القديس يوحنا ذهبى الفم لقداسة البابا الانبا تواضروس الثانى

تقييم المستخدم: 5 / 5

تفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجوم
 
المجموعة: مقالات قداسة البابا تواضروس الثانى الزيارات: 3475

 

فى يوم الأربعاء الموافق 26 نوفمبر 2014 ألقى قداسة البابا تواضروس الثانى عظته الأسبوعية بعنوان بالكاتدرائية المرقسية بالأنبا رويس بالعباسية: ” القديس يوحنا ذهبي الفم ” وقد جاء بها:

اقرأ بعمة المسيح جزء من رسالة العبرانيين الأصحاح 13: ” اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ. يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ. لاَ تُسَاقُوا بِتَعَالِيمَ مُتَنَوِّعَةٍ وَغَرِيبَةٍ، أَطِيعُوا مُرْشِدِيكُمْ وَاخْضَعُوا، لأَنَّهُمْ يَسْهَرُونَ لأَجْلِ نُفُوسِكُمْ كَأَنَّهُمْ سَوْفَ يُعْطُونَ حِسَابًا، لِكَيْ يَفْعَلُوا ذلِكَ بِفَرَحٍ، لاَ آنِّينَ، لأَنَّ هذَا غَيْرُ نَافِعٍ لَكُمْ “.

نعمة اللَّه الآب تكون مع جميعنا آمين.

 

يوحنا ذهبى الفم الوحيد الذيى حمل هذا اللقب (ذهبي الفم) لأن عظاته كانت بسيطة جداً وعميقة جداً ومتنوعة جداً، ويوحنا ذهبى الفم له مأثورات وعبارات كثيرة قوية، اذكر لكم بعض عباراته الجميلة:

v قال: ” أي نفع للمسيحي الذي لا يفيد غيره “.

v ” لا شيء يقسم الكنيسة إلا حُب الرئاسات، ولا شيء يُضايق اللـه مثل تمزيق وحدة الكنيسة “.

v قال أيضا: ” إن غاب عنَّا عون اللـه لا نقدر أن نقاوم أتفه إغراء “.

v قال أيضاً: ” ليس للشيطان أن يهاجمك إلا عندما يراك قد نلت كرامة عظيمة وتكاسلت “.

v قال أيضاً: ” ليس لنا عدو إلا واحد وهو الخطية التي تفسد سلامنا “.

v قال أيضاً عبارة قوية: ” إن تسقط هذا أمر بشري، لكن أن تصر على الخطية فهذا عمل شيطاني “.

له أيضا عبارات كثيرة سوف أذكر بعضها خلال حديثنا عنه.

وُلِدَ القديس يوحنا ذهبى الفم في عام 347م، والده كان قائداً في الجيش الروماني في سوريا، وأمه كان اسمها ” أنثوسا “، كانت فتاة جميلة، وبعد أربعة سنوات توفَّى زوجها (والد القديس يوحنا) وتركها شابة غنية وجميلة، وتوفيت ابنتها (أخت القديس يوحنا) بعد وفاة الوالد، في سنوات قليلة بقيت زوجة أرملة مع ابن يتيم، وعاشت الزوجة الأرملة تُربِّي هذا الابن اليتيم يوحنا، وكانت مُخلصة في هذه التربية، وعندما دُعِيَتْ لزواج آخر رفضت وقالت أنها تعيش من أجل ابنها.

بدأ يوحنا ينبغ في دراسة المُحاماة، وتعرَّف على العالم إلى أن صار له صديق اسمه باسيليوس، أحبا الاثنان اللـه وعاشا في مخافته وابتدءا يُكرِّسا حياتهما وساعدا بعضهما أن يحيا حياة التعبد للـه، وكرَّسا حياتهما للكتاب المقدس وكانت حياتهما مباركة، ودعيا الاثنان للكهنوت لكن عندما جاء وقت الرسامة هرب يوحنا من الرسامة وتمت رسامة باسيليوس، وكانت حجة القديس يوحنا أن له ميول للحياة بالدير.

كتب القديس يوحنا كتاب كبير عن سر الكهنوت، وهو من أحد الكتب القوية جداً التي تشرح ما هو سر الكهنوت.

وابتدأ يحيا الممارسات الرهبانية وتدريباتها الروحية إلى أن إنتقلت والدته، واتجه للدير وصار راهباً، وبعد قليل اختير لكي ما يخدم كراهب كاهن وفي النهاية عاش في الدير حياة طيبة جدا ً.

