مركز الروح القدس فى الثالوث الإلهى - للقمص ميخائيل جرجس

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

IMG 5471إن موضوع الثالوث الإلهى القدوس من أهم الموضوعات اللاهوتية فى إيمان الكنيسة المسيحية، ولا يقل أهمية عن التجسد أو الفداء .. لأنه فى صميم اللاهوت ..
وقد يكون هذا الموضوع من الموضوعات الصعبة الفهم عند البعض، ولكن الله نفسه هو الذى علمنا هذه الحقيقة، والرب يسوع نفسه أمر تلاميذه أن يوضحوا هذه الحقيقة ويعلموها للشعب قائلاً لهم "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به"(1).        
إذن هذا الموضوع ليس من اختراع المسيحيين أو من مفهوم الكنيسة، ولكنه أمر الرب يسوع نفسه "اذهبوا وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به ..".

ويؤكد هذه الحقيقة القديس يوحنا الرسول قائلاً "فإن الذين يشهدون فى السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة واحد"(2).
فالله نفسه يريد أن يوضح لنا طبيعته، وهى :
   الآب = أصل الوجود = الكيان الذاتى.
   الابن = عقل الله = كلمة الله = حكمة الله.
   الروح = الروح القدس.
 ولا يمكن أن نتصور أن الإله الذى نعبده وأصل كل الوجود ليس له كيان ذاتى .. أو ليس له عقل يفكر به ويدبر به الخليقة كلها أو ليس له روح حى ..
 (1)-(مت28: 19، 20).            (2)-(1يو5: 7).
المسيح يأمر تلاميذه بالكرازة
وإن كان الإنسان وهو تراب، ومخلوق، ومحدود له كيان ذاتى، وله عقل يفكر به، وله حياة يعيش بواسطتها، فما بالنا بالإله الذى خلقه، والذى رتب العالم كله وضابط للكون فى كل زمان ومكان.
وليس مجال بحثنا أن نثبت موضوع الثالوث الإلهى، ولكننا نبرز فى هذا المجال مركز الروح القدس فى هذا الثالوث الإلهى الواحد .. لأنه قد ظهر فى أزمنة مختلفة هرطقات متنوعة هاجمت الروح القدس، وحاولت التقليل من مركزه سنذكرها فيما بعد.
أقوال الآباء
   1- يقول القديس باسيليوس [ الروح القدس الذى من نبعه تستمد كل الخليقة صلاحها هو متصل بالابن، ولا يدرك إلا متصلاً به .. أما كيانه فيأخذه من الآب الذى ينبثق عن الآب فى الابن ].
   2- ويقول القديس أثناسيوس الرسولى(1) [ إن كنا نستفيد بالروح القدس(2) فإن المسيح هو الذى ينيرنا فيه .. لأن الكتاب يقول "كان النور الحقيقى الذى ينير كل إنسان آتياً إلى العالم"(3) ].
   وأيضاً كما أن الآب ينبوع، ودعى الابن نهراً، فقد قيل إننا نشرب من الروح القدس لأنه مكتوب "وسقينا من روح واحد"(4)، وإن كنا نشرب من الروح القدس، فإننا نشرب من المسيح، لأنه قيل "إنهم يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح"(5).
وأيضاً كما أن المسيح ابن حقيقى، فإننا نصير أبناء عندما نقبل الروح القدس كقول الكتاب "إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضاً للخوف بل أخذتم روح التبنى"(6).. وإن كنا بالروح القدس قد صرنا أبناء، فواضح أننا فى المسيح دعينا أولاد الله كقول القديس يوحنا الرسول "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سطاناً أن يصيروا أولاد الله"(7).
 (1)- انظر كتاب (الحب الإلهى) للقمص تادرس يعقوب (ص817- 828).
 (2)-(أف1: 17، 18).            (3)-(يو1: 5).
 (4)-(1كو12: 13).            (5)-(1كو10: 4).
 (6)-(رو8: 15).                (7)-(يو1: 12).
ويقول القديس بولس الرسول فكما أن الآب هو "الحكيم وحده"(1)، فالابن هو حكمته "المسيح قوة الله وحكمة الله"(2).
وكما أن الابن هو الحكمة فإننا إذ نقبل روح الحكمة يصبح لنا الابن وفيه نصير حكماء لأنه هكذا كتب فى المزمور "الرب يطلق الأسرى الرب يحكم العمى"(3).
وعندما يعطى لنا الروح القدس يصبح الله فينا .. كما فعل المسيح مع تلاميذه، وقال لهم "اقبلوا روح القدس .."(4).. لأنه هكذا كتب يوحنا الرسول قائلاً "إن أحببنا بعضنا بعضاً فالله يثبت فينا بهذا تعرف أننا نثبت فيه وهو فينا أنه قد أعطانا من روحه"(5).. وعندما يكون الله فينا يكون الابن أيضاً فينا لأن الابن نفسه يقول "إن أحبنى أحد يحفظ كلامى ويحبه أبى وإليه نأتى وعنده نصنع منزلاً"(6).
وأيضاً كما أن الابن هو الحياة كما قال "أنا هو الحياة"(7)، فإننا نحيا بالروح القدس كما يقول بولس الرسول "الذى أقام المسيح من الأموات سيحيى أجسادكم المائتة أيضاً بروحه الساكن فيكم"(8)، وعندما نحيا بالروح يكون المسيح نفسه حياً فينا، كقول بولس الرسول "مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فىّ"(9).     
ولقد أعلن الابن أيضاً أن الآب عمل الأعمال التى عملها هو لأنه يقول "الآب الحال فىّ هو يعمل الأعمال. صدقونى إنى فى الآب والآب فىّ وإلا فصدقونى لسبب الأعمال نفسها"(10)... كذلك أعلن بولس الرسول أن الأعمال التى عملها بقوة الروح القدس كانت هى اعمال المسيح "لأنى لا أجسر أن أتكلم عن شئ مما لم يفعله المسيح بواسطتى لإطاعة الأمم بالقول بقوة آيات وعجائب بقوة الروح القدس"(11).                        

