَاتٍ وفي الدَّهْرِ الآتي الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ" (مر10: 29 ,30), أي ليس فقط سيكون له أجرٌ في السماء. وقال السيد المسيح "إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يأتي وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعْنِي." (مت 24:16). وأيضًا "مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّى فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي" (مت37:10).

 ويجد الوصية تقول: "مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخر أَيْضًا... وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلًا وَاحِدًا فَاذْهَبْ مَعَهُ اثْنَيْنِ. مَنْ سَأَلَكَ فَأَعْطِهِ... أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ" (مت 39:5-44). أمام كل هذه الوصايا يجد الإنسان نفسه محتاج قوة داخلية لينفِّذ الوصية. يقرأ في المزمور: "طُوبَاهم الذين بلا عيب في الطَرِيق السَّالِكِونَ في ناموس الرَّبِّ. طُوبَاهم الذين يفحصون عن شَهَادَاتِهِ. ومِنْ كُلِّ قُلُوبِهِمْ يَطْلُبُونَهُ. لأنِ صانعي الإثم لم يهووا أن يَسْلُكُوا في سبله. أَنْتَ أَمرت أَنْ تُحْفَظَ وَصَايَاكَ جدًا. فيا لَيْتَ طُرُقِي تستقيم إلى حِفْظِ حقوقكَ" (مز119 (118) : 1-5).

الكنز المخفي

 يسمع الإنسان قول السيد المسيح "مَنْ يَرْفَعْ نَفْسَهُ يَتَّضِعْ وَمَنْ يَضَعْ نَفْسَهُ يَرْتَفِعْ" (مت 12:23). "تَعَلَّمُوا مِنِّى لأني وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ" (مت29:11). "طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ... طُوبَى لِلْوُدَعَاءِ لأَنَّهُمْ يَرِثُونَ الأَرْضَ... طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللَّه" (مت 5: 3, 5, 8). فيشعر وكأنه يقول "لِكُلِّ تمَامٍ رَأَيْتُ منتهى, أَمَّا وَصِايَّاكَ فَوَاسِعَةٌ جِدًّا." (مز 119 (118) : 96). متى سأنفَّذ هذه الوصايا كلها؟ متى تكون اشتياقاتي لك أنت ولا يشغلني العالم عنك؟ متى أقتنى الاتضاع الحقيقي والوداعة الحقيقية؟ متى أتحرر من محبة القنية؟ متى أجد وقتًا ليسبحك لساني في كل حين؟ متى أصل إلى حياة الصلاة الدائمة ويشتعل قلبي بمحبتك؟ متى تنشغل أفكاري بك باستمرار, وتصبح أنت الكنز الذي وجده إنسان في حقل فمضى وباع كل ما كان له واشترى ذلك الحقل؟ انظر (مت 44:13). متى تصبح حياتي كلها صلاة وتسبيح وملائكة وقديسين وسماويات؟ متى أنسى كل شيء في العالم لكي أتذكرك أنت وكفى؟! يجد نفسه غير قادر على تحقيق كل اشتياقاته وهو في العالم, فرغبته هي أن يجد وقتًا يجلس فيه مع ربنا؛ يقرأ كلامه ويتأمل فيه, ويلهج في وصاياه نهارًا وليلًا. عندما يذكر في المزمور مثلًا "تَاقَتْ نَفْسِي إِلَى خَلاَصِكَ. وعلى كَلاَمَكَ تَوكلْتُ.كَلَّتْ عَيْنَاي مِنَ انتظارِ أقَوالِكَ قائلتين: مَتَى تُعَزِّينِي؟...كَمْ هي أَيَّامُ عَبْدِكَ؟" (مز 119 (118) : 81, 82, 84). يقول لنفسه أين التعزية الروحية؟ أين الهذيذ والثيوريا θεωρία؟ أين التأمل والدهش؟ أين العقل الذي لا يفكر إلاَّ في السماويات؟ كما يقول معلمنا بولس الرسول "فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللَّه" (كو 1:3).

طريق الكمال الروحي

يشعر الإنسان أنه عندما يخرج من العالم ويصل إلى الدير سينطلق من عبودية فرعون ويخرج إلى البرية؛ حتى يعبد اللَّه هناك "أَطْلِقْ شَعْبِي لِيَعْبُدُونِي في الْبَرِّيَّةِ" (خر16:7).

 يشعر أنه في الدير سيستطيع أن يسير في طريق الكمال "طُوبَاهم الذين بلا عيبٍ في الطَرِيق السَّالِكِونَ في ناموس الرَّبِّ... بِمَاذا يُقوم الشَّابُّ طَرِيقَهُ؟ بِحِفْظِهِ أقوالكَ" (مز 119 (118) : 1, 9). فبداية الطريق الروحي لحياة الرهبنة هي أن الإنسان يريد أن يصل إلى الكمال الروحي ونقاوة القلب, نقاوة الفكر، نقاوة الحواس, يريد أن تصبح أفكاره سماوية, يريد التحرر من كل الشهوات الموجودة في العالم, يريد الانتصار على محاربات الشياطين, يريد أن يقتنى الاتضاع كقول القديس الأنبا أنطونيوس: [الطاعة والمسكنة يخضعان الوحوش لنا](3), ويريد تطبيق وصية السيد المسيح "تَعَلَّمُوا مِنِّى لأني وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُم" (مت 29:11), يريد الانتصار على كل محاربات الشياطين, عن طريق حياة الاتضاع والمسكنة بالروح التي هي الطريق الآمن نحو الملكوت "طُوبَى لِلْمَسَاكِينِ بِالرُّوحِ لأَنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ" (مت3:5)... يريد التحرر من ذاته التي تريد التمجيد والكرامة, وتريد أن تُثبت وجودها... يريد أن يعانق الصليب ويصبح تلميذًا حقيقيًا للسيد الرب لأنه قال: "إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يأتي وَرَائِي فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ وَيَتْبَعْنِي" (لو 23:9), "إِنْ كَانَ أَحَدٌ يأتي إِلَى وَلاَ يُبْغِضُ... حَتَّى نَفْسَهُ أَيْضًا فَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَكُونَ لِي تِلْمِيذًا" (لو 14: 26). لا يهمه ماذا يقول عنه الآخرون؛ لأنه لو أراد مجد الناس لكان قد مكث في العالم, ولا تهمه نظرة الرهبان له في الدير. فهو يحب أن يخفى فضائله الروحية, لأن عروس النشيد مكتوب عنها "أُخْتِي الْعَرُوسُ جَنَّةٌ مُغْلَقَةٌ عَيْنٌ مُقْفَلَةٌ يَنْبُوعٌ مَخْتُومٌ" (نش12:4), لا يهمه مدح أحد لعمل يديه أو ممارساته الروحية, لكن يريد فعلًا التحرر من السُبح الباطل والمجد الباطل ومديح الناس؛ ولذلك يهرب من الدينونة (إدانة الآخرين)؛ لأنه يعتبر أن الكل أفضل منه, ويقول لنفسه: إني لا أستحق أن أحيا في وسط هؤلاء القديسين, والآباء قالوا إن: [الحكيم ينظر إلى فضائل غيره ليقتنيها والجاهل ينظر إلى نقائص غيره ليدينه عليها].

