إبراهيم آب الآباء

تقييم المستخدم: 5 / 5

تفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجوم
 
المجموعة: شخصيات الكتاب المقدس الزيارات: 5493

ان ابراهيم هو أب " لجميع الذين يؤمنون" (رو 4: 11 ) .. ونحن ندرس حياته لكى ماندرس معاملات الله مع البشر ، فكل ما كتب كتب لأجل تعليمنا ، ، وعلىالرغم من أن أبراهيم هو أعظم رجل سجلت الأسفار المقدسة تاريخه ، لكن لنذكر دائما أن أمامنا من هو أعظم من أبراهيم ، ذاك الذى قال عن نفسه : " قبل أن يكون أبراهيم أنا كائن " – ذاك الذى تهلل أبراهيم أن يرى يومه فرأى وفرح ( يو 8 : 56 ، 58 ) ... ولا عجب فالقديس بولس بعد أن سرد قائمة طويلة لأبرار العهد القديم فى الرسالة إلى العبرانيين كسحابة شهود استطرد يقول : " ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع " ( عب 12 : 2 ) .

+ شخصية أبراهيم :

قصة أبراهيم مع الله .

مصاعب فى طريق الله .

النزاع بين أبراهيم ولوط وشخصية كل منهما .

الله يدخل فى عهد مع أبراهيم .

نسل أبراهيم .

هاجر الجارية والزوجة .

هاجر وسارة يمثلان العهدين القديم والجديد .

الوعد بولادة أسحق – ذبح أسحق – زواج إسحق - سنى أبراهيم الأخيرة .

قصة أبراهيم مع الله :

تبدأ قصة أبراهيم حين تراءى له إله المجد ، وهو مازال فى مدينة أور الكلدانيين ، ( مكانها الحالى خرائب فى منتصف المسافة بين بغداد والخليج الفارسى ، شرقى نهر الفرات بقليل ناحية الجنوب ) – ويوضح ذلك الوحى الألهى على فم أستفانوس شهيد المسيحية الأول " ظهر رب المجد لأبينا أبراهيم وهو فى ما بين النهرين قبل سكنه فى حاران ( مدينة على أحد فروع نهر الفرات ) – وقال له أخرج من أرضك ومن عشيرتك وهلم إلى الأرض التى أريك ، فخرج حينئذ من أرض الكلدانيين وسكن فى حاران ، ومن هناك نقله ( الله ) بعدما مات أبوه إلى هذه الأرض التى أنتم الآن ساكنون فيها " ( أع 7 : 2 – 4 ) .

إذن فقد تلقى أبراهيم الدعوة بالخروج وهو مازال فى أور الكلدانيين ... وكانت دعوة الله لابراهيم هكذا " اذهب من أرضك ، ومن عشيرتك ومن بيت أبيك الى الأرض التى أريك ، فأجعلك أمة عظيمة ، وأباركك وأعظم أسمك . وتكون بركة ، وأبارك مباركيك ولاعنك ألعنه ، وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض " ( تك 12 : 1 –3 ).

1 – فى الواقع يبدأ تاريخ أبراهيم بظهور الله له . والحق أن القيمة الحقيقية فى حياة أى أنسان وتاريخه تبدأ بظهور الله فى حياته. فقد يعيش إنسان عشرات السنين دون أن يكون له أثر ، حتى يقبل دعوة الله ويحيا فى طاعته . . والله فى أثناء ذلك يعرض عليه ذاته لكى يستغنى ، ويلبس ثيابا بيضا فلا يظهر خزى عريته .

2 – لنتأمل فى قول الله لأبراهيم : " وتكون بركة " .. هنا نلاحظ ظاهرة عجيبة ، فبعد أن كان الله يبارك البشر ، أصبح هناك بشر يباركون البشر !!!

3 – تأملات فى طاعة أبراهيم : كانت طاعة أبراهيم لله فى أن خرج من أرضه ، فما هى حكمة الله من ذلك ؟

·الواقع أن كل أنذارات الله القديمة ( الطوفان – بلبلة الألسن - ... ) لم تفلح فى حمل البشر أن يقلعوا عن الشر ، لذا لم يكن هناك بد من أن يعزل الله فئة من البشر ليكونوا له . كان هناك خوف على أبراهيم ،فالجو الذى عاش فيه ابراهيم فى أور الكلدانيين كان موبوءا بالوثنية ونجاساتها ، فالانسان بطبعه ضعيف ومعرض للسقوط ، وابراهيم نفسه وهو - أب الآباء – ضعف إيمانه وشك فى قدرة الله على إعالته فى أرض كنعان لما حدثت مجاعة فنزل إلى مصر دون مشورة الله ، وكذب وقال عن زوجته سارة أنها أخته خوفا أن يقتله فرعون ... من هذا نفهم حكمة الرب فيما قاله على لسان أشعياء النبى " اعتزلوا اعتزلوا . أخرجوا من هناك . لا تمسوا نجسا " ( أش 52 : 11 ) – ويقول يوحنا فى رؤياه " ......اخرجوا منها ياشعبى لئلا تشتركوا فى خطاياها، ولئلا تأخذوا من ضرباتها " ( رؤ 18 : 4 ) .

·خرج أبراهيم من أور الكلدانيين طاعة لأمر الله ، لكن أباه تارح والذين معه خرجوا معه على سبيل الصحبة والقرابة .. وهؤلاء كانوا ثقلا على أبراهيم فى طريق الطاعة الكاملة . وما أن وصلوا إلى حاران حتى حطوا رحالهم ، ورفضوا الأرتحال أكثر ، ظل أبراهيم معهم فى حاران زمانا طويلا لم يتمتع فيه بظهور الله له ، ولم يتمكن من تنفيذ وصية الله له بالخروج ، إلا بعد أن تخلص من هذه الروابط الجسدية التى كانت معطلا له عن السير فى طريق طاعة الله الكاملة .

4 – تارح والد أبراهيم يقود القافلة ( الجسد يتولى قيادة المؤمن ) :

" وأخذ تارح أبرآم ابنه ولوطا أبن هاران ابن أبنه وساراى كنته امرأة إبرام أبنه ، فخرجوا معا من أور الكلدانيين ليذهبوا إلى أرض كنعان " ( تك 11 : 31 ) ...

هنا يظهر تارح كما لو كان هو المدعو من الله ليخرج من أور إلى كنعان ، بينما الدعوة فى الواقع كانت لأبراهيم .. النتيجة هو التوقف عن السير ... تارح يمثل صورة الجسد عندما يقود المؤمن . فقد كان تارح عابدا للأوثان ( يش 24 : 2 ) وقيادة الجسد للأنسان فى الأمور الروحية المتصلة بالله ، لا نتيجة منها سوى التعثر للوصول لله .

