كتاب كيف أتخذ قرارًا؟

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 
المجموعة: مقالات لنيافة الأنبا موسى الزيارات: 3340

                                                                                                                                                                                             

سمات الحكمة الإلهية

يحدد لنا معلمنا يعقوب سمات الحكمة الإلهية فيقول:

"أما الحكمة التي من فوق فهي أولًا طاهرة، ثم مسالمة، مترفقة، مذعنة، مملوءة رحمة وأثمارًا صالحة، عديمة الريب والرياء " (يع3: 17). إذن، فالحكمة الإلهية تتسم بما يلي:

1- طاهرة: أي نقية من كل خطية، بعكس الحكمة البشرية الملوثة بالضعف البشرى والطمع والأغراض الشخصية...


2- مسالمة: أي فيها روح الوداعة والهدوء والسلام، بينما الاتكال على الفكر البشرى المجرد، يعنى العجرفة والكبرياء، ويقود إلى الغضب والانفعال، ثم إلى المخاصمات والمهاترات...

3- مترفقة: أي أنها طويلة الأناة، طويلة البال، تجعلك تحاور في هدوء وصبر حتى تريح الآخرين وتريح نفسك، دون تسرع أو تطير أو تعسف أو ثورة.

4- مذعنة: أي تجعلك قابلا لتصحيح موقفك، فاتحا صدرك للرأي الآخر مهما بدًا مضايقًا أو مناقضًا لك، فهي تعلمك أن تذعن للحق، والحق هو الله، وكتلميذ للرب تتفاهم في هدوء عارضًا رأيك في وداعة، منتظرًا آراء الآخرين ونقدهم، مستعدا للتنازل عنه حين يبدو لك ضعف الرأي أو خطأه.

5- مملوء رحمة: أي أنها حانية رقيقة غير متكبرة على الآخرين، بل تحس بأحاسيسهم، وتحترم مشاعرهم، وتحنو عليهم حتى في أخطائهم أو ضعفاتهم كي تقودهم إلى فكر المسيح.

6- وأثمارًا صالحة: وما هي أثمار الحكمة الإلهية إلا ثمر الروح من محبة وفرح وسلام وطول أناة ولطف وصلاح وإيمان ووداعة وتعفف (غلا5: 22، 23)؟

7- عديمة الريب والرياء: أي خالية من التشكك والوسوسة، إذ يكون الإنسان واثقا من فكر الله، وقادرا على تمييز مشيئته "كي يعطيكم اله ربنا يسوع المسيح أبو المجد روح الحكمة والإعلان في معرفته، مستنيرة عيون أذهانهم" (اف1: 17، 18)  " من اجل ذلك لا تكونوا أغبياء، بل فاهمين ما هي مشيئة الرب" (اف5: 17). "وهذا أصليه: أن تزداد محبتكم أيضًا، أكثر فأكثر، في المعرفة، وفي كل فهم، حتى تميزوا الأمور المتخالفة، لكي تكونوا مخلصين وبلا عثرة إلى يوم المسيح" (في1: 9، 10).

وهي أيضًا حكمة عديمة الرياء، ليس فيها غش ن ولا كذب ولا التواء، ولا يظهر الإنسان فيها ما لا يبطن، بل بالحري يكون واضحا ومستقيما ونقيا، أمام الله والناس، في السر والعلانية.

هذه هي سمات الحكمة الإلهية، وهي عكس الحكمة البشرية، التي لوثتها الخطية فصارت سبب غيرة مرة، وتخرب وتشويش، وكل أمر رديء... ذلك لأنها أرضية (أي نابعة من العقل الترابي المهتم بالترابيات)، نفسانية (أي نابعة من الانفعالات والغرائز والعواطف والعادات والاتجاهات الخاطئة التي تموج بها النفس)، وشيطانية (أي مقودة بروح إبليس، العامل في أبناء المعصية)... (اقرأ يعقوب 3: 13-18).

خطورة الحكمة البشرية
 
من هنا كان لابد للإنسان من أن يتخذ قراراته في الحياة اليومية حسب مشيئة الله وفكر المسيح، ومن خلال قنوات محدودة نستعرضها في الفصول التالية. وهذا أمر في غاية الأهمية، فلا شك أن استسلام الإنسان لفكره أو شهواته أو حكمته المحدودة، أمر خطير يورد الإنسان موارد التهلكة، لأنه " توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت " (ام16: 25)، فلا تكن إذن " حكيما في عيني نفسك " (ام3: 7)، وذلك:

1- لأنك محدود في إمكانياتك الفكرية...

2- ومحدود في قدراتك التنفيذية، فقد تقتنع بشيء ما، ولكنك لا تستطيع الوصول إليه.

3- ومحدود في معرفة ما هو لصالحك، فالحياة مليئة بالمنعطفات والمتاهات.

4- ومحدود في معرفة المستقبل والغيب، فقد تختار ما هو صالحًا الآن، ثم يثبت انه غير صالح في المستقبل، مثالا لذلك قد تختار شريكة حياة معينة وتتشبث بها، ولا تعرف ماذا قد يصيبها في المستقبل...

5- لهذا فالأفضل أن تعترف بضعفك ومحدوديتك، وتتفاهم مع الله طالِبًا منه أن يقود سفينة حياتك فهو:

    1) الآب الحنون الذي يحبك، صانع الخيرات...

    2) وهو القادر على كل شيء، ضابط الكل...

    3) وهو العالم بمسار حياتك، وحياة غيرك، حتى النفس الأخير، بل حتى الأبدية.

ومن هذا المنطلق الثلاثي: الحنان، والاقتدار، والعلم، يسلم الإنسان نفسه في ثقة ورضى واقتناع، ليختبر كل يوم عجبًا من فيض حنان الرب!

يمكنك يا أخي الشاب أن تعاند مشيئة الله وتتمسك بفكرك الخاص، لكن ثق أن هذا الطريق مهلك، وفاشل.

ويمكنك أن تستطلع مشيئة الله في كل أمر، فتسير في نور المسيح، ومساندة النعمة، وحراسة الإله، فتثمر وتنجح وتعود فرحا.

لقد أراد الرسول بولس أن يبشر في آسيا، فمنعه الروح. قصد أن يذهب إلى بيثينية، فرفض الروح أيضًا. فنام في هدوء في ترواس منتظرا إعلانات الله، ولما رأى الرجل المكدوني يناديه قائلًا "اعبر إلى مكدونية وأعنا" (اع16: 9) ذهب إلى اليونان، ونجح هناك مؤسسا خمسة كنائس مباركة.

"العناد كالوثن" (1صم15: 23)، لأنه عبادة للذات، أما "الانقياد بالروح" (رو8: 14) فهو كفيل بان يجعلنا أولاد الله، وما أعظمه من مركز!