الانطلاق إلى البرية والانحلال من الكل

الراهب هو إنسان خرج من العالم حتى ينسلخ من الكل ويرتبط بالواحد. فلم تعد تهمه الأخبار, إنسان مات عن العالم, لماذا يبحث عن الأخبار؟ هو ترك الصحف ونشرة الأخبار, إنسان يريد أن ينسى كل الناس, ينسى كل شيء, ينسى العالم وما فيه.. العالم الذي خارج الدير وأيضًا العالم الذي بداخل الدير.

منهج الإنسان في حياته الرهبانية

لهذا فبداية الطريق الروحي مهمة جدًا. بمعنى ماذا سيكون منهج الإنسان في حياته الرهبانية؟ هل سيعيش حياة المسكنة بالروح وتكون هي بداية الطريق؟ حيث إن عبارة "طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات" هي أول عبارة في الموعظة على الجبل. هل سيعيش حياة الاحتمال وحياة الصبر؟ "الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ وَلاَ تَنْتَفِخ وَلاَ تُقَبِّحُ وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا... وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ" (1كو 13: 4, 5, 7). يضع لنفسه منهجًا روحيًا لكي يقتنى جميع الفضائل الروحية, ولا تُبنى فضيلة على حساب فضيلة أخرى. بمعنى, لا يصح أن شخصًا يريد اقتناء فضيلة الصلاة الدائمة فيبنيها على الكبرياء (الكبرياء الروحي), وكيف يأتي الكبرياء؟ يقول مثلًا: إني أريد اقتناء فضيلة الصلاة الدائمة فيدخل الدير, وإذا كلمه أحد الرهبان يُسكته أو يشير إليه بعدم الكلام, هو بذلك يكون قد بحث عن الصلاة الدائمة بينما أضاع الاتضاع. ولذلك يقول القديس أبو مقار: [فروا يا إخوة, فقال الإخوة: أيها الأب كيف نهرب أكثر من مجيئنا إلى البرية؟.. فوضع يده على فمه وقال: من هذا فرو(4)]. أي فروا من اللسان, أي يهرب من كثرة الكلام, لكن لا يتعجرف بالصمت. فبدلًا من أن يقول الراهب لمن يكلمه: {أسكت ولا تتكلم}, يقول له: {أخذنا بركة, اذكرني في صلاتك}, ينسحب بتواضع وبهدوء, لكن لا توجد فضيلة تُبْنَى على حساب فضيلة أخرى, وقد نجد إنسانًا ضميره يمدحه قائلًا: إنني أطبَّق فضيلة الهروب من تضييع الوقت, ولكن هل هذا عن طريق العجرفة؟! ممكن أن يقتنيه بالاتضاع. راهب ثرثار يتكلم كثيرًا, وشخص مازال مبتدئًا يريد السير في طريقه ولا يُضيِّع الوقت, ممكن أن يقول له: {يا أبونا أنا أخذت بركة كبيرة أنى قابلت قدسك اليوم. يا ريت تذكرني في صلاتك لأني مسكين جدًا وغلبان وحالي ملخبط, بعد إذن قدسك لأني مش عارف أصلى}, ينسحب بطريق متواضع وليس بطريق متعجرف. أو مثلًا راهب كبير في السن يسير وهو يحمل حملًا ثقيلًا, فيعبر الآخر مقابله مثلما عبر الكاهن واللاوي على الرَجُل الجريح ثم أتاه السامري الذي أرسله للفندق. يعبر مقابله ويقول: {أنا ليس لي شأن بما يحمله}, لكن في طريق الرهبنة الفضائل لا تتعارض مع بعضها, فضائل التواضع والمحبة فعندما يرى راهبًا يحمل حملًا ثقيلًا فيقول: {بعد إذن قدسك, سآخذ بركة حملها, فأنا لا أستحق} ويوصَّله عند قلايته بالحِِمْل الثقيل. فإن قال له: {انتظر يا أخ فلان؛ إني أريد أن أكلمك في موضوع}, فيقول له: {يا أبونا أنا لا أفهم شيئًا أنا مسكين جدًا, سامحني واذكرني في صلاتك؛ لأن حالي ملخبط}, لكن لا يقول: {اسكت ولا كلام!}. ما هذا؟ هل هذا هو الطريق الروحي؟ قد يأتي أخ إلى الدير ويعتقد في نفسه أنه سيُعلِّم الرهبان حياة الرهبنة وهو مازال مبتدئًا!! كل ما هنالك أنه قرأ كلمتين في بستان الرهبان فيعتقد أنه نازل من السماء.

