أبصرتك المـياه ... !(1) - للقمص جرجس توفيق

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

20967 236341484386 6288682 nكان التلاميذ متأثرين جداً من جراء معجزة إشباع الجموع التى أتمها يسوع أمام أعينهم، فهتفوا مع الشعب قائلين :
"... هذ هو بالحقيقة النبى الآتى إلى العالم"(2)
كانوا متواصلين مع جموع الشعب(3) التى تهتف بقوة هائلة :  

هلم نختطفه ونجعله ملكاً علينا !
ناسين ما قاله الرب أمامهم مرات عديدة :
إن ".. مملكتى ليست من هذا العالم"(4)
وأنه جاء ليؤسس مملكة روحية تملك على القلوب، وتقود الإنسان الذى ضل الطريق إلى الله.
وعلى الفور ألزم الرب تلاميذه أن ينصرفوا عن الجموع إلى كفرناحوم عبر بحيرة طبرية.
وبينما التلاميذ ينصرفون ليستقلوا السفينة مبحرين نحو الشمال الغربى للبحيرة، حيث كفرناحوم، قام هو بتهدأة الجموع قائلاً :
"... اعملوا لا للطعام البائد بل الطعام الباقى للحياة الأبدية .."(5)
ثم اجتاز وسط الجموع منصرفاً إلى جبل وحده ليصلى فى عمق السكون.
كان الوقت قد بلغ المساء، والضوء يتراجع بسرعة، وستائر الليل الداكنة تنسدل على الكون، لتسود ظلمة حالكة على الجبل والبحيرة.
كان يسوع وهو واقف فوق الجبل يتأمل متأثراً جـداً لذلك المسـتوى
 (1)- "أبصرتك المياه يا الله، أبصرتك المياه ففزعت، ارتعدت أيضاً اللجج"(مز77: 16).
 (2)-(يو6: 14).        (3)- تفسير إنجيل مرقس (مر6: 45) للأب متى المسكين.
 (4)-(يو18: 36).        (5)-(يو6: 37).  
الروحى الذى انحدر إليه الجمع .. وتلاميذه أيضاً ! ، يردد هامساً فى حزن متألماً قائلاً :            
الظلمة بلغت قلوب الجميع !
كان يناجى الآب قائلاً :
 يا أبتاه ..
   ها أنا ذا أسأل ".. من أجل الذين أعطيتنى .."(1)
   "أحفظهم من الشرير"(2) .. "قدسهم فى حقك"(3).
يسوع يصلى فى البستان
استمر يسوع فى صلاته مناجياً الآب قائلاً :
 أنا علمتهم "أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"(4)، وقلت لهم أنه ينبغى أن نهتم بالسماء أكثر من اهتمامنا بالأرض ..
 (1)-(يو17: 9).            (2)-(يو17: 15).
 (3)-(يو17: 17).            (4)-(مت4:4).
وأضاف فى أسى قائلاً :
 لكنهم إنصاعوا إلى الجموع الذين فتنهم الشيطان بأمجاد العالم !
هكذا كان يسوع واقفاً فوق الجبل فى مناجاته ومعاناته، بينما التلاميذ فى البحيرة يجذفون نحو كفرناحوم.
كانت البحيرة تنخفض عن سطح البحر، وتحيط بها الجبال العالية من كل جانب، والرياح العاتية تنقض عليها من علٍ مثيرة للأمواج القوية(1).
