الحروب الروحية - للبابا تواضروس الثانى

تقييم المستخدم: 5 / 5

تفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجوم
 
المجموعة: مجلة رسالة الكنيسة - عدد يناير 2011 الزيارات: 4989

dreamcametruepopetwadrosيعد القديس أغسطينوس من القديسين الذين تعرضوا لحروب روحية كثيرة منها حروب الفكر حيث كان يعتد بذاته، وحروب جسدية فقد سقط فى الخطية وكان له ابن غير شرعى، وأيضاً حروب العقل بسبب المعارف الزائدة .. لذلك يليق بنا أن نتحدث عن الحروب الروحية التى يواجهها الإنسان فى حياته، وكما يقول عنها معلمنا بطرس الرسول "اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو"(1).
ويقول عنها القديس بولس الرسول "فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية فى السماويات"(2).
ومن العبارات التى تقال عن المسيحية [ إن المسيحية ليست أرض ملعب بل أرض جهاد ].

ولكن ماهى فوائد الحروب الروحية التى نواجهها أثناء جهادنا الروحى ؟
   1- يعرف الإنسان مقدار ضعفه ..         
   الحروب الروحية تجعل الإنسان يكتشف ذاته فيتضع.
   2- يطلب الإنسان نعمة ربنا لكى تسنده ..
 (1)-(1بط5: 8).                (2)-(أف6: 12).
 أحياناً تكون الحروب الروحية فرصة لكى يقترب الإنسان كمن ربنا كما يقول سفر المزامير "أدعنى فى يوم الضيق أنقذك فتمجدنى"(1).
   3- تعطى الإنسان خبرة روحية ..
   الحروب الروحية تعطى للإنسان فهماً روحياً فيستطيع التمييز بين الخير والشر، وتعطيه فرصة اختبار أنواع الحروب المختلفة.
   4- تعطى الإنسان يقظة واحتراساً ..
   كما يقول داود النبى فى مزمور التوبة "خطيتى أمامى فى كل حين"، فعندما يسقط فى الخطية يحترس لئلا يخطئ مرة أخرى.
   5- تزكى الإنسان أمام الله ..
 من الملاحظات اللطيفة فى سفر الرؤيا تكرار عبارة "من يغلب" لأن صاحب الغلبة الروحية هو صاحب الثمرة الروحية، ويرتفع روحياً.
 مجالات الحروب الروحية
 المجالات كثيرة ولكن يمكننا أن نبسطها فى أربعة مجالات، وهى :
   1- حروب الذات       
 قد يحارب الإنسان فى ذاته أو من ذاته، وهى التى تحدث عنها ربنا يسوع عندما قال "من أراد أن يأتى ورائى فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعنى"(2).
 ومن أشكال حروب الذات
   1- الغرور.            2- الإعجاب بالنفس.
   3- الأنانية.            4- التسلط أو الدكتاتورية.
 وهذه الأشكال يمكن أن تتواجد فى البيت والكنيسة أيضاً، وعندما نتذكر مشكلة الابن الأكبر فى مثل الابن الضال الذى ظهرت ذاته بعد عودة أخيه الأصغر، فيتحدث مع أبيه فى جفاء قائلاً "ها أنا أخدمك سنين هذا عددها وقط لم أتجاوز وصيتك وجدياً لم تعطنى قط لأفرح مع أصدقائى"(3).
 (1)-(مز50: 15).        (2)-(مر8: 34).        (3)-(لو15: 29).    
 ويجيبه الأب فى اتضاع "أنت معى فى كل حين وكل ما لى فهو لك"(1)، وفى نهاية المثل لم يذكر شيئاً عن توبة الابن الأكبر .. يمكن أن يفقد الإنسان كل شئ بسبب حروب الذات لأن نفسه سوف تكبر فى عينيه وينطبق عليه قول السيد المسيح "هل يقدر أعمى أن يقود أعمى"(2).. أما مقياس الاتضاع فهو شعور الإنسان إنه آخر الكل كما يقول عنه الكتاب المقدس "من أراد أن يصير فيكم أولاً يكون للجميع عبداً"(3).
أحد آباء كنيسة روسيا كان يخاطب شعبه فقال [ نحن تراب تحت الحصير الذى تسير عليه أقدامكم ] هو تعبير عن انسحاق ذاته .. احترس من حروب الذات لأنها الأكثر انتشاراً بين الحروب.
اسأل نفسك ..
   هل ذاتى تمنعنى من أن أتوب عن خطيتى ؟
   هل ذاتى تعوق محبتى فى بعض الأمور فى حياتى ؟