السيد المسيح هو الأساس

 البداية لابد أن تكون على أساس سليم ومعلمنا بولس الرسول تكلَّم عن الأساس الذي نضعه وهو السيد المسيح الذي هو الأساس في البناء الروحي, فيقول "فَمَنْ هُوَ بُولُسُ وَمَنْ هُوَ أَبُلُّوسُ؟ بَلْ خَادِمَانِ آمَنْتُمْ بِوَاسِطَتِهِمَا وَكَمَا أَعْطَى الرَّبُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ: أَنَا غَرَسْتُ وَأَبُلُّوسُ سَقَى لَكِنَّ اللَّه كَانَ يُنْمِى. إِذًا لَيْسَ الْغَارِسُ شَيْئًا وَلاَ السَّاقِي بَلِ اللَّه الذي يُنْمِى. وَالْغَارِسُ وَالسَّاقِي هُمَا وَاحِدٌ وَلَكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ سَيَأْخُذُ أُجْرَتَهُ بِحَسَبِ تَعَبِهِ. فَإِنَّنَا نَحْنُ عَامِلاَنِ مَعَ اللَّه وَأَنْتُمْ فَلاَحَةُ اللَّه بِنَاءُ اللَّه. حَسَبَ نِعْمَةِ اللَّه الْمُعْطَاةِ لِي كَبَنَّاءٍ حَكِيمٍ قَدْ وَضَعْتُ أَسَاسًا وَآخَرُ يَبْنِى عَلَيْهِ. وَلَكِنْ فَلْيَنْظُرْ كُلُّ وَاحِدٍ كَيْفَ يَبْنِى عَلَيْهِ. فَإِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَضَعَ أَسَاسًا آخَرَ غَيْرَ الذي وُضِعَ الذي هُوَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ وَلَكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدُ يَبْنِي عَلَى هَذَا الأَسَاسِ ذَهَبًا فِضَّةً حِجَارَةً كَرِيمَةً خَشَبًا عُشْبًا قَشًّا. فَعَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ سَيَصِيرُ ظَاهِرًا لأَنَّ الْيَوْمَ سَيُبَيِّنُهُ. لأَنَّهُ بِنَارٍ يُسْتَعْلَنُ وَسَتَمْتَحِنُ النَّارُ عَمَلَ كُلِّ وَاحِدٍ مَا هُوَ" (1كو5:3-13). السيد المسيح هو الأساس, إنه هو الصخرة التي قال عنها "وَعَلَى هَذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْنِى كَنِيسَتِي" (مت18:16). لذلك ورد في سفر إشعياء النبي "هَلْ يُوجَدُ إِلَهٌ غَيْرِي؟ وَلاَ صَخْرَةَ لاَ أَعْلَمُ بِهَا" (إش8:44), ويقول المزمور "الرَّبُّ صَخْرَتِي" (مز2:18). لابد أن يكون الأساس الروحي هو السيد المسيح أساس حياتنا الروحية.

ميناء الخلاص

 بداية الطريق الروحي ينبغي أن تكون بدايةً قويةً جدًا, فالإنسان الذي يبدأ طريقه في حياة الرهبنة لابد أن يبدأه بكل قوة, وطبعًا هذا يتضح مثلًا إن أتى أهله, وسببوا له متاعب كثيرةً ويستطيع أن يصمد أمامها, لماذا؟ لأنه أتى باشتياقات حارَّة شاعرًا أن الدير هو ميناء الخلاص بالنسبة له, فتكون لديه قدرة شديدة جدًا على المقاومة. لكن أن أتت إنسانة للرهبنة وعندما يأتي أهلها ويعملون اضطرابًا مريدين أخذها فتذهب معهم؛ تكون بذلك قد فشلت في بداية الطريق الروحي, وفي امتحان قدرتها على الاستمرار في حياة الرهبنة, لكن ممكن أن الشيطان يشكَّك الشخص بعد قليل فبعد مُضى أسرته يُتعِب ضميره, ويقول له: ماذا ستفعل والدتك؟ أين يذهب والدك؟ هذه الأشياء كلها معروفة, إنها حرب لابد أن يواجهها الإنسان في بداية خروجه من العالم, ولذلك قال السيد المسيح "لَيْسَ أَحَدٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْمِحْرَاثِ وَيَنْظُرُ إِلَى الْوَرَاءِ يَصْلُحُ لِمَلَكُوتِ اللَّه" (لو62:9). ويقول الكتاب المقدس "اُذْكُرُوا امْرَأَةَ لُوطٍ!" (لو32:17). نظرت خلفها فتحولت إلى عمود مِلْح.

