باكورة الأنشطة - فيكتور جرجس

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 
المجموعة: مجلة رسالة الكنيسة - عدد يونيو 2013 الزيارات: 3462

                                                                                                   فيكتور جرجس

 

الحديث عن رسالة الكنيسة القبطية مرتبط ارتباط وثيق بأبينا الحبيب القمص ميخائيل جرجس، ففى هذا العام نحتفل باليوبيل الذهبى لرسامة القمص ميخائيل جرجس كاهناً على كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل بدمنهور، وأيضاً اليوبيل الذهبى لإصدار أول عدد من مجلة رسالة الكنيسة .. ولذلك هناك ملامح مشتركة نحب أن نذكر بعضاً منها فى هذه المناسبة العزيزة، والتى لا تتكرر كثيراً فى كنائسنا القبطية ..

أولاً : النشاط المبكر
حينما رُسم القمص ميخائيل فى يونيو 1963 بمباركة المتنيح البابا كيرلس السادس، وبيد المتنيح نيافة الأنبا إيساك مطران الغربية والبحيرة وكفرالشيخ كان لا يوجد سوى كاهن واحد فقط فى دمنهور هو المتنيح القمص بولس بولس، وهو من عمالقة الخدمة فى الكنيسة القبطية، وصاحب مدرسة فريدة فى الوعظ والتعليم، ويعد أول جامعى يتم رسامته كاهناً. ولكن كان هناك جانب غير مهتم به فى الخدمة بهذه المدينة الهادئة وهو الأنشطة المتنوعة .. فقام أبونا ميخائيل بإصدار مجلة رسالة الكنيسة فى شهر أغسطس 1963 أى بعد رسامته بشهرين. وأيضاً اهتم بعمل أنشطة للشباب مثل الرحلات والمهرجانات التى تفجر طاقات ومواهب الشباب سواء كانت رياضية أو فنية كالمسرح والرسم .. وكلنا نعرف جيداً كيف كان ولا زال يشجع الشباب فى رسم اللوحات الفنية وعمل الأبحاث الدينية والأدبية .. كما أنه صاحب الفضل بعد معونة ربنا فى وصول كورال الكنيسة إلى درجات عالية من الجودة حتى صار هذا الكورال معروف على مستوى الكرازة، وحصل على جوائز متميزة.

أبونا ميخائيل يهتم بالعمل الصحفى والكتابة. وهذه الموهبة كانت من أسباب استمرار المجلة حتى الآن ..
وأيضاً اهتم أبونا ميخائيل بإضافة العديد من المراجع لمكتبته الخاصة التى ورثها عن والده المتنيح القمص جرجس صليب، ففى هذه المكتبة توجد العديد من المراجع يندر أن تجدها فى مكتبات أخرى. وبالرغم من ذلك فهو لا يبخل على مكتبته بشراء أى مرجع يراه مناسب، وفى احتياج له.
ومن مواهب أبونا ميخائيل والتى خدمت مجلة رسالة الكنيسة موهبته فى التصوير والتسجيل سواء كان التسجيل مسموعاً أو بالكلمة المكتوبة .. فنجد أنه يقتنى مكتبة صوتية خاصة على مستوى عالى تحوى تسجيلات لأساقفة وكهنة وخدام من جميع أنحاء الجمهورية، ولا سيما التسجيلات الخاصة بالمتنيح البابا شنوده الثالث حينما كان أسقفاً للتعليم، وكان يزور الكنيسة لإقامة النهضات .. كل هذا شجع أبونا ميخائيل على تفريغ هذه العظات فى كتيبات صغيرة أو مقالات للمجلة، فأصبح لديه عدد هائل من الموضوعات القيمة ..
أما عن الصور فلديه مجلدات كبيرة تسجل تاريخ كنيسة الملاك بدمنهور على مدار حوالى مائة عام تقريباً .. ومنذ أن تأسست إيبارشية البحيرة فى 12/12/1971 برسامة نيافة الأنبا باخوميوس عليها أصبح يسجل بعض الأحداث الهامة بالإيبارشية من خلال ما يحصل عليه من صور تخدم المناسبة.
يعد القمص ميخائيل جرجس من مؤرخى الكنيسة فى وقتنا المعاصر فقد قام بتأريخ مرحلة هامة فى تاريخ كنيستنا وهى عصر قداسة البابا شنوده الثالث حيث أصدر ستة عشر جزء تحت اسم السجل التاريخى لقداسة البابا شنوده الثالث .. وهذا السجل الذى وضع خطته المتنيح البابا شنوده مع القمص ميخائيل .. وهو يعد مرجعاً أساسياً لحياة البابا شنوده حيث يتضمن جميع الجوانب الرعوية فى خدمة البابا منذ عام 1971.