+ كان أمر الله لابراهيم أن يذهب إلى كنعان ، أما هو فسكن فى حاران . لكن ما أن مات أبوه حتى أطاع وصية الرب ... إن صلات الجسد وروابطه كثيرا ما تعوقنا فى إتمامنا لدعوة الله لنا ، فنتقاعد عن الوصول إلى مادعينا اليه ونرضى بما هو أقل منه !!!

إن دعوة إبراهيم هى مثال لدعوة الله للانسان ، فكما أن الموت وحده هو الذى هيأ لأبراهيم فرصة الأنطلاق ، كذلك فإننا بحاجة للموت عن العالم حتى ما ننطلق إلى الله .

+ كانت الدعوة إلى كنعان لكن إبراهيم تخلف فى حاران ... وكثيرا ما تأتى معطلات فى طريق الأنسان إلى الله .. فعلينا أن نحترس !!

+ لقد أطاع ابراهيم دعوة الله إليه بالخروج من أرضه ، دون أن يعلم إلى أين يذهب ، وفى هذا مثال للطاعة الكاملة لله ..... وحياة التسليم بالكامل .

+ حسب الظاهر كان أبراهيم قد خسر أرضه وعشيرته وبيت أبيه ،،، لكن فى الواقع كان أبراهيم رابحا ، فالانسان الخاطىء عندما يترك العالم وملذاته ، ما هى خسارته وهو يربح المسيح " ما كان لى ربحا ، فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة . بل إنى أحسب كل شىء أيضا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربى . الذى من أجله خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكى أربح المسيح وأوجد فيه " ( فى 3 : 7 ، 8 ) .

+ لابد من حدوث العوائق فى طريق الله ، لا نتصور أن الطريق أمام المؤمن سهلا .

+ فى دعوة أبراهيم نرى الله يوضح الطريق الروحى الذى ينبغى أن يسلك فيه الإنسان أومايمكن أن نسميه طريق التكريس:

أولا : يقول الله لإبراهيم " أخرج من أرضك " هذه تشير الى الزهد بالجسد . فيزهد الأنسان فى الثروة والممتلكات .

ثانيا : " ومن عشيرتك " وهذه تشير إلى نبذ وترك أساليب السلوك القديم والرذائل الخاصة بالروح والجسد

" اسمعى ياابنتى وانظرى وأميلى أذنك ، وانسى شعبك وبيت أبيك " .

ثالثا : " أخرج ......الى الأرض التى أريك "....... ماهى هذه الأرض ؟ هى الأرض التى عناها المسيح بقوله

" طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض "- " ثم رأيت سماء جديدة وارضا جديدة .... " – " بالأيمان تغرب .......... لأنه كان ينتظر المدينة التى لها الأساسات التى صانعها وبارئها الله " .

إبراهيم بعد أن ترك حاران ( تك 12 : 4 – 9 ) :

+ أول مكان بلغه إبراهيمبعد أن ترك حاران هو شكيم .... ومعنى شكيم كتف ، وهى عناية عن قوة الله التى تحفظنا فى دائرة الأيمان .... ثم جاء الى بلوطة مورة ، ومعناها تعليم . والتعليم والقوة يرتبطان ببعضهما ، فالقوة الروحية تقودنا الى قبول التعليم ، والتعليم ينشىء فينا قوة روحية .. هذه لفتة الهية للطائعين !!!.

+ أتى أبراهيم إلى شكيم ، لكنه وجد الكنعانيين فى الأرض ...كان وجود الكنعانيين هناك امتحانا لقلب أبراهيم ومدى ثبات إيمانه ، ومع وجود الكنعانيين فقد وجد الله هناك .... " وظهرالرب لإبرآم " ( تك 12 : 7 ) .

+ إبراهيم بين الخيمة والمذبح ....

لقد بنى إبراهيم مذبحا بعد وصوله شكيم ... وبنى مذبحا ثانيا بين بيت إيل وعاى ... عاش إبراهيم حياة الغربةفى خيمة متنقلة .... والخيمة والمذبح صفتان أمتاز بهما إبراهيم . فالخيمة تشير إلى حياة الغربة .. التى عاشها على الأرض ، والمذبح يشير إلى حياة التعبد والشكر لله . بالخيمة أعترف أن لا شىء له فى الأرض ، وبالمذبح أعترف أن الله كان كل شىء له ...... ففى الوقت الذى لم يعطه الله فيه ميراثا ولا وطأة قدم ( أع 7 : 5 ) ، كان الله هو نصيبهو ميراثه ، وهذا وحده يكفى .....

مصاعب فى طريق الله :

أ – الكنعانيون ..لكن مع وجودهم كان الله هناك .

ب – جوع فى الارض ... وبسبب الجوعنزل إبراهيم إلى مصر دون إعلان أو مشورة من الله ...هل فكر ابراهيم أن جوع كنعان أفضل من خيرات مصر ؟ ...ليس هذا ما أختبره موسى بعد ذلك " فقد حسب " عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر ، لأنه كان ينظر إلى المجازاة ( عب 11 : 26 ) ......نلاحظ أن ابراهيم عاش فى مصر بدون مذبح .... أى أنه فقد شركته مع الله ... ولو أنتظر مشورة الله فى تجربة الجوع لكانت سبب بركة وتزكية .

ج - إبراهيم وهو يقترب من مصر قال لسارة أمراته أن تقول أنها أخته ، خوفا أن يقتله فرعون ، عجيب هو ضعف إبراهيم فى إيمانه !! أستطاع ابراهيم أن يحصل على خير من فرعون بسبب إمرأته ، .... لكن ماذا كانت النتيجة ؟ لقد حرم إبراهيم من سارة شريكة حياته !! لكن فرعون لم يمسس سارة ، وضرب وبيته ضربات عظيمة حتى أطلقها ....

د – هنا نرى الله يتدخل بقوته لينقذ إبراهيم – لا من فرعون – بل من ضعفه هو ....فترجع سارة .. ويعود هو إلى مكانه بين بيت إيل وعاى حيث سكن أولا ، وبنى مذبحا للرب ....

