التجسد الإلهي

تقييم المستخدم: 1 / 5

تفعيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 
المجموعة: مقالات أعياد و مناسبات الزيارات: 6783

التجسد الإلهي .. هل له بديل ؟

إن كان السبب الرئيسي للتجسد هو فداء الإنسان الذي سقط ، وتجديد طبيعته التي فسدت ، فقد يتساءل البعض ولماذا خلق الله الإنسان من الأساس ؟ ولماذا أعطاه الوصية التي كانت طريقاً للموت ؟ وإن كان الذي أخطأ هو آدم وحواء ، فما هو ذنب الأبناء في توارث الخطية ؟ ولماذا لم يفكر الله في بديل آخر للخلاص غير رحلة التجسد والصليب ؟

س1 : إن كان السبب الرئيسي للتجسد هو فداء الإنسان الذي سقط وتجديد طبيعته التي فسدت ، فلماذا خلق الله الإنسان ؟

ج : يسبق هذا السؤال سؤال آخر مؤداه :

هل خلق الله الإنسان لكيما يعبده ويسبحه ويمجده ؟

كلا .. لأن كل هذه نتائج وليست أسباباً .. لقد خلقنا الله فنحن مدينون له ولذلك نقدم له العبادة والشكر والتسبيح ، ليست كفروض وقيود وواجبات ثقيلة ، ولكنها علامة حب وامتنان وتقديرله ..

لو خلق الله الإنسان لكيما يعبده فمعنى هذا أن الله كان ينقصه عبادة الإنسان ، بينما الله كامل في ذاته متكامل في صفاته منزَّه عن النقص ..

لم يكن الله محتاجاً قط لإنسان أو ملاك لكيما يعبده .. الله لم يكن يعاني من نقص معين فعوَّضه بخلقه الإنسان ، وعلى حد تعبير الآخرين أن الله غني عن عباده ، ونحن نصلي في القداس الإلهي " خلقتني كمحب للبشر .. لم تكن أنت محتاجاً إلى عبوديتي بل أنا المحتاج إلى ربوبيتك . من أجل تعطفاتك الجزيلة كونتني إذ لم أكن " كان من الممكن أن لا يخلق الله أي كائن آخر ومع ذلك فإن كماله لن ينقص ولا سعادته تتغير ، وليس كما تصوَّر بعض الجهلة بأن السأم والملل تسلل لله عبر الزمان فتسلى بخلقه الطغمات الملائكية لكيما تسبحه ، وعندما عاد إليه الملل والسأم ثانية خلق الإنسان لكيما يعبده .

والحقيقة أن الله خلق الإنسان من فرط جوده ومحبته ، فالإنسان هو وليد محبة الله العظيمة ..

خلق الله الإنسان لكيما يتمتع ذاك الإنسان بنعمة الوجود في الحضرة الإلهية ، وقبل أن يخلقه أعدَّ له كل شئ.. خلق من أجله الشمس والقمر وزين الكون بالنجوم .. هيأ له الأرض وخلق له النباتات وزينها بالأزهار والورود .. خلق له الأسماك والطيور والحيوانات أنواعاً وأشكالاًَ وألواناً بشكل يخلب الألباب ، ورأى الله أن كل هذا حسن ، وعندما خلق الإنسان ميَّزه عن سائر الخليقة إذ خلقه على صورته ومثاله في الوجود والعقل والحياة .. خلقه على الصورة التي سيتخذها لنفسه في ملء الزمان .. " نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا " (تك 1 : 26) وكلمة " صورة " بالعبرية " صليم " أي الظل أو الخيال ، فالإنسان هو ظل الله على الأرض ، و " شبه " بالعبرية " ديموت " أي دمية أو مثال أو شبه ، فالإنسان مثال الله في الابتكار وحرية الإرادة والسلطة والخلود .. إلخ وعندما خلقه قال " حسن جداً " (تك 1 : 31) وميَّزه بأن نفخ في أنفه نسمة حياة ، فاستقرت هذه النسمة في وجدان الإنسان وهي التي تدفعه للسعي نحو الأصل حتى بعد السقوط .

ويقول القديس أثناسيوس الرسولي " لأن الله صالح ، أو بالحرى هو بالضرورة مصدر الصلاح ، والصالح لايمكن أن يبخل بأي شئ ، لذلك فانه إذ لا يضن بنعمة الوجود على أي شئ ؟ خلق كل الأشياء من العدم بكلمته .. يسوع المسيح ربنا .. فإنه لم يكتف بمجرد خلقته للإنسان ، كما خلق باقي المخلوقات غير العاقلة على الأرض ، بل خلقه على صورته ومثاله ، وأعطاه نصيباً حتى في قوة " كلمته " لكي يستطيع وله نوع من ظل " الكلمة " وقد خُلِق عاقلاً ، أن يبقى في السعادة أبداً ، ويحيا الحياة الحقيقية ، حياة القديسين في الفردوس "

وكان آدم وحواء في الجنة عريانان وهما لا يخجلان لأن نعمة الله كانت تسترهما ، والشهوة لم تقربهما ، والمرض والألم لم يعرفاهما ، والموت لم يقوى عليهما ، فعاش آدم في إنسجام وحب مع جابله ، ومع الآخرين (حواء) وكان ملكاً متوَّجاً على الطبيعة متسلطاً على أسماك البحر وطيور السماء وحيوانات الأرض ، وما أجمل تعبيرات القداس الإلهي " ثبتَّ لىَّ الأرض لأمشي عليها . من أجلي ألجمت البحر . من أجلي أظهرت طبيعة الحيوان . أخضعت كل شئ تحت قدمىّ . لم تدعني معوزاً شيئاً من أعمال كرامتك " .

وإذا تساءل أحد قائلاً : مادام الله يعلم بسابق علمه أن آدم سيعصاه ويسقط في الخطية .. فلماذا خلقه ؟

إن الله بسابق علمه يعلم أن آدم سيعصاه ويخطئ ، ولكنه يعلم أيضاً أنه قد دبَّر له أمر الفداء منذ الأزل ، وسيحول الشر الذي تعرض له إلى خير ، وأنه سيرده ليس إلى مرتبته فقط إنما سيرفعه من الفردوس الأرضي إلى الملكوت السمائي ، وهذا مادفع اغسطينوس إلى القول " مباركة هي خطية آدم التي جلبت لجنسنا كل هذا الخير وكل هذه النعم والبركات " .

وكمثال تبسيطي للرد على التساءل السابق نقول أن الإنسان يعلم أنه عندما يتزوج وينجب سيتعرض أبناؤه إلى بعض الأمراض وبعض المتاعب في حياتهم ، فهل هذا يدفعه للعزوف عن الزواج ؟ .. كلا ، لأنه يعلم أيضاً أنه متى تعرض أبناؤه للمرض فانه سيسرع بهم إلى الأطباء المتخصصين لعلاجهم ، ومتى تعرضوا للمتاعب فانه سيقف بجوارهم حتى يتخطوا هذه المتاعب ويخرجوا للحياة أشد عوداً وأقوى صلابة . حقاً أن لدى الله فيض من العواطف الأبوية تكفي بلايين البشر ، ولذلك خلقهم لينعموا بأبوته ، وعندما تجسَّد الله الكلمة لمسنا فيه هذا الحب الأبوي فجميع الخطاة والعشارين والزناة التائبين والمطروحين وجدوا لهم مكاناً في قلبه ..

يالهذا الحب الإلهي الأبوي الذي أوجد الإنسان من العدم !!

س 2 : لماذا الوصية التي كانت سبباً للسقوط ؟

ولِمَ خلق الله هذه الشجرة ومنع آدم من الأكل منها ؟ ولماذا هذا الامتحان الصعب ؟

ج : الحقيقة أن الوصية الإلهية لآدم لم تكن سبباً لسقوطه إنما جاء السقوط بسبب غواية الحية وحسد ابليس " والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس .. " (من القداس الباسيلي) وأيضاً من شك الإنسان في كلام الله ، وتصديقه لكلام ابليس، وكان عمل إبليس هذا موجهاً بالدرجة الأولى ضد الله ، فهو يعلم أنه لو نجح في إسقاط الإنسان في المخالفة فلابد أن الإنسان سيسقط تحت حكم العدل الإلهي وينال عقوبة الموت ، كما أخطأ هو وطُرد من السماء ، وبذلك يفشل هدف الله من خلقة الإنسان .

وكانت الوصية بسيطة وسهلة " من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً . أما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت " (تك 2 : 16 ، 17) .. "غرس واحد نهيتني أن آكل منه " (من القداس الغريغوري)

فجميع شجر الجنة كان تحت تصرف آدم يأكل كما شاء ووقتما شاء ، وهذه شجرة وحيدة وُضِعت بحكمة إلهية وكان من السهل على الإنسان أن يصرف النظر عنها ولو لم تعطي حواء إذنها للحية الماكرة ما كان السقوط.

والحكمة من الوصية هي منح الإنسان الفرصة للتعبير عن حبه لله وطاعته له ، ليس عن قهر واضطرار بل بروح الحرية والحب ..

إنها إحترام لإرادة الإنسان الحرة ، بواسطتها يُعبّر الإنسان عن إرادته في الإلتصاق بالله ..

لقد قدم الله للإنسان الكثير والكثير، فعندما يقدم آدم الطاعة البسيطة لله فهي بمثابة ذبيحة لذيذة يقدمها المخلوق للخالق فيشتم الله الخالق هذه الذبيحة ويستثمنها ، مثل أب يُحضر لإبنه شجرة ورد نادرة الوجود ويغرسها في حديقة المنزل ، ويحضر لها السماد ، ويوفر لها الماء ، ويوصي إبنه أن يرويها ويرعاها ، فتنمو الشجرة وتترعرع ، فعندما يقدم الإبن الوردة الأولى للأب .. كم تكون سعادة الأب بإبنه الذي نفذ وصيته وروى الشجرة وتعهدها بالرعاية ؟!.

وكانت الوصية سنداً ودعماً للإنسان ، فيقول القديس أثناسيوس " ولكن لعلمه (لعلم الله) أيضاً إن إرادة الإنسان يمكن أن تميل إلى إحدى الجهتين (أي الخير أو الشر) سبق فدعَّم النعمة المعطاه له بالوصية التي قدمها إليه ، والمكان الذي أقامه فيه ، لأنه أتى به إلى جنته وأعطاه الوصية ، حتى إذا حفظ ، واستمر صالحاً ، إستطاع الاحتفاظ بحياته في الفردوس بلاحزن ولا ألم ولا هَمْ .. أما إذا تعدى الوصية وارتد وأصبح شريراً فيعلم أنه يجلب على نفسه الفساد بالموت الذي كان يستحقه بالطبيعة ، وإنه لا يستحق الحياة في الفردوس بعد "

ويجب أن نلاحظ أن الله لم يقل لآدم " يوم تأكل من الشجرة سأُميتك " إنما قال له " يوم تأكل من الشجرة موتاً تموت " أي أنك تسلم نفسك بإرادتك للموت ، لأن المعصية تحمل بذار المـوت فـي طياتها ، ولذلك قال الله على لسان الحكيم " من يخطئ عني يضر نفسه . كل مبغضيَّ يحبون الموت " (أم 8 : 36) وأخيراً نقول إنه كان من العدل أن يمتحن الله الإنسان ، فإذا نجح يكافئه ، وإذا فشل يعاقبه لكيما يتعلم الصح من الخطأ .

ثم لماذا كل هذا الاحتجاج على الوصية وكأنهم يريدون إتهام الله بالظلم ، وهو الذي حول لنا العقوبة خلاصاً.

س3 : هل سقوط آدم يعتبر سقوط للبشرية جمعاء ؟

ج : نعم ، فبالخطية فسدت طبيعة آدم .

