البابا بطرس الجاولى البطريرك ال109 و الأنبا صرابامون ابو طرحة

تقييم المستخدم: 5 / 5

تفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجوم
 
المجموعة: قصة من تاريخ الكنيسة الزيارات: 26539

وفى مثل هذا اليوم من سنة 1568 ش (5 أبريل سنة 1852 م ) تنيح القديس البابا بطرس السابع لبطريرك ال 109 . ولد هذا الأب بقرية الجاولى مركز منفلوط ، وكان إسمه أولاً منقريوس .

 زهد العالم منذ صغره ، فقادته العناية الإلهية إلى دير القديس العظيم أنطونيوس فترهب فيه وتعمق فى العبادة والنسك والطهارة، كما تفرغ إلى مطالعة الكتب الكنسية وتزود بالعلوم والطقسية واللاهوتية ، الأمر الذى دعا إلى رسامته قساً على الدير . ففاق أقرانه فى ممارسة الفضائل وتأدية الفرائض ، وقد دعى القس مرقوريوس ، ثم رقى قمصاً لتقشفه وغيرته وطهارة قلبه.

ولما وصلت أخباره إلى مسامع البابا مرقس الثامن إستدعاه إليه . وكان قد حضر جماعة من الأثيوبيين من قبل ملك أثيوبيا يطلبون مطراناً بدل المتنيح الأنبا يوساب مطرانهم السابق ، ومعهم خطابات إلى حاكم مصر ، وإلى البابا مرقس الثامن . فبحث البابا عن رجل صالح وعالم أفضل فلم ير أمامه إلا القمص مرقوريوس فإختاره لمطرانية أثيوبيا فرسمه مطراناً ، إلا أنه فى وقت الرسامة لم يقلده على أثيوبيا بل جعله

مطراناً على بيعة الله المقدسة ، وسماه ثاوفيلس ورسم بدلاً منه الأنبا مكاريوس الثانى مطراناً لمملكة أثيوبيا فى سنة 1808 م.

وبعد رسامة الأنبا ثاوفيلس مطراناً عاماً إستبقاه البابا معه فى القلاية البطريركية ن يعاونه فى تصريف أمور الكنيسة وشئون الأمة القبطية .

ولما تنيح البابا مرقس الثامن فى يوم 13 كيهك سنة 526 ش (21 ديسمبر 1809 م) و كان الأساقفة موجودين بمصر ، فإجتمعوا مع أراخنة الشعب ، وأجمع رأيهم على أن يكون خليفة له فرسموه بطريركاً فى الكنيسة المرقسية بالأزبكية بعد ثلاثة أيام من نياحة البابا مرقس ، أى فى يوم الأحد 16 كيهك سنة 1526 ش (24 ديسمبر 1809 م) ، ودعى إسمه بطرس السابع وإشتهر بإسم بطرس الجاولى . وكان أباً وديعاً متواضعاً حكيماً ذا فطنة عظيمة وذكاء فائق وسياسة سامية لرعاية الشعب ، كما كان محباً للدرس والمطالعة والتزود من علوم الكنيسة وتعاليمها ، كما قام بتزويد المكتبة البطريركية بالكتب النفيسة . وفى عهده رفرف السلام على البلاد فنالت الكنيسة الراحة التامة والحرية الكاملة فى العبادة وتجـددت الكنائس فى الوجهين القبلى والبحرى .

وفى مدة رئاسته عاد إلى الكرسى الإسكندرى كرسى النوبة والسودان ، بعد أن إنفصل مدة خمسمائة عام . ويرجع فضل عودة النوبة إلى الحظيرة المرقسية إلى أن عزيز مصر محمد على باشا الكبير فتح السودان وإمتلك أراضيه وضمها إلى الأقطار المصرية فعاد كثيرون من أهل السودان إلى الدين المسيحى ، كما إستوطن فيه الكثيرون من كتاب الدولة النصارى ورجال الجيش وبنوا الكنائس . ثم طلبوا من البابا بطرس أن يرسل لهم أسقفاً زكاه شعب السودان من بين الرهبان إسمه داميانوس . وقد تنيح هذا الأسقف فى أيام البابا بطرس فرسم لهم أسقفاً غيره .ومن ذلك الحين تجدد كرسى النوبة الذى هو كرسى السودان.

وقام هذا البابا فى مدة توليه الكرسى الإسكندرى برسامة خمسة وعشرين أسقفاً على أبرشيات القطر المصرى والنوبة. كما رسم مطرانين لأثيوبيا : الأول الأنبا كيرلس الرابع فى سنة 1820 م والثانى فى سنة 1833 م.

وكان من أشهر أساقفته الطوباوى العظيم والقديس الكبير أنبا صرابامون مطران المنوفية الشهير بأبى طرحة ، الذى منحه الله موهبة شفاء المرضى وإخراج الأرواح النجسة . وقد أخرج روحاً نجسة من الأميرة زهرة هانم كريمة محمد على باشا الكبير والى مصر ، ولم يرغب فى شىء مما قدمه إليه الأمير العظيم وإكت.فى بطلب بعض المؤونة والكسوة لرهبان الأديرة وإرجاع الموظفين إلى الدواوين كما كانوا فى سالف الزمان فأعجب به الوالى وأجاب طلبه (1)[2]

وقد أجرى الله عجائب كثيرة على يدى البابا بطرس السابع، أشهرها حادثة وفاء النيل . فقد حدث أن النيل لم يف مقداره المعتاد لإرواء البلاد فى السنين . فخاف الناس من وطأة الغلاء وشدة الجوع إذا أجدبت الأرض. وإستعانوا بالباشا طالبين منه أن يأمر برفع الأدعية والصلوات إلى الله تعالى لكى يبارك مياه النيل ويزيدها فيضاناً حتى يروى الأراضى فتأتى بالثمار الطيبة ولا تقع المجاعة على الناس .

