مخـافـة اللــه - نيافة الأنبا بنيامين

تقييم المستخدم: 5 / 5

تفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجوم
 
المجموعة: مجلة رسالة الكنيسة - عدد يونيو 2009 الزيارات: 7516

4R123مقدمة
القديس أغسطينوس شفيع التائبين .. هو قدوة حية فى فضيلة مخافة الله، فالتوبة التى قدمها والدموع التى سكبها تدل على سلوكه فى مخافة الله.
مخافة اللـه  
ما هى مخافة الله، وعلاقتها بالفضائل ؟ وكيف نقتنيها ؟ وكيف نستفيد منها فى حياتنا الروحية ؟
لا نعتقد أن ربنا يخّوف، بل بالعكس هو مطمئن، فهو يحمينا ويحافظ علينا .. وداود النبى يقول "إن قام علىّ قتلا ففى هذا أنا مطمئن"(1).

ولكن تعبير (مخافة الله) بمعنى أن نعمل حساب لوجوده .. ونؤمن أنه موجود ويرى كل شئ .. فهو فاحص القلوب والكلى(2).
مخافة الله بمعنى أن نعمل حساب لعدله .. ومن يقدر أن يقف أمام عدل الله ؟ لولا رحمة الله لا نستطيع أن نقف أمام عدله !!
مخافة الله بمعنى نعمل حساب الدينونة واليوم الأخير.
مخافة الله بمعنى أن عيناه تخترق أستار الظلام.     
القديس بيصاريون استغل هذه المخافة عندما جاء ليخلص بائيسة.
إننا نعرف أن  الله نار آكلة .. نار الغيرة المقدسة "أنا الرب إلهك إله غيور أفتقد ذنوب الآباء فى الأبناء حتى الجيل الثالث والرابع من مبغضى"(3).
الله مع لطفه وحبه وطول أناته، فهو مخيف جداً.
لذلك يقول الكتاب "مخيف هو الوقوع فى يدى الله الحى"(4).
 (1)-(مز26: 3).            (2)-(مز7: 9).        (3)-(خر20: 5).
 (4)-(عب10: 31).
ويوحنا الحبيب فى سفر الرؤيا يقول "فلما رأيته سقط عند رجليه كميت"(1).
الله هو المخلص الوحيد الذى يقدر أن يخلص الإنسان من الخطية .. فإذا الإنسان لم يخف الله لا يخلص من الخطية وبالتالى يهلك.
ويجب أن نؤمن أن الله هو صانع الخيرات، والذى لا يخاف الله لا يستفيد من هذه الخيرات.
لكى تخاف الله يجب أن تكون فى حالة جيدة روحية كما يقول القديس بطرس الرسول "نظير القدوس الذى دعاكم كونوا أنتم أيضاً قديسين فى كل سيرة لأنه مكتوب كونوا قديسين لأنى أنا قدوس وإن كنتم تدعون أباً الذى يحكم بغير محاباة حسب عمل كل واحد فسيروا زمان غربتكم بخوف"(2).
ويقول بولس الرسول "أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم إن كان أحد يفسد هيكل الله فسيفسده الله لأن هيكل الله مقدس الذى أنتم هو"(3).
للأسف الشديد نحن نؤمن بوجود الله ومع ذلك نخطئ أمامه !!
الذى يخاف الله يعمل حساب لوجوده.
ربنا يعلمنا قائلاً "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها بل خافوا بالحرى من الذى يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما فى جهنم"(4).
وفى القداس الإلهى نقول [ اسـجدوا لله بخوف ورعدة ].
وفى أثناء قراءة الإنجيل نقول [ إنصتوا بخوف لسماع الإنجيل المقدس ].
لكى أفهم مخافة الله جيداً يجب أن أشعر بالحضرة الإلهية، فالله يعرف قلبك أكثر مما تعرفه أنت .. ويعرف نفسك أيضاً أكثر مما تعرفها أنت، ويقرأ فكرك أفضل مما تقرأه أنت !!