 (1)-(رو16: 27).        (2)-(1كو1: 24).        (3)-(مز146: 7، 8).
 (4)-(يو20: 22).            (5)-(1يو4: 12، 13).    (6)-(يو14: 23).
 (7)-(يو14: 6).            (8)-(رو8: 11).        (9)-(غل2: 20).
 (10)-(يو14: 10- 12).        (11)-(رو15: 18، 19).
والمواهب التى يقسمها الروح القدس لكل واحد تُمنح من الآب بالكلمة لأن كل ما للآب هو للابن أيضاً .. إذن فتلك التى تمنح من الابن فى الروح القدس هى مواهب الآب .. وعندما يكون الروح القدس فينا يكون فينا أيضاً (الكلمة) الذى يمنح الروح القدس، والآب الذى هو فىّ (الكلمة) .. وهذا يتفق مع ما قيل "إليه نأتى – أنا والآب- وعنده نصنع منزلاً"(1).. لأنه حيث وجد النور وجد الشعاع أيضاً، وحيث وجد الشعاع وجد أيضاً نشاطه، ووجدت نعمته الفائقة.
هذا ما نادى به الرسول عندما كتب لأهل كورنثوس قائلاً "نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله وشركة الروح القدس مع جميعكم"(2).. لأن هذه النعمة والموهبة التى تمنح إنما تُمنح فى الثالوث من الآب بالابن فى الروح القدس.
وكما أن النعمة المعطاة هى من الآب بالابن هكذا لا يمكننا أن نشترك فى الموهبة إلا فى الروح القدس لأننا عندما نشترك فيه تصبح لنا محبة الآب، ونعمة الابن، وشركة الروح القدس نفسه.
هذه الحقيقة أيضاً تبين أن عمل الثالوث واحد، فالرسول لا يعنى أن ما يعطى بالتجزئة، وعلى حدة من كل أقنوم بل أن ما يعطى يعطى فى الثالوث وأن كل ما يعطى هو من الله الواحد.
   3- والقديس أغسطينوس يقول [ إنكم تعلمون أن فى سر الثالوث غير المنظور .. هذا الذى يتأسس عليه إيماننا، وتبنى عليه الكنيسة الجامعة، ونكرز به أن الآب ليس أباً للروح القدس بل للابن، الابن ليس ابناً للروح القدس بل للآب .. أما الروح القدس فليس روح الآب وحده ولا روح الابن وحده بل روح الآب والابن (منبثق من الآب ومستقر فى الابن).
لقد سُلمت إلينا فكرة العلة فى الآب (علة الوجود)، والبنوة فى الابن، والشركة فى الروح القدس، والمساواة فى الثلاثة (إذ هم إله واحد)، وبذلك صارت مسرة الله أن ننال الشركة مع بعضنا البعض، والشركة مع الثالوث القدوس ..
بالروح القدس تصالحنا مع الله، وصـارت لنا بهجـة فيـه لأنه مـاذا ننتفع
 (1)-(يو14: 23).                (2)-(2كو13: 13).
بمعرفتنا للصالح (الله) ما لم تحبه ؟!                             
لذلك يقول القديس بولس الرسول "لأن محبة الله قد انسكبت فى قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا"(1) .. ومع أننا بالخطية قد صرنا غرباء عن امتلاك الصالح الحقيقى (الله) لكن المحبة (المعطاة لنا بالروح القدس) تستر كثرة من الخطايا"(2) كما يقول القديس بطرس الرسول، وبذلك لم نعد بعد غرباء.    