 

وعمل في الدير كتاب هام جداً قارن فيه بين حياة الملك وحياة الراهب:

ـ الملك يتحكم فى أمم وشعوب ومُدن وجيوش، أمَّا الراهب فيتحكَّم في شهواته.

ـ الملك يُحارِب برابرة لكي يُوسِّع أراضيه، أمَّا الراهب فهو يُحارب شياطين ويهدي نفوساً.

ـ الملك نهاره وليله مملوءان آلام ومشكلات، الراهب نهاره وليله مملوءان فرح وسلام.

ـ الملك يهدى ذهباً، الراهب يُقدِّم نعمة وتعزيات.

ـ الملك يصعب عليه أن يستعيد جزءاً فقد من أراضيه، أمَّا الراهب فيسهل أن يقوم من سقطته.

ـ الملك يرتعب خوفاً من الموت، والراهب الجميع يطمئن على مصيره.

وكانت المقارنة بين الملك وبين الراهب من أحد المقالات المشهورة جداً له، وفي زمنه نشطت الحياة الرهبانية جداً، لكن في زمنه، عندما زار مصر رأى البرية بكل سكانها وكل نساكها وكل رهبانها، كان كل راهب في قلايته والأديرة لم يكن بها أسوار، فكانت القلالي متناثرة في الصحراء يخرج منها نور بسيط لشمعة أو قنديل وكان المنظر في الليل جميل (النجوم في السماء والقلالي منيرة في البرية) فقال عبارة مشهورة: ” السماء بكل نجومها ليست في جمال برية مصر بكل نساكها “.

وكان يقول للرهبان والآباء في أنطاكية: ” هلُّموا إلى برية مصر لتروها أفضل من أي فردوس “.

في حياته وهو راهب، أحد الآباء الرهبان سقط في خطية كبيرة، والخطية جعلته يترك حياته ويترك رهبنته ويشعر بيأس شديد، فكتب له مقالة أسماها: ” ستعود بقوة أعظم ” وهى من أحد المقالات المشهورة، وعندما قرأها الإنسان الذي سقط بدأ يستعيد شجاعته وعاد وتاب واستكمل حياته النسكية بأكثر نسكاً.

كتب مقالات عديدة ومقالاته متنوعة، وكانت له بلاغة متناهيه.

سِيم بعد هذا أسقفاً وبعدها بطريركاً، وفي فترة وجوده ككاهن كتب أيضاً عن سر الزيحة وعن المفهوم الكتابي والكنسي لسر الزواج وكيف أن الزواج هو وحده يباركه حضور المسيح.

مقالاته كثيرة ونشكر اللـه ان مقالات عديده له مترجمة باللغة العربية.

ومن احد المواقف المشهورة في حياته: عظات التماثيل، أن الشعب عاج بسبب الضرائب وحطَّم تماثيل الإمبراطور وكانت النتيجة أن الإمبراطور أراد أن يُعاقِب هذه المدينة ووضع في قلبه أن يصنع بالمدينة عقاباً شديداً، وبدأ الشعب يلجأ للكنيسة وعاشوا فيها أيام في حالة خوف وفزع، وكان في زمن هذا القديس حق اللجوء الكنسي ـ حسب قانون الإمبراطورية الرومانية ـ القديس يوحنا استغل هذه الفرصة وبدأ يُكلِّمهم عن التوبة، فكان القديس يُكلِّم الشعب عن التوبة وفي نفس الوقت يتشاور مع الملك لأجل أن يعفو عن هذه المدينة، وبعد عظات كثيرة (21 عظة) تكلَّم فيها بمناسبة تحطيم التماثيل فسُمِّيَتْ عظات التماثيل، وكانت النتيجة أن الملك رفع حكمه عن المدينة وأفرج عنهم وسامحهم وحققت هذه العظات توبة مدينة كاملة ومع الصلوات حققت عفو من الملك وكانت النتيجة مفرحة للجميع..

عاش القديس يوحنا ذهبي الفم في علاقات طيبة مع مجتمعه كله، ولكن الأمر لا يخلو من المشكلات، وكانت أحد المشكلات أنه لا يأكل مع الآخرين، وكانت الناس تُفكِّر أنه بسبب كبرياءه وترفُّعه لا يأكل مع الشعب، ولكن الحقيقة أنه كان يُعاني من آلام شديدة في معدته.

