الكتاب المقدس والإنسان المعاصر لنيافة الأنبا موسى

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

لاشك أن الحاجة العظمى للإنسان عموماً، وبخاصة الإنسان المعاصر، هى الكتاب المقدس. فهذا الإنسان بالذات فى حاجة إلى كلمة الله الحية الفعالة، التى هى روح وحياة، لكى  ما بهذه الكلمة يشبع كل احتياجاته، وينير طريقه، سعياً إلى السلام على الأرض، والخلاص من الخطيئة، والفرح فى الملكوت. والكتاب المقدس هو الطريق الوحيد إلى ذلك كله!!

حاجات الإنسان المعاصر:

يحتاج الإنسان - وبخاصة فى هذا العصر - إلى :

1- المعرفة.   2- المرجعية.

3- الخلاص. 4- الخلود.

وهذه الاحتياجات الأربعة يستحيل أشباعها إلا من خلال الكتاب المقدس...

1- الحاجة إلى المعرفة

إن صيحة الإنسان - منذ القديم - هى رغبته فى أن يعرف...
† "بم يزكى الشاب طريقه؟ بحفظه إياه حسب كلامك" (مز 9:119).
† "بكل قلبى طلبتك. لا تضلنى عن وصاياك" (مز 10:119).
† "خبأت كلامك فى قلبى، لكيلا أخطئ إليك" (مز 11:119).
† "غريب أنا فى الأرض، لا تخف عنى وصاياك" (مز 19:119).
† "لصقت بالتراب نفسى، فأحينى حسب كلمتك" (مز 25:119).
† "طريق وصاياك فهمنى، فأناجى بعجائبك" (مز 27:119).
† "بشريعتك ارحمنى" (مز 29:119).
† "أمل قلبى إلى شهاداتك لا إلى المكسب" (مز 36:119).
† "اتكلت على كلامك" (مز 42:119).
† "اذكر لعبدك القول الذى جعلتنى انتظره. هذه هى تعزيتى فى مذلتى، لأن قولك أحيانى" (مز 49:119،50).
† "قبل أن أذلل أنا ضللت، أما الآن فحفظت قولك" (مز 67:119).
† "أنا بشريعتك أتلذذ" (مز 70:119).
† "شريعة فمك خير لى من ألوف ذهب وفضة" (مز 72:119).
† "تاقت نفسى إلى خلاصك. كلامك انتظرت" (مز 81:119).
† "إلى الدهر لا أنسى وصاياك لأنك بها أحييتنى" (مز 93:119).
† "سراج لرجلى كلامك، ونور لسبيلى" (مز 105:119).
† "شهاداتك... هى بهجة قلبى" (مز 111:119).
† "اسندنى فأخلص، وأراعى فرائضك دائماً" (مز 117:119).
† "عبدك أنا. فهمنى فأعرف شهاداتك" (مز 125:119).
† "فتح كلامك ينير، يعقل الجهال" (مز 129:119).
† "ثبت خطواتى فى كلمتك، ولا يتسلط علىّ إثم" (مز 133:119).
† "عادله شهاداتك إلى الدهر، فهمنى فأحيا" (مز 144:119).
وارجو أن يلاحظ القارئ الحبيب بركات كلمة الله فى حياتنا، والتى تتضح لنا من خلال الآيات السابقة، مثل: حياة البر - حياة الغربة - حياة الروح - الفهم - الرحمة - المكسب - اللذة الروحية - الاستنارة - الفرح - الخلاص - التعقل - الثبات...إن كلمة الله هى النور الذى يشرق على الذهن، فيعرف الإنسان كيف يميز بين النور والظلمة، وبين الخطأ والصواب...

وكذلك يعرف الإجابة عن كل الأسئلة التى طالما احتارت البشرية فى إجابتها مثل :
† من خلق هذا الكون؟

† ولماذا؟

† وكيف؟
† ولماذا الشر والألم؟

† وما الطريق إلى الخلاص.