كل ذرة في جسد آدم أصبحت فاسدة ، مثل شجرة التفاح التي أصابها مرض لعين فكل ثمارها أصبحت فاسدة ، والشجرة الفاسدة تحمل بذاراً فاسدة ولو زُرعت لن تنبت إلاَّ شجرة فاسدة تحمل بالتبعية ثماراً فاسدة .. وهلمَّ جرا . لقد ورث الأبناء عن أبيهم الطبيعة الفاسدة المملوءة بالغرائز البهيمية وجرى الدم الموبوء بالخطية في عروق جميع بني البشر " ها أنذا بالآثام حُبِل بي وبالخطية ولدتني أمي " ( مز 51 : 5 ) .

والدليل على توارث الخطية أن الخطية جاءت إلى حواء من الخارج أي من الحية، وجاءت إلى آدم من حواء التي سبقته في السقوط .

لكن قايين من أين جاءته الخطية ؟ إنها أتت من داخله ، لم يدفعه أحد لها بل هي ساكنة فيه ، وهكذا سقط الجميع حتى الأنبياء " الجميع زاغوا وفسدوا معاً ليس من يعمل الصلاح ليس ولا واحد " (رو 3 : 12) صحيح إننا لم نرتكب الخطية الأولى ولكننا وُلِدنا بها بالإضافة إلى خطايانا الشخصية ، فليس مولود إمرأة بلا خطية ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض . إذاً وراثة الخطية أمر واقع "

ويوضح الإنجيل حقيقة توارث الخطية من أبينا آدم فيقول " من أجل ذلك كإنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع " (رو5 : 12) فمن لا يخطئ بالفعل يخطئ بالقول ومن لا يخطئ بالقول يخطئ بالفكر ، و " النفس التي تخطئ تموت " (حز 18 : 4) ويقول القديس أثناسيوس " لأن البشر لم يقفوا عند حد معين حتى في سوء أفعالهم ، بل تدرجوا في الشر حتى تخطوا كل حدود ، وأصبحوا يخترعون الشر ويتفننون فيه ، إلى أن جلبوا على أنفسهم الموت والفساد ، وبعد ذلك إذ توغلوا في الرذيلة ، ولم يقفوا عند شر واحد ، بل راحوا يخترعون كل جديد من الشر ، فقد أصبحت طبيعتهم مشبَّعة من الخطية .

فها هي خطايا الزنى والسرقة قد عمَّت كل مكان ، وامتلأت كل الأرض بخطايا القتل والنهب ، وأصبح البشر لا يراعون حرمة للناموس ، بل صاروا يرتكبون الجرائم في كل مكان ، سواء كأفراد أو جماعات.. وصار كل إنسان يتنافس مع أقرانه في الأعمال القبيحة ، وأصبحوا لا يترفعون حتى عن الجرائم التي ضد الطبيعة كما يقول عنهم بولس رسول المسيح وشاهده .. (رو 1 : 26 ، 27) "

وجميع هذه النقائص هي خطايا ، وحتى الذين يولدون في الغابات بعيداً عن المدينة فإنهم لايخلون من المكر والأنانية حتى أبْدا البعض بعض الملاحظات التي يجب أن تؤخذ في الحسبان فقالوا أن الإنسان يُولَد وبه ميل إلى الخطية وهذا الميل وإن كان لا يبدو بوضوح في الصغر ، غير أنه يأخذ في الظهور كلما شبَّ الإنسان ونما.

فمثل هذا الميل مثل السم الكامن في الثعبان ، فإنه لا يرد إليه من الخارج ، بل أن الثعبان يُولَد وفي جسمه استعداد لتكوينه. وكل مافي الأمر ، أن هذا السم لا يظهر بنتائجه المميتة ، إلاَّ إذا بلغ الثعبان سناً معيناً ..

إن الذين قالوا بسلامة الفطرة الإنسانية وكمالها ، وبذلوا كل مالديهم من جهد لتحسين حالة الفقراء والبؤساء ، لاقوا من أولئك وهؤلاء الكثير من المتاعب والمضايقات ، ومن ثم خابت آمالهم الطيبة من جهتهم جميعاً خيبة ليس بعدها خيبة "

وقد يتساءل البعض كيف نقول أن البشر جميعاً قد ورثوا الخطية وفسدت طبيعتهم بينما يوجد رجال أبرار صالحون في العهد القديم فقيل عن نوح " كان نوح رجلاً باراً كاملاً في أجياله " (تك 6 : 9 ) وقيل عن أيوب " كان هذا الرجل كاملاً ومستقيماً يتقي الله ويحيد عن الشر " (أي 1 : 1) وقيل عن زكريا واليصابات انهما " كانا كلاهما بارين أمام الله " ( لو 1 : 6 ) .

فنقول أن الصلاح بمعناه الحقيقي أن الإنسان لا يخطئ على الإطلاق لا بالفعل ولا بالقول ولا بالفكر بالإضافة إلى عمل كل أعمال الخير . مثل هذا الصلاح لن نجده بين البشر على الإطلاق ، ولذلك قال الرب يسوع " ليس أحد صالحاً إلاَّ واحد وهو الله " (لو 18 : 19) أما رجال الله الصالحون فهم الذين فعلوا الصلاح النسبي وكانت خطاياهم قليلة ويقدمون عنها اعترافاً وذبيحة فتغفر لهم على حساب دم المسيح.

وقد يقول البعض أنه مادام الإنسان قد ورث الخطية وبالتالي أصبح لديه ميل طبيعي لها فهوغير مسئول عن تصرفاته الخاطئة؟

ونقول لمثل هؤلاء أن غير المسئولين عن تصرفاتهم هم الأطفال الذين لايدركون الصح من الخطأ ، وكذلك ذوي العاهات الخاصة الذين لايملكون قوة التمييز بين الصح والخطأ .أما الإنسان الذي ميَّزه الله بالعقل الراجح ويعرف الخير من الشر فهو مسئول مسئولية كاملة عن جميع تصرفاته لأنه فعلها بكامل حريته ، وإذا إشتكى من ضعف إرادته فالطريق إلى تقويتها هو الالتصاق بالله والتماس القوة منه، وعندئذ يقول الضعيف بنعمة الله بطل أنا .

س 4 : ما ذنبنا نحن في خطية آدم ؟

وهل العدل الإلهي يقاصّص القاتل فقط أم انه يقاصّصه هو وأولاده وذريته ؟

وإن كانت العدالة الأرضية القاصرة لاتحكم على إبن القاتل بالإعدام فما بال السماء تحاسبنا على خطية آدم ؟

وهل أُحاسب على خطية أبي وجدي وأمي وجدتي .. وهلمَّ جرا ؟

ج : صحيح اننا لم نرتكب الخطية الأولى ، ولكننا وُلِدنا بها بالإضافة إلى خطايانا الشخصية ، ومن يستطيع أن يتبرَّر أمام الله من خطاياه ولو كانت حياته يوماً واحداً على الأرض ؟ .

ومن المعروف حسب قانون مندل للوراثة أن العوامل الوراثية تمتد حتى الجد السابع ، فمثلاً نوع الشعر ولون العينين والطول والقصر ولون البشرة يرثها الإنسان عن أبائه وأجداده ، ولم نرَ إنساناً عاقلاً يحتج على صفاته الوراثية .

بل قد يرث إنساناً عن أبويه بعض الأمراض مثل السكر وخلافه ، فهل يحتج هذا الإبن على أبيه الذي أورثه ذلك المرض ؟! وماذا يفيد إحتجاجه ؟ أليس من الأجدى البحث عن العلاج والمواظبة عليه بشكر لله الذي بحكمة فعل أو سمح بهذا المرض لخير الإنسان ؟

وكثيراً مانرى إبناً ورث عن أبيه ميراثاً مادياً كبيراً وآخر ورث عن أبيه بعض الديون وأسرة كبيرة بلا مورد للرزق ، فيتمتع الأول بميراث أبيه ، والثاني لو كان عاقلاً حكيماً فلا ينبغي أن يحتج ويلعن الظروف والأقدار التي شاءت أن يكون مثل هذا الرجل أباه . بل يحافظ على سمعة أبيه ويعمل ويجتهد ويجد لكيما يسدد ديون أبيه ، ويعول والدته واخوته .

إذاً فالسؤال الحكيم لايكن بالصورة السابقة المحتجة إنما يكون هكذا :

هل من علاج للخطية التي وُلِدنا بها ونعيش فيها ؟

والإجابة : نعم ، وبكل تأكيد هناك علاج أكيد في دم المسيح " فإذاً كما بخطية واحدة صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة هكذا ببّرٍ واحدٍ صارت الهبة إلى جميع الناس لتبرير الحياة . لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعِل الكثيرون خطاة هكذا أيضاً بإطاعة الواحد سيُجعَل الكثيرون أبراراً " (رو 5 : 18 : 19) " إذاً لاشئ من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع الساكنين ليس حسب الجسد بل حسب الروح " (رو 8 : 1)

ولو ظل إنسان مازال يتساءل : ماذنبي في خطية أبي آدم ؟ يرد عليه القديس أوغسطينوس قائلاً : وأي فضل لك في خلاص المسيح ؟!

س 5 : ما هي نتائج السقوط المروع للبشرية ؟

ج : أهم نتائج السقوط تتمثل في الآتي :

أ - الموت الروحي الأبدي : أي إنفصال الإنسان عن الله مصدر الحياة ، فبالمعصية انفصلت الصورة عن الأصل ، وانفضت الشركة بينهما ، وصار الإنسان الخاطئ يهرب من الله لأنه يستحيل عليه التواجد في حضرة الله القدوس

وهل تثبت الظلمة أمام النور ؟

ويقول القديس أثناسيوس " وما يعني (الله) بقوله (موتاً تموت ) ؟ ليس المقصود مجرد الموت فقط بل أيضاً البقاء إلى الأبد في فساد الموت "

لقد سقط آدم وصار مصيره إلى الجحيم الأبدي مع الملاك الساقط لولا رحمة الله التي أدركته بالتجسد ، وقد عاش آدم فترة حياً بالجسد ولكن للوقت سرى عليه الموت الروحي كقول معلمنا بولس لأهل أفسس " وأنتم إذ كنتم أمواتاً بالذنوب والخطايا " (أف 2 : 1) ويقول القديس أوغسطينوس " إن موت الجسد هو انفصال الروح عن الجسد ، وموت الروح هو انفصال الروح عن الله "

ب - الموت الجسدي : منذ اللحظة التي أكل فيها الإنسان من ثمرة الشجرة المُحرَّمة وقد حطم الوصية بدأت تدب فيه عوامل الإنحلال ، وإن كان آدم لم يمت عقب الأكل مباشرة فذلك بسبب إرادة الله الصالحة في إنقاذ الإنسان من الهلاك الأبدي ، فتركه لكيما يُنجِب ، ومن نسله يأتي مخلص العالم . وأيضاً بالمعصية خَضع الإنسان لسلطان الأمراض التي تفضي به إلى الموت .

ويقول القديس أثناسيوس " فالله إذ خلق الإنسان ، قصد أن يبقَى في عدم فساد ، أما البشر فإذا إحتقروا ورفضوا التأمل في الله ، واخترعوا ودبروا الشر لأنفسهم .. فقد استحقوا حكم الموت الذي سبق تهديدهم به ، ومن ذلك الحين لم يبقوا بعد في الصورة التي خُلقوا عليهـا ، بل فسدوا حسبما أرادوا لأنفسهم ( جا 7 : 29 ، رو 1 : 21 ، 22) وساد عليهم الموت كملك (رو 5 : 14) ..

