القديس خريستوفوروس الشهيد - لمارى جرجس عبد الملك

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 
المجموعة: مجلة رسالة الكنيسة - عدد ابريل 2010 الزيارات: 3013

نشـأته:
ولد روبروبس ومعناه (عديم القيمة) أو أوفيرو ومعناه (الحامل) فى بلاد سوريا حوالى سنة 250م من نسل كنعان، وكان عملاقاً ضخم الجسم، ووجهه يحمل ملامح عنيفة ومخيفة.
وإذ كان يخدم ملك كنعان فكر أنه يريد أن يصير خادماً مطيعاً لأعظم ملك فى العالم كله، فأخذ يبحث حتى وجد مَن ظن أنه أعظم ملك، فقبله الملك فى خدمته وصار ضمن رجال الحرس الإمبراطورى وذلك لضخامة جسمه ..

بسرعة تألق نجمه وصار رئيساً للحرس .. ولكن هُزم الإمبراطور فى حرب، فانطلق أوفيرو يطلب خدمة الملك الغالب معتقداً أنه أعظم ملك فى العالم.
خدمته لرئيس هذا العالم
فى أحد الأيام كان المُغنى فى حضرة الملك يغنى أغنية فيها ذكر لإسم الشيطان .. لاحظ أوفيرو على الملك(1) أنه كثيراً ما يرشم نفسه بعلامة الصليب كل مرة يذكر فيها اسم الشيطان.
تعجب أوفيرو من ذلك، وسأل الملك عن معنى هذه العلامة فأجابه بعد تردد [ كل مرة يُذكر فيها الشيطان أخاف أن يتسلط علىّ، فأرسم تلك العلامة حتى لا يزعجنى ] ..
تعجب أوفيرو وسأله : هل تشك أن الشيطان يمكنه أن يؤذيك ؟ إذن فهو أقوى وأعظم منك.
(1)- كان هذا الملك مسيحياً.
شعر أوفيرو أن ملكه ضعيف أمام إبليس فقرر أن يخدم الملك العظيم. وفى الليل خرج من القصر وجال من مكان إلى آخر يسأل عن إبليس ثم دخل صحراء واسعة .. فجأة وجد فرقة من الفرسان تتجه نحوه، وكان منظرهم كئيباً للغاية .. وفى شجاعة وقف أوفيرو أمام قائد الفرقة يعرتض طريقه، وكان منظره مرعباً. عندئذ سأله القائد عن شخصه وسبب مجيئه إلى الصحراء، فقال أنه يبحث عن الملك الذى يسود على العالم ..
أجابه القائد بكبرياء [ أنا هو الملك الذى تبحث عنه ! ].
فرح أوفيرو وأقسم له أنه مستعد أن يخدمه حتى الموت وأنه سيطيعه فى كل شئ وسيتخذه سيداً له .. كان عدو الخير يثيره للهجوم على المدن فى الظلام وقتل الكثيرين ليعود فى الفجر إلى الصحراء مع جنود الظلمة، وكان أوفيرو معجباً بهذا الملك العاتى وجنوده الأشرار الأقوياء.
قوة الصليب
فى ذات مرة عاد أوفيرو إلى الصحراء، وفى الطريق وجد الفارس القائد ساقطاً، وكاد كل كيانه أن يتحطم .. وكان جواده ساقطاً على ظهره متهشماً .. تطلع ليرى ما وراء هذا كله، فوجد صليباً ضخماً من الخشب على حافة الطريق، وقد أشرق نور منه.
كان القائد يرتجف غير قادر على الحركة نحو الصليب .. تعجب أوفيرو مما حدث وسأل الشيطان عن ذلك فرفض الإجابة، فقال له أوفيرو [ إذا لم تخبرنى سوف أتركك ولن أكون خادمك أبداً ].
اضطر الشيطان أن يخبره : كان هناك شخص اسمه المسيح عُلق على الصليب، وحين أرى علامته أخاف وارتعد وأهرب من أمامها أينما وَجِدت.
إذ بخيبة الأمل تحل على أوفيرو الذى قال له : بما أنك تخاف من علامته فهو إذن أعظم وأقدر منك .. لقد كنت مخدوعاً حين ظننت أنى وجدت أعظم سيد على الأرض .. لن أخدمك فيما بعد وسأذهب لأبحث عن المسيح لأخدمه.
هنا صرخ أوفيرو طالباً أن يتبع سيده الجديد .. أخذ يبحث عن وسيلة ليجد السيد المسيح، وأخيراً اهتدى إلى شيخ راهب يعيش فى كهف فى حياة السكون حدثه عن الإيمان المسيحى.