الموت عن العالم

 فالإنسان أفضل له الموت عن العالم بدلًا من الموت في العالم, ويقول "حَاشَا لِى أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الذي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ" (غل 14:6). "صلب العالم لي" تعنى أن العالم بالنسبة لي يُعتبر قد سُمِرَ وليس له أي تأثير, كأنه لا شيء "وأنا صلبت للعالم" تعنى أن "الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ" (غل24:5). مستعد أن أحتمل مكاوي يسوع, وأشواك الطريق, والجهاد.. "لَمْ تُقَاوِمُوا بَعْدُ حَتَّى الدَّمِ مُجَاهِدِينَ ضِدَّ الْخَطِيَّةِ" (عب4:12), الجهاد حتى الدم هو الذي يجعل الإنسان يقول: أنا صلبت للعالم, مستعد لاحتمال أي آلام أو مشقات أو متاعب؛ من أجل الثبات في الطريق الروحي ويجد العالم أنه ليس له في شيء, أنا صلبت بالنسبة له, يقول لي: يا فلان, فأرد: فلان مات؛ مصلوب, "احْسِبُوا أَنْفُسَكُمْ أَمْوَاتًا عَنِ الْخَطِيَّةِ" (رو11:6). معناها أن الإنسان "الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيَّةِ" (رو 6 :7), مثلما يتبرَّأ من شيء (يتبرى منه), العالم ينادينا فنقول إننا قد متنا. لكن المشكلة لو حاول العالم أن يقفز داخل الدير, هذه كارثة كبرى, إنسان مات عن العالم, هل يقيم نشرة أخبار داخلية في الدير؟ ولا يكفيه أنه يسعى لمعرفة الأخبار, بل وينشرها أيضًا ويكون كمحطة إذاعة؟!! إذًا أين الرهبنة؟.... توقفنا عن مشاهدة نشرة الأخبار, لكن أقمنا محطة إذاعة داخل الدير نشرة أخبار محلية. فأين إذًا حياة الغربة؟ يقول القديس برصنوفيوس: [غرباء نحن, فلنكن غرباء بالكمال](5), الراهب الحقيقي يقول: {أنا مالي خليني في حالي, اللَّه يعين الجميع} لكن هذا لا يكون عن طريق العجرفة والكبرياء, بل يقول مثل إنسان مسكين "هل أنا أفهم شيئًا؟ وأنا من أفهمني؟ أنا من أنا ومن يحسبني شيئًا", [لا يوجد شيء أفضل من أن أرجع بالملامة على نفسي في كل أمر](6) و[إن كنت تقول إنك حسنًا قلت, وحسنًا فهمت... فلا حسنًا قلت, ولا حسنًا فهمت](7).

الذات أخطر عدو

 الإنسان الذي يريد السير في الطريق الروحي يفرح بالمحقرة, وليس بالمديح ويقول: ذاتي هذه لابد أن تُصلب وتُذَّل لن ينفع معها إلاَّ المذّلة والمحقرة. الراهبة تدخل قلايتها حتى تكون هي سُلَّم يعقوب الذي تصعد وتنزل عليه الملائكة والرب واقف بمجدٍ والسماء مفتوحة وتقول: {ما هذا المجد الذي أنا فيه؟ إنني لا أستطيع استيعاب كل هذه البركات السماوية التي تنحدر, إنني لا أستحق} "حَقًّا إِنَّ الرَّبَّ في هَذَا الْمَكَانِ وَأَنَا لَمْ أَعْلَمْ! مَا أَرْهَبَ هَذَا الْمَكَانَ! مَا هَذَا إلاَّ بَيْتُ اللَّه وَهَذَا بَابُ السَّمَاءِ!" (تك 28 : 16 , 17). وأخطر ما يدمَّر الطريق الروحي هي "الذات", فبدلًا من أن تعيش في أمجاد الحياة الروحية وتحلَّق في سماء الروح, ستعيش في مقلاة الذات, الإنسان هو وذاته يكون الشيطان ثالثهم, بينما الإنسان الذي ذاته منسية ومتروكة يقول له السيد المسيح "الذي عِنْدَهُ وَصَايَاي وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الذي يُحِبُّنِي والذي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِى وَأَنَا أُحِبُّهُ وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي... إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كلاَمِي وَيُحِبُّهُ أَبِى وَإِلَيْهِ نَأْتِي وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلًا" (يو 14 : 21, 23).

تعهدات فمي باركها يا رب

من المهم أيضًا في الطريق الروحي أن يتذكر الإنسان الهدف الذي خرج من أجله ويتذكر الوعود التي بينه وبين ربنا, فيقول له "تعهدات فمي باركها يا رب " (مز 119 (118) : 108). لماذا خرجت من العالم؟ يا للأسف على الذين خرجوا من العالم وكسروا قلوب آبائهم وأمهاتهم؛ ولم يصنعوا ثمرةً في طريق الرهبنة! فلماذا كان كل هذا التعب؟ هل هو مجرد عذاب لأحبائهم؟ يجب أن يتذكر الإنسان لماذا خرج من العالم؟ الهدف لابد أن يكون واضحًا أمام عينيه باستمرار. وما هو الهدف؟ هو العشرة مع ربنا, وهو الكمال الروحي, وتنفيذ الوصية. في تنفيذ الوصية يحتاج الراهب أن يعيش في عشرة مع ربنا ويتذوق حلاوة الوجود في حضرته وهذا يجعله يتحرر من الشهوات العالمية, وتصبح شهوة قلبه دائمًا هي السيد المسيح. لابد أن يتذكر الهدف الذي ترك العالم من أجله. هل الهدف هو لبس الملابس السوداء؟ أية إنسانة تستطيع أن تلبس ملابسًا سوداء في منزلها, ويقول الآباء: [إلى متى تعزى نفسك بالسواد](8) هل الرهبنة هي الملابس السوداء؟!! يتذكر الهدف الذي خرج لأجله والتعهدات التي بينه وبين ربنا. التعهدات الرسمية في الرهبنة: الطاعة والبتولية والفقر الاختياري, وأيضًا التعهدات الروحية التي في علاقته الخاصة مع ربنا: فهو يريد إرضاء اللَّه بكل قلبه. يريد أن يحب الناس جميعًا وينفَّذ الوصايا, ويصل إلى نقاوة القلب.

المحبة هي المقياس

الكتاب المقدس يقول: "وَأَمَّا مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ في الظُّلْمَةِ، وفي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ.... بِهَذَا أَوْلاَدُ اللَّه ظَاهِرُونَ وَأَوْلاَدُ إِبْلِيسَ. كُلُّ مَنْ لاَ يَفْعَلُ الْبِرَّ فَلَيْسَ مِنَ اللَّه، وَكَذَا مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ. لأَنَّ هَذَا هُوَ الْخَبَرُ الذي سَمِعْتُمُوهُ مِنَ الْبَدْءِ: أَنْ يُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضًا... نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ. مَنْ لاَ يُحِبَّ أَخَاهُ يَبْقَ في الْمَوْتِ. كُلُّ مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ كُلَّ قَاتِلِ نَفْسٍ لَيْسَ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ ثَابِتَةٌ فِيهِ" (1يو2 : 11 , 3 : 10-15).