النزاع بين إبراهيم ولوط :

كان ابراهيم ( السائر مع الله ) غنيا جدا – وكان لوطا ( السائر مع ابراهيم ) غنيا أيضا..... ولم تحتملهما الأرض أن يسكنا معا .. ...... الثروة بركة من الله ، إن أحسن الأنسان أستخدامها صارت نافعة له ولغيره وللكنيسه ، لكن إن أساء أستخدامها وتسلطت محبتها على قلبه ، صارت وبالا عليه ،

" ولم تحتملهما الأرض " ...كلمة شديدة يقولها الكتاب ...لما كانا فقراء ، كانت الأرض تسعهما ، لم يتشاجرا فى الفقر ، إنما تشاجرا فى الغنى !! وما أكثر المآسى والمشاكل التى تحدث بسبب المال ، المال يفرق بين الأخ وأخيه ، وبين الأبن وأبوه ، ( مثل الأبن الضال ) .

كان منشأ النزاع بين رعاة أبراهيم ورعاة لوط .... وكثيرا ما أدت النزاعات بين الصغار إلى تصادم الكبار .

شخصية لوط :

+ كان لوط سائرا مع إبراهيم بتأثيره وقدوته ، أكثر من إيمانه الشخصى بالله ، مجرد التقليد ضار ، ويحدث هذا مع كثير من المترددين على الكنيسة والمجتمعات الدينية ، ...ويؤيد هذه الفكرة ما ذكر عن لوط " ولوط السائر مع إبرآم " ( تك 13 : 5 ) – لوط فى سيره مع إبراهيم كان مجرد مقلد ، لذا كانت نهايته فى سهول سدوم .

+ فى الظاهر كان سبب الفرقة والنزاع بين لوط وابراهيم هو ماحدث بين الرعاة ، أما السبب الحقيقى فكان فى قلب لوط ، الخصام بين الطرفين هو الذى أظهر فضيلة أبراهيم ، ومحبة لوط للعالم .

+ رفع لوط عينيه واختار دائرة الأردن ... لقد كانت كجنة عدن .... وكان ما جذبه هو خصوبتها ، وشكلها الظاهرى بغض النظر عن أى اعتبار آخر ،،،،

+ قال الرب لآبرام " أرفع عينيك وانظر ... " وفرق كبير بين أن يرفع الأنسان عينيه ( من نفسه ) لينظر ويختار ، وبين أن يسمع لمشورة الله فى الأختيار ،- الله يريدنا أن نختار الأرض الجديدة والسماء الجديدة التى يسكن فيها البر ( 2 بط 3 : 13 ) .

+ اسلوب إبراهيم فى حل المنازعة .... " لاتكن منازعة بينى وبينك ، لأننا نحن إخوان " – فى الظاهر كان لوط هو الرابح ، لكن الواقع كان عكس ذلك ، لقد فقد لوط روحياته ، لم يستطع أن يبنى مذبحا للرب فى سدوم ، لقد فقد هيبته ووقاره الروحى ، ..... ثم إذ بحرب كبيرة بين أربعة ملوك يسبى فيها كل شعب سدوم ، ويؤخذ لوط أسيرا هو وأسرته وكل أملاكه ، وأبراهيم هو الذى فك أسره وأسترد أمواله ، كان ذلك نتيجة شهوة قلبه وعينه .

+ حينما نقارن بين ابراهيم ولوط : .إبراهيم أختار الله ولوط اختار المادة .....، لوط اخذ النصيب الاكبر ، وابراهيم اختار الفقر والبرية المجدبة .....، لوط أخذ أرض العشب والمرعى وابراهيم أخذ المذبح والخيمة ..، لوط فقد حريته الشخصية وكيانه الأول ، بينما ظل أبراهيم محتفظا بكيانه حرا لله ، ....لوط جلب على نفسه الهوان والهزيمة ، وأبراهيم هو الذى أنقذه .

+ بعد نصرة ابراهيم خرج ملك سدوم الذى هزم أولا - لأستقبالابراهيم وعرض عليه أن يعطيه النفوس وأن يأخذ الغنائم المادية لنفسه ... وهنا يظهر تعفف ابراهيم وروحانيته وشهامته " رفعت يدى الى الرب الإله العلى مالك السماء والأرض ، لا آخزن لا خيطا ولا شراك نعل ، ولا من كل ما هو لك ، فلا تقول أنا اغنيت إبرام " .

والحق أن أبراهيم فى هذه الحرب انتصر نصرتين : نصرة ضد الملوك ، والنصرة الثانية ضد مغريات العالم

( الأسلاب والغنائم ) ، ولعله لم ينل النصرة الأولى إلا لأنه كان يقتنى الثانية .

ملكى صادق :

ملك ساليم كان كاهنا لله العلى فضلا عن كونه ملك ، ويذكر فى المزامير موضوع كهنوته ...(مز 110 : 4 ) ، وهو يرمز إلى المسيح ( عب 7 : 1 – 3 ) ،تقابل إبراهيم مع ملكى صادق بعد رجوعه من الحرب وانتصاره ، وهكذا يظهر لنا السيد المسيح بعد أن نجاهد روحيا وننتصر بنعمته ...، إبراهيم قدم العشور من كل شىء لملكى صادق ... والعشور وبركاتها مارسها الأنسان قبل عصر الشريعة ، وقبل أن يعطى الله وصية مكتوبة عنها.

إبراهيم بعد كسرة الملوك :

قال الله فى رؤيا الى ابراهيم " لا تخف يا إبرام ، أنا ترس لك ، اجرك كثير جدا "تك 15 :1، فقال ابراهيم :"أيها السيد الرب ماذا تعطينى وأنا ماض عقيما ، ومالك بيتى هو اليعازر الدمشقى ..... إنك لم تعطنى نسلا وهوذا ابن بيتى وارث لى " ..... كان كلام ابراهيم هذا لله ، وربما كان تعبيرا عن قلق أو ضعف إيمان ، والله يصنع أموره بطول أناة وحكمة ، وهناك مثل آخر نجده فى ( ص 16 ) ، فنرى سارة – نتيجة عدم صبرها – تدفع ابراهيم لأن يتزوج هاجر الجارية لينجب منها نسلا ، لكن الله يؤكد وعده لأبراهيم بأن الذى يخرج من أحشائه هو الذى يرثه .

الله يدخل فى عهد مع إبراهيم :

فى ( تك 15 : 7 ، 8 ) نرى الله يؤكد وعده لأبراهيم " أنا الرب الذى أخرجك من أور االكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها " فكان تعليق إبراهيم على ذلك " أيها السيد الرب بماذا أعلم أنى أرثها " ليس هذا شكا بل هو طلب إيضاح من الله على نحو ما فعلت العذراء مريم وسألت الملاك " كيف يكون لى هذا ...... " .