هكذا الإنسان، إن كان قلبه أسود يرى الأمور سوداء وإن كان قلبه نقي يرى الأمور على حقيقتها، بحسب داخله يرى.

عاش القديس يوحنا ذهبي الفم وعلَّم كثيرين، ولكن كان له مشكلة كبيرة مع الإمبراطورة أفدوكسية، وهى اغتصبت ارض يملكها إنسان عادي في الإمبراطورية الرومانية، فمنعها القديس من دخول الكنيسة وأغلق الأبواب في وجهها، وأيَّده اللـه بنعمة فكان أثناء دخول موكب الإمبراطورة إلى الكنيسة أغلق القديس الباب فقالت للجنود: اكسروا الأبواب، وشُلَّت يد الجنود الذين حاولوا كسر الأبواب، فكان صوت اللـه واضحاً جداً، وصلَّى القديس يوحنا ذهبي الفم على ماء ومسح بها يد هذا الجندي وعادت سليمة، أمَّا الإمبراطورة اضمرت شراً كبيراً للقديس يوحنا لأنه كان صاحب حق، وتسبَّبت الإمبراطورة في إصدار قرار بأن يُنفى القديس يوحنا لآخر حدود الإمبراطورية الرومانية، وكان مع طول الرحلة وجسد القديس يوحنا المريض كان

هدف الإمبراطورة خبيث أن يموت القديس يوحنا أثناء سفره للمنفى في الطريق، وتنيَّح القديس في المنفى، ولكنه كان يرسل رسائل من منفاه مع شماسه تُدعى أولومبياس وكانت هذه الشماسة الفاضلة تنقل رسائله للإكليروس وكل الشعب.

تنيح القديس يوحنا ذهبي الفم ليس عن عمر كبير عام 407م.

عاش في مناهج تعليمية قوية وكان يقول: ” لا أعيش إلا من أجلكم ومن أجل خلاصكم “.

وعلى الرغم من عمره إلا أن خدمته مستمرة إلى اليوم، كل العالم يستخدم عبارات القديس يوحنا ذهبي الفم.

لم يكن رجل سياسة ولا فليسوف مسيحي ولا لاهوتياً لكن أهم شيء عنده أنه كان يسهر على رعاية شعبه، وكان من كثرة قراءته للكتاب المقدس صار هو إنجيلاً.

ويحكى تلميذه أنه عندما كان يدخل للقديس في قلايته ويسأله عن أي شيء يجده يتكلَّم مع أحد، وبعد تكرار هذا المشهد عرف أن الشخص الذي يُحدِّثه هو القديس بولس الرسول، يقف في صلاته ويقرأ عبارات رسائله ويسأله ماذا يقصد بكل عبارة من الرسائل.

ويقول لنا التاريخ أن القديس بولس الرسول كان يظهر له ويشرح ويفسر له، لهذا أفضل تفاسير تشرح رسائل القديس بولس الرسول هى تفاسير القديس يوحنا ذهبي الفم.

هو قديس في عباراته القوية فهو يقول: ” الدير أكاديمية تحتضن تفسير الكتاب المقدس “، ويقول أيضاً: ” الكنيسة أعلى من السماء وأكثر اتساعاً من الأرض “؛ وأيضاً: ” إن لم نربح خلاص اخواتنا هنا فلن نحصل على خلاص نفوسنا هناك “. لهذا امتاز القديس بهواية خلاص النفوس وكان يبحث باستمرار عن خلاص النفوس.

عباراته كثيرة ومُتعدِّدة، في مرة سألوه: لماذا نسقط؟ فأجاب: ” ليس الشيطان هو السبب، الشيطان فقط مخادع ومُضلِّل أمَّا السبب فهو عدم الجهاد

وضعف الارادة “، له عبارة أخرى قوية: ” السيرة الطاهرة تسد فم الشيطان وتبكمه”".

بهذه الصورة نتذكَّر هذا القديس الذي عاش في القرن الرابع الميلادي، ولكن سيرته مستمرة معنا وكتاباته موجودة ومتوفرة باللغة العربية، وعلاقته بالإنجيل وخلاص كل نفس هى هدفه في الحياة.

يوحنا ذهبي الفم من (أحد الأقمار) كما تسميه الكنيسة اليونانية، وتسمى أيضاً القديس باسيليوس الكبير والقديس غريغوريوس اللاهوتي تسميهم الأقمار الثلاثة.

لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد، آمين.