وهبت الرياح كإعصار عاتٍ مخيف وظلت تقذف بالسفينة نحو ثلاثين غلوة إلى وسط البحيرة(2)، والأمواج العالية كالجبال تحملها إلى علو شاهق، ثم تهوى بها كما إلى أعماق البحيرة السحيقة، والأمطار تنهمر بغزارة كما من ميازيب جهنمية كادت تملأ السفينة، والأشرعة الكتانية السميكة أضحت كخرق متهرأة بالية تعبث بها الرياح، فكانت السفينة تكاد تنقلب، والتلاميذ يتخبطون فى جوانب السفينة فتوشك عظامهم أن تنسحق، وأصبحوا غير قادرين على ممارسة الجذف .. لقد تهرأت أصابعهم، وأكفهم كادت تتجمد من البرودة القاسية، وأذرعهم تخدّلت من عظم الجهد الذى بذلوه فى الجذف ضد الأمواج والرياح العاتية المعاكسة.
أحس التلاميذ أن يد الشيطان تحرك قوى الطبيعة ضدهم فى غياب معلمهم الحنون ! .. ففزعوا وكانوا فى رعدة فى محنتهم الشديدة، كانوا يصيحون فى فزع يطلبون نجدة المعلم قائلين : يا سيد .. يا سيد ..
  أدركنا، أنقذنا ..
   إننا نهلك !
وظل بطرس ينتحب باكياً من هول ما يكابده التلاميذ، قائلاً نادماً :
فارقتنا يا معلم ..
(1)- قاموس الكتاب المقدس.             (2)-(يو6: 19).                      
ففارقتنا البهجة .. والحياة !
كانوا جميعاً نادمين على أنهم أغضبوا المعلم، قائلين :
ليتنا ما أزعجنا روحه الرؤوم، ولا سببنا له حزناً !
كان التلاميذ معذبون هكذا بسبب ذلك النوء العظيم عليهم، حيث كانوا يجاهدون طوال الليل، لكنهم بعد نحو عشر ساعات من المناجذة فقدوا السيطرة على السفينة.
كان الشيطان يضرب بقبضته الحديدية أعماق البحيرة فتسود الظلمة ويتأجج الموج، وتندفع الرياح لتقودهم إلى المجهول .. ! بينما المعلم فوق الجبل مستغرقاً فى مناجاته مع الآب، لكنه أحس بهم، وسمع أنينهم، واستغاثاتهم .. لكأنما كان يطل عليهم من علٍ، قال هامساً :
ها هو الأوقيانوس(1) الخطير يتمرد .. !         
يريد أن يبتلع تلاميذى الأحباء ..
ثم أضاف فى جدٍ :
لكننى سأسحق رؤوسه السبعة تحت أقدامهم !
"ونحو الهزيع الرابع من الليل أتاهم ماشياً على البحر"(2) !
تأمل التلاميذ فى دهشة حولهم، وإذا النور قد أشرق عليهم مبدداً ظلمة الليل البهيم، نور مريح يفرح القلب، ثم شاهدوا هيكلاً هو بذاته مركز النـور .. يتحرك نحوهم .. !
ولكن بسبب الهلع الذى كانوا يكابدونه من هول العاصفة، فزع التلاميذ وظنوا أن خيالاً من خيالات الليل يتجه نحوهم، بل وظنوا أن الحرب قد شنت عليهم، وأن قوات الجحيم تُحدق بهم من كل ناحية .. !
كان يسوع يشير إليهم فى حنو يريد أن يطمئنهم قائلاً :
 "تشجعوا . أنا هو .. لا تخافوا"(3).          
 (1)- البحر كهاوية شيطانية وقوة فوضوية (معجم الكتاب المقدس).        
 (2)-(مر6: 48).            (3)-(مت14: 27).
السيد المسيح ماشياً على المياه
كان يتحرك نحوهم بسرعة .. كان يعتلى الأمواج لكأنما يمتطى صهوات جياد ناصعة البياض، وفائقة السرعة !    
كان وجهه مضيئاً وملابسه البيضاء تنعكس على المياه الجياشة فتحيلها نوراً، والسماء أضحت فضة ذائبة، والسحب تشتعل بالضياء. كان يشير إليهم فى حب هائل احتضن مشاعرهم المعذبة، معلناً حضوره الإلهى قائلاً : أنا هـو ..