اعتاد القدماء احيانا ان يقطعوا عهودهم على ذبيحة يشقونها نصفين ، ويجوز كل طرف بين الشقين ، وكأنه يقبل أن يشقه الله مثل الذبيحة إذا خان العهد .... وهكذا قطع الله عهده مع ابراهيم بهذه الصورة المألوفة ، ونلاحظ هنا أن ( العجلة والعنزة والكبش – واليمام والحمام ) من الحيوانات والطيور التى كانت تقدم ذبائح فى العهد القديم ،

وتلك الحيوانات من الحيوانات الطاهره التى كان مسموحا للانسان بأكلها ، واختيار تلك الفصائل المعينة من الحيوانات الطاهرة كذبائح لأنها من الحيوانات التى تخدم الأنسان ، إشارة للسيد المسيح الذى جاء ليخِدم لا لُيُخدم كما أن اختيار فصائل من الطيور كاليمام والحمام – كذبائح – وليس كل الطيور الطاهرة كالبط والأوز والرومى مثلا ، لأن الاولى لها القدرة على الطيران...، ( وهى ترمز إلى السمو الروحى ) فى حياة الخادم .

+ من سياق الكلام نرى أن أمر الذبائح الدموية كان أمرا معروفا لإبراهيم ، ولم يكن بحاجة إلى أن يعرفه الله بتفاصيله ...كان أمرا معروفا بالتقليد مثل موضوع العشور .

+ اختيار ثلاثة حيوانات وتكون ثلاثية ( عمرها 3 سنوات ) حتى ما تكون كاملة النمو ، لان هذا أمر يليق بالله الكامل ، كما يشير إلى كمال العهد وأهميته ... وهو يشير أيضا إلى الثالوث القدوس .

+ نلاحظ أهمية الدم فى العهد الذى قطعه الله مع إبراهيم .... فحينما سأل إبراهيم الله عن الأرض " بماذا أعلم أنى أرثها " كان أمر الله له بهذه الذبائح ، وهكذا نفهم أننا نرث الأرض الجديدة التى يسكن فيها البر عن طريق الدم والذبيحة ( المسيح ) -وفى عهود أخرى بين الله والأنسان مثل ( عملية الختان ) فيها إسالة للدم .

+ كانت الطيور الجارحة تنزل على جثث الذبائح ، لكن ابراهيم كان يزجرها ، وهذه الجوارح ترمز للشياطين ، وهكذا ينبغى أن نحفظ الذبائح الروحية التى نقدمها لله من اقتراب الشياطين منها ، ومن الأفكار الشريرة .

نسل إبراهيم :

أورد الرب تشبيهين لنسل إبراهيم : الأول فى ( تك 13 : 16 ) " واجعل نسلك كتراب الأرض ...... " والثانى فى ( تك 15 : 5 ) "...وقال أنظر الى السماء وعد النجوم إن استطعت أن تعدها . وقال له هكذا يكون نسلك "

التشبيهان هما تراب الأرض ، ونجوم السماء ... أبناء إبراهيم حسب الجسد كتراب الأرض ، لكن نسله الروحى كنجوم السماء . ليسوا فقط عديدين بل ممجدين ومضيئين ومرتفعين كنجوم السماء ،-" لهم التبنى والمجد والعهود والاشتراع والعبادة والمواعيد ، ولهم الآباء ومنهم المسيح حسب الجسد ، الكائن على الكل إلها مباركا ، الى الأبد آمين " ( رو 9 : 4 ، 5 ) .

الله ينبىء إبراهيم بما سيحل بنسله :

وقال الله لأبراهيم " اعلم يقينا أن نسلك سيكون غريبا فى أرض ليست لهم ، فيذلونهم أربعمائة سنة .... وبعد ذلك يخرجون بأملاك جزيلة " ( تك 15 : 13 ، 14 ).

+ الله تحدث اولا عن الضيقة ثم بعدها الفرج – التعب ثم الراحة - ....هذا هو طريق الله : نتألم ثم نملك ، العبودية ثم الحرية ، أى عبودية الخطية ثم حرية مجد أولاد الله ....

+ وبعد أن تحدث الرب عن غربة نسل إبراهيم واستعبادهم واذلالهم يقول " ثم الامة التى يستعبدون لها أنا أدينها " ( تك 15 : 14 ) ...وهنا نرى نعمة الله لأولاده :

كأفراد ...." لى النقمة أنا أجازى يقول الرب " ( رو 12 : 19 ؛ عب 10 : 30 ) .

 

ككنيسة .....والأمثلة على ذلك لا تحصى .... فى الماضى والحاضر ....أن الله يكفكف دموع المؤمنين النائحين ، أما الذين جدفوا على اللاهوت ، فقد طرحهم لاسفل ، قد يتأنى الله فى العقاب ولكنه يختار الوقت المناسب .

+ يرى الآباء أن ال 400 سنة تمثل أربعة أجيال : الجيل الأول هو عصر ماقبل الناموس ، والجيل الثانى هو عصر الناموس ( الشريعة ) ، والجيل الثالث هو عصر الأنبياء ، والجيل الرابع هو عصر السيد المسيح ، وحينما يقول : " وفى الجيل الرابع يرجعون إلى ههنا " يعنى أن الجنس البشرى – الذى يرمز إليه نسل إبراهيم – يرجع إلى السماء بالمسيح وفى عصره .

الرؤيا التى رآها إبراهيم :

" ثم غابت الشمس فصارت العتمة ، وإذ تنور دخان ، ومصباح نار ( متقد ) يجوز بين تلكالقطع " (تك 15 : 17 ) .

تنور الدخان ...يشير إلى ما سيحل بنسل إبراهيم من اضطهادات فى مصر .

مصباح النار المتقد ...يشير إلى وجود الله الدائم وسط شعبه ؛ فى الضيقات والآلام .

مصباح النار المتقد ( بمفرده ) – يجوز بين القطع ؛ اشارة إلى تحمل الله لمسئولية تنفبذ الميثاق مع البشر لوحده ، وهكذا كانت مصالحتنا مع الله بموت المسيح ، كان إنعاما من جانب الله نحو الأنسان الضعيف ، الذى قابل العمل الفدائى العظيم بالعداوة " أصلبه .. أصلبه " .

هاجر الجارية والزوجة :

+ لإبراهيم بعض العذر لانه قبل الزواج بهاجر ، لكنه بلا أدنى شك كان مخطئا .... إن الله يعطى الوعد ، والإيمان يقبله ، والرجاء يتوقعه ، والصبر ينتظره بسكوت !!