كذلك يجب أن لا يتوقعوا إلاَّ الفساد .. وبتعبير آخر يجب أن تكون النتيجة الإنحلال وبالتالي البقاء في حالة الموت والفساد "

ج- الموت الأدبي : بالسقوط فقد الإنسان مجد الصورة الإلهية داخله ، ففقد وقاره وهيبته وكرامته ، وصار مطروداً من الفردوس هائماً على وجهه يعاني من عار الخطية التي تركت وصمتها القوية داخل النفس ، وبعد أن كان آدم وحواء عريانين ولايخجلا لأن النعمة كانت تسترهما انتابهما عَقِبْ المعصية الإحساس بالعري والخجل والخزى " فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر " (تك 3 : 7)

وإجتاح الخوف حياة آدم حتى من صوت جابله الذي كان يسعد ويتلذذ به فقال "سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت " (تك 3 : 10) وظل الإنسان يعيش الموت الأدبي الذي ينتهي به إلى الموت الجسدي .

أما الموت الروحي فيعبر معه من هذا العالم إلى العالم الآخر .

د - العقوبات التي حلت بالإنسان والحية : عَقِبْ السقوط حكم الله على آدم وحواء والحية ، ولم يحكم على إبليس لأنه سبق الحكم عليه ، وجاءت العقوبات كالتالي :

للحية : " فقال الرب الإله للحيَّة لأنك فعلت هذا ملعونة أنتِ من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية . على بطنك تَسعين وتراباً تأكلين كل أيام حياتك . وأضع عداوة بينكِ وبين المرأة وبين نسلكِ ونسلها . هو يسحق رأسك وأنتِ تَسحقين عَقبه " (تك 3 :14 ، 15) ففي طيات العقاب جاء الوعد بالخلاص إذ يسحق نسل المرأة رأس الحية .

للمرأة : " وقال للمرأة تكثيراً أُكثّر أتعاب حبلك . بالوجع تلدين أولاداً . وإلى رجلك يكون اشتياقك وهو يسود عليك " (تك 3 : 16)

لآدم : " وقال لآدم لأنك سمعت لقول إمرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلاً لاتأكل منها ملعونة الأرض بسببك . بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك . وشوكاً وحسكاً تنبت لك وتأكل عُشب الحقل . بعرَق وجهك تأكل خبزاً حتى تعود إلى الأرض التي أُُخذت منها لأنك تراب وإلى تراب تعود " ( تك 3 : 17 ، 18 ) وطُرِد آدم وحواء من الفردوس وأقام الله كاروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة لئلا يأكل آدم منها فيحيا إلى الأبد بخطيئته ، وظل آدم يحرث الأرض ويزرعها لتخرج له شوكاً وحسكاً ، فيأكل خبزه بعَرق وجهه ، وهكذا أولاده ، ولم يَفلح أحد منهم قط في العودة إلى الفردوس المفقود إلاَّ بالتجسد الإلهي والفداء .

هـ - تسلُط الشيطان : صار للشيطان سلطاناً على آدم كقول الإنجيل " أنتم عبيد لمن تطيعونه " (رو 6 : 16) فأصبح آدم عبداً للشيطان ، وكما إن العبد مِلكاً لسيده ليس هو فقط ، ولكنه هو وأولاده أيضاً . هكذا صار آدم وجميع بنيه مِلكاً للشيطان ، وقام الشيطان بهذه المهمة خير قيام فوكَّل على كل واحد من نسل آدم روحاً من الأرواح الشيطانية يحثه على إرتكاب المعاصي والآثام ، ومتى انتهت حياته يكشف عن منظره البشع فيرتعب الإنسان وتفيض روحه في يد الروح الشرير الذي يهبط به إلى الجحيم (حتى أرواح الأطفال الأبرياء والأنبياء القديسين ) لقد ملك الشيطان على جنس آدم لكن ليس قهراً ولا جبراً ولا ظلماً إنما اقتناه لنفسه بالحيلة والمكر والدهاء "

و - فساد الطبيعة البشرية : ونُعيد القول " سَكَنَتْ الخطية في الإنسان وأثرت على جميع جوانب حياته ، وفسدت طبيعته بالكامل فعاش في خوف وقلق وتوتر واضطراب وألم ومرض بل قُل أنه عاش في الموت .

وإمتد أثر الخطية إلى الطبيعة فالأرض لم تعد تعطي ثمرها بل شوكاً وحسكاً تنبت لك وها الحيوانات تغيرت طبيعتها فاصبحت متوحشة ، والرياح والأعاصير والفيضانات والبراكين تطارد البشر "

بالسقوط فقد الإنسان حياة القداسة والبرارة والبراءة والطهارة والسمو والبساطة والسلطة ، فاصبحت نظرته مادية جسدية ترابية ، وثارت فيه غرائزه الطبيعية فأخذ يعاني من ضغطات الخطية من الداخل والمؤثرات الخارجية من الخارج ، وصار عبداً للخطية يتردى فيها من سيئ إلى أسوأ فأسواً ..

صار عبداً لأهوائه وشهواته ولذاته الجسدية ، وبالسقوط فقد الصورة الإلهية داخله فتمردت عليه الحيوانات والطبيعة ، وفقد سلامه الداخلي مع الله ومع نفسه ومع الآخرين ، حتى شعر بالعداوة تجاه السماء ، واجتاحت حياته العزلة والأنانية والقلق ، واجتاحته القلاقل والخصومات ، وبعد أن كان يقول عن حواء " هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي " (تك 2 : 23) أصبح يقول " المرأة التي جعلتها معي هي التي أعطتني من الشجرة فأكلت " (تك 3 : 12) ، وبالسقوط دخلت المعرفة الشريرة إلى الإنسان ، فبعد ان كان لايعرف إلاَّ الخير والصلاح أصبح يعرف الشر ، وتحَّول الإنسان من صورة الصلاح إلى صورة الفساد ..

ومن يقدر أن يجدد هذه الطبيعة الفاسدة ؟ .

لقد وقف الإنسان عاجزاً أمام خطيته الغير محدودة .. ومن يخلصه منها؟

ووقع تحت سلطان الموت الروحي والجسدي والأدبي ..

فمن يخلصه من قبضة الموت ؟ ومن يحطم شوكته ؟

وصار الإنسان عبداً لأبليس السيد القاسي المتسلط ..فمن يخلصه من قبضة إبليس؟

ووقف الإنسان منكسراً أمام العدل الإلهي .. فمن يستطيع أن يوفي العدل الإلهي حقه ؟ .. لا أحد .. لا أحد يقدر أن يصنع خلاصاً هذا مقداره . فقط القادر على كل شئ هو الذي يقدر ، وكم نشكره لأنه إرتضى أن تكون قضيتنا قضيته .

أما الذي يحتج بأن العدل الإلهي لايمكن أن يقاصص إبن القاتل عن خطية أبيه القاتل ، وان معنى توارث الخطية أن الإنسان يرث خطية أباه وجده وأمه وجدته ..

فلمثل هذا نقول إن المشكلة إننا جميعاً كنا في صلب آدم يوم أن أخطاً ، وورثنا منه الخطية الجدية ، وايضاً الطبيعة الفاسدة التي تدفعنا للخطأ ، ولذلك لم نرَ إنساناً قط بدون خطية ، وسواء هلك الإنسان بخطيته الشخصية أو بخطيته الشخصية والخطية المتوارثة ، فالنتيجة واحدة وهي الهلاك الأبدي ، والذي يُحكَم عليه بالموت مرة لا يضار لو حُكِم عليه بالموت عشرات أو مئات المرات .

بدائل التجسد : قد يتساءل البعض : ألم يكن هناك أي بديل آخر لرحلة التجسد والفداء التي دفع تكلفتها بالكامل الله العظيم الممجد في سماه ؟! ..

دعنا ياصديقي نفترض عدة بدائل بحسب فكرنا الضيق ونناقشها معاً :

س 6 : لماذا لم يفني الله آدم وحواء ويخلق إنساناً جديداً يطيعه ؟

ج : هذا البديل لا يصلح لحل هذه القضية للأسباب الآتية :

أ - لقد خلق الله هذا الإنسان ليحيا إلى الأبد ، فعندما يجبر الشيطان الله على تغيير هدفه ويفني الإنسان ، فهذا يعتبر انتصار للشيطان على الله ، وما رأيك عندما يعمل الله عملاً فيفسده الشيطان ، ولايقدر الله على إصلاح هذا الفساد ؟ .. ألاَ يعتبر هذا تحدي لقدرة الله وكرامته وحكمته ؟!

إذا صمم مهندس حكيم ماكينة ريّ على مستوى عالٍ جداً من الكفاءة ، وبعد ذلك حدث بها عطل فهل هذا المهندس الحكيم يدمرها أم أنه يجتهد لكيما يصلح العطل الذي حلَّ بها ؟ وإن كان هذا تصرف الإنسان الحكيم فكيف نستبعد هذا التصرف عن الله مصدر الحكمة ؟ّ!

ب - عندما يفني الله الإنسان الذي خلقه على صورته ومثاله لأنه سقط بغواية إبليس .. ألاَ يعتبر هذا قسوة واتهام صارخ ضد المحبة الإلهية التي أوجدت الإنسان من العدم ؟

ألم يكن من الأفضل أن لا يخلق الله الإنسان بدلاً من أن يفنيه بعد خلقته ؟!

ألاَ يعتبر إفناء الإنسان دليل على اليأس وقلة الحيلة ، بينما استخدام المحبة لعلاج القضية دليل على القوة ؟! وهل تنسى أن الله محبة ، وهو نبع الحب والخير غير المتناهي .. فكيف تقصُر محبة الله عن إنقاذ الإنسان محبوبه ؟!

يقول د.راغب عبد النور "أن المسيحية تعلمني أن الله من الإنسان مكان الوالد الحنون ، ويرتبط بنا ارتباط المسئول عنا ، وإن إلهنا المحبوب لايتنازل عن أبوته حتى لو تنازل الإنسان عن بنوته ، وإن إلهنا غير مستعد لكي يدمر الإنسان حتى لو انتهى الإنسان إلى حالة العطب وعدم النفع .

تعز على إلهنا الفتيلة المدخنة ، فيتولاها ويرعاها إلى أن تتحول إلى سراج منير

كما إنه لا يدفع بالقصبة المرضوضة إلى النار ، لكنه يعالجها بلطفه الشديد إلى أن تتحول إلى شجرة كثيرة الثمر ، ممتدة الأغصان ووارفة الظل "

ج - إفناء الإنسان ضد صلاح الله ، فيقول القديس أثناسيوس " وكان أيضاً أمراً غير لائق أن الخليقة التي خُلِقت عاقلة..

يصبح مصيرها الهلاك وترجع إلى عدم الوجود بالفساد .

لأنه مما لا يتفق على صلاح الله أن تفنى خليقته بسبب الغواية التي أدخلها الشيطان على البشر .

وبصفة خاصة كان غير لائق على الإطلاق أن تتلاشى صنعة الله بين البشر، إما بسبب إهمالهم ، أو بسبب غواية الأرواح الشريرة.

ولو كان مصير الخليقة العاقلة قد بات إلى الهلاك ، وصار مآل هذه المصنوعات إلى الفناء ، فما الذي يفعله الله في صلاحه إذاً ؟

د - عندما يخلق الله إنساناً جديداً .. هل سيخلقه حراً مُريداً ؟

ولو كان حراً فما أدراك أن لا يأتي الشيطان ثانية ويسقطه بحيلة أخرى ، ولاسيما انه المحتال الذي يملك ألف حيلة وحيلة ؟

س 7 : لماذا لم يخلص الله آدم وحواء بالقوة ، فمجرد كلمة منه قادرة على رد آدم وحواء اللذان سباهما الشيطان ؟

ج : هذا الحل البديل لايصلح للأسباب الآتية :

أ - ما أُخذ بالقوة يسترد بالقوة . أما الشيطان فانه لم يأخذ الإنسان بالقوة ..

لم يأخذ من ثمار الشجرة المحرمة ، ولم يفتح فم آدم رغماً عنه ، ولم يدفع إلى فمه الثمرة المحرمة . بل أن الشيطان في الأصل لايقدر أن يسبي الإنسان بالقوة ، لأن الإنسان في حماية القدير طالما كان ملتزماً بطاعته .