   لا تخافوا يا غلمانى الأحباء !
ظل التلاميذ يحملقون فى ذهول فى ذلك الكيان المدهش الذى يدنو من السفينة، فصاح بطرس قائلاً :
 "يا سيد إن كنت أنت هو، فمرنى أن آتى إليك على الماء"(1).
فأجاب يسوع بحب قائلاً :
 "تعال ..."(2)، يا بطرس !
وعلى الفور نزل بطرس من السفينة ومشى على الماء ليأتى إلى يسوع(3)، كان يمشى متهللاً متعجلاً اللقاء بالمعلم.
    لكن – فجأة – بغته الشيطان، فتحول عن يسوع، وتنازعته خواطر الضعف، اضطرب وهو يسير فى وسط اللجج العالية، دخله الخوف والشك، والتردد، بينما الرب يناديه مشجعاً قائلاً :
 تشجع يا بطرس ..
   اعبر .. لا تخف ..
   فقط .. أنظر إلىّ ..
لكن بطرس لم يستمع إلى صوت الرب وهو فى موقف التردد، بل صكّت مسامعه صيحات الشيطان الغاضبة الآتية من أعماق الهاوية خلال صوت الريح العاصف والأمواج المتلاطمة، فانزلق إلى أسفل، غاص فى المياه لكأنما مخالب الشيطان جذبته إلى الأعماق المظلمة بقوة، فغمره الماء حتى العنق ! كاد يغرق، ويلفظ أنفاسه الأخيرة.
    لكن فى لحظة واحدة استدرك الخطر المحدق به .. جذبته قوة الحب الإلهى الهائل ليتأمل وجه الرب الواقف قبالته، كان يملأ البحر كله والسماء، بل وكل الكون بالنور المملوء سلاماً، وحباً، وحنواً نحو الخليقة الساقطة التى غلبها الضعف والعجز وسيطر عليها العدو الشرير، بينما هو بقوته يرفعها من عمق الهاوية إلى عنان السماء .. والمجد .. !
راح بطرس ينادى بكل ما يملك من قـوة :
 (1)-(مت14: 18).        (2)، (3)-(مت14: 29).                                 
المسيح ينقذ بطرس من الغرق
 " يارب نجنى"(1).
كانت كلماته صرخة مدوية من عمق الهاوية والموت .. كانت صلاة اقتحمت قلب الرب تستدعى حبه وحنانه وألوهيته ! "وفى الحال مد يده وأمسك به وقال له"(2) :
 "يا قليل الإيمان .. لماذا شككت"(3) ؟
ثم صعدا كلاهما إلى السفينة بين دهشة وفرح التلاميذ، واتجه السيد نحو البحر،
 (1)-(مت14: 30).        (2)، (3)-(مت14: 31).
ورفع يديه منتهراً إياه قائلاً :    
 "اسكت ! ابكم !"(1)
"فسكت الريح وصار هدوء عظيم"(2)
كان التلاميذ يحملقون، وهم يتساءلون فى ذهول ملك عقولهم وقلوبهم قائلين :
 "من هـو هـذا ؟
   فإنه يأمر الرياح أيضاً والماء فتطيعه"(3)
ظل التلاميذ فى دهشة، وهم ينظرون إلى بعضهم البعض يتهامسون :
 قيل أن مسيا سيأتى من البحر(4) !
وأخيراً جاءوا وسجدوا له قائلين :
 "بالحقيقة أنت ابن الله"(5)
" وللوقت صارت السفينة إلى الأرض التى كانوا ذاهبين إليها"(6).
 (1)، (2)-(مر4: 39).        (3)-(لو8: 25).         (4)- تقليد ماسيانى قديم.
 (5)-(مت14: 33).         (6)-(يو6: 21).

أضف تعليق


كود امني
تحديث

تم التطوير بواسطة شركة ايجى مى دوت كوم
تصميم مواقع مصر - ايجى مى دوت كوم