+ سبب زواج إبراهيم بهاجر كانت سارة ... ونلاحظ :

ان سارة هى التى اضعفت ايمان ابراهيم بعد أن " آمن بالرب فحسبه له برًا "

خطة الشيطان استخدام اقرب الناس لنا فى تجربتنا واضعافنا .

" سمع إبراهيم لقول ساراى " – خطورة الأستماع بدون تعقل .

خطة سارة هى إقناع ابراهيم بأن الأمر من الله " هوذا الرب قد أمسكنى عن الولادة " ( تك 16 :2 ) ،أليست نسبة بعض الأمور لله هى خطة ابليس فى بعض الأحيان .

سارة والشيخوخة :

+ هناك الأيمان والعيان ... العيان هو المقياس المادى ..كالشيخوخة مثلا فى حالة الأنجاب ، هكذا نظرت سارة ؛ وقالت للرب " أبعد فنائى يكون لى تنعم " ... الأمر ليس هل يستطيع الأنسان أم لا يستطيع ، بل هل " يستطيع الله أم لا يستطيع " !! إن التأخير عندما يربده الله هو فى صالح الأنسان من وجوه كثيرة ومنها التدرب على الفضيلة ، ولذا يقول فى العبرانيين " متمثلين بالذين بالإيمان والأناة يرثون المواعيد " ( عب 6 : 12 ) ..يقول مارإسحق ( إذا أنت طلبت ولم تأخذ ، فلست أحكم من الله ) .

إبراهبم وهاجر وسارة :

+ كانت زيجة إبراهيم بهاجر زيجة غير متكافئة ، فابراهيم كان غنيا جدا وهاجر كانت جارية

+ أظهرت هاجر الجارية كبرياء.. نسيت نفسها ووضعها كجاريةوصغرت مولاتها سارة أمام عينيها !! عجيب أمرالأنسان الذى يرفعه الله من المذلة ، وبعد ذلك يتنكر لماضيه ويستعلى على من كانوا سبب نعمته .

+ كانت نتيجة تعالى هاجر أن " أذلتها ساراى فهربت من وجهها " – وكان هروبها خطئا ، كان ينبغى عليها تقويم سلوكها أمام سيدتها سارة ، وحين أمرها الملاك أن ترجع ، لم يأمرها بالرجوع إلى بيت سارة ، بل قال لها : " إرجعى إلى مولاتك واخضعى تحت يديها " .

هاجر وسارة يمثلان العهدين القديم والجديد : عهد الناموس وعهد النعمة ، على نحو ما خلق الله الانسان من عنصرين جسدانى وروحانى ، وعلى نحو مادبر الحياة الدنيا والحياة الأبدية ، كذلك يوجد عهدان وشريعتان :

شريعة العهد القديم : تأمر بأوامر جسدانية وتعد بمواعيد جسدانية ،وهذا يشابه الميلاد الجسدانى من هاجر ..انها تغفر الخطايا بذبائح دموية ، وعلامة العهد هى الختان الجسدى ، ومواعيدها جسدية " أرض تفيض لبنا وعسلا " .

أما شريعة العهد الجديد : كلها روحانية على مثال سارة التى لم تلد أسحق كالولادة الجسدية المعروفة ، فقد انقطع أن يكون لسارة عادة كالنساء ( تك 18 : 11).

عهد الله مع إبراهيم:

ظهر الرب لإبراهيم وهو فى التاسعة والتسعين من العمر – أى بعد ولادة اسماعيل بثلاثة عشر عاما – وقال له " أنا الله القدير .. سر أمامى .. وكن كاملا .. ، فأجعل عهدى بينى وبينك .. أكثرك كثيرا جدا " ( تك 17 : 2 ).

عبارة " كن كاملا " تعنى ضمنيا أن الله يسمح بالضيقة من أجل تكميل الأنسان ، قال بولس الرسول ( يكمل رئيس خلاصهم بالآلام ) – عب 2 : 10 .

أما الوعد فكان " واعطى لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك ، كل أرض كنعان ملكا أبديا " .

والموعد بتمليك الأرض إنما يشير روحيا إلى الميراث السماوى للمؤمنين من جميع الشعوب – فليس شئ أبدى إلا ما هو روحى ،،،هنا نرى أن الله يغير أسم آبرام ( أب عظيم )إلى إبراهيم ( أب لجمهور كبير ) ،،، وأسم ساراى ( أميرتى )إلى سارة ( أميرة ) ، حيث سينتسب إليها جميع الذين يرثون إيمان إبراهيم .

وكان العهد هو الختان للذكور ، والختان كان عهد دم ( بقطع جزء من الجسم ) ، الختان يرمز إلى موت الجسد ، وإلى المعمودية ، وكلاهما إشارة إلى الموت مع المسيح ، " ....مدفونين معه فى المعمودية ... " ( كو 2 : 8 –12 ) .

ظهور الله لإبراهيم ، والوعد بولادة أسحق :

ظهر الرب لإبراهيم بشكل ثلاثة رجال ... ليترجم لإبراهيم الوعد الوارد فى( ص 17 ) :

+ الرأى الأرجح أن ( الرب ) هنا هو الأقنوم الثانى فى الثالوث القدوس ، ظهر بصورة إنسان تدبيريا لكى يهئ عقول البشر لسر التجسد ، أما الأثنان اللذان معه فكانا ملاكين ظهرا معه لتنفيذ مقاصده فى سدوم وعمورة

+ من الأمور التى نلاحظها فى هذه الزيارة كرم أبراهيم وحسن ضيافته للرجال الثلاثة ، كانت الضيافة عبارة عن ( عجل رخص ، وثلاثة أكيال دقيق ، وزبد ولبن ) كل هذا يسميه إبراهيم " كسرة خبز ... " ، وقد أشار بولس إلى هذه الضيافة " لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لايدرون " ( عب 13 : 1 )

+ أعطى الله وعدا نهائيا لسارة بأن تنجب أبنا ، فضحكت سارة فى قلبها ، - لقد أخطأت سارة عدة أخطاء منها :

طردها لهاجر ، ولومها لابراهيم بدون مبرر، وعدم إيمانها أن يكون لها إبن ،. ومع هذا لم يمنع الله عنها النسل ، فالله فى عطاياه بلا ندامةولا يعطى بناء على استحقاق الأنسان ، وإنما يعطى بناء عن غناه فى العطاء والمجد ، وقد عادت سارة وآمنت " بالأيمان سارة نفسها أيضا أخذت قدرة على إنشاء نسل وبعد وقت السن ولدت ، إذ حسبت الذى وعد صادقا " (عب 11 : 11 ) .