ويسوع يغفر الخطايا (كما يخرج الشياطين) بالروح القدس، ويظهر ذلك من قوله لتلاميذه بعد القيامة "إقبلوا الروح القدس .. من غفرتم خطاياه تغفر له، ومن أمسكت خطاياه أمسكت"(3).
وهذه الولادة أيضاً التى فيها ننال غفران الخطايا (بالمعمودية) تتم بواسطة الروح القدس، فكما يقول الرب "إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله"(4).
فعطية الله الأولى فى الروح القدس هى مغفرة الخطايا، لذلك قال رب المجد "يوحنا عمد بالماء، وأما أنتم فستتعمدون بالروح القدس"(5)، لذلك حل الروح القدس على التلاميذ يوم الخمسين، وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار، واستقرت على كل واحد منهم"(6).
وقد قال الرب نفسه "جئت لألقى ناراً على الأرض"(7) .. ويقول بولس الرسول "حارين فى الروح"(8).. لأن من الروح القدس (النار) تأتى غيرة (حرارة) الحب .. وهذا ما يؤكد ما سبق أن قاله الرسول "لأن محبة الله قد انسكبت فى قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا"(9).
وهنا قد يسأل البعض قائلاً : هل يغفر الروح القدس وحده الخطايا دون الآب والابن ؟!
أجيب على ذلك بالنفى .. فإن كل من للآب والابن يغفران الخطايا، فالابن يقول عن الآب "فإن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أبوكم السـماوى"(10)، ويقول
 (1)-(رو5: 5).            (2)-(1بط4: 8).        (3)-(يو20: 22، 23).
 (4)-(يو3: 5).            (5)-(أع1: 5).        (6)-(أع2: 3).
 (7)-(لو12: 49).            (8)-(رو12: 11).        (9)-(رو5: 5).
 (10)-(مت6: 14).
عن نفسه "ولكن لكى تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناًَ على الأرض أن يغفر الخطايا"(1).
وبالرغم من أن المغفرة يقوم بها الثالوث القدوس إلا أنها من اختصاص الروح القدس بوجه خاص .. كما يقول الرسول يوحنا "وبهذا نعرف أنه (المسيح) يثبت فينا من الروح الذى أعطانا"(2).
ومن اختصاص الروح القدس أيضاً الشركة التى بها صرنا جسداً واحداً كما يقول الرسول بولس "إن كان وعظ ما فى المسيح إن كانت تسلية ما للمحبة إن كانت شركة ما فى الروح"(3).
إنه روح الآب إذ يقول الابن نفسه "وحتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذى من عند الآب ينبثق فهو يشهد لى"(4).
وهو روح الابن أيضاً إذ يقول الرسول "أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخاً يا أبا الآب"(5)... ويقول فى موضع آخر "إن كان أحد ليس له روح المسيح فذلك ليس له"(6).           
وما دام الأمر هكذا، لذلك فإن مغفرة الخطايا لا تُعطى إلا بالروح القدس، ولا يوهب إلا داخل الكنيسة التى لها الروح القدس.
 (1)-(مت9: 6).            (2)-(1يو3: 24).        (3)-(فى2: 1).
 (4)-(يو15: 26).            (5)-(غلا4: 6).        (6)-(رو8: 9).

أضف تعليق


كود امني
تحديث

تم التطوير بواسطة شركة ايجى مى دوت كوم
تصميم مواقع مصر - ايجى مى دوت كوم