 أي لا يعزَّى الإنسان نفسه بالمعمودية ولا بالرهبنة ولا بأي شيء. لكن يوجد مقياس وضعه القديس يوحنا الحبيب في رسالته قال "كُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللهِ وَيَعْرِفُ اللهَ" (1يو 4 : 7) بهذا نعرف أننا وُلدنا من اللَّه إن كنا نحب الإخوة فالمعمودية هي الميلاد الفوقاني بلا شك, والرهبنة هي طريق الكمال الروحي والموت عن العالم, لكن رغم ذلك يقول "أَوْلاَدُ اللَّه ظَاهِرُونَ وَأَوْلاَدُ إِبْلِيسَ", إنها لكارثة إن لم نكن من أولاد اللَّه, إذًا نُحسَب من أولاد إبليس والمقياس هو محبة الإخوة. "إِنْ قَالَ أَحَدٌ: إِنِّي أُحِبُّ اللَّه وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الذي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللَّه الذي لَمْ يُبْصِرْهُ؟.ً" (1يو 20:4).

تفصيل الوصية

مع تراكم الأيام ومرور السنين قد يحدث أن يُكوَّن كل إنسان لنفسه كيانًا خاصًا به وقلعةً حصينةً وأسوارًا يَصعُب اختراقها, وقد يشَكِّل لنفسه منهجًا روحيًا ومقاييسًا روحيةً؛ فيُفَصَّل الوصايا بدلًا من السعي في طلبها ولا يسعى في فهم الوصية, لكن هو الذي يخلق الوصية, ويُطَوَّعها لخدمة مفاهيمه ومقاصده وشهوات قلبه الخاصة (وصية تفصيل). مثل مَن يلبس جلبابًا دون أخذ مقاساته قبل تفصيلها فلا تعجبه, فيقول لا, أنا أريد أن يأخذوا مقاساتي قبل تفصيلها. يريد أن الوصية تُفَصَّل على مقاسه وليس بحسب مقاصد ربنا.

مدرسة المزامير

 أريد أن أقول لكم بعض اللقطات من المزمور الكبير -برغم حفظكم له طبعًا- تتوافق مع هذا الخط الذي نسير فيه:

* في القطعة الأولى يقول: "أَنْتَ أَمرتَ أَنْ تُحْفَظَ وَصَايَاكَ جدًا. فيا لَيْتَ طُرُقِي تستقيم إلى حِفْظِ حقوقكَ. حِينَئِذٍ لاَ أَخْزَى إِذَا ما اطلعتُ إِلَى جميع وَصَايَاكَ" (4-6). وماذا يكون موقف من لا يحفظ الوصية؟!!

* يقول: "أَشكرُكَ يا رب بِاسْتِقَامَةِ قَلْبي, إذ عرفت أَحْكَامَ عَدْلِكَ. وحقوقكَ أَحْفَظُ." (7, 8). أثناء صلاتكم هذا المزمور في نصف الليل اطلبوا أن يعطيكم الرب فهمًا لتنفيذ الوصية.

* في القطعة الثانية يقول: "من كُلِّ قَلْبِي طَلَبْتُكَ. فلاَ تُبعدنِي عَنْ وَصَايَاكَ" (10). ربما أكون صنعت لنفسي (وصايا تفصيل) دون أن أدرى!

* "أْخفيتُ أقوالكَ في قَلْبِي لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ, مبارك أَنْتَ يَا رَبُّ عَلِّمْنِي حقوقكَ. بشفتي أظهرت كل أحكام فمك, وفَرِحْتُ بِطَرِيقِ شَهَادَاتِكَ... وأتفهم في طرقكَ.... ولاَ أَنْسَى كَلاَمَكَ" (11-16).

* في القطعة الثالثة يقول: "كافئ عَبْدِكَ فَأَحْيَا وَأَحْفَظَ أَقوالَكَ" (17).

بمعنى أن المكافأة التي أريدها يا رب هي أن أعيش في الحياة الروحية, كيف؟ بأن أحفظ أقوالك.

* "اكْشِفْ عَنْ عَيْنَي فَأَتأمل عَجَائِبَ مِن ناموسكَ. غَرِيبٌ أَنَا في الأَرْضِ. فلاَ تُخْفِ عَنِّى وَصَايَاكَ" (18, 19). إنها لمشكلة كبيرة جدًا... إنسان يعيش هنا على الأرض تائهًا. ما مشكلة الغريب؟ مشكلته أنه يتوه لأنه لا يعرف الطريق. مثلًا راهب منكم سافر إلى الإسكندرية ولا يعرف شيئًا فيها؛ سيتوه أو يلف ثلاث أو أربع ساعات حتى يصل إلى المكان الذي يريده؛ لأنه لا يعرف الطريق, ولذلك يقول المصلى "يا رب أنا غريب -تائه- فلا تُخفِ عنى وصاياك". لكن أحيانًا نجد البعض يظن في نفسه أنه فيلسوفًا ويقول "إني أعرف"!! راجع نفسك قليلًا أثناء صلاتك للمزمور الكبير وقل: "يا رب ربما يكون فهمي للوصية خاطئًا". كثيرًا ما سمعنا عن أناس كانوا في الطريق الروحي وضلوا لهذا السبب.