+بعد إنتهاء الزيارة بدأ الله يتحدث مع إبراهيم عما هو عتيد أن يفعله بسدوم ... ونتعجب عن الطريقة التى تكلم بها الله مع إبراهيم " هل أخفى عن إبراهيم ما أنا فاعله " ( تك 18 : 17 ) وهنا تبدأ شفاعة إبراهيم فى سدوم " أفتهلك البار مع الأثيم " ... إن هذا يظهر مكانة أولاد الله فى نظره ، يقول داود " سر الله لخائفيه " ( مز 25 : 14 ) ... ولدينا فى الكتاب المقدس قصة إيليا النبى الذى بصلاته أغلق السماء ثلاث سنوات ونصف وبصلاته فتحها ( 1 مل 17 ، 18 )

إبراهيم وابيمالك ملك جرار :

بعد ذلك تغرب إبراهيم فى جرار ، وقال عن سارة إنها أخته ...مرة أخرى يكذب إبراهيم كما فعل فى مصر ، وفى دفاعه عن نفسه قال إبراهيم " ليس فى هذا الموضع خوف الله البته فيقتلونى لأجل إمرأتى " – والسؤال إذا كان إبراهيم يعلم أن هذا المكان ليس فيه خوف الله ، فلماذا ذهب إليه ؟ وعلى الرغم من أن أبيمالك أخذ سارة على أنها أخت إبراهيم ، ومع ذلك فقد أعتبره الله مخطئا .. وهكذا تعلمنا الكنيسة أن نصلى من أجل الخطايا " التى صنعناها بمعرفة والتى صنعناها بغير معرفة " .

وعلى الرغم من خطأ إبراهيم فإن الله لم يوبخه ، الله الحنون نظر إلى قلب إبراهيم ، على نحو ما نظر إلى قلب شاول الطرسوسى رغم كل ما كان يفعله !!!

ولادة إسحق ( تك 21 ) :

"وافتقد الرب سارة كما قال : وفعل الرب لسارة كما تكلم . فحبلت سارة وولدت لإبراهيم إبنا فى شيخوخته فى الوقت الذى تكلم الله عنه "هذا يعود بنا إلى ( تك 18 : 10 ) حينما قال الله فى شخص الثلاثة رجال : " إنى أرجع إليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة إمراتك إبن " ...هنا نجد ثمر الأنتظار والصبر .

" وصنع إبراهيم وليمة عظيمة يوم فطام إسحق "( تك 21 : 8 ) ..ونلاحظ أن الوليمة لم تصنع يومالولادة بل يومالفطام .. إن هذا بالمفهوم الروحى يعنى أن الفرح الحقيقى يكون يوم الفطام عن العالم وشهواته ، والخطية وتوابعها .

طرد هاجر وإبنها :

+اسحق معناه ( الضحك ) ، واسماعيل معناه ( الله يسمع ) ..." رأت سارة أبن هاجر المصرية الذى ولدته لأبراهيم يمزح ، فقالت لإبراهيم أطرد هذه الجارية وأبنها لأن أبن هذهالجارية لا يرث مع ابنى أسحق . فقبح الكلام فى عينى إبراهيم لسبب إبنه ، فقال الله لإبراهيم لا يقبح فى عينيك من أجل الغلام ومن أجل جاريتك ، فى كل ما تقول لك سارة اسمع لقولها ، لأنه بإسحق يدعى لك نسل " ( تك 21 : 9 – 12 ) .

+موضوع هاجر من البداية خطأ ... الغلطة الاولى : حمى الأسراع وسبق الوقت ، إبراهيم لم يستطع حتى ينفذ الله وعده فى الزمن المناسب . ... الغلطة الثانية: اللجوء إلى الطرق البشرية فى علاج الموضوع بأن أتخذ هاجر زوجة ، ولكن الله ظل على موقفه ..... الإبن يكون من سارة !!!

+طردت هاجر من البيت ... إلى برية بئر سبع ... وعندما تاهت أفتقدها الله إله المساكين والضعفاء والمعوزين ، وكبر إسحق وزوجته أمه من مصرية وسكن فى برية فاران بسيناء ، وصار لإسماعيل 12 ولدا ، صاروا رؤساء قبائل ، وعاش إسماعيل 137 سنة ( تك 25 : 17 )

ذبح إسحق ( 22 ) :

" وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم . فقال له يا إبراهيم ، فقال هأنذا ، فقال خذ إبنك وحيدك الذى تحبه إسحق، واذهب إلى أرض المريا وأصعده لى محرقة على أحد الجبال الذى أقول لك " ... "وفى اليوم الثالث رفع إبراهيم عينيه وأبصر الموضع من بعيد " ( تك 22 : 4 ) .

سر الثلاثة أيام :

أمر الله موسى أن يطلب مع الشيوخ من فرعون قائلين " الرب إله العبرانيين إلتقانا ، فالآن نمضى سفر ثلاثة أيام فى البرية ونذبح للرب إلهنا " ( خر 3 : 18 ) ماهو هذا الطريق الذى يقطعه موسى فى ثلاثة أيام للخروج من مصر ، والذهاب إلى الموضع الذى ينبغى أن يذبح فيه للرب ؟ إنه الرب نفسه القائل " أنا هو الطريق والحق والحياة " يو 14 : 6 . ينبغى أن نسير فى هذا الطريق ثلاثة أيام ، لأنك " إن اعترفت بفمك للرب يسوع وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات خلصت " رو 10 : 9 . هذه هى الأيام الثلاثة التى نقطعها فى الطريق لنصل إلى الموضع الذى يذبح فيه للرب وتقدم " ذبيحة التسبيح " مز 49 : 14 .

بخروجنا ثلاثة أيام ندخل إلى معرفة " القيامة " فتستنير بصيرتنا الداخلية ، بنور المعرفة الحقيقية .

·خبرة الثلاثة أيام – أى القيامة – مع المسيح ، اختبرها إبراهيم ، هذا الذى خرج من بيته ثلاثة أيام وعندئذ رأى العلامة فقدم إبنه ذبيحة حب لله ، وما هى هذه العلامة إلا علامة قيامة المصلوب ،لذا يقول معلمنا بولس : "إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات " عب 11 : 19" .ٌقال السيد المسيح ( أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومى فرأى وفرح ) .