† وما السبيل إلى عشرة الرب؟

لهذا فكل من تفطن بكلمة الله، عرف الإجابة، وذلك بعكس من أنكر وجود الله، أو رفضه، أو حاول إلغاءه، كما فعلت أطياف كثيرة من البشر مثل :
† الملحدون... الذين أنكروا وجود الله، ونادوا بأنه ليس هناك إله! متجاهلين صوت الله فى قلوبهم (الضمير)، وصوته فى الطبيعة (الكون)، وحياته التى تدب فينا، ورقم
ما لا نهاية ( ) المقبول منطقياً دون أن نحتويه.
† الوجوديون... الذين رفضوا وجود الله، مثل ذلك الذى قال لله: "يا أبانا الذى فى السموات، ابق فيها".
† العبثيون... الذين نادوا باللامعنى فى هذا الوجود، معتبرين أن هذا الوجود زائد عن الحاجة، وأن الإنسان يخرج من ظلمة الرحم إلى ظلمة الحياة، وينتهى إلى ظلمة القبر.. إذ ليس لديهم نور الله الموجود والعامل فى هذه جميعاً: الرحم والأرض وما بعد الموت.
† اللا أدريون... الذين نادوا بأنهم لا يدرون شيئاً! الذين يجيبون عن كل الأسئلة بعبارة "لست ادرى": من أين جئت؟ وإلى أين أنا ذاهب؟ لست أدرى.
† الماركسيون... الذين ألهوا المادة والإنسان متجاهلين أن المادة محدودة والإنسان مائت!! وأن الله غير المحدود، هو سر الحياة الجسدية والأبدية.
† نيتشه. الذى قال: إن الله قد مات. ومات نيتشه ويبقى الله حياً إلى الأبد! وبقيت كلمته حية وفعالة... وستبقى أبد الدهر!!
2- الحاجة إلى المرجعية
إنه احتياج نفسى هام، وإحتياج حياتى لا غنى عنه!! فالإنسان لديه إحتياجات نفسية هامة مثل: الحاجة إلى الحب، والأمن، والتقدير، والنجاح، والخصوصية، والإنتماء... وكذلك الحاجة إلى المرجعية! أى أن يكون له مرجع يرجع إليه فى كل خطوات وتفاصيل حياته، فى الحاضر، والمستقبل، وإلى الأبد!
ويرى الدارسون أن الإنسان عبر على ثلاث مراحل فى موضوع المرجعية، وهى :
1- مرحلة التدين الأخلاقى : وتواكب عصر الزراعة، وفيها كان المرجع هو التدين، وهو الله. وعاش الإنسان فى إيمان بالقوة العظمى الإلهية، التى تسقط الأمطار، وتصنع الأنهار، وتنمى البذار، وتشبع حاجات الإنسان الأساسية. وكان الله هو "الحقيقة المطلقة Absolute Reality" رغم كل التشويهات التى حدثت فى الوثنية (حيث لم يفهموا الله حسناً، وتجاهلوا صوت الله داخلهم، وتجليات الله فى الكون، والتقليد الشفاهى الموروث)، وكذلك فى العصور الوسطى (حيث تحكم الدين فى السياسة، وصار الإمبراطور خاضعاً لبابا الفاتيكان، مما أحدث ثورة مقابلة هى البروتستانتية، حيث أرادت ألمانيا أن تتخلص من نير روما، فجاءت الشطحات والتفسيرات المتحررة من التقليد الكنسى، والتسليم الآبائى، حتى وصلنا إلى مدارس نقد الكتاب)... وهذا ما تواكب مع المرحلة الثانية وهى:
2- مرحلة الحداثة (Modernism) : وتواكب عصر الصناعة، حيث بدا الإنسان يؤله عقله، ويترك الله والإيمان، ويرى فى العلم بديلاً للدين، فها هو يصنع السيارة والطيارة والماكينة والقطار... وها هو يرى فى عقله إمكانيات خلاقة، فأصبح هو المرجع الأول والأخير لنفسه، فما يقول به العقل، هو المقبول، وما لا يتفق مع العقل (علمياً وحسياً وفحصاً) فهو غير مقبول. ونسى إنسان هذا العصر أن الله هو الذى خلق العقل، كوزنة يجب أن تمجده، وأن المنجزات العلمية فيها ومضة glimpse من فوق، تنير العقل، وتلهمه بالصواب. فكل البشرية منذ آدم كانت ترى الثمار تسقط من الأشجار، لكن ومضة أشرقت فى ذهن نيوتن، فأكتشف قانون الجاذبية الأرضية! وكل الناس شاهدت غطاء البراد يهتز بقوة البخار، لكنه وحده الذى رأى فى البخار قوة تسيِّر القطار!