فإستدعى البابا بطرس السابع رجال الإكليروس وجماعة الأساقفة ، وخرج بهم إلى شاطىء النهر وإحتفل بتقديم سر الشكر . وبعد إتمام الصلاة غسل أوانى الخدمة المقدسة من ماء النهر وطرح الماء مع قربان البركة فى النهر ، فعجت أمواجه وإضطرب ماؤه وفاض ، فأسرع تلاميذ البابا إلى رفع أدوات الإحتفال خشية الغرق فعظمت منزلة البطريرك لدى الباشا فقربه إليه ، وكرم رجال أمته وزادهم حظوة ونعمة.

ومن هذه العجائب المدهشة حادثة النور فى القدس الشريف فقد حصل أن الأمير إبراهيم باشا نجل محمد على باشا ، بعد أن فتح بيت المقدس والشام سنة 1832 م دعا البابا بطرس السابع لزيارة القدس الشريف ومباشرة خدمة ظهور النور فى يوم سبت الفرح ، من قبر السيد المسيح بأورشليم ، كما يفعل بطاركة الروم فى كل سنة . فلبى البابا الدعوة ، ولما وصل فلسطين قوبل بكل حفاوة وإكرام ، ودخل مدينة القدس بموكب كبير وإحتفال فخم ، إشترك فيه الوالى والحكام ورؤساء الطوائف المسيحية.

ولما رأى بحكمته أن إنفراده بالخدمة على القبر المقدس يترتب عليه عداوة بين القبط والروم، إعتذر للباشا لإعفائه من هذه الخدمة فطلب إليه أن يشترك مع بطريرك الروم- على أن يكون هو ثالثهم لأنه كان يرتاب فى حقيقة النور. وفى يوم سبت النور ، غصت كنيسة القيامة بالجماهير حتى ضاقت بالمصلين ، فأمر الباشا بإخراج الشعب خارجاً بالفناء الكبير . ولما حان وقت الصلاة دخل البطريركان مع الباشا إلى المقبرة الطاهرة وبوشرت الصلاة المعتادة . وفى الوقت المعين إنبثق النور من القبر بحالة إرتعب منها الباشا ، وصار فى حالة ذهول ، فأسعفه البابا بطرس حتى أفاق . أما الشعب الذى فى الخارج فكان أسعد حظاً مما كانوا بداخل الكنيسة فإن أحد أعمدة باب القيامة الغربى إنشق وظهر لهم منه النور ، وقد زادت هذه الحادثة مركز البابا بطرس هيبة وإحتراماَ لدى الباشا ، وقام قداسته بإصلاحات كبيرة فى كنيسة القيامة.

وفى أيام هذا البابا أراد محمد على باشا ضم الكنيسة القبطية إلى كنيسة روما بناء على سعى أحد قادته البابويين وذلك مقابل خدمات القادة والعلماء الفرنسيين الذين عاونوا محمد على باشا فى تنظيم المملكة المصرية. فاستدعى الباشا المعلم غالى وإبنه باسيليوس وعرض عليهما الموضوع فأجابا الباشا بأنه سيترتب على هذا الضم ثورات وقلاقل بين أفراد الأمة القبطية ، وأنما حقنا للدماء وتشجيعاَ لأمر الضم، سيعتنق هو وولاده المذهب البابوى بشرط أن لا يكرهوا على تغيير طقوسهم وعوائدهم الشرقية. فقبل الباشا منهما هذا الحل، وأعلنا بناء على ذلك إعتناقهما المذهب البابوى . ولم ينضم إليهما سوى بعض الأتباع، وإستمروا جميعاَ مع ذلك يمارسون العبادة فى الكنائس القبطية.

وفى أيامه نبغ بين رهبان القديس أنطونيوس الراهب داود وتولى رئاسة الدير، فظهرت ثمرات أعماله فى تنظيم الدير، وترقية حال رهبانه، فإختار البابا بطرس – لفرط ذكائه وحسن تدبيره- فى مهمة كنسية فى بلاد أثيوبيا فأحسن القيم بها، وكانت عودته لمصر بعد نياحة البابا بطرس .

ومما يخلد ذكر البابا بطرس أن إمبراطور روسيا، أوفد إليه أحد أفراد عائلته ليعرض عليه وضع الكنيسة القبطية تحت حماية القيصر، فرفض العرض بلباقة قائلاَ : أنه يفضل أن يكون حامى الكنيسة هو راعيها الحقيقى، الملك الذى لا يموت. فأعجب الأمير بقوة إيمان البابا، وقدم له كل إكرام وخضوع، وتزود من بركته وإنصرف من حضرته، مقراَ بأنه حقيقة الخليفة الصالح للملك الأبدى المسيح الفادى.

ولما أتم هذا البابا رسالته وأكمل سعيه تنيح بسلام، وصلوا عليه بإحتفال عظيم فى يوم إثنين البصخة، إشترك فيه رؤساء الطوائف المسيحية بالكنيسة المرقسية بالأزبكية ، ودفن بها بجانب البابا مرقس سلفه، ومعهما الأنبا صرابامون أسقف المنوفية فى الجهة الشرقية القبلية من الكاتدرائية الكبرى بالأزكية.

وأقام على الكرسى البطريركى 42 سنة و 3 شهور و 12 يوماَ وخلى الكرسى بعده سنة واحدة و 12 يوماَ.