·إن تصرف إبراهيم فى هذه الحادثة يعطينا فهما للذبيحة التى قدمها الله لخلاصنا ، فإن خضوع إسحق وهو موضوع على المذبح ورقبته معرضة للسكين ، يعطينا فكرة أعمق عن طاعة المسيح حتى الموت ، وإعادة اسحق حيا كمن قام من الأموات بعد أن صار فى حكم المائت فى نظر والده ثلاثة أيام ، يعطينا فكرة عن قيام المسيح من الأموات فى اليوم الثالث . لكن الحقيقة تفوق الرمز ، فإن أسحق تألم وهو شاعر تماما بوجود أبيه معه ، أما المسيح فقد تصاعدت من جنبه تلك الصرخات المدوية : "إلهى... إلهى ... لماذا تركتنى" .

سبق أن أعطى الرب إبراهيم عدة مواعيد ولكن الآن فإنه لأول مرة يقسم " بذاتى أقسمت يقول الرب أنى من أجل أنك فعلت هذا الأمر ولم تمسك أبنك وحيدك أباركك مباركة ، وأكثر نسلك تكثيرا كنجوم السماء وكالرمل الذى على شاطئ البحر ، ويرث نسلك باب أعدائه ، ويتبارك فى نسلك جميع أمم الأرض ، من أجل أنك سمعت لقولى " .

تأملات فى تجربة ذبح إسحق :

الله يريد أن نكون له ، ويريد أن يكون هو كل شئ فى حياتنا ، ومن أجل ذلك يتبع معنا سياسة التجريد : جرد إبراهيم أولا من أهله ووطنه ، ثم جرده من ابيه تارح، ثم جرده من لوط ومن سكناه معه، ثم جرده من هاجر وإبنها حتى لاتكون له محبة حسب الجسد ، وبقى مع زوجته العجوز سارة وابنه وفلذة كبده اسحق الذى كان كل شهوة قلبه ، وهنا فى هذه التجربة يريد الله أن يجرد إبراهيم من محبته ( وتعلقه ) بأسحق ، وإذا جردهمن هذه المحبة تبقى محبته لله وحده ، وهذا يذكرنا بقول السيد المسيح " من أحب ابنا أو أبنة أكثر منى فلا يستحقنى "مت 10 : 37.

·الله حينما يريد أن يمتحنا يضع يده على أعز شئ لقلوبنا ، لذا قال لإبراهيم " خذ إبنك وحيدك الذى تحبه أسحق ...." . كان الامتحان شديدا لابراهيم ، لكن لكى تكون تزكية إيمانه ، وهى أثمن من الذهب الفانى مع أنه يمتحن بالنار توجد للمدح والكرامة والمجد ( 1 بط 1 : 7 ) .

كانت التجربة إمتحانا مثلثا لإبراهيم ، كانت إمتحانا لمحبته ، وامتحانا لإيمانه ، وإمتحانا لطاعته لله ، وقد نجح فيها جميعا ...وفى ذلك يقول بولس الرسول : " بإلأيمان قدم إبراهيم أسحق وهو مجرب ، قدم الذى قبل المواعيد وحيده ، الذى قيل له بأسحق يدعى لك نسل . إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات ( عب 11 : 17 – 19 ) .

بقدر ما كانت التجربة شديدة وصعبة ، فإن الله لكى يبرهن على فضيلة ابراهيم زادها صعوبة ، إذ لم يعلن عن مكان تقديم الذبيحة ولكن أكتفى بقوله " أرض المريا .... .."، بل أن المكان كان علىمسيرة ثلاثة أيام ومع هذا " بكر إبراهيم صباحا " .

·احتفظ إبراهيم بالأمر سرا أمام أهل بيته ، حتى لا يحدث شيئا يعطل جديته فى طاعة الله .

·العجيب فى الأمر هو طاعة أسحق الكاملة لأبيه .... فى ذلك كان إسحق رمزا للسيد المسيح . كان كشاة تساق إلى الذبح لم يفتح فاه .

·" فرفع إبراهيم عينيه ونظر وإذا كبش وراءه ممسكا فى الغابة بقرنيه " ... كان كبشا قويا نطاحا ، ومربوطا بقرنيه ، إشارة إلى قوة المسيح على الصليب الذى ربط لاهوته ، ولم ينتقم من صالبيه حتى يتمم عملية الفداء للبشرية .

موت سارة ( تك 23 ) :

عاشت سارة 127 سنة ، وهى المرأة الوحيدة فى الكتاب المقدس التى ذكر عمرها ... ماتت سارة فى قرية أربع وهى حبرون ، وتدعى أيضا ممرا – وحاليا مدينة الخليل ، ودفنت فى حقل المكفيلة ... وهو نفس المكان الذىدفن فيه إبراهيم وأسحق ويعقوب ، ورفقة وليئة ، ويقال أن رفات يوسف نقلت إليها .

ومدينة الخليل على بعد عشرين ميلا جنوبى أورشليم ، وفيها الحرم ( مسجد الخليل ) الذى يقال أنه قائم على مغارة المكفيلة ، وكانت قبلا كنيسة مسيحية ، وإلى الشمال منها على بعد ميلين موقع بلوطات ممرا .

من الناحية الرمزية نرى فى موت سارة ، إسرائيل – الأمة التى جاء منها المسيح – تختفى لتفتح المجال للعروس ، التى هى الكنيسة المسيحية .

يظهر أن ابراهيم كان متغيبا عن بيته عند وفاة سارة - ربما فى بئر سبع – ولكنه فى الحال "أتى ليندب سارة ويبكى عليها" وهذه أول مرة نسمع فيها عن بكاء إبراهيم ، فإننا لا نقرأ عنه أنه بكى عندما عبر نهر الفرات ، وطلق الأهل والأصحاب ، أو عند أسر لوطا أبن أخيه ، أو حتى عندما رأى أبنه أسحق سائرا معه للذبح !!! .

كانت سارة شريكته فى الحياة ، نحو سبعين أو ثمانين عاما. كانت هى التى تستطيع أن تواسيه إن تكلم عن تارح أو ناحور ، أو ذكر حاران وأور الكلدانيين ، كانت هى الباقية الوحيدة ممن تحملوا معه مشاق رحلته الخطيرة منذ ثلاثين عاما ، وإذ ركع بجوارها انهالت عليه ذكريات الماضى بما فيه من تدابير وآمال ، ومخاوف وأفراح ، تذكرها كعروس هيفاء فى بدء حياتهم الزوجية ، وكشريكة له فى كل رحلاته ، وكأمرأة عاقر تضطهد هاجر ، تذكرها وقد سباها كل من فرعون وأبيمالك ، وتذكرها كأم حنون لأسحق ، وكان كلما خطرت فى مخيلته إحدى هذه الذكريات انسابت الدموع من عينيه من جديد .