إنما أسقط الشيطان الإنسان بالحيلة والمكر والدهاء والخداع والغواية " الحية غوَّتني فأكلت" (تك 3 : 13) وكما أن الله كامل في قوته فهو كامل في عدله أيضاً ،

فلو ردَّ الله الإنسان بالقوة فإن هذا يعتبر ضد عدل الله الكامل.

ب- خلق الله الإنسان حراً مُريداً ، فعودة الإنسان لله لابد أن تتم بكامل حريته وإرادته ، فربما يرده الله بالقوة فيقول آدم له : ومن قال لك أنني أريد أن أسير معك ..

أنا لا أحب الطريق الكربة ولا الباب الضيق ، وربما تقول حواء : أنني معجبة بشغل الشياطين ولا أريد أن أتركهم ..

من أجل هذا ياصديقي يطيل الله أناته علينا لكيما نعود إلى أحضانه الأبوية بكامل حريتنا وإرادتنا ،

ويقول د . راغب عبد النور " أن يتدخل الرب الإله تدخلاً مباشراً ، وينتشل الإنسان مما فيه ، ورغم ما به وما عليه ، وهو إجراء لا يتمشى مع عدالة وطهارة الله ، وحتى إن تصوَّرنا إلهنا قابلاً أن يقوم بهذا الدور . إلاَّ أن الإنسان الذي سقط وتدنس ، لا يستطيع أن يعايش الله في نوره وفي قداسته ، لأن كل ما فيه ينجذب نحو الظلام إنجذاباً تلقائياً ، وقد يقبل الرب أن يقبل إلينا رغم ما فينا ، فإننا في هذه الحالة سنهرب من وجهه هروباً ، ولو إلى الموت "

ج - يناقش القديس أثناسيوس اقتراح البعض بأن الله كان يمكنه أن يخلص الإنسان بكلمة منه فيقول " يقولون إن كان الله قد أراد أن يصلح البشرية ويخلّصها ، وجب أن يتمم ذلك بمجرد نطق ملكى كريم ، دون حاجة إلى تجسد " الكلمة " أي بنفس الطريقة التي اتبعها سابقاً عندما أوجدها من العدم.

أما عن اعتراضهم هذا فنجيبهم جواباً معقولاً قائلين : سابقاً لم يكن شئ موجوداً على الإطلاق ، فالذي كان مطلوباً لخلقة كل شئ هو النطق الملكي، ثم مجرد الإرادة لإتمام ذلك . أما وقد خلق الإنسان ، وأصبح الأمر يحتاج إلى علاج ما هو موجود ، ووصل الأمر إلى تلك الحال ، لا ما هو ليس موجوداً ، لهذا السبب ، ولكي يُبرئ الموجود ، دعت الضرورة بطبيعة الحال أن يظهر الطبيب ، والمخلص تأنس واستخدم جسده أداة بشرية

وقال القديس كيرلس الكبير " كان يلزم من أجل خلاصنا أن كلمة الله يصير إنساناً لكي يجعل جسد الإنسان الذي تعرض للفساد خاصاً له ، ولكونه هو الحياة والمحيي يبطل الفساد الذي فيه "

د - عندما فسدت الطبيعة البشرية بالسقوط احتاجت للحياة لكيما تتحد بها وتطرد الفساد والموت من داخلها ، وهذا الأمر لايحتاج لكلمة من الله ، إنما يحتاج للتجسد الإلهي ، فيقول القديس أثناسيوس " ثم يجب أن نعلم أيضاً ، أن الفساد الذي حصل لم يكن خارج الجسد بل لصق به ، وكان مطلوباً أن تلتصق به الحياة عوض الفساد، حتى كما تمكن الموت من الجسد ، تتمكن منه الحياة أيضاً .

والآن لو كـان الموت خارج الجسد لكان من اللائق أن تتصل به الحياة من الخارج.

أما وقد صار الموت ممتزجاً بالجسد وسائداً عليه ، كما لو كان متحداً به، فكان مطلوباً أن تمتزج الحياة أيضاً ، حتى إذا مالبس الجسد الحياة بدل الموت ، نزع عنه الفساد ، وفضلاً عن هذا فلو افترضنا أن " الكلمة " جاء خارج الجسد وليس فيه ، لكان الموت قد غُلب منه ( من المسيح ) وفقاً للطبيعة ، إذ ليس للموت سلطان على الحياة ، أما الفساد اللاصق بالجسد فكان قد بقى فيه رغم ذلك.

لهذا السبب كان معقولاً جداً أن يلبس المخلص جسداً ، حتى إذا ما اتحد الجسد بالحياة لا يبقى في الموت كمائت ، بل يقوم إلى عدم الموت إذ يلبس عدم الموت ..

لهذا لبس " المسيح " جسداً لكي يلتقي بالموت في الجسد ويبيده

هـ - بالتجسد ردَّ الله الضربة للشيطان بالفعل ، فيقول القديس يعقوب السروجي " كما أن الشيطان دخل الحية وصرع الجنس البشري وأماته ، هكـذا أراد الله أن يأخذ جسد الإنسان ويختفي فيه ليقبض على الشيطان الحية القديمة ويهلكه"

س 8 : لقد أخطأ آدم رغم التحذير ، فلماذا لم يتركه الله لمصيره المشئوم، وليكتفِ بانه يعطه الناموس والوصايا ؟

ج : كان لا يمكن أن يترك الله آدم لمصيره المشئوم للأسباب الآتية :

أ - ضد صلاح الله : فهذا الترك لا يليق بالله الكلي الصلاح ، ويقول البابا أثناسيوس الرسولي " إذا أسَّس ملك منزلاً أو مدينة واحدق بها اللصوص بسبب إهمال سكانها ، فإنه لا يهملها أو يتغاضى عنها بأي حال ، بل يقوم ويهتم وينتقم من العابثين بها لأنها صنعة يديه غير مبال بإهمال سكانها ، عمل بما يليق بذاته .

وهكذا الله ، كلمة الآب الكلي الصلاح ، لم يهمل الجنس البشري صنعة يديه ، ولم يتركه للفساد ، بل أبطل الموت بتقديم جسده ، وعالج إهمالهم بتعاليمه ، ورد بسلطانه كل ما كان للإنسان

وقال أيضاً " أيحتمل أن يَرى الفساد يسود البشر ، والموت ينشب أظافره فيهم ؟

وما الفائدة من خلقهم منذ البدء ؟ لأنه كان خيراً لو لم يخلقهم من أن يُخلقوا ثم يُهملون ويفنون .

لأن الإهمال لا يعلن صلاح الله بل ضعفه . إن كان يسمح لخلقة يديه بالفناء بعد أن خلقها ، وكان بالأحرى يتبين ضعفه لو لم يكن قد خَلق الإنسان على الإطلاق..

فقد كان يُعد أمراً مشيناً جداً أن يفنى المخلوق على مرأى من الخالق.

لهذا أصبح أمراً محتماً ألا يُترك الإنسان لتيار الفساد ، لأن ذلك يعتبر عملاً غير لائق ، ولا يتفق مع صلاح الله

ضد محبة الله : هل يمكن أن نتصوَّر الله بأن يقف موقف المتفرج من الإنسان الذي هو وليد المحبة الإلهية بل ينتظر حتى يمتلئ كأس خطاياه فينقَض ويصب جام غضبه عليه ؟ !

هل يمكننا أن نتصوَّر الله بهذه القسوة والجحود واللامبالاة ؟ !

ليس هكذا إلهنا .. ليس هكذا قط ، والمصلوب شاهد عيان على كذب هذا الافتراء.

ج- ضد رحمة الله : الذي أدان الغني لأنه أهمل اليعازر البلايا ولم يشفق عليه ، كيف يهملنا نحن خليقته ؟!

الذي طالب بطرس بأن يغفر للمسئ إليه سبع مرات سبعين مرة لكيما يكسبه للملكوت كيف يهملنا لمصيرنا المشئوم ؟ !

د - ضد كرامة الله : الإنسان مخلوق إلهي حامل الصورة الإلهية عندما يسقط بغواية الحية فيهمله الله ويتركه إلى مصيره التعث ويُهان الإنسان .

أليس إهانة الصورة هي إهانة للأصل ؟ !

عندما يحرق إنسان علم الدولة هل يُحاسَب لأنه أحرق قطعة من القماش أم لأنه أهان رمز الدولة ؟

هـ- ضد حكمة وذكاء الله : إذ كيف يقف الله عاجزاً عن حل المشكلة التي اختلقها إبليس الذي أطاح بالإنسان إلى قاع الجحيم ؟ !.

ولم يكن الناموس كافياً لخلاص الإنسان ، لأنه ما جدوى النصائح والوصايا للإنسان الغارق في الخطية ؟

يقول القديس يعقوب السروجي " إذا أردت أن تنقذ غريقاً أو تُنهِض إنساناً مطروحاً ، فلا ينفع أن تقدم له النصيحة . بل عليك أن تخلع ثيابك وتلبس ثياب البحر ، وبعد أن تنزل تقيمه معك "

كل ما يفعله الناموس أنه يكشف الخطية ويعرّيها ولكنه لا يعالجها ولا يقضي عليها . الناموس يقول لهذا أنت مقيد بالخطية ، ويقول لذاك أنت ملفوف بأكفان الموت ، ويقول لثالث لقد صرت ضليعاً في فنون الشر متشبهاً بإبليس ، وفي كل هذا لا يقدر الناموس أن يفك الأسير ، ولا يقدر أن يُقيم الميت ، ولا يقدر أن يرد الضال، ولا يقـدر أن يقدم البلسم الشافي الذي قدمه السيد المسيح على عود الصلب.

س 9 : الله غفور رحيم .. فلماذا لم يسامح آدم وتنتهي المشكلة ؟

ج : وهذا الحل لا يصلح للأسباب الآتية :

أ - الله كامل في رحمته وكامل أيضاً في عدله ، فلو سامح آدم فإن هذا يتعارض مع عدله ..

لقد حذر الله آدم من الأكل من الشجرة ، وأعطاه كل مقومات عدم السقوط مثل الحكمة والشبع بخالقه والفرح الروحي ، والأكل من جميع أشجار الجنة باستثناء هذه الشجرة فقط ، فعندما يخطئ آدم ولا ينال العقوبة التي سبق أن فرضها الله عليه فان هذا يعتبر ضد العدل الإلهي.

ب - لو ناقض الإنسان نفسه وغيَّر أقواله فان هذا يعتبر نوع من النقص

فكيف ينقض الله أقواله ؟ ! .. " ليس الله إنسان فيكذب .ولا إبن إنسان فيندم . هل يقول ولا يفعل أو يتكلم ولا يفي " ( عد 23 : 19) " هل الله يعوّج القضاء أو القدير يعكس الحق " (أي 8 : 3) هل يقول الله لآدم " وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها " ولم يكتف الله بهذه الوصية بل أوضح له مغبة المخالفة " لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت " (تك 2 : 18)

وعندما يأكل الإنسان يسرع إليه الله قائلاً : إيه يا آدم ؟ ! هل أنت صدقت كلامي ؟!

أنني كنت أُخيفك فقط ، لكنك لن ترَ الموت قط لأن موتك ضد رحمتي الغير محدودة .. أذهب ياآدم لن تموت. فقط لا تكرر فعلتك الشنعاء ثانية لكيما أحبك .. هل يعقل هذا ؟ !!

