مصر وإثيوبيا: المحروسة «هبة النيل» .. و«الحبشة» ابنة كنيسة الإسكندرية

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

2_copyمن رحم الكنيسة الأم المصرية الأرثوذكسية خرجت الكنيسة الإثيوبية إلى حيز الوجود، فكانت بمثابة الابنة المدللة للكنيسة القبطية.

استمر التواصل لستة عشر قرناً، حتى دخل الاستعمار وزرع بذور التمرد والاستقلال والعصيان، وتصاعدت مطالب الكنيسة الإثيوبية لينتهى بها ماراثون المفاوضات بتحقيق مطالبها.

تؤكد السجلات التاريخية إن مصر الفرعونية وصلت إلى أعالى النيل فى السودان وإثيوبيا، حيث ذكرت أسماء بعض هذه المناطق مثل «أرض البنط» أو «أرض الله»، كما كان القدماء المصريون يدعونها.

عرفت أرض البنط المسيحية التى دخلتها، وانتشرت فى إثيوبيا، فى القرن الأول الميلادى، وأصبحت الديانة الرسمية لمملكة أكسوم الإثيوبية فى القرن الرابع الميلادى، بفضل جهود «فرومنتيوس» التبشيرية، فذهب إلى مصر للحصول على دعم ومساندة البابا للكنيسة الجديدة الناشئة فى إثيوبيا، باسم «سلامة»، وأطلقوا عليه «كاشانى برهان»، أى «كاشف النور»، كأول مطران للكنيسة الإثيوبية قامت بسيامته الكنيسة المصرية سنة 328م، وليعرف «الأب سلامة» بأنه المؤسس الحقيقى للكنيسة الإثيوبية الأرثوذكسية، التى بلغ عدد مطارنتها 111 مطرانا خلال 16 قرنا.

وبحسب الدكتور مراد كامل، فى دراسته عن العلاقات بين الكنيستين المصرية والإثيوبية، نشأ التقليد بأن يقوم الكرسى السكندرى فى مصر بسيامة مطران إثيوبيا من بين الرهبان المصريين، ويأخذ المطران الجنسية الإثيوبية بمجرد وصوله إلى مقره.

وظل هذا التقليد الكنسى معمولاً به حتى عام 1950، وبدا الأمر وكأنه صلة «رحم روحى» تكونت بين الكنيستين والشعبين، وتمتع المطارنة المصريون فى إثيوبيا بمكانة متميزة، فالمطران يرأس الكنيسة الإثيوبية، ويتوج الإمبراطور، ويعين الكهنة فى سائر أنحاء البلاد. وصار تتويج الملوك والأباطرة من كبرى مهامه بدءاً من النصف الثانى من القرن الثالث عشر، حتى أصبح من حقه أن يعزلهم أيضاً. ولم تتوقف مناوشات الغرب لزعزعة العلاقة بين الكنيستين المصرية والإثيوبية، ففى عهد «ثودورس الثانى» كادت الدسائس والمؤامرات التى تحيكها بريطانيا وفرنسا تتسبب فى اندلاع الحرب بين مصر وإثيوبيا بسبب غارات القبائل على الحدود، لولا تدخل الباب العالى وقيام سعيد باشا بإرسال البابا كيرلس الرابع إلى إثيوبيا للتوسط مع إمبراطورها، ونجح البابا فى مهمة الوساطة وعاد محملا بالهدايا لنفسه وللوالى.

وفى سنة 1935 عقب احتلال إيطاليا لإثيوبيا حاولت الحكومة الإيطالية فصل الكنيستين، من خلال العزف على الشعور القومى الإثيوبى، والدعوة إلى «الكنيسة الإثيوبية المستقلة»، فبدأت مطالبات الإثيوبيين بإدخال تعديلات على العلاقة بين الكنيستين، وبدا ماراثون المفاوضات، حتى قرر المجمع المقدس عام 1949 أن يكون مطران الإمبراطورية الإثيوبية الذى يخلف المطران كيرلس راهبا إثيوبيا، فكان ذلك بمثابة الحدث الأول من نوعه فى تاريخ الكنيسة القبطية بعد انقضاء ستة عشر قرناً. وفى سنة 1950 توفى آخر مطران مصرى قبطى لإثيوبيا، فرسم البطريرك يوساب فى القاهرة عام 1951 أحد الأساقفة الإثيوبيين، ويدعى الأنبا باسيليوس كأول أسقف يتولى هذا المنصب، وفى نفس العام قام البطريرك يوساب بترقية الأنبا باسيليوس إلى رتبة مطران مع السماح له بسيامة خمسة من الأساقفة الأثيوبيين.

وفى 1956 عادت أجواء التوتر مرة أخرى بين الكنيستين- كما يوضحها الدكتور أنطوان يعقوب فى كتابه «نحن وإثيوبيا»- إذ رفضت الكنيسة الإثيوبية الاشتراك فى سيامة البابا كيرلس السادس سنة 1959، وأرسل المجمع المقدس الإثيوبى وفداً إلى القاهرة للتوصل إلى اتفاق كامل عرف فيما بعد ببروتوكول 1959، وينص على ترفيع مطران إثيوبيا إلى مركز «البطريرك جاثليق»، وحددت رسامته وتنصيبه بواسطة بابا الإسكندرية، «ولقد ساعدت شخصية البابا كيرلس السادس على ترطيب الأجواء والاتجاه نحو المصالحة، فتوارى لقب الجاثليق مستحيياً».

وفى سنة 1971، توفى البطريرك باسيليوس، وخلفه ثاؤفيلس، وقامت الثورة الشيوعية سنة 1974 بقيادة «منجستو هيلاماريام»، ضد الإمبراطور هيلاسلاسى، واعتقل البطريرك من قبل السلطات العسكرية، وتم إعدامه سراً، ثم فصلت الكنيسة عن الدولة.

وفى سنة 1976 وصل وفد من إثيوبيا إلى قداسة البابا شنودة الثالث حاملين رسالة من المجمع المقدس الإثيوبى لحضور سيامة بطريرك جديد «تكلا هيمانوت» ولم يرض البابا بهذا الوضع لمخالفته تماماً البروتوكول المبرم 1959.

وفى 1991 تم إسقاط الشيوعية والنظام الشيوعى معها، وانتخب أسقف جديد، ثم بدأت الاتصالات لاستعادة العلاقة بين الكنيستين، فزار وفد إثيوبى مصر لهذا الغرض عام 1993، وبدت الأمور تتخذ منحى جديدا، لكنها توترت بسبب حساسية الموقف بين إثيوبيا وإريتريا.

وفى سنة 2002 رحبت كنيسة إثيوبيا بوجود كاهن قبطى مقيم على أديس أبابا لرعاية الأقباط طبقاً لبروتوكول 1994، الذى تم التوصل إليه، وشهد الاتفاق على مجمل العلاقات بين الكنيستين.

وتتوجه الأنظار الآن إلى البابا شنودة لاستغلال سلطته الروحية وعلاقات المحبة التى تربطه بالكنيسة الإثيوبية للتدخل من أجل إزالة أى مخاطر تهدد حصة مصر من مياه النيل، خاصة تلك التى جرى الحديث عنها مؤخراً على خلفية عزم إثيوبيا بناء عدد من السدود.

أضف تعليق


كود امني
تحديث

تم التطوير بواسطة شركة ايجى مى دوت كوم
تصميم مواقع مصر - ايجى مى دوت كوم