لهذا قال نيوتن حين سئل عن شعوره وهو يكتشف قوانين الطبيعة التى غيَّرت وجه الحياة على الأرض: "كنت كطفل صغير، يلهو على شاطئ محيط ضخم"، كما قال اينشتاين: "كلما ازددت علماً، ازددت إحساساً بالجهاله!!"، فكلما وجد حلاً لمشكلة، ظهرت أمامه مشاكل أخرى كثيرة!!
إن العلم السليم يدعم الإيمان السليم. فالعلم مثل العين المجردة، والإيمان مثل التلسكوب، لا غنى لأحدهما عن الآخر. وبالإيمان يستنير العقل... "بالإيمان نفهم أن العالمين أتقنت بكلمة الله" (عب 3:11). الإيمان لا يصادر العقل، ولكنه فوق العقل. "وأنا أؤمن لكى أتعقل"... هكذا قال القديس أغسطينوس.
3- مرحلة ما بعد الحداثة : وهى ما نحياه فى العصر الحاضر، أو ما يسمى "ما بعد الحداثة" (Post - modernism)... وفيه تم الابتعاد عن المرجعين السابقين: الله، والعقل، وصار المرجع هو الـ "Culture"، أى "أسلوب الحياة"... وأصبح لكل إنسان أو مجموعة من البشر الأسلوب الذى يحبونه، ويتفق مع مزاجيتهم، ويجب أن يعيشوا بحسبه، بغض النظر عن الخطأ والصواب، فكل شئ مقبول، مادام لا يمسّ حرية الآخرين: أى دين، وأى مذهب، وأية أخلاقيات، وأى سلوك جنسى... الكل مقبول مادام لا يمسّ حريات الآخرين. ومن خلال هذا الـ Culture أصبح هناك كل شئ مباحاً: الجنس الطبيعى، والجنس الشاذ، وما هو أبشع من ذلك!! المهم أن "حريتك تنتهى عند طرف أنفك"!!، أى أن تفعل ما شئت دون أن تتدخل فى حرية الآخرين أو تسقط تحت طائلة القانون!
وأصبحت الفلسفة المعاصرة (New Age Movement) تقول: "All is God - All is Good - All is one"...
1- الكل هو الله : الإنسان والنبات والجماد (Pantheisme)، فكل الكون بمشتملاته "أجزاء" من الله الواحد...
2- الكل جيد ومقبول : أى دين، أى مذهب، أى سلوك جنسى، ليس هناك خطأ وصواب...
3- الكل واحد : فهذه الفلسفة ستجمع البشرية إلى واحد، بدلاً من الأديان التى تفرقنا!!
أين المرجعية؟ لا توجد!!
أين الحقيقة؟ لا توجد حقيقة مطلقة، بل هناك Relative reality، أى "حقيقة نسبية"... وهكذا تاه الإنسان، بل حتى بعض الكنائس، حيث اعتمدوا كهنوت المرأة (مخالفة للكتاب المقدس والتقليد على مدى التاريخ)، وقننوا الشذوذ الجنسى، والبقية تأتى. لقد تجاسر بعض الانجليكان - بسبب غياب المرجعية - أن يتم التصويت على آيات واضحة فى الكتاب المقدس، دستور المسيحية، فرفضوا ما قاله بولس الرسول ضد الشذوذ الجنسى، مدّعين أن ما قاله المسيح شئ، وما قاله بولس شئ آخر، ومتناسين أن "كل الكتاب هو موحى من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذى فى البر، لكى يكون إنسان الله كاملاً، متأهباً لكل عمل صالح" (2تى 16:3،17). وأنه "لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط 21:1).