ج - إن لم يمت الإنسان يكون الله غير صادق ، وعلى حد تعبير القديس أثناسيوس " كان أمراً مرعباً لو أن الله بعدما تكلم يصير كاذباً – حيث كان الله أصدر حكمه على الإنسان بأن يموت موتاً ، إن تعدي الوصية والذي يحدث أنه لا يموت – فتبطل كلمة الله حينذاك ، ولو كان الإنسان لم يمت بعد أن قال الله إننا نموت لأصبح الله غير صادق

د - لو برَّأ القاضي الأرضي مُذنباً ، لحُسِب هذا القاضي ذاته مذنباً في حق العدالة ، فهل يحطم ديان الأرض كلها قانون العدالة الإلهية ويبرئ المذنب؟! كلاَّ ..

وإن قال أحد أن القاضي الأرضي لابد أن يحكم بالعدل لأنه مقيّد بقوانين ، كما إن رؤساءه يراقبونه ، أما الخالق فهو حر يفعل مايشاء ..

نقول : نعم الخالق حرُُّ يفعل مايشاء ، ولكنه لن يفعل إلاَّ الحق والعدل وما يتناسب مع كماله الذاتي .

هـ - الصَفح شئ وإصلاح الطبيعة شئ آخر ، فما الفائدة إنك تصفح عن السارق دون علاجه من داء السرقة ؟

هب أنك أمسكت بلص وهو يمد يده ويسرقك ، وصممت أن تذهب به إلى قسم الشرطة ، فأخذ يسترق قلبك ويقول لك أن زوجته على حافة الموت وتحتاج لعلاج يرد لها الحياة ، وأولاده منذ البارحة لم يتذوقوا طعاماً ، فرقَّ قلبك ورثيتَ لحاله وصفحتَ عنه ..

تُرى هل بهذا العفو تكون قد أصلحت حاله ؟ كلاَّ ، لأنك ستتركه ليسرق غيرك بعد دقائق قليلة . انه يحتاج منك أن تذهب معه إلى بيته لتتأكد من صحة أقواله ، ولو كان صادقاً فانه يحتاج إلى عمل شريف يأكل منه لقمة العيش ، ويحتاج لمن يراعيه ويعالجه من داء السرقة حتى يُشفى تماماً .

و - لو سامح الله آدم ، فمن أدراك أنه لا يكرّر الخطأ بصورة أو بأخرى ، وربما طمعاً في العفو الإلهي والرحمة غير المحدودة ، ولو سامح الله كل من يخطئ وعفى عنه لتحول العالم إلى فوضى وغابة ، وتضيع المهابة الإلهية ..

يحكى عن أحد الملوك ويدعى سلوقس ملك لوكرى انه سنَّ قانوناً وكل من يخالفه يتعرض لعقوبة قلع عينيه ، وفوجئ بسقوط ابنه في المخالفة ، وتكاثر الشفعاء على الملك لكيما يعفو عن ولي العهد ، إلاَّ أنه رفض وأمر بقلع عين واحدة لإبنه، وقلع عينه هو متحملاً بذلك نصف العقوبة وحفظ للقانون قدسيته وللعدالة حقها بالكامل .

ويناقش القمص صليب حكيم هذا الرأي بعقل راجح وفكر حكيم فيقول " وكأن الله نسى ماسبق أن قاله لآدم وحذره منه ، أو أنه كان غير جاد في وصيته وفي تحذيره له ، أو أن قوله كان مجرد تهديد لآدم ليس إلاَّ ، أو كان مجرد مبالغة منه في تخويفه لآدم بانه سيعاقبه في حالة مخالفته للوصية دون أن تكون له النية في عقابه ، أو كأنه بعد أن أعطى وصيته وحدَّد عقاب مخالفتها عَدَل عن قوله إذ أدرك أنه كان مخطئاً فيما قال ، أو أن تقديره لظروف آدم كان إدراكاً ناقصاً ، لذلك يجب عليه أن يسامحه ، أو كأنه كان يريد أن يضع الإنسان في متاهة من عدم التمييز بين مكافأة المطيع وعقاب العاصي ، حيث يستوى عنده الطاعة والعصيان ، وبذلك يعامل القاتل كالمقتول والسارق كالمسروق ..

وهكذا تتحطم كل قيم العدالة والحكمة لدى الله ، وينمحي معنى الفضيلة ، ويتبدد رجاء البشرية في تطلعها إلى إله عادل يجري أحكامه في مقاصدها .

نعم لو كان قد غفر الله لآدم لأضحى الله بغير كلمة ثابتة ، وما استطاع أن يعطي شريعة أو وصية يُلزِم بها الإنسان .

لأنه بعد أن عَدل عن قوله ، ولم ينفذ ماسبق أن أنذر به ، واتضح أنه غير جاد فيما يقول أو أنه يخطئ في تقديره عندما يقول ، فانه سوف لايتوقع بعد طاعة من الإنسان .. بعد أن ضاعت هيبته وانعدمت مخافته لدى الإنسان بعدم ثبوت كلمته ..

لو فرضنا أن شخصاً مَثَلَ أمام القاضي للحكم عليه بسبب ارتكابه جريمة قتل مثلاً ، وتوافرت كل أسباب إدانته ، فهل يصح أن يعفو القاضي عنه لرحمة قلبه ، أو لأن القاتل ارتكب جريمة القتل لأول مرة في حياته ؟!

لو فُرض أن عفى القاضي أو حاكم المدينة عن القاتل وغفر له ولم يعاقبه ، وعفا عن السارق وغفر له ولم يعاقبه ، فماذا يمكن أن يحدث في مدينة هذا الحاكم أو هذا القاضي الذي يغفر كل الأخطاء ..

إن الصالحين أنفسهم في هذه المدينة لكي يأخذوا حقوقهم بأنفسهم ، أو لكي يردوا الشرور عن أنفسهم سيستخدمون أسلوب الشر الذي يستخدمه الأشرار .. وتصبح المغفرة والرحمة عند هذا الحاكم وبالاً على كل أهل مدينته .. وبذلك مغفرة هذا الحاكم تحوّل مدينته إلى مدينة أشرار ومجرمين ..

والأمر لا يتعلق بخطية آدم وحده بل بخطايا كل البشر التي على مثال خطية آدم ، لأنه إن كان الله غفر لآدم خطيته لرحمته به وأعفاه من تحمل العقاب لوجب أن يغفر لكل الناس خطاياهم ويعفيهم من العقاب

ونطرح في نهاية الإجابة سؤالاً جانبياً وهو إن كان الله لم يسامح آدم فلماذا أمرنا أن نسامح بعضنا بعضاً ؟

والحقيقة كما رأينا أن الموقف بالنسبة لله مختلف عن الموقف بالنسبة للبشر ، فبالنسبة لله كان لابد للعدل أن يأخذ مجراه حتى يحتفظ الله بهيبته أمام الخليقة كلها ، ولو سامح الله آدم فان أبناء آدم سيتعدون على بعضهم البعض ، ويضيع الهدف الإلهي من خلقة إنسان يعيش في حياة البر والقداسة والسلام ، وقد صنع الله أعظم ماهو من التسامح إذ تحمل بنفسه عقاب خطايانا ..

أما بالنسبة للبشر فقد أوصانا الله أن نتسامح لكيما نحفظ للمجتمع سلامه ، ولا نقابل الشر بالشر حتى لا نعطي فرصة أكبر لعدو الخير ، وفيما نحن نتسامح مع المسيئين والأعداء نثق في الله ضابط الكل الذي سيجازي كل واحد بحسب أعماله " لي النقمة أنا أجازي يقول الرب" (رو 12 : 19) وإذا عجز الإنسان عن التسامح فانه يلجأ إلى الحاكم الذي " لا يحمل السيف عبثاً إذ هو خادم الله منتقم للغضب من الذي يفعل الشر" (رو 13 : 4).

ونضيف على الإجابة السابقة بعض النقاط الصغير :

أ - الخطية الموجهة ضدنا هي خطية محدودة . أما الخطية في حق الله فهي غير محدودة.

ب - قد نصفح نحن بسبب نسياننا الإساءة ، وهدوء عواطفنا البشرية ، وقد نصفح طمعاً في صفح الآخرين عنا.

أما الله فلا ينسى ولا يتغير ولا يتساهل في الحق الإلهي.

ج - ليست مغفرة الخطية بالأمر الهين ، وليست الخطية مثل القذارة التي تلتصق بجسم الإنسان فيتخلص منها بقليل من الماء ، لكن الطريق الوحيد للخلاص هو سفك الدم غير المحدود.

د - ليست المشكلة في مغفرة الخطية فقط ، ولكن بالأكثر في إصلاح الطبيعة التي فسدت بالخطية.

هـ -حقاً إن الله يسامح ، ولكنه يسامح قانونياً ، وقانون العدالة الإلهية يقتضي انه " بدون سفك دم لا تحصل مغفرة " (عب 9 : 22) " لأن الدم يُكفِر عن النفس" ( لا 7 : 11) ولذلك تجسـد الله وسفك دمه لكيما يرفع عقاب خطايانا.

س 10 : إذا قدم آدم توبة نصوحة ألا يقبله الله ويرضى عنه ؟

وإلاَّ فما لزوم التوبة للإنسان ؟ !

ج : لا تحل التوبة مشكلة السقوط للأسباب الآتية :

أ - عندما خرج آدم من الفردوس يجر أذيال الخيبة والعار ، وأخذ يقرأ آثار خطيته على الأرض التي تنبت له شوكاً وحسكاً ، وعلى جسده الذي بدأ يتعرض للتعب والعرق والضعف ، وعلى الطبيعة الثائرة ضده ، والحيوانات التي تود إفتراسه لكيما يكون وجبة شهية لها ، وعندما رأى ابنه مقتولاً أمام عينيه بيد إبنه ..

كم وخذه ضميره بشدة وسال الدمع من عينيه وهو يصرخ في أعماقه : هذه ثمرة خطيتي ومعصيتي ..كم كانت توبته وندمه ؟ ! وكم كان حزنه ودموعه ؟ ! ولكن هل استطاعت هذه التوبة أن تعيده إلى طبيعته الأولى وإلى فردوسه المفقود ؟ .. كلا .

ب - التوبة لا تلغي الحكم الصادر من فم الله ، إنما تنقل هذا الحكم من الجاني إلى الفدية ، فعندما تاب داود واعترف أمام ناثان النبي قائلاً " قد أخطأت إلى الرب " قال له ناثان " الرب أيضاً نقل عنك خطيتك فلا تموت " (2 صم 12 :13) لقد نقل الله عقاب خطية داود ووضعها على رأسه وهو على صليب الموت والحياة ..

التوبة والندامة هي الخطوة الأولى للمصالحة مع الله ، ولكن يظل قصاص الخطية حتى يحمله الفادي في جسده ، ونحن في توبتنا نقدم اعترافاتنا لله أمام الأب الكاهـن الذي يحمل خطايانا ويضعها على الذبيحة وقت تقديم الأسرار المقدسة.

جـ - التوبة تفيد الإنسان في المستقبل حيث يمتنع عن ارتكاب الخطية وتكرارها، ولكن ما هو الحل في الخطية التي ارتكبها الإنسان ؟ هل ترفع التوبة الحكم الإلهي الصادر بموت الخاطئ ؟ كلاَّ ..

وهل توفي التوبة مطلب العدل الإلهي ؟ كلاَّ ..

وهل تنزع التوبة الخطية وتمحو الإساءة التي وجهها الإنسان لله؟ كلاَّ .

ولنضرب مثلاً على هذا . هب أنك سكبت قليلاً من الحبر على ثوب أبيض نقي ، ثم توقفت عن سكب المزيد ، فهل يعود الثوب إلى ما كان عليه من النقاء ؟ كلاَّ ،

لأن الحبر قد التصق بالثوب وتخلل أنسجته ، ولا يمكن إزالته إلاَّ بمُزيل قوي لمحو آثاره ، وهكذا لا يمكن محو الخطية إلاَّ بدم المسيح كقول الملاك " هؤلاء الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسَّلوا ثيابهم وبيَّضوا ثيابهم في دم الخروف " (رؤ 7 : 14) ومثال آخر لو أن مندوب صرف اختلس مرتبات الموظفين ، ووصل الأمر للقضاء فاحتج بظروفه المأسوية ، وأعلن توبته وتعهد بعدم تكرار هذا الخطأ .. تُرى هل يحكم القضاء بتبرئة ساحته ويسامحه بما اختلسه ؟ قطعاً لا ..