يظن البعض أن الدموع لا تتفق مع المسيحية ، هذه التعاليم لا تتفق مع روح الأنجيل ... لأن الحزن محبة ، وقد بكى يسوع ، وبطرس بكى ، وأهل أفسس بكوا لمجرد سماعهم بأنهم لن يروا وجه بولس ثانية ، إن المسيح يقف بجانب كل حزين ليكفكف دموعه .

وقام ابراهيم من أمام ميته وكلم بنى حث قائلا " انا غريب ونزيل عندكم " ..... هذه كلمات خالدة ، لم ينسها على الإطلاق نسله من بعده ، فعندما تكلم الله لشعبه عن أرض الموعد ، على لسان موسى ، قال لهم " الأرض لا تباع بتة ........ أنتم غرباء ونزلاء عندى " ( لا 25 : 23 ) . وداود النبى يقول " استمع صلاتى يارب لا تسكت عن دموعى لأنى أنا غريب عندك نزيل مثل جميع آبائى " ( مز 39 : 12 ) . وهكذا رسخت كلمات ابراهيم هذه فى أعماق جميع شعب الله فى كل الأجيال المتتابعة .

زواج إسحق( تك 24 ) :

طلب إبراهيم من عبده ( كبير بيته ) أن يذهب إلى أرام النهرين إلى مدينة ناحور ، موطنه الأصلى ، ليخطب لأبنه أسحق ، وأستحلفه بالرب إله السماء وإله الأرض أن لا يأخذ زوجة لأبنه إسحق من بنات الكنعانيين :

+ يبدو أن المتبع فى تلك الأيام أن يتولى شخصا كبيرا فى الأسرة أجراءات الخطبة للعريس ، وهو أمر مازال قائما فى بعض الأسر الريفية حتى الآن .وكان الشخص المرشح هو اليعازر الدمشقى ( على ما يبدو ) لأمانته ، ولثقة إبراهيم فيه .

+ رفض إبراهيم أن يختار لأبنه من بنات الكنعانيين حتى لا يميل قلب إسحق لعباداتهم الوثنية ، ويبتعد عن عبادة الله إله إبراهيم .

+ لم يشأ إبراهيم أن يذهب أسحق إلى مدينة ناحور حتى لا تستهويه الحياة الناعمة هناك ولا يرجع إلى الأرض التى وعد الله أن يعطيها لأبراهيم ونسله من بعده .

+ أما رفقة فهى بطلة الرواية فى هذا الفصل ، مع إنها كانت إبنة رجل عظيم إلا أنها لم تعرف معنى البلادة فى حياتها ، كانت رفقة تعرف كيف تطهى طعاما شهيا ، كما تعرف أن ترعى الغنم

وإذ وصل ذلك الرسول التقى إلى بئر المدينة نحو المساء " وقت خروج المستقيات " سأل من الرب القدير إله إبراهيم سيده أن يهبه تيسيرا لمهمته لأنه بذلك يصنع لطفا إلى سيده، وما أجمل أن نلاحظ البساطة التامة والثقة الكاملة اللتين تظهران فى صلاته ، واللتين تؤكدان كيف انعكست أشعة التقوى والقداسة على حياة كل فرد فى بيت إبراهيم نتيجة التصاقه بالرب .

وقد استجاب الله لطلب ذلك العبد الأمين حتى أتم إجراءات الخطبة بنجاح وعاد ومعه رفقه الى بيت سيده ابراهيم .

سنى إبراهيم الأخيرة ( تك 25 ) :

بعد موت سارة " عاد إبراهيم فأخذ زوجة أسمها قطورة " ، وكان سنه 140 سنة ، ولعله فعل ذلك لأنه وصل إلى هذه السن ، ولم يصبح نسله كنجوم السماء كما وعده الله ... وولدت له قطورة ستة بنين ... وعلى نحو ما كان الحال مع هاجر ، كذلك كان مع قطورة .... لم يكن بنوها الستة من الله ، لأن الأمر لم يكن من الله .

·من أجل ذلك " أعطى إبراهيم إسحق كل ما كان له . وأما بنو السرارى اللواتى كن لإبراهيم فأعطاهم إبراهيم عطايا وصرفهم عن إسحق إبنه شرقا إلى أرض المشرق وهو بعد حى "،كان اسحق إبن الموعد ، لذا أعطاه إبراهيم كل أمواله ليكون وارثه الوحيد !!!!

·وفى سن المائة خمسة وسبعين " أسلم إبراهيم روحه ومات بشيبة صالحة شيخا وشبعان أياما وأنضم إلى قومه " ( تك 25 : 7 ، 8 ) .

·هناك بعض التأملات ......

·قطورة الزوجة الثالثة والأخيرة لإبراهيم ، إنما تشير إلى الأمة التى تتسلط على الناس فى آخر الزمان من نسل إبراهيم أيضا .. وكما لم يظهر لهذه المراة ملا ك من الله ولا رسالة ولا ذكر ولا عناية مثل امرأتى إبراهيم الأ ولتين( هاجر وسارة ) المشبهتينبالشريعتين القديمة والجديدة . فكذلك هذه الأمة الأخيرة ليس لها شريعة من الله ولا ناموس ولا ذكر ، بل ملك دنيوى وتسلط أرضى .

·حينما أعطى إبراهيم لإسحق كل ما كان له ، إنما تصرف بعدل ، وساوى بين هاجر وقطورة ، ودعا الأثنتين جاريتين ، فطرد أبنائهما عن إسحق ...... لماذا ؟ هذه الأمة الأخيرة التى تشبه قطورة تصبح نظير أمة اليهود ( هاجر ) ، وتكون الاثنتان متساويتين فى البعد والتنحى عن الميراث الحقيقى الذى للمسيح بن إسحق بن إبراهيمالوارث كوعد الله ....

وكون إبراهيم يعطى إسحق كل ما كان له ، له معنى بعيد وعميق ، فهو يشمل كل شئ ، ولا يقتصر على الأمور المادية ... أما الآخرون فصرفهم بعطايا مادية ، هذا هو عين مايفعله الله مع أهل العالم ، أما أولاده فيتعامل معهم على أساس آخر.

+++ القمص تادرس يعقوب ملطي