كتاب كيف أتخذ قرارًا؟

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 
المجموعة: مقالات لنيافة الأنبا موسى الزيارات: 3244

                                                                                                                                                                                                

كيف أميز مشيئة الله؟ العلامات، القرعة الهيكلية

والآن وبعد أن أدركنا:

1- ضعفنا البشرى ومحدودية معرفتنا بالحاضر وجهلنا بما يخبؤه المستقبل.

2- ضرورة توافق مشيئتنا مع مشيئة الله المحب، القادر على كل شيء، صانع الخيرات... مع قناعة كاملة وثقة في حنان الله وحكمته.

3- ضرورة الاحتماء بمظلة الصلاة وروح التسليم طوال مسيرتنا ونحن نناقش موضوعا معينا، لنستطيع أن نضمن التدخل الإلهي بالصورة المناسبة وفي اللحظة المناسبة.

4- ضرورة أن تتاغم كل قوى النفس، وتعمل معا، بقيادة روح الله القدوس، فيأخذ كل من: الضمير والعقل والنفس والجسم والمجتمع، الدور المناسب، بالحجم المناسب.


5- أهمية سؤال الله باستمرار، والتشاور مع أب الاعتراف، والدخول في حوار هادئ وهادف، دون تشبث أو عناد، بل في إحساس بالضعف والقصور، والحاجة إلى مشورة بناءة.

بعد كل ذلك... كيف أميز مشيئة الله؟ هل هناك علامات معينة استطيع بها أن أتأكد أن ما استقر عليه الرأي هو مشيئة الله؟

العلامات:

يتصور البعض ضرورة أن يعطينا الرب علامات معجزية أو محددة، نتعرف بها على مشيئة الله، كأن نحلم بشيء، أو يحدث شيء محدد، أو نسمع كلمة معينة من شخص ما... الخ. ولكن هذا الأسلوب غير سليم لأسباب:

1- إن الله أعطانا روحه القدوس ليرشدنا إلى جميع الحق، فلا يصح أن نتعامل مع الله من باب الخرافات والتخمين والرؤى والأحلام، لأنه حاضر معنا، وعامل فينا وقادر على إرشادنا...

2- سهولة تدخل عدو الخير في هذه الأمور، إذ يعرف إلحاحنا عليها واهتمامنا بها، وهكذا يصور لنا هذه العلامة أو تلك ليسقطنا في حفرة...

3- احتمالات الخداع النفساني، فلا شك أن الأحلام مرآة لشهوات واهتمامات النفس، فإذا اشتهيت أمرًا ما -حتى إذا كان سلبيًا- فمن الممكن أن يدخل في أحلامي، ويحدث الارتباك... وحتى الانحراف.!

وهكذا فالإنسان المؤمن لا يعلق نفسه بأمور غريبة، فكم أضاعت الرؤى والأحلام قديسين فقدوا الإفراز أو الاتضاع، وانساقوا وراء إيحاءات عدو الخير. وهناك باب في بستان الرهبان مخصص لهذا الخطر. كما أن القديس انطونيوس الكبير يعتبر فضيلة الإفراز أهم الفضائل، وبدونها تتحول الفضائل إلى رذائل. فهذا يصلى دون إفراز لدوافعه، فيطيل في صلاته طالبًا مديح الناس، فَتُحْسَب صلاته عليه ولا تبني حياته إطلاقًا، بل بالحري تضخم من ذاته فيسقط في الكبرياء... وهكذا.

لذلك لا يصح أن ننتظر علامات غريبة لنعرف مشيئة الله في أمر ما، بل هناك روح الله القدوس، وهناك التفكير الإنساني، وأب الاعتراف، والأسرة والأحباء المشيرين... الخ.

القرعة الهيكلية:

يلجأ البعض إلى هذا الأسلوب لكي يتعرف على مشيئة الله، ولكن هذا الأسلوب غالبًا ما لا يكون مناسبًا... والحالة الوحيدة التي يكون فيها مناسبا تستلزم شروطًا صعبة التنفيذ وهي:

    1- إن يكون الإنسان مخلصا تماما في التعرف على مشيئة الله، وتاركا النتيجة بصفة نهائية وحاسمة لله.

    2- إن يكون الاختيار بين أمرين متساويًا تمامًا بحيث استحال على الإنسان أن يختار هذا ويترك ذاك.

    3- ألا يتردد الإنسان بعد خروج النتيجة بل يعتبرها نهائية.

وعموما، هذه الأمور صعبة التواجد في الحياة اليومية، إذ لابد أن يجد الإنسان -بروح الله، وبالتفكير، وبالمشورة- ما يجعله يرجح كفة على الأخرى. وما نلاحظه عمومًا أن الإنسان بعد خروج النتيجة يتضح انه:

    1- إما كان يشتاق إليها فيستريح، وقد يكون اشتياقه على أساس خاطئ.