* بعدها في القطعة الثالثة أيضًا يقول: "اشتاقَتْ نَفْسِي إِلَى اشتهاء أَحْكَامِكَ في كُلِّ حِينٍ. انْتَهَرْتَ الْمُتَكَبِّرِينَ, مَلاَعِينَ, الذين حادوا عَنْ وَصَايَاكَ " (20, 21). إنها لمصيبة؛ فقد دخلوا في اللعنة.

* "انزع عَنِّى الْعَارَ والخزي فإنِّي لشَهَادَاتِكَ ابتغيت... لأن شَهَادَاتُكَ هي درسي وحقوقك هي مَشُورَاتِي" (22-24). يقصد أن يقول: أنقذني يا رب لئلا أدخل في اللعنة إذا لم أنفَّذ وصيتك.

* في القطعة الرابعة يقول: "عَلِّمْنِي حقوقكَ. وطَرِيقَ عدلكَ, فَهِّمْنِي فَأُتلو في عَجَائِبِكَ. ذبلتْ نَفْسِي مِنَ الْحُزْنِ. فثبتني في أقواَلكَ. طَرِيقَ الْظلم أَبْعِدْ عَنِّي" (26- 29) لأنني من الممكن أن أكون سائرًا بطريقة خاطئة.

* "وَبِناموسكَ ارْحَمْنِي. إني اخْتَرْتُ طَرِيقَ الْحَقِّ. وأَحْكَامَكَ لم أنسَ. لَصِقْتُ بِشَهَادَاتِكَ. يَا رَبُّ فلاَ تُخْزِنِي. في طَرِيقِ وَصَايَاكَ سعيت عندما وسعتَ قَلْبِي" (26-32) . يا ليتك توسَّع قلبي حتى أسير في طريق وصيتك.

* في القطعة الخامسة: "ضع لي يَا رَبُّ ناموسًا في طَرِيقَ حقوقكَ, فَأَتبعه كل حينٍ" (33). أنا أريد أن تضع لي قوانين روحية لأسير عليها؛ أنا من الممكن أن أكون بلا منهج واضح.

* "فهمني فأبحث عن ناموسك وَأَحْفَظَهَ بِكُلِّ قَلْبِي. أهدني في سَبِيلِ وَصَايَاكَ فإنِّي إياها هويتُ" (34-35). آه, لقد تذكرت أنني قد خرجت من العالم؛ لكي أكمل الوصية.

 الكنيسة وضعت لنا هذا المزمور في صلاة نصف الليل كل يومٍ؛ لكي يفيق كل أحدٍ لنفسه, ويتذكر أنه خرج من العالم حتى يسعى نحو الكمال في تنفيذ الوصية, وليس الوصية كما يخططها هو, ويفصلها ويبرمجها, ولكن الوصية كما يريده اللَّه أن يحياها.

محبتنا لله تزيدنا حكمة

 يقول السيد المسيح "اسْأَلُوا تُعْطَوْا. اطْلُبُوا تَجِدُوا. اقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ" (مت 7:7). فلماذا يقول اسألوا تعطوا, إذا كنا نعرف كل شيء فلماذا نصلى إذًا! ولذلك معلمنا بولس الرسول يقول "وَهَذَا أُصَلِّيهِ: أَنْ تَزْدَادَ مَحَبَّتُكُمْ أَيْضًا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ في الْمَعْرِفَةِ وفي كُلِّ فَهْمٍ، حَتَّى تُمَيِّزُوا الأمُورَ الْمُتَخَالِفَةَ، لكي تَكُونُوا مُخْلِصِينَ وَبِلاَ عَثْرَةٍ إِلَى يَوْمِ الْمَسِيحِ، مَمْلُوئِينَ مِنْ ثَمَرِ الْبِرِّ الذي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِمَجْدِ اللَّه وَحَمْدِهِ" (في 1: 9-11). شيء عجيبٌ جدًا, أنه عندما تزيد محبتهم لربنا سيعرفوا أن يميزوا الأمور المتخالفة؟ فما علاقة زيادة الحب بموهبة الإفراز والتمييز؟

في الطريق الروحي ننمو في محبة اللَّه, وكلما تزداد محبتنا لله كلما تزداد معرفتنا عنه. لأن السيد المسيح قال "الذي عِنْدَهُ وَصَايَاي وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الذي يُحِبُّنِي والذي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِى وَأَنَا أُحِبُّهُ وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي" (يو 14 : 21). فكلما زادت محبتنا له كلما استطعنا تنفيذ الوصية, وكلما استطعنا تنفيذ الوصية يظهر لنا ذاته أكثر وهذه هي العلاقة بين زيادة المحبة وزيادة المعرفة "الذي أحبه أظهر له ذاتي" وعندما يُظهر لنا ذاته سنزداد في معرفته, وهو الحكمة المولود من الآب الحكيم, وهذا لقبه فكلما نزداد في معرفة السيد المسيح نزداد في معرفة الحكمة, وفي موهبة التمييز والإفراز, لأنه لابد من وجود نمو في الطريق الروحي. فحينما يقول "اسألوا تعطوا". أي لابد أن نأخذ معرفة لوصايا ربنا أكثر, ولابد أن نأخذ معرفة للكمال أكثر.

* ولذلك عندما يقول في القطعة الرابعة عشر "تعهداتِ فَمِي باركها يَا رَبُّ وَأَحْكَامَكَ عَلِّمْنِي. نَفْسِي في يديك كل حين وناموسكَ لَمْ أَنْسَ" (مز 119(118) :108, 109). أنا نفسي في يديك شكلها حسبما تريد أنت وليس حسبما أريد أنا.

الاشتعال المستمر بالحب الإلهي

بداية الطريق الروحي هي بداية طريق الكمال, لكن ما هي الفائدة أن تكون البداية قوية ولا تستمر وتضعف مع مرور الأيام؟! فكيف إذًا نجعلها لا تضعف؟ معروف أن كل الذين خرجوا للرهبنة في بداية الأيام الأولى كان عندهم غيرة قوية "قَدْ ذَكَرْتُ لَكِ غَيْرَةَ صِبَاكِ مَحَبَّةَ خِطْبَتِكِ ذِهَابَكِ وَرَائِي في الْبَرِّيَّةِ في أَرْضٍ غَيْرِ مَزْرُوعَةٍ" (أر 2:2).