خريستوفر الجديد
قال له الشيخ الراهب : إن الملك الذى تريد أن تخدمه يطلب منك الصوم المستمر..
فأجاب أوفيرو : أطلب شئ آخر لأننى لا أستطيع تنفيذ ما تطلبه.
قال له الشيخ : إذن عليك بالتبكير كل يوم من أجل الصلوات الكثيرة.
فأجاب أوفيرو : وهذا أيضاً لا أستطيعه ..
قال له الشيخ : هل تعرف النهر الفلانى حيث يبتلع كثير من المسافرين أثناء الفيضان، ولا تستطيع القوارب أن تقاوم تياره ؟
أوفيرو : أعرفه جيداً ..
الشيخ : بما أن بنيانك قوى فعليك بالسكنى إلى جوار النهر وعليك أن تحمل كل من يريد أن يعبر النهر، وهذا العمل سوف يسعد الرب يسوع المسيح الذى تريد أن تخدمه، وأرجو أن يأتى اليوم الذى يظهر ذاته لك.
أوفيرو : بالتأكيد هذه خدمة يمكن تنفيذها وأعدك بذلك ..
مضى أوفيرو إلى ذلك المكان بجوار النهر وبنى لنفسه كوخاً من الحجارة وغطاه بأغصان الشجر ليسكن فيه، وأحضر عصا كبيرة يمسكها بيده لتساعده على حفظ توازنه فى الماء، وكان يجلس عند الشاطئ يساعد كل العابرين، وفى نفس الوقت كان يبعث فيهم السلام الداخلى بكلماته الروحية العذبة، واستمر يفعل ذلك مدة طويلة بدون توقف.
امتلأت حياة أوفيرو بالفرح، ووجد لذته فى التعب من أجل الآخرين .. غير أنه أحياناً كان يحزن لعدم إمكانية الصلاة المستمرة.
اختبار محبته
فى إحدى الليالى بينما كان الجو عاصفاً والأمطار شديدة سمع صوت طفل يناديه من الخارج "خريستوفر أخرج إلىّ، واحملنى عبر النهر" ..
استيقظ القديس وفتح باب كوخه ليرى ذاك الذى يتجاسر على طلب العبور فى وسط هذا الجو العاصف فى الليل وسط الظلام .. لكنه لم ير أحداً فظن أنه كان يحلم.
إذ أغلق الباب وتمدد على الأرض لينام سمع الصوت يناديه مرة أخرى بوضوح باسمه طالباً أن يحمله عبر النهر.
وقف للمرة الثانية على باب كوخه فلم ير أحداً .. دخل كوخه وأغلق بابه وظل ينتظر، فجاء الصوت خافتاً فى هذه المرة .. قفز من مكانه وانطلق يبحث عن مصدر الصوت فوجد طفلاً على الشاطئ يطلب منه أن يحمله ويعبر به ..
بشجاعة حمله نزل فى الماء البارد وسط التيار الجارف الخطير، وبالكاد عبر النهر بجهد، وبلغ الضفة الأخرى ففرح انه خدم هذا الطفل وعبر به، وقال له : لقد عرضتنى لخطر عظيم، وكنت ثقيلاً حتى تصورت أننى أحمل العالم كله فوقى ولا أعتقد أنه بإمكانى أن أحمل أكثر مما حملت اليوم ] ..
قفز الطفل من على كتفيه، وأعلن شخصه ثم قال قال له : سيكون اسمك من الآن خريستوفر لأنك حملت المسيح .. لا تتعجب لأنك لم تحمل العالم بل مَن خلق العالم كله فوق كتفيك .. أنا هو يسوع المسيح الملك الذى تخدمه بعملك هذا، وحتى تتأكد مما أقول أغرس عصاك بجانب الكوخ وسترى أنها غداً تُخرج لك زهوراً وثماراً .. ثم اختفى الطفل عنه          
نفذ خريستوفر الأمر وفى الصباح وجد عصاه مثل النخلة، وتحمل زهوراً وأوراق وبلحاً ..
عاد خريستوفر يخدم الجميع بوداعة وحب شديد، ثم ذهب القديس إلى مدينة ليسيا ولكنه لم يفهم لغتهم، فصلى إلى الله أن يفهمهم، فأعطاه الله طلبه .. وأثناء صلاته ظنه الناس أنه مختلاً فتركوه ومضوا .. فلما فهم لغتهم غطى وجهه ومضى إلى مكان استشهاد المسيحيين فعزى الموجودين باسم الرب.
ولما رأى القاضى ذلك ضربه على وجهه، فرد قائلاً [ لولا وصية المسيح التى تعلمنى ألا أقابل الإساءة بمثلها لما كنت أنت وجنودك تحسبون شيئاً أمامى ].