ثانياً : الفكر المستنير
على الرغم أن رسامة القمص ميخائيل كانت فى سن مبكر جداً حيث كان يبلغ من العمر 25 عاماً وقت رسامته إلا أنه استطاع أن يثبت وجوده فى الخدمة .. والواقع أنه فى البداية لم تكن الخدمة سهلة، فقد كان هناك بعض الشمامسة والأراخنة الكبار فى السن يسببون له بعض المضايقات، ولكن أرشده الأنبا شنوده أسقف التعليم فى كيف يتعامل مع هذا الجيل، وقال له ابدأ بالأطفال والشباب الصغار واهتم بهم على قدر طاقتك ولا تنتظر ثمر منهم قبل عشر سنوات .. وبهذه النصيحة الذهبية استطاع أن يكون للشباب صديق لهم قبل أن يكون أب كاهن، فكان يخرج للرحلات، ويتواجد معهم فى المهرجانات، ويلعب معهم الشطرنج وتنس الطاولة .. فالتف الشباب حوله وأصبح يجذب الشباب البعيد عن الكنيسة من خلال هذه الأنشطة.
ذكر لى أبونا ميخائيل فى مرة أن أحد الزوجات كانت تشتكى له من نزول زوجها - والذى كان يقوم بخدمة فى الكنيسة- إلى القهوة بصفة مستمرة، وأيضاً بعض الأمهات قالت له أولادنا بيجلسوا على القهوة، ونريد أن لا يحدث ذلك خاصة أنه يوجد منهم شمامسة. فاقترح أبونا ميخائيل على هؤلاء أن يأتوا كل يوم عنده فى مكتب الكنيسة ليلعبوا معه الدومنو وسوف يعزمهم على الشاى من الكنيسة.. وبالفعل ظلوا عدة أشهر يجلسون مع أبونا فى المكتب حتى نسوا القهوة وأصبحوا لا يذهبون إليها.
الذى يتعامل مع أبونا ميخائيل يجد أنه ذو فكر مستنير بالحق، ويعطى مساحة كبيرة من الحرية للذين يعملون معه .. هو فى البداية يبحث عن الشخص الذى يثق فيه، ثم يعطيه حرية كبيرة فى الخدمة التى يكون مسئول عليها لدرجة أنه يحسدنا آخرين من الكهنة والخدام فى كنائس أخرى عليها.  
معروف عن أبونا ميخائيل أنه ذو رؤية فنية ويحب الرسم والتصوير .. وبالرغم من ذلك فهو لا يقلل من آراء أحد من الكهنة والخدام الذين يخدمونمعه ويحب أن يسمع لآرائهم بكل محبة واتضاع.. ففى بعض الأحيان نجد أنه يسألنى بكل اتضاع عن رأى الخاص فى صورة الغلاف الخاص بالمجلة ..
حدث موقف أمامى لا أنساه .. فى أحد المرات كان هناك اجتماع صغير لبحث مشروع تطوير شرقية الكنيسة (حضن الآب) وقد جاء المهندس المختص لشرح فكرته، ولكن كان الآباء الكهنة كلهم موجودين فيما عدا أحد الآباء كان خارج المكتب، فلم يدعهم يتكلمون فى شئ قبل أن يأتى أبونا الذى بالخارج حتى يكون الكلام أمام الجميع، ولا نخسر رأى أحد الآباء.
أبونا ميخائيل استطاع أن يغرس فى الآباء الكهنة الذين معه روح المحبة من خلال علاقته معهم فهو يقصد أنه حينما يقابل أحدهم يأخذه فى حضنه ويقّبله حتى لو تقابل معهم مرتين أو ثلاثة فى اليوم نجد أنه يقابلهم بنفس الأسلوب. وهذا خلق جو من المحبة بينهم. وكأنه يقول لهم بطريق غير مباشر "فليكن فيكم هذا الفكر الذى فى المسيح يسوع أيضاً"(1).
والذى يتابع المجلة خلال 50 عام مضت يجد أن فيها فكر مستنير أيضاً فالمجلة تغطى تقريباً كافة الموضوعات من كتابية وعقيدية وطقسية ورعوية وشبابية واجتماعية كما أنه لم يغفل باب يتكلم عن المعرفة سواء كانت فى الفن أو الموسيقى أو الجغرافيا. ولكى تجعلنا نسير على درب القديسين والشهداء هناك باب لسير القديسين والشهداء، ومتابعة مستمرة لأخبار الكنيسة بوجه عام، وللإيبارشية بوجه خاص ..
ويهتم أيضاً بالوسيلة التعليمية فى المجلة من خلال تأييد الكلمة بالصورة حتى تثبت المعلومة ولا تُنسى .. وكما ذكرت سابقاً امتلاكه لمجموعة هائلة من الصور النادرة جعله يوظف هذه الصور فى مكانها الصحيح لخدمة الكلمة المكتوبة هذا الفكر المستنير استطاع أن يلمسه كثير من قرأوا المجلة فأصبح هناك أعضاء جدد من داخل مصر وخارجها دون أن نقوم بالإعلان عن المجلة لأن العمل الجيد يفرض نفسه ويثبت ويأتى بثمر كثير.