كيف نحافظ على هذه الغيرة الروحية؟

 بمعرفة قيمة صلاة المزامير. فإذا كان الراهب قانونه هو المزامير, فلابد عندما يصليها أن يجعلها تصبح هي درب السماء ويجعلها هي سُلَّم يعقوب, والوسيلة التي تزداد بها حياته في القوة باستمرار, ويكون فيها نمو. ولكن للأسف أحيانًا نجد من يعتبر أن قانون المزامير هو ثِقَل عليه وكل فترة يقول: أريد حِلًا عن الفترة السابقة؛ لأني لم انتهى فيها من قوانيني ويفتح حساب جديد. هل القوانين ثِقل عليه؟ أم هي فيتامينات الحياة الروحية, هي ينابيع الماء الحي التي يرتوي منها, وسر قوة الحياة في هذا الطريق.

 وهناك مَن يحفظ المزامير عن ظهر قلب بدون فهم لما يقوله, ويفرح جدًا لأنه انتهى من قانونه! أين مَن يتمسكن ويتوسل أمام اللَّه! المزامير هي مفاتيح السماء ومفاتيح حضور ربنا فهي صلوات موحى بها من اللَّه. وهو يقول: أعطيتكم هذه المزامير؛ حتى تصلوا لي بها؛ لأنها هي الصلوات التي عندما تُقال بفهم وعاطفة وحب, تجعلني أسكب نعمتي فيكم بغزارة.

 لهذا فنصيحتي للأخوات الجدد في الدير أنهن لا ينظرن إلى قوانينهن من المزامير على أنها ثِقَل, ولكنها هي الوسيلة التي بها تستمر غيرتهن المقدسة, والتي بها يزدادون أكثر فأكثر في المحبة والمعرفة والفهم حتى يميزوا الأمور المتخالفة.

احفظوا المزامير تحفظكم المزامير

 ممكن أقترح على الرهبان والراهبات أن يكتبوا المزمور الكبير على لوحات؛ كل قطعة في لوحة ويعلقونها على كل جدران القلاية -الاثنتان وعشرون قطعة- جربوا هذا الاقتراح وسترون النتيجة. عندما تنظر في هذه الجهة في القلاية تجد "مِن كُلِّ قَلْبِي طَلَبْتُكَ. فلاَ تُبعدنِي عَنْ وَصَايَاكَ " (آية 10), فتقول: هل أنا حقًا ترضيت وجهك بكل قلبي أم لا؟, وتنظر في الجهة الأخرى فتجد "سمر خوفك في لَحْمِي فلا أخطئ إليك" (120), وتنظر في الناحية الثالثة وتجد "لِكُلِّ تمَام رَأَيْتُ منتهى, أَمَّا وَصِايَّاكَ فَوَاسِعَةٌ جِدًّا" (96).

 قداسة البابا شنودة الثالث -أطال الرب حياته- دائمًا يقول: [احفظوا المزامير تحفظكم المزامير]. مهم جدًا أن نقول المزامير والتسبحة بعاطفة وفهم؛ لذلك عندما أحضر تسبحة وأجدهم يقولونها بسرعة أتعجب وأقول: يا رب لماذا يتعبون أنفسهم؟ هل هو مجرد واجب نؤديه أم هو غذاء روحي نتمتع به؟! هل نحن نشعر بحلاوة التسبيح ونغنى للرب أغنية جديدة؟ إن كان هذا الكلام يقال لعامة المؤمنين في (كو 3) "وَلْيَمْلِكْ في قُلُوبِكُمْ سَلاَمُ اللَّه الذي إِلَيْهِ دُعِيتُمْ في جَسَدٍ وَاحِدٍ، وَكُونُوا شَاكِرِينَ. لِتَسْكُنْ فِيكُمْ كَلِمَةُ الْمَسِيحِ بِغِنىً، وَأَنْتُمْ بِكُلِّ حِكْمَةٍ مُعَلِّمُونَ وَمُنْذِرُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِي رُوحِيَّةٍ، بِنِعْمَةٍ، مُتَرَنِّمِينَ في قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ. وَكُلُّ مَا عَمِلْتُمْ بِقَوْلٍ أوْ فِعْلٍ، فَاعْمَلُوا الْكُلَّ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ، شَاكِرِينَ اللَّه وَالآبَ بِهِ" (كو 3 :15-17)(9). فكم يكون بالنسبة للرهبان الذين تفرغوا لحياة الصلاة والتسبيح!

الطاعة للمرشد الحكيم

 من ضمن الأمور الهامة في الطريق الروحي أن الإنسان أيضًا يحتاج إلى إرشاد, لأن [الذين بلا مرشد كأوراق الشجر يسقطون](10). في حياة الرهبنة يحتاج الإنسان إلى إرشاد من شخصية روحية مختبرة إلى جوار وجود أب الاعتراف (الذي لا يمنع وجوده وجود مرشد روحي للراهب ومرشدة روحية للراهبة). الإرشاد الروحي يضيف إلى خبرة الإنسان في طريقه الروحي, أي أن من يسلك بإرشاد يضيف إلى عمره الروحي أعمارًا أخرى, مثلما يُقال كثيرًا جدًا في بستان الرهبان "سأل أخ شيخًا....", وتكلم البستان عن النعمة الكبيرة التي ترافق تلميذ ساكن في طاعة معلمه. وفي طقس رسامة الرهبان يقال له في الوصية "تطيع مرشدك في طريق اللَّه إلى حد الموت". ويقول الآباء: [لست أعرف للراهب سقطة إلا إذا صنع هواه, فإذا نظرت راهبًا قد سقط فاعلم أنه بهواه لأنه فعل برأي نفسه](11). لذلك فمن أهم المبادئ في بداية الطريق الروحي في الرهبنة هو: قطع الهوى (قطع المشيئة). وطبعًا السيد المسيح قدم لنا مثالًا رائعًا في حياة الطاعة؛ في صلواته وفي تصرفاته حتى يرسم لنا طريق الخلاص "مَعَ كَوْنِهِ ابْنًا تَعَلَّمَ الطَّاعَةَ مِمَّا تَأَلَّمَ بِهِ" (عب 5 :8).