شهادته للمسيح
غرس القديس عصاه فى الأرض وصلى إلى الله أن تحمل زهوراً وثماراً من أجل إيمان الموجودين، فتم له ذلك حتى آمن 8000 رجل ..
أرسل القائد إلى ديسيوس الملك يروى له ما حدث .. حينئذ أرسل الملك اثنين من فرسانه ليبحثا عنه، فوجداه يصلى فلم يقتربا منه .. ثم أرسل الملك مرة أخرى مائتى جندى .. فسألهم القديس بعد انتهائه من الصلاة : ماذا تريدون ؟
فلما نظروا فى وجهه أجابوه : أرسلنا الملك لنحضرك مقيداً إليه ..
فقال لهم : لن تأخذوننى إليه مقيداً أو غير مقيد بل سأذهب معكم ..
وفى الطريق إذ فرغ الطعام ولم يبق إلا القليل منه .. صلى القديس على الخبز وبارك، فصار كثيراً جداً حتى دهش الجند وآمنوا بالسيد المسيح .. وحين بلغوا أنطاكية اعتمد الجند على يدى البطريرك بولا ..
حين رآه الملك ارتعب من منظره حتى سقط عن كرسيه، ثم سأل القديس عن اسمه ومدينته فأجابه القديس واعترف بأنه إنسان مسيحى ..
فقال له الملك : إن لك اسم يا غبى إذ تذكر المسيح المصلوب الذى لم يستطع أن يساعد نفسه، وبالتالى لن يكون ذا منفعة لك، فلماذا لا تقدم قرابينك للآلهة ؟
كان رد القديس جاداً : إنك بالحقيقة تُدعى (داجنس) لأنك تحمل موت العالم وتابع للشيطان، وآلهتك ما هى إلا صنعة أيدى الناس ..
أجاب الملك : لقد تربيت وسط الحيوانات المتوحشة ولذلك لا يمكنك النطق إلا بلغة متوحشة وإذا قربت الآن للآلهة فسوف أمنحك عطايا وكرامة جزيلة .. أما إذا رفضت فسوف أدمرك من فرط الألم والتعذيب ..
رفض القديس الوعود والتهديد، فسجنه الملك .. بينما أمر بقطع رؤوس كل فرسانه الذين آمنوا على يد القديس.
امرأتان فى السجن
أرسل الملك امرأتين إلى السجن، ووعدهما بعطايا جزيلة إذا استطاعا إسقاط خريستوفر معهما فى الخطية .. أما القديس فحين رأى ذلك أخذ يصلى طالباً معونة من الله.
خافت الامرأتان من منظره وتأثرتا بصفاء وجهه فقالتا : اشفق علينا يا قديس الله حتى نؤمن بالإله الذى تبشر به ..
حين سمع الملك بذلك أمر بإحضارهما وهددهما بالتعذيب إن لم يقربا للآلهة، فأجابتاه : إذا كانت رغبتك أن تقرب للأوثان، فأمر بإعداد الهيكل وتنظيفه .. وأحضر كل رجالك إليه ..      
وحين تم لهما ما طلباه دخلا الهيكل، ولفا حزاميهما حول أعناق الآلهة وجذبوها بقوة فسطقت إلى الأرض وتحطمت، ثم قالتا للموجودين بسخرية : استدعوا الأطباء لعلاج آلهتكم ..
فأمر الملك فعلقت واحدة، وربط ثقل عظيم فى قدميها حتى تمزقت أعضاءها وأسلمت الروح .. أما الأخرى فألقيت فى وسط النار فلم تؤذيها فقطعوا رأسها واستشهدت.
استشهاد القديس
أمر الملك بضرب القديس بقضبان حديدية، ووضع صليب من حديد ملتهب فوق رأسه، ثم أعد له كرسياً من حديد أجلسه عليه وأشعل تحته، فاحترق الكرسى مثل الشمع بينما لم يتأثر القديس وخرج سالماً ..
إذ رأى الملك ذلك أمر بربطه وضربه بالسهام بواسطة أربعين من فرسانه الأشداء، فلم تصبه أى من السهام بل كانت تتعلق فى الهواء دون أن تلمسه، وحدث أن ارتد أحد السهام وأصاب عين الملك فأعماه ..
فقال له القديس : غداً سوف أموت فاصنع طينة صغيرة من دمى واطلى بها عينيك وسوف تُشفى.
أمر الملك بقطع رأس القديس بحد السيف، وهكذا نال إكليل الشهادة .. ثم أخذ الملك قليل من دمه ووضعه على عينيه، وقال باسم إله خريستوفر، فبرئ فى الحال وذلك فى 2 برمودة ..
بركة صلـواتــه تكون مــعنا آمــين