إذاً دموع التوبة والاستجداء لا تُكفِر عن خطية هذا السارق، فجميع المحكوم عليهم بالإعدام يشعرون بالندم الشديد وبعضهم يُقدّم توبة نصوحة ، ولكن لم تقدر هذه التوبة أن تنقذ واحداً منهم من تنفيذ الحكم .

د - وإن كانت التوبة لا تُصلِح ما مضى من أخطاء فانها أيضاً لا تُصلِح الطبيعة الفاسدة ..

يقول القديس أثناسيوس " أي طريق كان ممكناً أن يسلكه الله ؟ أيطلب من البشر التوبة عن تعدياتهم ؟

وهذا قد يُرى لائقاً بالله – لعلهم كما ورثوا الفساد بسبب التعدي ينالون عدم الفساد بسبب التوبة .

ولكن التوبة أولاً : لا تستطيع أن توفي مطلب الله العادل ، لأنه إن لم يظل الإنسان في قبضة الموت يكون الله غير صادق .

ثانياً : تعجز عن أن تغير طبيعة الإنسان ، لأن كل ما تفعله هو انها تقف حائلاً بينه وبين ارتكاب الخطية .ولو كان الأمر مجرد خطأ بسيط ارتكبه الإنسان ولم يتبعه الفساد ، فقد تكون التوبة كافية . أما وقد علمنا أن الإنسان بمجرد التعدي إنحرف في تيار الفساد ، الذي كان طبيعة له ، وحُِرم من تلك النعمة التي سبق أن أُعطيت له وهي مماثلتة لصورة الله ..

من الذي كان يستطيع أن يعيد إليه تلك النعمة ، ويرده إلى حالته الأولى ، إلاَّ كلمة الله الذي خلق كل شئ من العدم منذ البدء

ونختتم إجابة هذا السؤال بسؤال جانبي : ألم يصفح الله عن أهل نينوى عند توبتهم ورد غضبه عنهم (يون 3 : 10) ؟

ونحن نقول أن الصفح عن أهل نينوى كان متمثلاً في رفع الكارثة التي كانت ستحل بهم ، فكما يسمع الله للخاطئين الصارخين إليه الذين يلتمسون نجاة الجسد هكذا سمع الله لأهل نينوى ولم يقلب مدينتهم ، ولكن خطيتهم التي فعلوها لم تغفرها توبتهم القوية ، ولم يكن لهم غير طريق واحد للخلاص من خطيتهم وهو الإيمان بإله إسرائيل ، وتقديم ذبائح عن خطاياهم فتغفر لهم خطيتهم في دم الصليب .. فهل فعلوا هكذا ؟ .. ربما .

س 11 : يقول البعض أن " الحسنات يذهبن السيئات " ، فان كان آدم أخطأ في واحدة ، ثم صنع أعمالاً حسنة وصالحة ، ألا تمسح هذه الأعمال الصالحة خطية آدم الوحيدة ؟

ج : لا تغفِر الأعمال الصالحة الخطية ولا تحل القضية للأسباب الآتية :

أ - الأعمال الصالحة ليست تَفضُّل من الإنسان بل هي واجب عليه ، ولذلك قال مخلصنا الصالح " متى فعلتم كلَّ ما أُمِرتم به فقولوا إننا عبيد بطالون . لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا " (لو 17 : 10) وقال معلمنا يعقوب "فمن يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطية له " (يع 4 : 17) .

ب - كل أموالنا وممتلكاتنا هي من الله ، وكل ما نفعله إننا نرد جزء مما له كقول داود النبي " لأن منك الجميع ومن يدك أعطيناك " ( 1 أخ 29 : 14 ) فأي فضل لنا في هذا ؟

جـ - كل أعمالنا الصالحة التي تنال إعجابنا وإعجاب الآخرين قد تبدو أمام الله غير كاملة ، لأنه إن كانت السماء غير طاهرة أمامه " وإلى ملائكته ينسب حماقة" ( أي 4 : 18) فكم وكم أعمالنا الصالحة .

حقاً إنها تشبه فاكهة معسولة نأكلها ونتلذذ بطعمها ، ولكن عندما تضع جزءاً بسيطاً منها تحت المجهر تفاجئ بآلاف الجراثيم الملتصقة بها .

د - الخطية موجهة ضد شخص الله " إليك وحدك أخطأت " (مز 51 : 4) فهب أن خادماً أخطأ في حق ملك عظيم . ثم أدرك هذا الخادم خطأه والخطورة التي تحيط به ، فأسرع وجمع كل ما لديه وقدم هدية لهذا الملك الغني ، فهل مثل هذه الهدية التافهة تمسح خطأ الخادم ؟ .. كلاَّ

حقاً إن جميع الأعمال البشرية الصالحة ما هي إلاَّ مجموعة من الأصفار التي لا قيمة لها بدون الإيمان بالإله المتأنس .

هـ - هل الحسنات يذهبن السيئات ؟ لو كانت الحسنات يذهبن السيئات فمعنى هذا إن الإنسان يملك في يده المغفرة الإلهية لأي خطية يرتكبها ..

يستطيع أن يزني ، فهذه سيئة يمسحها بالتصدُّق على الفقراء ، ويقف أمام الله كأنه إنسان طاهر بينما هو مملوء شر ونجاسة ، وآخر يتاجر في المخدرات ، فهذه سيئة يمحوها ببناء بعض دور العبادة ، ويقف أمام الله كأنه إنسان بار بينما يداه مملوءتان بالدماء ..

وعندما يكون الهدف من أعمال الخير هو الحصول على مغفرة الخطايا فان العملية تتحول إلى عملية تجارية ، ولكل خطية ثمنها الذي يسدده الإنسان وينام هادئ البال مستقر الفؤاد بينما هو في الحقيقة مقيداً بسلاسل الظلام منقاداً إلى جهنم النار ..

فأي خطورة هذه ؟

و - لو أن طبيباً صالحاً ناجحاً مرموقاً فتح ملجأ للأيتام ومستشفى للمرضى من الفقراء ، وبينما كان منطلقاً بسيارته ليحضر دواء لأحد مرضاه الذي يعاني من حالة حرجة ، صدم أحد الأولاد . ثم وقف أمام القضاء ، واكتشف القاضي أن المتهم الواقف أمامه هو ذاك الطبيب صاحب الأعمال الجليلة وإن سجنه سيؤدي إلى توقف هذه الأعمال العظيمة ، فحذره من تكرار هذا الخطأ وعنَّفه بشدة ثم أطلق صراحه لأجل أعماله الصالحة .. تُرى هل يكون هذا القاضي عادلاً ؟ كلاَّ، لأن الأعمال الصالحة لا ترفع عقاب الخطية .

وقد يتساءل البعض : ألا تغفر الصلاة الخطايا ؟ .. قطعاً لا ، لأنه بدون سفك دم لا تحصل مغفرة ، بل أن صلاة الخطاة هي مكرهة للرب " آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع " (اش 59 : 2) وقال الله للخطاة " حين تبسطون أيديكم أستر عينيَّ عنكم وإن كثرتم الصلاة لا أسمع . أيديكم ملآنة دماً " (اش 1 : 15) .

س 12 : فليقدم آدم ذبيحة فداء عن نفسه ، وليقدم ذبيحة أخرى فداء عن حواء.. ألا تكفر الذبائح عن الخطايا ؟

وإن كانت لا تكفر فلماذا أوصى الله بها في العهد القديم ؟

ج : مادمنا قد اعترفنا وأقرَّينا بمبدأ الفداء إذاً يستحسن بادئ ذي بدء أن نتعرف على أهم صفات الفادي وهي أن يكون :

أ - إنسان : لأن الإنسان هو الذي أخطأ ، ولا يوجد كائن آخر نظير الإنسان ومثيله ، ولذلك يجب أن يكون الفادي إنساناً حتى يكون من نفس طبيعة المفدي ،

وقد سبق الكتاب وأشار للفادي الذي سيسحق رأس الحية انه من نسل المرأة ..

إذاً النائب عن الإنسان لابد أن يكون إنساناً ، وهذا ما حدث في التجسد الإلهـي إذ اتخـذ الله الكلمة طبيعتنا البشرية كاملة جسداً وروحاً " فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضاً كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي ابليس " (عب 2 : 14)

وقال لتلاميذه بعد القيامة " انظروا يدىَّ ورجلىَّ إني أنا هو . جسوني وانظروا فان الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي " (لو 24 : 39).

ب - بلا خطية : لا يكفي أن يكون الفادي إنساناً ، ولكن لابد أن يكون بلا خطية ليحمل عقاب خطايا الآخرين .. يكون بلا خطية شخصية ، وخالي تماماً من الخطية الجديَّة المتوارثة عن آدم ، لأن الخاطئ لا يفدي خاطئاً ، والمُفلِس لا يفي دين مُفلِس آخر ، والمحكوم عليه بالإعدام لا يقدر أن يفدي إنساناً آخراً محكوماً عليه بالإعدام ..

حقاً إن فاقد الشئ لا يعطيه ، وقد تمسكت طقوس العهد القديم باختيـار الذبيحة بلا عيب داخلي ولا خارجي إشارة إلى الفادي الذي بلا عيب.

ولأنه لم يفلت إنسان واحد من الخطية الجديَّة لذلك تجسد الله الكلمة من مريم العذراء بدون زرع بشر ، بعيداً كل البعد عن الخطية الجديَّة ، لأن الروح القدس حلَّ على العذراء القديسة مريم وقدَّس مستودعها ،

ولذلك فالمولود منها قدوس كقول جبرائيل الملاك " القدوس المولود منك يدعى ابن الله " (لو 1 : 37)

ولايكفي أن يكون الفادي إنساناً خالياً من الخطية مثلما كان آدم قبل السقوط ثم تعرض للسقوط ، إنما يجب أن يُثبِت بالدليل القاطع انه معصوم من الخطأ ، وهذا ما تشهد به حياة السيد المسيح على الأرض الذي قال " من منكم يبكتني على خطية" (يو 8 : 46) وقال عنه الكتاب " قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة " (عب 7 : 26) .

ج - يقدم نفسه بإرادته : عن حب وسرور وليس عن قسر واضطرار كمن يساق إلى غرفة الإعدام رغماً عنه ، ولا يكفي أن يكون الفادي إنساناً مخلوقاً وبلا خطية ، لأن المخلوق لا يملك نفسه لكيما يقدمها فدية عن الآخرين ، بل يجب أن يكون إنساناً بلا خطية يملك نفسه أي هو الله المتأنس الذي قال " لأني أضع نفسي لآخذها أيضاً ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أنا من ذاتـي . لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن اخذها " (يو 10 : 17، 18) .

د - أن يكون قابلاً للموت : لأن الحكم الإلهي الصادر ضد آدم كان بالموت ، ولأن أجرة الخطية موت ، ولذلك تجسَّد كلمة الله ليتخذ لنفسه جسداً قابلاً للموت يستطيع أن يقدمه فداءاً عن الإنسان ..

يقول القديس أثناسيوس " وإذا رأى (الكلمة) ان فساد البشرية لا يمكن أن يبطل إلاَّ بالموت كشرط لازم ، وانه مستحيل ان يتحمل (الكلمة) الموت لأنه غير مائت ولأنه ابن الآب ، لهذا أخذ لنفسه جسداً قابلاً للموت ، حتى بإتحاده (بالكلمة) الذي هو فوق الكل يكون جديراً أن يموت نيابة عن الكل "

ويقول أيضاً " ولما كان مستحيلاً – كما قدمت سابقاً – أن يموت " الكلمة " لأنه غير قابل للموت ، فقد أخذ لنفسه جسداً قابلاً للموت حتى يمكن أن يقدمه كجسده نيابة عن الجميع "

هـ - أقوى من الموت : حتى إذا قدم نفسه بإرادته يستطيع أن ينتصر على الموت وينهض من رقاده ، ويقدر أن يهزم إبليس الذي هزم البشرية ، ويخلص الأسرى من يد الجبار ، ولذلك يجب أن يكون المخلص قوياً في قدرته وحكمته وخبرته ، ولهذا تأنس الله .