   2- حروب العقل
   قد يكون عقل الإنسان أرض معركة لحروب كثيرة.
   ومن أشكال حروب العقل :
أ‌-    حرب المعرفة الزائدة.
ب‌-     حرب الشك .. فى القيم أو العقائد أو الأشخاص.
ج- حرب الجحود.
د- حرب العقلانية : يستخدم العقل أكثر من الإيمان.      
   فنذكر أريوس الكاهن الذى خدم فى مدينة الإسكندرية وبدأ بدعته وهو فى الستين من عمره، وعندما نسأله عن سبب ذلك ؟
   يجيب أنه العقل الذى انحرف فى المعرفة الكثيرة وسقط فى هرطقة أن السيد المسيح هو مخلوق وليس خالقاً.
 (1)-(لو15: 31).            (2)-(لو6: 39).        (3)-(مر10: 44).
أحياناً حروب العقل تصيب الإنسان الذى يقرأ كثيراً فى علم واحد مثل علم الفلسفة أو علم الأرواح أو السحر والشعوذة كما سقطت بعض طوائف البروتستانت فى بدع بسبب حروب العقل ..
أيضاً عندما يسقط الإنسان فى حروب الشك قد تؤثر على صحته الجسدية لأنه من الأمراض النفسية.
   3- حروب العاطفة
العاطفة ترافق الإنسان فى كل مراحل حياته لذلك تحاربه فى أى وقت من حياته.
   ومن أشكال حروب العاطفة
   أ- التسيب.                
   ب- عدم الاتزان.
   ج- أمور النجاسة بكل أشكالها.    
   د- القلق والخوف من الحاضر والمستقبل.
نتذكر فى هذه الحروب أمنون الذى أحب ثامار أخته حباً شهوانياً، وبعد أن سقط معها فى الخطية يقول عنها الكتاب "ثم أبغضها أمنون بغضة شديدة جداً حتى أن البغضة التى أبغضها إياها كانت أشد من المحبة التى أحبها إياها"(1).   
وكان الفارق بين الحادثين يوم واحد فقط.
   4- حروب الجسد : ومن أشكال حروب الجسد ..
   أ- الشهوات :
   مثل شهوة الاقتناء، ونحن نطلق على هذا الزمن (زمن الاستهلاك) حتى إننا يمكن أن نشترى بعض الأشياء ونحن لا نحتاج إليها.
 (1)-(2صم13: 15).    
   ب- الشراهة فى الطعام : أو محبة الامتلاء أو شهوة تعدد أصناف الطعام.
   ج- زينة الجسد : مثل البحث الدائم عن ما يسمى بالموضة أو التبرير أو عدم الاعتدالية، وتعتبر تجارة أدوات التجميل أكثر تجارة مربحة فى عالم الاستهلاك.
   د- الضعفات الجسدية : مثل محبة الراحة والاسترخاء والإهمال والكسل..
   كان أغسطينوس يطلق العنان لعاطفته وعقله وجسده وذاته، لذلك سقط فى خطايا كثيرة. وعندما طلبت إليه أمه العودة إلى الله لم يجيبها وترك بلده وذهب مع أصدقائه إلى ميلانو لكى ينطلق فى شهواته بدون حدود أو قيود، ولكن بسبب صلوات ودموع أمه، وبسبب سيرة القديس أنطونيوس التى كتبها القديس أثناسيوس، وبسبب عظات القديس أمبروسيوس، وبسبب إرادته الشخصية بدأ فى حياة التوبة وعاد منتصراً فى جهاده.
   كيف نوجه الحروب الروحية لكى تكون سيرتنا نقية ؟
   أ- حروب الأنا
   لابد أن يعرف الإنسان العبارة التى قالها السيد المسيح "بدونى لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً"(1).. أى أن جهادك .. صحتك .. أموالك .. مستقبلك هو بنعمة الله وليس بمجهودك، لذلك تعلمنا الكنيسة فى صلواتنا [ نشكرك على كل حال .. لأنك سترتنا وأعنتنا ] حيث نرجع كل شئ إلى نعمة الله.
   ب- صلوات التذلل والانسحاق
   القلب المنسحق والدموع أمام الله كما يقول داود النبى فى المزامير "صارت لى دموعاً خبزاً نهاراً وليلاً إذ قيل لى كل يوم أين إلهك"(2).
 (1)- (يو15: 5).                (2)-(مز42: 3).
   فى هذه الأيام ينشغل الإنسان كثيراً ويسهر مع الأصدقاء أو مع التليفزيون وينسى أن الله خلق الليل لكى يشعر الإنسان إنه مع الله فقط، ولا يوجد من يشغله عنه.
   ج- ابتعد عن المناصب والرئاسات
