يسـوع ونيقوديموس للبابا تواضروس الثانى

تقييم المستخدم: 5 / 5

تفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجوم
 
المجموعة: مجلة احباء البابا كيرلس -عدد شهر يناير 2009 الزيارات: 3752

twadros-iiمقدمة
إننا فى دراسة بعض الأجزاء الكتابية بصفة عامة نلمح (تخصص) الرب فى البحث عن الأشخاص الذين ذوى اعتبار خاص ولا يسهل الوصول إليهم بل ربما يستحيل تغييرهم .. منهم زكا .. السامرية .. بولس الرسول .. نيقوديموس، وغيرهم كثير.
بالطبع استغرق هذا الأمر وقتاً لكى يتحول نيقوديموس من الظلمة إلى الإيمان .. وهكذا مع غيره ..
إلا أن الملاحظ أن الرب يسوع كان رقيقاً جداً مع هؤلاء ..

وبهذه المحبة والرقة تحول هذا الإنسان إلى مؤمنا مستتراً undercover
يُقرأ هذا الجزء فى الجمعة السابقة لأحد التناصير فى الصوم الكبير ..
ويكرر فى 15 طوبه (إنجيل باكر)(1) + 15 طوبه (إنجيل القداس)(2).
المـكان : أورشـليم.
المناسبة : الإحتفال بعيد الفصح، والذى يستمر عدة أيام .. وكان أول عيد فصح يحضره السيد المسيح ..
نعود إلى الأعداد الأخيرة فى الاصحاح السابق(3) .. نجد هذه الكلمات :

 (1)-(يو3: 1- 12).        (2)-(يو3: 22- 36).    (3)-(يو2: 23- 25).
 (4)-(يو2: 25 أ).            (5)-(يو2: 25 ب).

معنى ذلك أن نيقوديموس كان واحداً من هؤلاء (كثيرين) وتكرار لفظة الإنسان هو لربط النص الجديد بالنص السابق.
هذا هو الحديث الأول للمسيح مع أحد عشر حديثاً سجلها القديس يوحنا فى إنجيله .. جاءت معظمها موجهة للرؤساء.
الزمان : ليلاً .. ومن المعروف أن علماء الشريعة كانوا ينتهزون الليل فرصة لكى يتبحروا فى الكتب المقدسة ويتناقشوا فيها .. وهذه الحجة تكفى لنفهم زيارة نيقوديموس الليلية.
لقد جاء فى (عباءة الليل) إذ له ضمير قلق باحث عن الحقيقة.
إنه يمثل الإنسان الخجول الذى يندس فى الظل ليلتقى مع يسوع وهذا ما عرف فى التاريخ باسم الكنيسة تحت الأرض underground church       
إنه خوفاً من أن ينكشف أمره اختار أن يتقابل مع المسيح ليلاً .. إذ كانت أحاديث الفريسيين الصباحية تميل للجدل والتعصب والمغالطة .. أما نيقوديموس فيريد أن يعرف ويتعلم أكثر من المسيح وبالحقيقة لقد جنى أكثر مما توقع ..
(يوحنا3: 1)    كان نيقوديموس متسائلاً فى خوف       ليلاً    إيمان الظلام
(يوحنا7: 50)    كان نيقوديموس مدافعاً فى حذر     ليلاً    
(يوحنا12: 42)    كان نيقوديموس مؤمناً خفياً        
(يوحنا 19: 39)    كان نيقوديموس مؤمناً مجاهراً     ليلاً     
طرف الحوار : نيقوديموس اسم يونانى معناه (المنتصر على الشعب) ولم يذكر أحد من الإنجيليين هذا الاسم من قبل.
عضو بارز فى السنهدريم = المجلس الأعلى لليهود.
معلم إسرائيل (دكتور فى القانون ph. Dr ) = رئيس لليهود.
                                              = أرض (للشعب وليس لرجال الدين)
 (1)-(يو3: 1).
 فريسى .. معلم شريعة لا يؤمن بالتجديد بل يؤمن بالقداسة التى يحصل عليها الإنسان بالجهد والمبادرة والبر الذاتى.
إيمان بالاسم دون الشخص    شاهد عيان لمعجزات السيد المسيح    إيمان الآيات
(يو2: 24) إذ رأوا الآيات التى صنع ..    
(يو3: 2) ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات ..    
تقدم لمقابلة المسيح كمعلم يهودى فائق (رابى) أى أن المسيح فى نظره محترف الناموس والتوراة .. ولكن معرفته وعلمه حجزته عن الحق والمسيح.
كان ينتظر أن يتعلم من المسيح ممارسات فائقة يستطيع بها أن ينمى مواهبه ويزداد فى بره الشخصى وقداسته، ولذلك خاطب المسيح بلقب (معلم) وليس (مخلص).
ومثله فى ذلك الشاب الغنى "ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية"(1).
النمـو الـروحى
إننا حقاً نعرف القليل عنه ولكننا نعلم أنه تغير كلية، فمنذ تلك المقابلة الليلية .. لقد نما فى إدراك الحقيقة الجديدة لعلاقة الإنسان بالله ..
فلقد ذكره القديس يوحنا فى إنجيله ثلاث مرات وارتبط اسمه بلفظ (ليلاً) فيها تعبير عن إيمان الظلام الذى يبحث عن اقنوم النور وهذه المرات :
 1- الأولى : فى هذا الحوار(2).      
2- الثانية : عندما كانت مناقشات مجلس السنهدريم تدور حول وسائل طرد السيد المسيح .. تقدم نيقوديموس بطلبه للعدالة واعترض، وبرغم أن إعتراضه لم يؤخذ به إلا أنه تكلم علانية .. لقد بدأ التغيير(3).