و - غير محدود : لأن الخطية الموجهة ضد الله غير المحدود هي خطية غير محدودة ، فلزم أن يكون الفادي غير محدود ،

والمثال الدارج على هذا انه لو صفع طالب زميله على وجهه ، فمن السهولة حل هذه المشكلة ،

بينما لو صفع هذا الطالب مدير المدرسة فانه يتعرض للفصل من المدرسة ، وإذا صفح وزير التعليم فالعقوبة تشتد ..

أما إذا صفع رئيس الدولة فان الإهانة تكون موجهة للدولة ككل وتصل العقوبة إلى أقصاها ..

لقد تجسَّد الله الغير محدود ليرفع عقاب خطية غير محدودة .

بل ليرفع خطايا العالم كله في كل زمان ومكان ، ففيه تحققت صفات الفادي كاملة بناسوته صار إنساناً ، وقابلاً للموت ، وبلا خطية ، وبلاهوته هو الخالق الذي يستطيع أن يقدم نفسه ، وهو أقوى من الموت وغير محدود ..

يقول البابا ثاؤفيلس " فلما كان إلهاً تاماً صار إنساناً بإرادته ، ولم يترك شيئاً إليه مما ينتسب إلى الطبيعة البشرية ماعدا الشر الأثيم وحده ، لأنه وإن كان طفلاً فمع ذلك يُعرف بانه عمانوئيل "

ونعود ياصديقي إلى إجابة السؤال الثاني عشر ، ونتساءل هل تكفي الذبائح لفداء الإنسان ؟ هل تصلح هذه الحيوانات أن تكون وسيطاً بين الله والإنسان ؟ وهل تتوفر فيها صفات الفادي ؟ بالقطع لا ، فالحيوان لا يحمل طبيعة الإنسان ، ويقاد للذبح قسراً ، وهو محدود ، وليس أقوى من الموت .. إلخ

ولذلك قـال الكتاب " لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا " (عب 10 : 4)

وأيضاً نقول ان الجسد البشري الذي سكنه الموت هو يحتاج إلى الحياة لتتحد به وتطرد الموت من داخله .

ونأتي إلى الشق الثاني من السؤال وهو : لماذا أوصى الله بتقديم الذبائح الحيوانية في العهد القديم ؟

نقول انه أوصى بها لأنها تشير وترمز لذبيحة الصليب ، وأخذت قوتها على المغفرة من إرتباطها بذبيحة الصليب ،

فالإنسان الذي كان يخطئ كان يقدم ذبيحة بحسب خطيته وبحسب رتبته , ويقرُّ ويعترف بخطاياه فينال وعداً بالمغفرة على حساب الذبيحة المستقبلية كما ننال نحن المغفرة على حساب الذبيحة الماضية، لأن ذبيحة الصليب غير محدودة بمكان ولا بزمان ، فهي ممتدة عبر الزمن تكفي الكل من آدم حتى آخر إنسان تائب قبل المجئ الثاني .

وأيضاً أوصى الله بها حتى عندما يرى الإنسان الحيوان البرئ يُذبَح عوضاً عنه فيسفك دمه وتشتعل فيه نيران العدل ،

فان منظر الدم والنار يحركان القلب القاسي والضمير الذي تحجر فيشمئز الإنسان من خطاياه التي فعلت بالحيوان البرئ كل هذا ، والحيوان أقرب كائن للإنسان حيث يشعر بالراحة والألم ..

كما أن تكرار الذبائح يشير إلى قصورها وعجزها أما الإله المتأنس فقدم نفسه مرة واحدة فوجد فداءً أبدياً .

 

س 13 : لماذا لم يكلف الله موسى رئيس الأنبياء بتقديم ذاته فدية عن أبيه آدم ؟ أو لماذا لم يكلف الله رئيس الملائكة الجليل ميخائيل لحل مشكلة البشرية الساقطة ؟

ج : بالنسبة للنبي أو رئيس الأنبياء ينطبق عليه بعض شروط الفادي دون الأخرى ، فمثلا هو إنسان ولكنه ليس بلا خطية ، وإن قدم نفسه بإرادته فهو مخلوق لا يملك نفسه هذه ،

لو سمح الله له بتقديم نفسه فهو لا يستطيع أن يستردها ثانية ، وهو محدود فلا يقدر أن يفي عقاب خطية غير محدودة ، ولذلك قال الكتاب " الأخ لن يفدي الإنسان فداء ولا يعطي الله كفارة عنه " (مز 49 : 7)

وقِس على ذلك الملاك أو رئيس الملائكة الذي ليس هو من طبيعة الإنسان ، وإن كان بلا خطية فهو لا يملك نفسه حتى يقدمها فدية ، وهو أيضاً محدود .. إلخ .

ويقول القديس أثناسيوس " كما ان المخلوقات لم تُخلَق بواسطة مخلوق بل بواسطة الكلمة الخالق ، هكذا فهو وحده الذي يستطيع أن يجددها ، لأن المخلوق لا يستطيع أن يخلص مخلوقاً على الإطلاق ، وكيف تحصل المخلوقات على أية معونة مـن مخلوق مثلهـا هـو نفسه يحتاج إلى الخلاص " ( الرسالة إلى ادلفيوس 8 )

وقال أيضاً " أن الذي بذل ذاته عنا لم يكن إنساناً عادياً ، فكل إنسان هو تحت حكم الموت كما قيل لآدم ، " انك تراب وإلى تراب تعود " (تك 3 : 19)

ولا كان هو واحداً من المخلوقات الأخرى " (الرسالة إلى مكسيموس 3)

وقال الربان زكا بشير عيواص نائب كنيسة أنطاكية للسريان الأرثوذكس (سابقاً) في المؤتمر الذي عُقِد في القدس يومي 15 ، 16 مارس 1959 لبحث موضوع طبيعة المسيح ومجمع خلقيدونية " وإذ كانت تلك المعصية غير متناهية لأنها موجهة مباشرة إلى اللامتناهي ، لذلك كان غير ممكن للملائكة والآباء والأنبياء المتناهين أن يقدموا الكفارة عنها ، ويفوا العدل الإلهي حقه ، حتى ولا الناموس الموسي ، إلاَّ الله وحده غير المتناهي ، إذ لا يوجد شئ في هذا الكون إلاَّ وهو متناه "

وما أجمل قول القديس غريغوريوس في ليتورجيته " وعندما سقط (الإنسان) بغواية العدو ومخالفة وصيتك المقدَّسة وأردت أن تجدّده وترده إلى رتبته الأولى ، لا ملاك ولا رئيس ملائكة ولا رئيس أباء ولا نبي أئتمنتهم على خلاصنا ، بل أنت بغير استحالة تجسَّدت وتأنست واشبهتنا في كل شئ ماخلا الخطية وحدها ".

 

س 14 : هل مبدأ الإنابة يتمشى مع العدالة الإلهية ، ومع العقل ، فيموت البرئ نيابة عن المذنب ؟

ج : إذا وافق النائب أو الفادي أو الوسيط بمطلق حريته وكامل إرادته على تحمل عقوبة المذنب يكون الوضع صحيحاً ، ويتمشى مع العدالة الإلهية ..

أنظر إلى الخروف البرئ الذي ذبحه الله لكيما يُغطى عُري آدم الناتج عن الخطية ، مع ملاحظة أن الله ذبح هذا الخروف خصيصاً لعلاج مشكلة عري آدم ، لأن آدم لم يكن من أكلة اللحوم ، فالسماح بأكل اللحوم جاء بعد الطوفان وقد استلم آدم طقس تقديم الذبائح وسلمه لأولاده ،

فقدم هابيل من أبكار غنمه ومن سمانها (تك 4 : 4) فقبل الله تقدمته ،

وقدم نوح من البهائم الطاهرة والطيور الطاهرة . فتنسم الله رائحة الرضى ( تك 8 : 20 ، 21 )

وقدم ابراهيم بالقرب من شكيم ، وشرقي بيت ايل (تك 12 : 6 – 8) وعند بلوطات ممرا (تك 13 : 18) وقدم اسحق (تك 26 : 25)

وكذلك يعقوب لما آتى سالماً إلى مدينة شكيم (تك 33 : 20) وأمره الرب أن يصعد إلى بيت ايل ويبني مذبحاً هناك ففعل (تك 35 : 1) وقدم ذبائح قبل نزوله إلى مصر (تك 46 : 1)

وطلب موسى من فرعون أن يذهب إلى البرية ليقدم ذبائـح للرب إلهــه (خر 8 : 27) وكان أيـوب يقدم ذبائح بعدد أبنائه (أي 1 : 5)

وأوصى الرب موسـى بتقديم الذبائح الصباحية والمسائية (عد 28 : 3 ، 4) وذبيحة يوم السبت (عد 28 : 9 ، 10) وذبيحة أول الشهر (عد 28 : 11 – 15) وذبيحة الفصح (عد 28 : 16 – 25) وذبيحـة عيد الهتاف (عد 29 : 1 – 5) وذبيحة عيد الكفارة (عد 29 : 7 – 10) وذبيحة عيد المظال (عد 29 : 12 – 40) وذبيحة البقرة الحمراء (عد 19 : 1 – 10)

وأوصى بتقديم الذبائح الشخصية مثل ذبيحة المحرقة (لا 1 : 1 – 9) وذبيحة السلامة (لا 3 : 1 – 5) وذبيحتا الخطية والأثم (لا 4 : 1 – 35) وذبيحة الملء أو التكريس الكامل (لا 8 : 22 – 36) وذبيحة التطهير للأم بعد الولادة (لا 12 : 1 –8) وتطهير الأبرص (لا 14 : 1 – 20) والمصاب بسيل (لا 15 : 1 – 5) ..

فلماذا كل هذه الذبائح التي بلا عدد ؟!

وبحسب مفهوم العدالة البشرية تشترط المحكمة وجود محامي للدفاع عن المتهم ، وإذا لم يكن للمتهم إمكانية مادية لإنابة محامي عنه ، فان المحكمة تنتدب له محامياً للدفاع عنه .

وبحسب مفهوم الإنسانية نجد أن الأب ينوب عن أبنائه في تحمل نتائج أخطائهم ، ويدفع قيمة ما أتلفوه للغير ،

والجندي في ميدان المعركة ينوب عن اسرته ووطنه ويقدم نفسه فداءاَ عنهم.

وبحسب مفهوم العقل فان مبدأ الإنابة صحيح ،

وتحضرني قصة القاضي العادل الرحيم الذي حكم على المقترض بأن يرد الدين أو أن يدخل السجن ، فهذا هو العدل ،

وعندما علم هذا القاضي أن المقترض معدوماً ورقَّت أحشاؤه لصراخ أطفاله ودموع زوجته دفع الدين عنه وأطلقه بريئاً ، فهذه هي الرحمة، وبذلك حقق هـذا القاضي العدل والرحمة معاً ،

وهذا مافعله قاضي القضاة ورب الأرباب.