ثالثاً : العمل المستمر
خدمة أبونا ميخائيل فى المجلة واستمرارها حتى الآن يعد بمثابة معجزة فى عالم الصحافة، فمن المعروف أن أى عمل صحفى يواجه عقبات ومضايقات من بعض الناس التى لا تقدر هذا أو الذين لا يهتمون بقيمة الكلمة وتأثيرها فى نفوس الناس ..
يذكر أبونا ميخائيل أنه تعرض لهجوم من أحد الشخصيات بعد مرور 25 عام على إصدار المجلة وكادت هذه الشخصية أن تحبطه حتى لا يعود يصدر المجلة مرة أخرى .. ولكن فى زيارة أبونا ميخائيل لقداسة البابا شنوده الثالث فى ذلك الوقت قام بإهداء عدد من النسخ لقداسته بمناسبة اليوبيل الفضى للمجلة وقال له هناك حرب علىّ بسبب هذه المجلة فلأجل عدم عثرة أحد سوف أتوقف عنها بعد ذلك. فقال له لا تتوقف عن أصدار المجلة يكفى أنها مجلة مُعترف بها ولها تاريخ .. وقام بتشجيعه من خلال كتابة تهنئة لمجلة رسالة الكنيسة بمجلة الكرازة. وأيضاً كلمة تشجيع قيمة فى يوبيلها الفضى بخط يد قداسته بالمجلة .. وهذا كان رد قوى من البابا للمشككيين والمحبطين .. وكأن قداسة البابا شنوده يقول له كما قال بولس الرسول لأهل كورنثوس "ولكن الآن تمموا العمل أيضاً حتى أنه كما أن النشاط للإرادة كذلك يكون التتميم أيضاً حسب ما لكم"(1).

هذه الدفعة القوية من قداسة البابا جعلته لا يخاف وتشجع فى إتمام العمل الذى بدأه، وكأن لسان حاله يقول كما قال نحميا "لأنهم كانوا جميعاً يخيفونا قائلين قد ارتخت أيديهم عن العمل فلا يعمل فالآن يا إلهى شدد يدى"(2).

لذلك قال أحد الخدام فى أحد المرات عن أبونا ميخائيل : الذى يريد أن يقوم بخدمة ولا تتوقف يعطيها لأبونا ميخائيل، وهو سوف يزلل العقبات التى قد تواجهها.
وحينما سمع بنقد كثير للمجلة أدرك أنه نقد هدام وسلبى، فالذى يريد أن يبنى ويكون إيجابى يعمل شئ ولا يقف ويتكلم فقط .. فقد قال لى أبونا ميخائيل فى أحد المرات : الناس عندها أفكار (بالشوال) ولكن من الذى ينفذ.
فى كل عدد من رسالة الكنيسة يخرج للنور يمر بمراحل وكأنها عملية ولادة. والذى لديه موهبة العمل الصحفى يدرك هذا الكلام، فكل عدد يحتاج إلى مجهود خاص فى تجميع المقالات، ثم كتابتها على الكمبيوتر، ثم مراجعتها جيداً، ثم المراجعة الأخيرة من نيافة الأنبا باخوميوس، ثم مرحلة الطباعة والتغليف والتوزيع .. كل هذا يحتاج إلى وقت ومجهود غير عادى من الخدام والآباء مع العلم أن المجلة الذين يخدمون فيها هم متطوعين يرتبطون بخدمات أخرى كثيرة.
إننى فى نهاية هذا الكلام أشكر أبونا ميخائيل على إتاحته لى الفرصة للخدمة فى هذه المجلة القوية، فقد تعلمت الكثير فى عالم الكتابة والطباعة من خلال هذا العمل، ولا أنسى تشجيعه المستمر لى وطول أناته معنا .. وأهنأه على رسامته الخمسين، وعلى مرور 50 عام لهذه المجلة المحبوبة.