 (1)-(مر10: 17).    (2)- (لو 3: 1- 12).        (3)-(يو7: 50).
 3- الثالثة : يرتبط اسمه مع يوسف الرامى فى طلب جسد يسوع لإعداده للدفن .. وبرغم هذه المخاطرة إلا أنه تقدم على هذه الخطوة الجريئة .. معنى هذا أن إيمانه استمر فى النمو(1).
     إن الله ينظر إلى النمو المستمر وليس إلى الكمال اللحظى (السريع) فهل حياتك فى نموها الروحى تتناسب مع مقدار معرفتك الطويلة بالمسيح ؟!
 كان نيقوديموس يرى فى المسيح (معلم) = (رابى) وهذه كلمة يهودية موجودة على ثلاث درجات : راب / رابى / رابون ..
ورابون أعلاها وهى التى استخدمها فى مخاطبة المسيح، وهى تقابل باللاتينية Magister   
نيقوديموس يمثل عطش المعرفة إلى الله.
لم يكن فضولياً مضى يستكشف من هو المسيح ...
ولم يكن شكلياً أراد أن يقطع شكه بيقين ..
بل كان عالماً فقيهاً دفعه تواضعه إلى الإستزادة ..
مراحل الحوار
   يمكننا – من أجل الدراسة- أن نقسم مراحل الحوار إلى 3 مراحل تبدأ كل منها بعبارة "الحق الحق أقول لك ....".
   1- (يو3 : 1- 4 أ)        مرحلة أولى             
   2- (يو3 : 4ب- 10ب)    مرحلة ثانية    (لاهوت العماد)
   3- (يو3 : 11- 21)    مرحلة ثالثة    
   "الحق الحق أقول لك" عبارة تفيد التوكيد، وهى تهيئ ذهن السامع إلى فكر جديد يحمل تعليماً إلهياً يضع حلاً نهائياً وجذرياً لموضعاً ما.
 (1)-(يو19: 39).
المرحلة الأولى   (يو3 : 1- 4 أ)        
وبداية الحوار فيها عمومية (نعلم)   
نيقوديمـوس
يقدم عبارات احترام وتقدير حسب رؤيته الشخصية ويقع فى عدة أخطاء لأنه لم يخرج بإيمانه خارج الدراسات والمعارف التى تلقاها .. مثل :
خاطب المسيح بلقب معلم ..
ربط آيات المسيح بحالة التقوى التى للمسيح.
خاطب المسيح بعبارة "الله معه" أى مُعان من الله فقط.

المـســــيح    
لا يجاوب على كلام نيقوديموس بل على أفكاره، وكأنه يقول له : دع الأمور العالمية جانباً .. أن الحياة الروحية هى من فوق.
وهذا مرتبط بتعبير الكتاب السابق فى (يو2: 25) "... لأنه علم ما كان فى الإنسان".
كان نيقوديموس يريد (معرفة)، وليس (إيماناً).
يولد من فوق    = حادث جديد يبدأ من السماء بقوة إلهية ..
                 = ولادة فائقة على قدرات الإنسان ..
                = ولادة جديدة وهى شرط لرؤية الملكوت ..
                = فى آدم طردنا من حضرة الله ووقع علينا الحكم ..
ولكى نعود ونراه يجب أن نولد ولادة أخرى ... من الله.
لا يقـدر    = محال على الإنسان أن يرى الله هنا أو هناك .. دون أن ينال    
من الله هنا المؤهلات الإلهية لذلك(1) ..  
ملكوت الله     = يذكر القديس يوحنا هذا اللفظ مرتين فقط(2).
وفى كل الإنجيل يستخدم مرداف آخر هو (الحياة الأبدية).
 (1)-(1يو3: 2).                (2)-(يو3: 3، 3: 5).
لقد كان جواب المسيح قاطعاً : أنه لا يكتفى بهذا الإيمان الناقص .. إنه يطلب المزيد.
نيقوديموس .. إستفهام .. كيف ؟
(3: 4أ) إنه لم يرتفع إلى مستوى الفكرة التى أراد المسيح أن يسمو بها عنده .. إن لفظ (يولد) يحيره ؟
لقد فهم حديث المسيح حرفياً سطحياً ساذجاً ولذا استحق مع غيره القول "عميان قادة عميان"(1).