من هنا تأتى حاجة الإنسان إلى "المرجعية العليا" ممثلة فى الكتاب المقدس، ليس فقط كاحتياج نفسى، بل كاحتياج عملى، ليستطيع أن يحكم على كل شئ، ويميز "الأمور المتخالفة" (رو 18:2، فى 10:1)، لهذا نحتاج إلى نور الكلمة أثناء مسيرة الحياة، لنعرف كيف نختار، وكيف نميز بين الخير والشر، وبين المقبول وغير المقبول، والبنَّاء وغير البناء، تحكمنا ثلاثة مبادئ :
†"كل الأشياء تحل لى، لكن ليس كل الأشياء توافق" (1كو 23:10).
† "كل الأشياء تحل لى، لكن ليس كل الأشياء تبنى" (1كو 23:10).
† "كل الأشياء تحل لى، لكن لا يتسلط علىّ شئ" (1كو 12:6).
وهكذا، فبالذهن المستنير بنور الروح القدس، وفعل الكلمة الإلهية المقدسة، نستطيع أن نقتنى المرجعية التى نلجأ إليها، فى كل أمور حياتنا. من هنا كانت حاجتنا إلى كلمة الله ونور المسيح.
3- الحاجة إلى الخلاص
الكتاب المقدس هو دليل طريق الخلاص، ففيه يجد الإنسان المعاصر ركائز الخلاص بوضوح، ليسير على هديها، فيصل إلى مبتغاه السماوى. وركائز الخلاص - كما تتضح فى كلمة الله هى :
أ- الإيمان :
† "آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص.." (أع 31:16).
† "من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدن" (مر 16:16).
† "هكذا أحب الله العالم.. لكى لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 16:3).
† "كل من ينكر الابن ليس له الآب" (1يو 23:2).
† "هذه هى وصيته أن نؤمن باسم ابنه يسوع المحب، ونحب بعضنا بعضاً" (1يو 23:3).
† "هذه هى الغلبة التى تغلب العالم: إيماننا" (1يو 4:5).
† "من هو الذى يغلب العالم، إلا الذى يؤمن أن يسوع هو ابن الله" (1يو 5:5).
† "من له الابن فله الحياة، ومن ليس له ابن الله، فليست له الحياة" (1يو 12:5).
† "ونعلم أن ابن الله قد جاء، وأعطانا بصيرة لنعرف الحق، ونحن فى الحق فى ابنه يسوع المسيح، هذا هو الإله الحق، والحياة الأبدية" (1يو 20:5).
وهنا نتوقف لنقول إن الإيمان بالله وحده لا يكفى للخلاص، فاخناتون نفسه كان يؤمن بالله، وكذلك أديان كثيرة.. الإيمان السليم هو أن نؤمن بالله الواحد، المثلث الأقانيم، وأن الابن تجسد لأجل خلاصنا، وفدانا على الصليب، وقام عنا، وصعد لأجلنا إلى السموات، وأرسل المعزى، وأسس الكنيسة جسده، ووضع فيها الأسرار المقدسة، راسماً لنا طريق الحياة الأبدية، بعد الخلاص من الخطية، وبعد تغيير أجسادنا إلى أجساد نورانية..وبعد الإيمان الشخصى (فى الكبار) أو على إيمان الوالدين (فى الأطفال) تأتى المعمودية وبقية الأسرار، كما تأتى الأعمال الصالحة.كيف نعرف هذا كله؟ من خلال دراستنا للكتاب المقدس.
ب- الأسرار المقدسة :
فالإيمان النظرى بالمسيح، لا يكفى وحده للخلاص، إذ لابد من ممارسة الأسرار المقدسة: المعمودية التى تجددنا، والميرون الذى يثبتنا، والتناول الذى به يثبت المسيح فينا، والتوبة التى تجدد لنا عهد المعمودية، والاعتراف الذى من خلاله تغفر الخطايا، وسر مسحة المرضى الذى يشفى الروح قبل الجسد، وحتى دون الجسد، والزيجة التى تساعد والمدعويين للزواج فى الحياة الطاهرة، وبالتالى فى الخلاص. ثم يأتى سر الكهنوت الذى يخدم كل الأسرار السابقة..ونحن نعرف أن هذه الأسرار المقدسة مذكورة بغاية الوضوح فى الكتاب المقدس. وجميعنا نعرف هذه الآيات - وهذا يستدعى دراسة كلمة الله - بالنسبة للإنسان المعاصر - لكى يخلص من قبلها، وليكون إيمانه حياً وفعالاً!