فالله خلق الإنسان ومعـه ضمير حسـاس لوصية ربنا .. ولكن بعدما سقط الإنسان وعرف الخطية أصبح الإنسان لا يستجيب لوصية ربنا.
 (1)- (رؤ1: 17).            (2)-(1بط1: 15).        (3)-(1كو3: 16).
 (4)-(مت10: 28).        
لذلك تجسد الله لكى يعرفنا وصيته "عظيم هو سر التقوى الله ظهر فى الجسد تبرر فى الروح تراءى لملائكة كرس به بين الأمم أومن به فى العالم رُفع فى المجد"(1).
شخص ربنا يسوع المسيح هو الأصل الجديد للخليقة البشرية لتصلح فينا الإحساس بوصية ربنا والعمل بها .. وتحاشى الاصطدام بوصية ربنا.
بداية المحبة هى مخافة الله .. وكمال المحبة هو مخافة الله.
أخطاء موجودة
كون الإنسان يمس المقدسات دون أن يخاف الله أصبحت ظاهرة فى هذا العصر، وما يحدث فى الكنيسة من تعديات، وعدم إحترام كنيسة الله كثر فى هذه الأيام فمثلاً ما يحدث فى الأفراح داخل الكنيسة بما لا يليق بهذا السر المقدس، وما يحدث بعدها فى القاعات أمر لا يسكت عنه .. وكلها تدل على عدم وجود مخافة الله فى قلوبنا.
أشعياء النبى
عندما رأى السيد جالساً على كرسى عال ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل .. السيرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة باثنين يغطى وجهه وباثنين يغطى رجليه وباثنين يطير وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلأ البيت دخاناً فقلت ويل لى إنى هلكت لأنى إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عينى رأتا الملك رب الجنود"(2).
لذلك نحن فى هذه الأيام مدعوين أن نراجع أنفسنا ونضع مخافة الله فى قلوبنا.
يوسف الصديق          
ما الذى منع يوسف الصديق من الخطية ؟
 (1)-(1تى3: 16).                (2)-(اش6: 1- 5).
قال "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله"(1).
إن وصية الله ومخافته حاضرة فى قلبه وذهنه وأمام عينيه.
يوسف الصديق وامرأة فوطيفار
داود الملك
أخطأ داود الملك عندما نسى مخافة الله، لذلك أرسل له الله ناثان النبى ليذكره بخطيته لكى يتوب عنها قائلاً له "لماذا احتقرت كلام الرب لتعمل الشر فى عينيه قد قتلت أوريا الحثى بالسيف وأخذت امرأته لك امرأة ...إلخ"(2).
فقال داود لناثان "قد أخطأت إلى الرب"..
فقال ناثان لداود "والرب نقل عنك خطيئتك لا تموت .. ولكن لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد"(3).
عدم وجود مخافة الله فى قلب الإنسان يجعل الإنسان يخطئ.
حنانيا وسفيرة
يقول عنهما سـفر الأعمال أنهما كـذبا فوقعا ميتين "ورجـل اسـمه حنانيا وامرأته سفيرة باع ملكاً. واختلس من الثمن وامرأته لها خبر ذلك وأتى بجـزء ووضعه عند أرجل الرسل. فقال بطرس يا حنانيا لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس وتختلس من ثمن الحقل. أليـس وهو باق كان يبقى لك ولما
 (1)-(تك39: 10).        (2)-(2صم12: 9).    (3)-(2صم12: 13).