المرحلة الثانية (3: 4ب- 10ب)

نيقوديمـوس : (3: 4ب)
هناك إستحالة فى كلام المسيح .. فكيف يحصل الإنسان على ميلاد جديد إلا إذا أمكنه أن يدخل بطن أمه وهو (شيخ) ويولد .. ؟!
إنه يسأل ليعلم ما هى الوسيلة لذلك .. ولذا كان رد المسيح عليه مباشرة.
نيقوديموس يريد إجابة تتوافق مع فكره وخبراته الطويلة عبر الحياة وحتى إذا أمكن للجسد أن يولد ثانية فكيف يكون الحال مع النفس ؟!

المســيح (3: 5)
هذا الميلاد ليس جسدياً بل هو ميلاد روحانى للنفس .. إن الولادة من الماء والروح.
المــاء = سر الموت = الدفن.
الـروح = سر الحياة = القيامة (عامل الخلق والتجديد).
الولادة الجديدة
وهذه الولادة الجديدة هى شرط لدخول الملكوت ..
إن ما لا يستطيعه الجسد (الميلاد الثانى من البطن) هو فى إستطاعة الروح.
كان نيقوديموس يتصور أنه يعرف مفتاح ملكوت الله بفضل الشـريعة، ولكن
 (1)-(مت15: 14، 23: 16، 24).
فى حضرة المسيح أحس أنه لا يعرف شئ، فالذى يكلمه :       
يحمل فى ذاته سـراً من "على" ..
ولا يكشفه إلا نـور من "على" ..
ونعمة هذا النور تتطلب ولادة من "على" قوامها الماء والروح.
كانت هذه الإجابة هى تأسيس سر العماد بالماء والروح كوسيلة تغيير للطبيعة الجسدية الأرضية إلى طبيعة روحية سماوية طاهرة .. وهذا ما نسميه (ولادة روحية) ولادة روح من روح، والروح هنا يشبه الريح(1).
والمعمودية تتم على ثلاث مراحل :
    1- الاعتراف بالخطايا.                
    2- قبول الغفران.
    3- التغطيس فى الماء.
 مـلاحظـة هـامـة  
 يؤكد القديس يوحنا على عملية (التحويل) التى تتم فى المسيح ..
 مثال : معجزة عرس قانا الجليل
 تحويل العبادة من الغسلات والتطهيرات بالماء إلى شرب الروح وكأس الخلاص.
 مثال آخر : حوار نيقوديموس مع المسيح
 تحويل الإنسان نفسه من حياة قديمة حسب الجسد إلى جديدة حسب الروح.       