ج- الأعمال الصالحة :
لأن الكتاب يعلمنا أن "الإيمان بدون أعمال، ميت" (يع 20:2)... والرسول يعقوب يتحدى من يتحدث عن كفاية الإيمان النظرى، أن يثبت صدق إيمانه بدون أعمال، معلناً أنه قادر أن يرينا إيمانه (غير المنظور) بأعماله (المنظورة).ومع أن الرسول بولس ركز على الإيمان، على أساس أنه يسبق - زمنياً - الأعمال، إلا أنه تحدث كثيراً عن الأعمال، حين قال مثلاً أن الله "خلقنا لأعمال صالحة سبق الله فأعدها، لكى نسلك فيها" (أف 10:2).
وقد خصص الرسول بولس قسماً من كل رسالة من رسائله، بعد أن يكون قد شرح الأساس اللاهوتى النظرى للإيمان المسيحى، ذاكراً التطبيقات العملية المطلوبة من الإنسان المسيحى فى حياتى اليومية.
ومع أنه هتف قائلاً: "إذن لا شئ من الدينونة الآن على الذين هم فى المسيح يسوع" (بالإيمان)، أضاف قائلاً: "السالكين ليس حسب الجسد، بل حسب الروح" (الأعمال) (رو 1:8).
د- تغيير الجسد :
فهو ختام عملية الخلاص التى تستغرق العمر كله: "تمموا خلاصكم بخوف ورعدة" (فى 12:2).. ففى خلع الجسد العتيق، ولبس الجسد النورانى فى اليوم الأخير، نتم قصة خلاصنا، وعملية تغييرنا، لنكون مناسبين للملكوت السمائى. وجسدنا فى القيامة جسد نورانى، روحانى، سمائى، ممجد، كما يتضح من شواهد كتابية كثيرة مثل: (1كو 35:15-58)، (1تس 13:4-18)، (1بط 5:1)، (فى 20:3،21).
من يستطيع أن يرشد الإنسان المعاصر إلى كل ذلك؟..ليس سوى الكتاب المقدس!!
4- الحاجة إلى الخلود
فى أعماق الإنسان - كما يقول الفلاسفة والمفكرون - "العطش والجوع إلى المطلق" أى إلى اللانهائى. لذلك ففى أعماق الإنسان عطش إلى الخلود واللانهاية. ويستحيل أن يشبع هذا العطش غير المحدود إلا بكائن غير محدود هو الله متجسداً فى رب المجد يسوع، الذى يسكن فى قلوبنا ويروى ظمأ نفوسنا وأرواحنا وعقولنا!
إن كل ما فى هذا العالم محدود، ولهذا قال الرب للسامرية: "كل من يشرب من هذا الماء (الأمور المحدودة) يعطش أيضاً، ولكن من يشرب من الماء الذى أعطيه أنا (ماء الحياة الأبدية)، فلن يعطش إلى الأبد. بل الماء الذى أعطيه يصير ينبوع ماء، ينبع إلى حياة أبدية" (يو 13:4،14).من هنا كانت محاولات الأرتواء والشبع الإنسانى، من الأمور المحدودة، فاشلة وغير كافية، فمثلاً :
أ- قد يجتهد إنسان فى جمع المال، ولكنه حتى بعد أن يصير مليارديرا لا يشبع، ويطلب المزيد، ولا يحس بالكفاية!
ب- وآخر قد يجتهد فى تحصيل العلم، فيحص على شهادات دكتوراه كثيرة، ولكنه يظل يطلب المزيد، كما قال "اينشتاين": "كلما ازددت علماً، ازددت إحساساً بالجهالة" وكما قال نيوتن: "كنت كطفل صغير، يلهو على شاطئ محيط ضخم".
ج- وقد يجتهد آخر فى الفكر والفلسفة، ويحاول أن يسبر أغوار الحياة، والخليقة، وما قبلها، وما بعدها، والموت، وماذا بعد الموت.. ولا يشبع.. بل يقف عاجزاً وحائراً، فالعقل المحدود، كيف يستوعب الله غير المحدود؟!
د- وقد ينغمس آخر فى ممارسة الخطيئة، دون أن يشبع إطلاقاً، بل يتحول إلى "الإدمان الجنسى"، وهو نوع من الأمراض، يجتاح العالم الآن (Sex Addiction) وكلمة (Addiction) مستمدة من كلمة (Add) أى "زيادة"، فهو يزيد الجرعة بإستمرار، ودون شبع أو اكتفاء..