ناثان النبى يقول لداود الملك أنت أخطأت
بيع ألم يكن فى سلطانك فما بالك وضعت فى قلبك هذا الأمر أنت لم تكذب على الناس بل على الله. فلما سمع حنانيا هذا الكلام وقع ومات .."(1).
ربنا كاشف وعارف كل شئ، فلتكن أعمالنا صالحة أمامه ونضع مخافة الله فى قلوبنا.  
ماذا نستفيد من مخافة الله ؟
1- يفقد العالم بريقه فى نظر الإنسان إذا دخلت مخافة الله فى قلبه .. فمثلاً يهوذا الأسخريوطى .. لم يسلم الإنسان لكى يفدى العالم، بل لأنه أحب المال .. كون الإنسان يحب حاجة أكثر من ربنا .. هذا دليل على عدم وجود مخافة ربنا.
كون الإنسان يتصرف تصرف خارج وصية ربنا هذا دليل على عدم وجود مخافة ربنا.
رجل يتعب زوجته .. طيب فين مخافة ربنا ؟!
ما دامت مخافة ربنا فى البيت لا يوجد مشاكل على الإطلاق.
كذلك الأولاد .. الوصية تقول "أطيعوا والديكم فى الرب لأن هذا حق"(2)، وتقول أيضاً "أيها الآباء لا تغيظوا أولادكم بل ربوهم بتأديب الرب وإنذاره"(3).      
مخافة الله تعلمنا إن كل ما بين أيدينا هو ملك لله، ونحن مجرد وكلاء عليها .. مخافة الله تجعلنا نفقد بريق المال والجنس.
2- ثانى فائدة من مخافة الله .. إنها تجعلنا نتواضع تحت يد الله القوية فيرفعكم فى زمان الافتقاد.
قصة : واحد ابنه مات .. طلع على السطح وأطلق نار على الله .. وقال [ تأخذ ابنى منى !! ].
طيب مين الذى أعطاه ابنه ؟
ولكنه لا يوجد مخافة الله فى قلبه فتصرف هذا التصرف !
 (1)-(أع5: 1- 5).            (2)-(أف6: 1).
 (3)-(أف6: 4).
يهوذا يتفق مع رؤساء اليهود على تسليم المسيح لأنه كان يحب المال
الكتاب يقول "كثيرة هى أحزان الصديقين ومن جميعها ينجيهم الرب"(1).
والسؤال هنا يقول لماذا تعطى الأحزان للصديقين ما دمت ستنجيهم ؟!
والله يجيب ويقول لكى يتواضعوا تحت يد الله فيقبلوا كل شئ مرضى من يده فيرفعهم فى زمن الافتقاد.
3- ثالث فائدة لمخافة الله هى التوبة والدموع والرجوع إلى الله ..
داود بعدما أخطأ قال "بللت فراشى بدموعى .. ابعدوا عنى يا جميع فاعلى الإثم لأن الرب قد سمع صوت بكائى"(2).
الأنبا أرسانيوس .. كان يقف بجوار العمود يبكى .. حتى حفر فى خدوده أخدود !!
وفى ساعة انتقاله قال [ منذ دخلت الرهبة وخوف هذه الساعة لم يفارق عينى ].
4- رابع فائدة لمخافة الله هى التدقيق فى السلوك ومحاسبة النفس ..
الكنيسة تعلمنا مخافة الله فتقول عند دخولك إلى الكنيسة يجب أن تقول [ أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل بيتك وأسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك ]، والتى أُخذت من مزمور 37 الذى يقول "أعترف لك يارب من كل قلبى لأنك استمعت كل كلمات فمى أمام الملائكة أرتل لك وأسجد قدام هيكلك المقدس"(3).
وفى السلوك المسيحى نقول "يارب لا تبكتنى بغضبك ولا تؤدبنى بغيظك"(4)، وفى عتابنا مع الله يجب أن يكون بحكمة وبلياقة.       
واحد شتم أحد القديسين، فقال له [ أنا ممكن أشتمك، ولكن ناموس الله يغلق فمى فلا أستطيع .. ]، وهنا نتعلم من القديسين مخافة الله.
5- كـل الفضائل نتعلمها من مخافة الله ..
المحبة .. الاتضاع .. الحكمة .. الطاعة ..
 (1)-(مز34: 19).            (2)-(مز6: 6).
 (3)-(مز37: 1).                (4)-(مز6: 1).
الطاعة فى الكنيسة .. طاعة أب الاعتراف دليل على مخافة الله لأنه يمثل الله.
نحن فى احتياج شـديد جداً فى هذه الأيام أننا نزيد من قدر مخافة الله فى قلوبنا لكى نعرف كيف نتقى الله فى كل قول، وفى كل فكر ..
نتقى الله بكل حكمة لكى نقف أمام الله فى سلام فى يوم الدينونة .. فإن دِنَّا أنفسنا رضى الديان عنا.
ولربنا المجد الدائم إلى الأبد آمين