   عندما يتوارى الإنسان وراء المناصب يهرب من ذاته، ونجد فى معجزة نقل جبل المقطم يستخدم الله إنساناً بعيداً عن كل المظاهر هو (سمعان الخراز) لكى تظهر قداسته وسط كل الشعب.
   د- اهرب من كلمات المديح والإعجاب
   يجب أن يرجع الإنسان كل شئ إلى الله .. فماراسحق يقول [ من يسعى إلى الكرامة تهرب منه ومن يهرب من الكرامة تسعى إليه ].
   هـ يخرج الإنسان من أنانيته
   وذلك من خلال أعمال الرحمة الكثيرة، ومن التداريب اللطيفة [ اعمل فى كل يوم عمل رحمة ]، وعمل الرحمة تقدمه حباً فى المسيح كما قال "جعت فأطعمتمونى عطشت فسقيتمونى ..."(1).          
   ومن أقوال القديسين [ إذا لم تجده فى مخدع صلاتك، فاخرج إلى الشارع وسوف تجده فى أول عابر سبيل ].
   أى عندما لا تشعر بالمسيح أثناء صلاتك يمكن أن تجده عندما تخدم المنبوذين أو ما يسمهم المجتمع المهمشين أو فصول المعوقين أو الأطفال .. وهكذا .. حرك مشاعرك تجاه الذين يحتاجون إلى خدمة.   
   2- حروب العقل
   أ- اكشف أفكارك لأب اعترافك : لئلا تكون هذه الأفكار هى بذرة أو بداية لشجرة كبيرة متعبة.
 (1)-(مت25).
   ب- القراءة الإنجيلية : من أقوال قداسة البابا شنوده [ أحفظ الإنجيل يحفظك الإنجيل ]، وكما يقول داود النبى فى مزمور 119 "محبوب هو اسمك فهو طول النهار تلاوتى".
   وفى المزمور الأول "فى ناموسه يلهج نهاراً وليلاً"، فالكتاب المقدس هو المرآة الغير المنظورة التى بها تكشف نفسك وذاتك .. ويمكن أن تحفظ بعض القطع من الكتاب المقدس أو تكتبها أمام عينيك باستمرار حتى تحفظها.
   ج- روح التلمـذة : يشعر الإنسان إنه ما زال تلميذاً ويحتاج إلى المعرفة باستمرار.
   د- الصلوات القصيرة : مثل ترديد الصلاة السهمية [ ياربى يسوع المسيح ارحمنى أنا الخاطئ ]، أو رشم الصليب، أو السجود إلى الأرض.
   3- حروب العاطفة
   أ- انتبه إلى حقيقة هامة هى تفاهة العالم بالنسبة إلى السماء : تذكر كلمات بولس الرسول "إن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يستعلن فينا"(1).
   أحياناً تهيج حروب العاطفة فى سن الشباب، وتصير مثل الحصان الهائج، ولكن أغسطينوس الذى عاش فى هذه الحروب زماناً يعلمنا قائلاً [ جلست على قمة العالم عندما أحسست أنى لا أخاف شيئاً ولا أشتهى شيئاً ].
   ب- الابتعاد عن الأماكن المُعثرة الغير نقية : وهى مفسدة لحياة الإنسان، ويمكن أن تسقط الإنسان المتقدم فى السن حتى فى خطايا صغار السن، ولابد أن يقتنع الإنسان إن هذه الأماكن تافهة مثل قاعات الفيديو وصالات البلياردو وما يشبه.
 (1)-(رو8: 18).
   ج- اشغل أوقاتك بأعمال الرحمة والخير : وفى إيبارشيتنا هذه الكثير من بيوت الضيافة للفتيان والفتيات، وعندما نقدم لهم خدمة فهى من أجلك أنت أولاً.
   د- اشبع بأجواء المحبة الإلهية : عندما تقف للعبادة ابتعد عن كل الاهتمامات لكى تشعر أنك بالحضرة الإلهية ولذتها.
   4- حروب الجسد
   أ- الصوم : هو أحد الوسائل الناجحة فى محاربة حروب الجسد مثل صوم الأربعاء والجمعة، وبقية الأصوام الكنسية على مدار السنة فيها حماية من حروب الجسد.
   ب- ابعد عن الفراغ : حتى لا تحكم على الناس وتنشغل بهم بل تهتم بنفسك فقط.
   ج- اشبع حواسك بالأمور المقدسة : مثل السمع والنطق والنظر.
   د- اهرب من الأمور المعثرة : مثل الأصدقاء .. الجيران .. التليفزيون.
   عش بالنقاوة لكى تحمى نفسك من شهوات الجسد.
   كل هذه الحروب تذكرنا بالمزمور الذى قاله داود النبى "مراراً كثيرة حاربونى منذ صباى ليقل إسرائيل مراراً كثيرة قاتلونى منذ شبابى وأنهم لم يقدروا علىّ"(1).
 (1)- (مز128).