وهنا يظهر رب المجد يسوع، ليشبع نفوسنا وقلوبنا وأرواحنا، بشخصه اللانهائى غير المحدود، فلا نشعر بالحاجة إلى شئ، بل وحتى إلى شخص، أو موقع، فالمسيح يصير شبعنا اللانهائى، كما كان لآبائنا القديسين الذين تركوا العالم والمادة وكل المحدودات، وشبعوا بغير المحدود. انحلوا عن الكل، ليتحدوا بالواحد. وصار شعارهم - كما علمنا قداسة البابا شنوده الثالث :
- لست أريد شيئاً من العالم، فليس فى العالم شئ اشتهيه.
- لست أريد شيئاً من العالم، لأن العالم أفقر من أن يعطينى.
- لست أريد شيئاً من العالم، فأنا لست من العالم.
- لست أريد شيئاً من العالم، لأنى أبحث عن الباقيات الخالدات.
- لست أريد شيئاً من العالم، لأن هناك من أطلب منه.
إن الحاجة إلى الخلود هى من أهم احتياجات الإنسان منذ بدء الخليقة، لهذا بنى الأهرامات، ووضع التماثيل بجوار الجثمان المسجى فى القبر، لتتعرف عليه الروح عند القيامة. لهذا قالوا: "لو وضعنا الكرة الأرضية فى قلب الإنسان المثلث، تبقى زوايا المثلث فارغة. ولا يشبع قلب الإنسان المثلث، إلا الله المثلث الأقانيم".
من هنا جاءت حاجة الإنسان المعاصر إلى الكتاب المقدس، نوراً، ومعرفة، وحياة. وصار الكتاب بالنسبة إلينا :
1- كلام الله : الذى يرسم لنا طريق الخلاص والحياة الأبدية.
2- وتاريخ معاملات الله مع البشر : فى العهدين القديم والجديد.
3- مكان لقاء وتفاعل الإنسان مع الله : فى كافة مواقف الحياة من هزيمة إلى نصرة إلى مواعيد..
4- مدرسة اختبارات : نرى فيها كيف سار رجال الله مع الله فكانت حياتهم ناجحة ومثمرة، وكيف سار الأشرار فى الدنيا والآخرة.
5- طرق دراسة كلمة الله   
توجد طرق كثيرة لدراسة الكتاب المقدس، فالكتاب محيط شاسع مهما غصنا فيه لن نوفيه حقه ولن نستوعب إلا القليل. ولاشك أن هناك طرقاً عالية ومتخصصة فى دراسة الكتاب ولكننا هنا نقصد الطرق البسيطة التى تناسبنا كخدام مبتدئين وهى :
1- الطريقة العملية :
وهذه أهم الطرق وتناسب الإنسان المتعلم والبسيط. نقرأ الإصحاح ببساطة، ونفهم الوصايا الإلهية التى وردت فيه، ونطلب من الرب نعمة لكى ننفذها فعلاً.
مثلاً: حين أقرأ الآية "أن أخطأ إليك أخوك فأذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما" (مت 15:18)، اسرع إلى صديقى الذى كان قد أخطأ إلى وأعاتبه فى محبة وأكسبه من جديد. وحين أقرأ الآية: "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا فى تجربة" (مت 41:26)، أنظر حياتى فعلاً وأبدأ بأن أواظب على الصلاة بأمانة حتى لا أقع فى تجربة. وحين أسمع قول الرب "من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها فى قلبه" (مت 28:5)، أطلب منه بدموع أن يطهر نظراتى لتصير مقدسة... وهكذا.
وهذه كانت طريقة آبائنا القديسين حين كان الإنجيل غير مطبوع والنسخ الموجودة منه قليلة جداً، ولكنهم بسبب طاعة الوصية صاروا قديسين بل صاروا أناجيل متحركة بين الناس وكسبوا نفوساً كثيرة للمسيح. لقد سمع القديس أنطونيوس آية من شماس فى الكنيسة فمضى، وباع كل ما كان له، وتبع المسيح، فصار سبب بركة لكل العالم ولكل الأجيال.
2- الطريقة التأملية :