    2- وإما انه كان ينتظر الرفض مثلا فتأتى النتيجة بالإيجاب (أو العكس)، فيطلب تكرار القرعة.

    3- وإما انه أقتنع فيما بعد باختيار لم تفرزه القرعة فيتشكك... انه خالف المذبح.

لهذا فيستحسن عدم اللجوء إلى القرعة الهيكلية عموما، ما لم تتوافر الشروط التي ذكرناها قبلا. وإذا ما تحير الإنسان فعليه أن يلجأ إلى المزيد من الصلاة والتفكير والتشاور والرب سيحسم الأمر لأولاده سلبًا أو إيجابًا بآلاف الوسائل.

إن الآباء الرسل لم يلجأوا إلى القرعة إلا:

    1- قبل حلول الروح القدس...

    2- في حالة تساوى الاختيارات، فالشروط توافرت بالتساوي بين متياس ويوسف (أع1: 21-26).

    3- فلنصلى من عمق القلب طالبين تدخل الرب، وإرشاده، وحسمه للأمور، وقطعا سيتدخل، ويوضح كل شيء!

إذن كيف أعرف مشيئة الله
 

إن مشيئة الله، حينما تتضح لنا من خلال الصلاة المتوترة التي تلح على روح الله، والتسليم الصادق لمشيئة الله عن ثقة واقتناع، والتفكير الهادئ الرزين، والحوار البناء مع آخرين... تحمل معها علامات معينة:

1- السلام الداخلى:
إذ يحس الإنسان بصفاء نفسي وسلام داخلي نحو القرار الذي اتخذه، مع ضمير مستريح انه ترك للرب أن يحدد ما يختاره بحكم عمله الواسع وحنانه الدافق وقدرته اللانهائية.

2- موافقة الكتاب المقدس:
إذ يستحيل أن يتعارض الاختيار الإلهي مع وصايا الكتاب، فما كان العمل المعثر والذي يسبب نكوصا على الإعقاب ليس من الله، وشريكة الحياة البعيدة عن المسيح ليست من الله، والقرار المادي الذي تفوح منه رائحة الطمع أو استخدام وسائل غير مشروعة ليس من الله... وهكذا.

3- سير الظروف:
إذ يتحرك الإنسان تحت حمى مظلة الصلاة، تاركا للرب أن يتدخل بالصورة التي يراها، بحيث تسود مشيئته كل مشيئة. حينئذ سوف يتدخل الله قطعا، إما إيجابًا أو سلبًا أو تأجيلًا... وسوف يكون الإنسان في قمة الراحة لأي اختيار الهي من هذه الثلاثة، "لان شهوة قلبه مختارة أفضل من الذهب والحجر الكثير الثمن، وأحلى من العسل والشهد. عبدك يحفظها، وفي حفظها ثواب عظيم" (مز19: 10).

وهكذا يتحرك الإنسان في الطريق دون توتر، ودون شهوة ذاتية أو مشيئة خاصة، وصرخة قلبه المستمرة: "لتكن مشيئتك" (مت6: 10).

من حقه أن يطلب، حسب وصية الرب: "اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا" (مت7: 7) "لا تهتموا بشيء، بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله" (في4: 6)، ولكنه يسلم كل شيء لله، تاركا له تحديد المسار، والنتيجة النهائية: "لتكن لا إرادتي بل إرادتي" (مت22: 42).

وقديما قال الآباء: "سوف يأتي وقت فيه نشكر الله على الصلوات غير المستجابة أكثر من الصلوات المستجابة".

ونحن كثيرا ما نطلب دون أن نأخذ لأننا حسب تعبير الرسول "نطلب رديًا لكي نتفق في لذاتنا" (يع4: 3). فلنطلب أولًا ملكوت الله وبره، وهذه كلها تزاد لنا "(مت6: 33).

فليعطنا الرب القلب المرتبط به، والحياة السالكة فيه، والأذن الواعية لصوته، لنتعرف على مشيئته المقدسة، ونصنعها بفرح قائلين: "طعامي أن اعمل مشيئة الذي أرسلني واتمم عمله" (يو4: 34). ولا شك أن مشيئته "صالحة ومرضية وكاملة" (رو12: 2).

والآن أتركك يا أخي الشاب لتراجع ما قلناه، وإذ تقف متحيرًا: ماذا افعل؟ تسمع الصوت الإلهي: "سر أمامي وكن كاملًا، أجرك كثير جدًا" (تك15: 1)، (تك17: 1) الرب مع روحك..