س 15 : ومازال السؤال يلح : ماهو الدافع القوي الذي دعى الله للتجسد، أو ماهي حتمية التجسد الإلهي ؟

ج : هناك أسباب عديدة لحتمية التجسد الإلهي نذكر منها الآتي :

أ - المحبة : الدافع القوي للتجسد هو المحبة " لأن المحبة قوية كالموت .. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول لا تغمرها . ان اعطى الإنسان كل ثروة بيته بدل المحبة تُحتَقر احتقاراً " (نش 8 : 6 ، 7)

ويقول القديس أثناسيوس " لم يشأ رب المجد أن تبقى صورته (الإنسان) المجيدة ملطخة بالأثم وملوثة وفاسدة ، فتحرك حنانه .. وتحرك قلبه .. وتحرك تدبيره ليخلص الإنسان ويرد اعتباره ، ويرد له كرامته أو يرد له الصورة الأصلية التي خلقه عليها .

فقد تجسد الله الكلمة .. وفي تجسده كل الحب ، وما من حب أعظم من هذا أن يقبل الإله صورة الهوان ، صورة التراب وهو رب المجد ، الساكن في نور لايدنى منه ، والنار الآكلة "

وقد تجد إنساناً عظيماً في مركز مرموق يحترمه الناس وتنحني له الهامات ، وإذ به ينحني لأسفل حتى تكاد رأسه تمس الأرض ، وتتعجب ماذا يفعل هذا الرجل العظيم ؟ .. انه ينحني ليربط سيور حذاء طفل صغير قد يكون حفيده ،

فما الذي دفع هذا الرجل لهذا التنازل ؟ انه الحب ..

سأل الملك غير المؤمن وزيره المسيحي : تقولون أن الله تجسَّد وصُلب ومات ، فما هو الدافع لهذا العمل الذي يرفضه العقل ؟

الوزير : أسألك ياسيدي أن تمهلني عدة أيام وأجيبك على سؤالك ، فوافقه الملك.

وفي يوم سار الملك مع وزيره في حديقة القصر ، وإذ بالمربية تسير بعربة الأمير الصغير ، وفجأة اعطى الوزير إشارة للمربية فدفعت العربة وما بها في بحيرة الماء الصناعية أمام عيني الملك ، فماذا فعل الملك ؟

لقد ألقى بنفسه في الماء إلاَّ أنه وجد نفسه يحتضن تمثالاً كامل الشبه بإبنه ،

وقبل أن يتملكه الغضب أسرع إليه الوزير قائلاً :

عفواً سيدي الملك . سامحني لأني فعلت هذا ، فأنا الذي صنعت التمثال وأوصيت المربية بإلقائه في البحيرة متى أشرت لها بذلك..

ياجلالة الملك عندما شعرت بأن ابنك يغرق في البحيرة لماذا لم ترسلني أو ترسل أحد الجنود لإنقاذه ؟

الملك : لأنه أبني . أنت تعلم أنني إنسان شجاع ولا أهاب الموت ، وأفدي أبني بحياتي وأنا راض ومسرور .

الوزير : وهكذا أيها الملك عندما رأى الله أولاده يهلكون بالموت الأبدي أخذ شكل إنسان وصُلب ومات وقام ، وقهر الموت وأنقذنا منه ،

كمثل ملك وجد جنوده مقهورين أمام عدوهم في ساحة الوغي فارتدى زي الجنود ، وقاد الحرب وانتصر، وأهلك العدو القوي ووهبنا النصرة .

ب - انتزاع الموت : كما ان الموت دخل إلى أعماق حياة الإنسان كان لابد أن الحياة تدخل إلى الأعماق لتطرد الموت وتحيى الطبيعة التي فسدت بالموت

فيقول البابا أثناسيوس الرسولي " لم يكن ممكناً أن يحوّل الإنسان الفاسد إلى عدم فساد إلاَّ المخلص نفسه الذي خلق من البداية كل شئ من العدم ،

ولم يكن ممكناً أن يعيد للبشر صورة الله ومثاله إلاَّ صورة الآب (الابن) ولم يكن ممكناً أن يُعلّم البشر عن الآب ويقضي على عبادة الأوثان إلاَّ الكلمة الضابط الكل الذي هو ابن الآب الوحيد الحقيقي " .

وقال أيضاً " يجب أن نعلم أن الفساد الذي حصل لم يكن خارج الجسد بل لصق به، وكان مطلوباً أن تلصق به الحياة عوض الفساد ، حتى كما تمكن الموت من الجسد تتمكن منه الحياة أيضاً .

والآن لو كـان الموت خارج الجسد لكان من اللائق أن تتصل به الحياة من الخارج.

أما وقد صار الموت ممتزجاً بالجسد وسائداً عليه ، كما لو كان متحداً به، فكان مطلوباً أن تمتزج الحياة أيضاً ، حتى إذا ما لبس الجسد الحياة بدل الموت نُزع عنه الفساد .. لهذا السبب كان معقولاً جداً أن يلبس المخلص جسداً ، حتى إذا ما اتحد الجسد بالحياة ، لا يبقى في الموت كمائت ، بل يقوم في عدم الموت أو لبس عدم الموت ..

وقال البابا كيرلس الكبير " لو كان تجسد الكلمة وتأنسه أمراً لابد منه لخلاص الذين على الأرض ، فلو لم يكن قد وُلِد مثلنا بحسب الجسد ، لما كان قد اشترك في الذي لنا ، وبالتالي لما كان حرَّر طبيعة الإنسان من الوصمة التي أصابتهـا من آدم ، وما كـان قد طـرد الفساد مـن أجسادنا" (ضد نسطور 1 : 1 )

وقال أيضاً " لم يكن هناك وسيلة أخرى لزعزعة سلطان الموت إلاَّ فقط بتجسد الابن الوحيد . الذي اقتنى لنفسه جسداً قابلاً للفساد (للموت) ..

لكي يستطيع بكونـه هو نفسه الحياة أن يزرع في الجسد امتيازه الخاص الذي هو الحياة " ( المسيح واحد 75 : 1352)

ويقول البابا كيرلس الكبير أيضاً "كيف كان يمكن للإنسان الذي تحت سلطان الموت أن يستعيد الخلود ، كان لابد أن يدخل جسده الميت في شركة قوة الله المحيية .

أما قـوة الله المحيّية فهي اللوغوس ( الكلمة ) وحيد الآب" (تفسير لوقا 22 : 19 )

3- الاتحاد بالله : لم يكن الهدف من التجسد رفع الخطية فقط بل اتحاد الله بالإنسان فيقول البابا أثناسيوس الرسولي لأن الاتحاد المطلوب هو أن الكلمة المتجسد يصنع اتحاداً بين ما هو إنسان بطبيعته وبين ما هو إله بطبيعته " (ضد الأريوسيين 2 : 81)

ويقول البابا كيرلس الكبير أن مبادرة الصلح جاءت من الله لكيما يتحد بالإنسان " ان الطبيعة الإنسانية أُسرت وصارت في قبضة الموت وساد عليها الفساد لذلك فمن الضروري لكي تقوم علاقة جديدة لا يهدها الفساد أن يتم لقاء بين الله والإنسان ، تجد فيه جميع المشاكل القائمة بين الأثنين حلها النهائي والأخير ، فكان الحل الإلهي – لأن المبادرة بيد الصالح وحده – ان يأخذ لنفسه جسداً من هذه الطبيعة الفاسدة ويجعله واحداً مع لاهوته في اتحاد لا انفصال فيه او اختلاط مثل اتحاد النار بالحديد "

4- تلاقي العدل الإلهي مع الرحمة الإلهية : فعندما تحدُث مشكلة بين شخصين ويتدخل شخص ثالث لفض النزاع يجب أن يكون هذا الوسيط من نفس مستوى الطرفين المتنازعين ، وليس أقل منهما لئلا يُحتَقر ،

وليس أعلى منهما لئلا يستغل سلطته فيحل النزاع ظاهرياً فقط ، وأيضاً يجب أن يكون الوسيط محبوباً من الطرفين ، ومحل ثقة منهما ملتزماً بتعهداته أمامهما ،

وإذا تأملنا ماحدث في التجسد والفداء نجد السيد المسيح هو الذي حلَّ النزاع بين الله والإنسان ، وحقق أمنية أيوب عندما قال بأسى " ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا " ( أي 9 : 33 ).

وإن كان التسامح والعفو والمغفرة ضد عدل الله الكامل ، وموت الإنسان ضد رحمة الله الكاملة ، والله لا يمكـن أن يتنازل عن عدله ولا عن رحمته ، وهذا ما يمثل مشكلة صعبة وعويصة ، ومن يقدر على حلها إلاَّ الله القادر على كل شئ ؟

وفعلاً قام بحلها عن طريق تجسده المنيف فالتقى العدل مع الرحمة في شخص الفادي الكريم .

وما أجمل تشبيه نيافة الأنبا رافائيل الأسقف العام عندما شبه سقوط آدم بالمصباح الذي انقطع عنه التيار الكهربائي ، فلا توجد أية وسيلة أخرى لعودة الإنارة للمصباح إلاَّ بعودة نفس التيار الكهربائي له ، وأي تيار آخر أو أي فولت آخر لن ينجح في إعادة الإنارة ، وهكذا الإنسان لكيما يعود إلى حالته الأولى المنيرة لا يصلح أن يُعيده نبي ولا ملاك بل لا بد أن يتولى الخالق نفسه إعادة خلقته التي فسدت ،

وأيضاً عملية توصيل التيار الكهربائي للمصباح تشبه عملية التجسد التي فيها اتحد اللاهوت (الكهرباء) بالناسوت (المصباح) فأضاء لنا المسيح نور العالم طريق الملكوت .

تذكـــر

+ الله لم يكن محتاجاً للإنسان ليعبده . إنما خلق الله الإنسان من فرط جوده ومحبته .. الله يعلم بسابق علمه إن الإنسان سيسقط بغواية إبليس ولذلك دبَّر له أمر الخلاص منذ الأزل.

+ الوصية لم تكن سبباً لسقوط الإنسان . إنما سقط الإنسان بسبب غواية الحيَّة وشكه في كلام الله ، والموت كان نتيجة طبيعية لمخالفة الوصية .

+ كان سقوط آدم سقوط للبشرية جمعاء مثل شجرة التفاح اللذيذة التي أصابها عطب فكل ثمارها وبذارها أصبحت تحمل الفساد .. حتى الأنبياء كانت لهم أخطائهم.

+ إن سأل أحد : وما ذنبي أنا في خطية آدم ؟ يرد عليه القديس أغسطينوس : وأي فضل لك في خلاص المسيح ؟.

+ من نتائج سقوط آدم الموت الروحي الأبدي ، والموت الجسدي ، والموت الأدبي ، والعقوبـات التي حلت بالإنسان والحية ، وتسلط الشيطان ، وفساد الطبيعة البشرية.

+ لم يكن هناك بديلاً للتجسد فمثلاً :

- فناء الإنسان وخلقة إنسان جديد لا تحل القضية.

- خلاص الله للإنسان بالقوة يتعارض مع عدل الله ، ومع حرية الإنسان.

- ترك الإنسان لمصيره المشئوم يتعارض مع صلاح الله ، ومحبته ، ورحمته ، وكرامته ، وحكمته.

- الصفح عن خطية الإنسان يتعارض مع العدل الإلهي.

- التوبة توقف فعل الخطية ، ولكنها لا تحل مشكلة الخطية التي تمت ، ولا تلغي العقوبة إنما تنقلها من التائب إلى الفدية.

الحسنات لا يذهبن السيئات لأن الأعمال الصالحة واجب على الإنسان وليس تفضل منه.

من صفات الفادي أن يكون :

أ- إنسان ب- بلا خطية ج- يُقدم نفسه بإرادته

د- يكون قابلاً للموت هـ- أقوى من الموت و- غير محدود

وهذه الشروط لا تتوفر في الذبائح الحيوانية ، ولا في نبي ولا رئيس أنبياء ، ولا في ملاك ولا رئيس ملائكة . لكن الله بغير إستحالة تجسد وتأنس وفيه أكتملت صفات الفادي.

+ مبدأ الإنابة يتمشى مع العدالة الإلهية ، ومع العقل والمنطق.