وهذه طريقة مهمة ومشبعة، فيها يقرأ الإنسان بعض الآيات، ويكررها فى هدوء وعمق، ثم يبدأ يناجى بها الله معبراً عن شكره إذا كانت الآيات تتحدث عن عمل الله معنا، أو عن انسحاقه إذا كانت تبكته على خطاياه، أو عن فرحه بالرب أن كانت تشرح له حب الله للنفس البشرية كما فى سفر النشيد وهكذا.
مثلاً: حين يقرأ الآية: "محبوب هو أسمك يارب فهو طول النهار تلاوتى" (مز 97:119). يبدأ يناجى الرب قائلاً: مستحق يارب أن أحبك، لأنك فديتنى وجهزت لى خلاصاً ثميناً وأبدية سعيدة، لكنى مسكين لأن محبتى للعالم وللجسد وللبشر كثيراً ما تحرمنى منك.. متى تكون محبوباً حتى الأعماق؟! متى يصير أسمك طول النهار تلاوتى؟! متى أردد صلاة يسوع بإستمرار: "ياربى يسوع المسيح ارحمنى، يارب يسوع المسيح أعنى، أنا أسبحك ياربى يسوع المسيح".وهكذا تشبع النفس بكلمات الكتاب، وتتحول الكلمات إلى صلوات، والصلوات إلى شبع وقوة.
3- الطريقة الدراسية :
وهذه طريقة مهمة أيضاً لأننا حين نقرأ كلام الله بدون فهم تقل استفادتنا منه، أما إذا فهمناه ودرسناه بتعمق يسهل أن نشبع به ونمتلئ منه. والمقصود بهذه الطريقة أن ندرس الجزء المقصود بعمق وتحليل. مثلاً فى رسالة رومية قد أقرأ ولا أفهم المقصود، ذلك لأنه يلزم أن أدرس مقدمة لهذه الرسالة تتحدث عن سبب وموضوع وأقسام الرسالة وأفكارها الرئيسية وهكذا أبدأ أن أفهم ثم أتعمق فى الدراسة فأقرأ كتاباً تفسيرياً للرسالة، ثم أقرأ كتباً مختلفة عنها، وهكذا. أنها دراسة تفصيلية للسفر، أو لموضوع فيه، أو لشخصية من شخصياته... وهكذا أتعمق فى دراسة كلمة الله المشبعة.
لقد كتب الآباء والمفسرون ملايين الصفحات فى تفسير الكتاب المقدس، ومازال الباب مفتوحاً للمجتهدين!
* هذه الطرق الثلاث تتكامل وتشد بعضها بعضاً، لذلك يستحسن أن أطبقها فى حياتى بالصورة التالية :
1- أقرأ فى الصباح إصحاحاً من العهد الجديد، وأتأمل فيه مناجياً الرب يسوع (الطريقة التأملية)، ثم أخذ وصية معينة وأحاول تطبيقها طول اليوم (الطريقة العملية).
2- أقرأ فى المساء بعض الإصحاحات أو التفسيرات لتتكون لدى فكرة متعمقة شيئاً فشيئاً عن الكتاب المقدس (الطريقة الدراسية).
اقتراحات عملية :
* يمكن أن نرسل إلى كل من لديه تليفون محمول آية يومية، ستكون لها فاعليتها فى حياته، ويمكن أن يضاف إليه نوع من التذكرة بالإجتماع المناسب له.. "اجتماعنا غداً الساعة كذا"..
* ويمكن إرسال E.mail لمن لديه كومبيوتر أو عنوان E.mail، فيه آية وتأمل فيها، أو أحد أقوال الآباء القديسين.
* يمكن عقد اجتماعات خاصة بدراسة الكتاب المقدس فى الكنيسة، وهى فكرة ناجحة وهامة وتغنى أولادنا عن حضور إجتماعات خارج الكنيسة.
* ويمكن عقد اجتماعات افتقاد منزلى، للأسرة، أو لمجموعة من الأسرات، فيها دراسة بسيطة لجزء من إصحاح.
* كما يمكن عقد مسابقات منزلية للأسرة كلها، لتجتمع حول كلمة الله، وكذلك لكل مرحلة: الأطفال - الفتيان - الشباب - الخدام.. إلخ.
إن كلمة الله نافعة للتعليم، وتستطيع أن تصل بأولاد الله إلى طريق الكمال والعمل الصالح..
فلنشبع بالكلمة المقدسة، لكى تشملنا جميعاً نعمة الرب.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

تم التطوير بواسطة شركة ايجى مى دوت كوم
تصميم مواقع مصر - ايجى مى دوت كوم