 (ع6، 7) المسيح يقطع خط الرجعة على نيقوديموس مؤكداً أن الأعمال الجسدية كلها لا تفيد الإنسان الذى يريد الملكوت ..
 يلزمك أن تصير إنساناً روحياً تحيا بالروح حتى تتأهل فى ملكوت الله.
 (1)-(1كو2: 11).   
 إن المسيح المُعترف به هو وحده الذى يفتح للإنسان طريق الخلاص.. والإنسان يحتاج لكى يبدأ نعمة تجديد جذرية.
 الروح يُوّلد الإيمان فى قلب المعمد حديثاً .. إنه يزرع بذرة الحياة الروحية .. إنه الروح يملك القدرة على خلق هذا الإيمان.
 فى طقس كنيستنا يوم المعمودية ينال المعمد ثلاثة أسرار معاً :
 (الـعـمـاد + المـيرون + الإفخـارستيا)
 (الميلاد الجديد + التثبيـت + الغذاء الروحى)
 وهذه هى بداية الحياة الروحية للإنسان.
 مولود الجسد يكون جسدياً سريع الفساد وزائل بالموت.
 ومولود الروح يكون روحياً .. كان جسدياً فجعل روحياً.
 من يولد مرة واحدة يموت مرتين، ومن يولد مرتين يموت مرة واحدة.
 الـريـح
 (3: 8) الريح لا نعرف من أين تأتى وإلى أين تذهب ...
 فقط نشعر بها .... ولذا نطيع قوانينها ...
 (رجع أحداث يوم الخمسين(1)) .. هذا سر يفوق إدراك البشر ..
 الريح من أين ... ؟ إلى أين .. ؟ لا نعلم ؟! المسيح الحقيقى هو لغز للعالم ..
 إنه حاضر فى العالم ولكنه ليس من العالم.
 إنه جسد ولكنه مع ذلك روح.
 إننا حقاً نسير بأقدامنا على الأرض ..
 ولكننا نعيش بقلوبنا فى السماء ..
   الخلاصة : كما أنك لا تعلم طريق الريح .. كذلك لا تعلم أعمال الله الذى يصنع الجميع(2).
 (1)-(أع 2: 2، 3).                (2)-(جا11: 5).     
   نيقوديموس : إستفهام .. كيف ؟ (ع9)
   المسيح : تعجب المسيح من نيقوديموس من كونه معلم إسرائيل ولا يعرف (ع10) .. المفترض أنه قرأ الكتب المقدسة .. ومعرفة النبوات تكون قد هيأته لذلك(1).
   لقد وبخ السيد المسيح - برقة- جهل هذا المعلم مبيناً أن إدراك الأسرار السامية والعالية يحتاج إلى إيضاح وشرح وتفسير لكل النبوات القديمة .. لقد أراد المسيح أن يوطد إيمانه.
   الإنسان الطبيعى لا يفهم ما لروح الله بسبب كلمتين : كيف .. ؟ ولماذا ؟ (إزاى وليه ؟!!)
   ولكنه عندما يستعيض عنهما بكلمة (ماذا) حينئذ يفهم كل شئ .. مثلما قال الطرسوسى "ماذا تريد يارب أن أفعل ؟!"(2).
المرحلة الثالثة (3: 11- 21)
   المسيح فى (ع11، 12) يشرح ويكشف السر .. ونلاحظ أنه يتكلم وبجواره تلاميذه الذين كانوا قبلاً تلاميذ يوحنا المعمدان.
   الأرضيات : أى الأمور الروحية المشروحة بأمثال أرضية "كالريح التى تهب"، واليهود لا يؤمنون بها برغم تجسيدها على مستوى فهم الأرضيات، فكيف يؤمنون لو استعلنت لهم على مستواها السمائى.
   نلاحظ نيقوديموس (صامتاً)
   أنه يختفى من الحلبة دون أن يقول شئ .. لم يعد له وجود ولذا فالأعداد (3: 14- 21) تمثل حديثاً غير مباشراً مع نيقوديموس.
   وفيها يشرح السيد المسيح سر تجسده وسبب مجيئه إلى العالم مستخدماً مثلاً من التوراة(3) حين تذمر بنى إسرائيل على موسى والله أثناء ترحالهم فى البرية فانتشرت الحيات المحرقة.
 (1)-(حز36: 26، أر31: 33، أم30: 4).        (2)-(أع9: 6).    
 (3)-(عد21: 4- 9).    
   كانت خطية بنى إسرائيل هى التذمر والتمرد والرفض.
   وكان حكم الله هو الموت بلدغات الحيات المحرقة ..
   (حيات لونها ضارب إلى الحمرة كالنار المحرقة رمز جهنم)
   وكانت رحمة الله هى الشفاء بمجرد النظر بإيمان إلى الحية النحاسية على السارية .
   وهذا مثال لـ :
   - كانت خطية آدم ومن بعده جميع البشر.            
   - وكان حكم الله : الموت موتاً – حكم الهلاك.
   - وكانت رحمة الله : إبنه الوحيد المبذول والمكسور من أجل خطايا العالم مرفوعاً على الصليب .. [ إن رفع الحية هو موت المسيح ] أغسطينوس.
   (يو 3: 16) الآية الذهبية تقابل (رو5: 8)
   نلاحظ تكرار عبارة "لا يهلك كل من يؤمن به"، وتتكرر فى الآية السابقة.
   ليس العمل بالناموس هـو الذى يؤدى إلى الحياة الأبدية ولا التعليم ولا الآيات بل (الإيمان).   
   كان نيقوديموس يعرف أن التعليم (من المعلم) هو العملية التى تقوم بتعديل السلوك البشرى.
   ولكن المسيح لم يكن معلماً فحسب .. بل أيضاً مخلصاً.
   والمخلص هو الذى يغير الطبيعة البشرية ويجددها.
   وهكذا تحول نيقوديموس من الإيمان الناقص والاكتفائية الساذجة إلى اكتشاف سر المسيح.
   النور والخلاص وهذا عمل الروح القدس فينا.