 موضوع الإرشاد الروحي والطاعة موضوع طويل ممكن أن يكون له مجالًا آخر ولكنني أردت التنويه عنه فيما نتكلم عن بداية الطريق الروحي وكيف يستطيع الإنسان أن يحتفظ بقوة الدفعة الأولى لكي تستمر, أحببت أيضًا أن أوضح أن الطريق الروحي يحتاج إلى إرشاد؛ لأنه "تُوجَدُ طَرِيقٌ تَظْهَرُ لِلإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةً وَعَاقِبَتُهَا طُرُقُ الْمَوْتِ" (أم 14 :12). ويقول الكتاب المقدس "أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا، لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا، لكي يَفْعَلُوا ذَلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هَذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ" (عب 13 :17).

 لكن المفروض طبعًا أن المرشد يرشد الإنسان في وصية الرب وليس ضد الوصية "ثُمَّ نَسْأَلُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تَعْرِفُوا الَّذِينَ يَتْعَبُونَ بَيْنَكُمْ وَيُدَبِّرُونَكُمْ في الرَّبِّ وَيُنْذِرُونَكُمْ" (1تس 5 :12)؛ لذلك اختيار المرشد يحتاج إلى حكمة [اختبر مرشدك أولًا بحكمة وتجربة لئلا تقع عند مريض بدل طبيب](12) فقبلما يختار إنسان مرشده الروحي لابد أن يشعر أنه فعلًا طبيب روحاني وليس بمريض يُسْقِم حياته الروحية.

 ولإلهنا المجد دائمًا أبديًا.آمين.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

Video

قديسن الكنيسة القبطية

 آدم وحواء والوقت

آدم وحواء والوقت

† آدم وحواء سمعوا الحديث بين الله والحية "أضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك...

جدو كرمشة و مشاكل الشباب

gangona مش عارفه تعيش

gangona مش عارفه تعيش افكار رايحه و جايه مابتنتهيش اليأس غيره مافيش

مقالات الأنبا رافائيل

 الإفخارستيا سر الكنيسة

الإفخارستيا سر الكنيسة

الكنيسة هى مجال عمل السيد المسيح الخلاص…الخلاص الذى تممه السيد المسيح لنا على ا...

مقالات القمص أثناسيوس جورج

المَسِيحِيَّةُ الإِسْمِيَّةُ

سلام لحضراتكم جميعًا.. برجاء نشر هذه المقالة المتواضعة.. لكم مني كل شكر وتقدير.. المَسِيحِيَّةُ الإِ...

(الصَّوْمُ الكَبِيرُ (رؤية آبائية

الصوم المسيحي لا يقف عند الانقطاع عن الطعام، لكنه صوم يتجه نحو الحواس والقلب، صوم الكيان بجملته، للت...

سنوات مع أسئلة الناس للبابا شنودة

ما هي الصلوات التي تقال أثناء الميطانيات؟

يمكن أن تكون صلاة تذلل أمام الله واعتراف بالخطايا أمام الله مع طلب الرحمة. ففي كل ميطانية يعترف الإن...

هل يجوز التبخير في المنازل؟

إن كان أحد الأباء الكهنة يرفع بخوراً في بيت، فهذا جائز، ونافع. فمن الممكن أن يصلي أحد الأباء الكهنة...

مقالات القمص إفرايم الانبا بيشوى

قالوا عن يسوع المسيح

هو يسوع المسيح

هو يسوع المسيح

في الكيمياء حول الماء الى شراب في الاحياء لقد ولد بدون الحمل الطبيعي في الفيزياء فانه دحض قانون الج...

المسيح الرب القائم من الأموات

المسيح الرب القائم من الأموات

لا يمكن ان يؤثر على ايماني بالمسيح الرب القائم من بين الأموات اي شيء من هذا القبيل ، بالنسبة لي كل ه...

مقالات القمص داود لمعى

 مبدأ الاحترام: احترام الأهل للأبناء

مبدأ الاحترام: احترام الأهل للأبناء

1- اتخاذ تصرفات أو أخطاء أبنائنا وسيلة لإضحاك الآخرين!الموقف: جلسة عائلية من ضمن أفرادها بنت في سن...

البشاشة

مقدمة الزواج المسيحي... هو عمل إلهي... يقوده روح الله ليعطى طعم من السعادة والفرح والحب الإلهي كمقد...

تدريبات روحية

13ـ الـصــوم ـ بقلم القمص ميخائيل جرجس صليب

عندما سأل تلاميذ يوحنا السيد المسيح قائلين "لماذا نصوم نحن والفريسيون كثيراً وأما تلاميذك فلا يصومون...

4 ـ الاتضاع ـ بقلم القمص ميخائيل جرجس صليب

4 ـ الاتضاع ـ بقلم القمص ميخائيل جرجس صليب

ـ4ـ الإتـضـاعإذا كانت الكبرياء قد أسقطت رئيس ملائكة من السماء .. عندما قال فى قلبه "أصعد إلى السموات...

تم التطوير بواسطة شركة ايجى مى دوت كوم
تصميم مواقع مصر - ايجى مى دوت كوم