نِعْمَةُ القُمُّصِيَّةِ

  • الأُسْقُفُ وحِرَاسَةُ التَّعْليمِ الآَبَائِيُّ

    القمص أثناسيوس فهمي جورج

    المؤمن الحقيقى يبني إيمانه على صخرة الكنيسة "عمود الحق وقاعدته" (1 تى 3:15) . والأبُ الأسقف هو المسئول عن تعليم النفوس حتى لا تنخدع ، وحتى تتأسس على المعرفة الأرثوذكسية. ( معرفة التذوق والخبرة والعبادة وسجود العقل ).

    من النافع والصالح لنا جميعاً رعاة ورعية أن نصلي حتى ننال موهبة تمييز الأرواح ، وحتى نرفض كل تعليم غريب وكل فلسفة وتسلية عقلية ، حيث أن آباء الإسكندرية تكلموا بأعمالهم وعملوا بأقوالهم ، عبر عمق النسك وجمال روحية العبادة ووسائط نعمة كنيستنا .
    لذلك الكنيسة لا تقبل أي فكر مضاد لأقوال ولسيرة الآباء قديسي الكنيسة وشُفعائها - فكيف يتشدق أحدٌ بأنه قارئ ودارس للآباء ؟ بينما هو لا يحيا نهج حياتهم وسلوكهم ، وكيف نردد كلمات الآباء ثم نفتري على ذوي الأمجاد ، بتحقير آباء آخرين ؟ فالذين تكلموا في الإلهيات ، هم فقط الذين عاشوا استنارة التقوى والسجود والتضرع والصيامات وطاعة التلمذة ، بطهارة واتضاع وأدب روحي ، خاضعين للاستعلان الإلهي ، وللمرشدين الذين يسهرون عليهم .

    الأسقف هو "حامل آنية الرب" (إش 52 : 11) وهو الذي يحمي ويصُون تعليم الكنيسة النقي، ويدافع عن سلامتها بكل غيرة وثقة في الرب: وجهاده موضوع تجاه ؛ ليس فقط الذين هم ضد الأرثوذوكسية، بل أيضاً تجاه "مُدَّعي الأرثوذكسية" الذين يتسللون لتغييب الروح الأرثوذكسية السليمة " بأرثوذكسية مُهَجَّنة " ، ليست حسب التسليم مرة للقديسين .

    الأسقف مسئول عن تسليم الوديعة وفق التسليم الرسولي بعيداً عن المماحكات والابتداعات الغريبة ، وعن روح وفكر ومنهج كنيستنا (الأرواح المضلة) (1تى:4:1). لأن منهجنا اتباع واقتفاء ، وليس ابتداع .

    لقد حذر القديس أثناسيوس أسقف الإسكندرية وحامي الإيمان من الذين يتكلمون لغة الأرثوذكسية وهم ليسوا كذلك ، فهناك كثيرون ليسوا أرثوذكسيين ولكنهم يتسترون وراء الآيات ( سواء الآية الواحدة أو القول المجتزَئ ) ويندسُّون داخل الكنيسة بينما فكرهم ولغتهم تُظهرهم ، يتلبَّسون هذه اللغة كمثل ثياب الحُملان ؛ بينما تعليمهم ينقل التخم القديم ، الأرثوذكسي تعليمه يحياه ويحفظه بعبادته واعترافه وصومه وتسبيحه . حسب كتابات الاباء ومنهج الكنيسة ( الكتابي - اللاهوتي - السرائري - الابائي - الليتورجي - النسكي - والتاريخي ) . تعليم " أمانة اعتراف الآباء " ، ذات الوقار وحجة إجماع عموم الكنيسة وتوثيقها المجمعي والقانوني . فهي وحدها حارسة وحافظة التقليد بوحدتها ، وتمييزها للأمور المتخالفة، دونما مماحكات وفلسفات ؛ لأن مانعتقده هو ما نؤمن به ، وهو ما نحياه في الليتورجيا والتاريخ الممتد .

    كنيستنا جماعة سرائرية مؤسَّسة ومجتمعة على الأسرار ، وهي تجتمع حول سر الإفخارستيا، وتستمع إلى تفسير الكتاب المقدس ، مشروحاً بالآباء مُعاشاً في القديسين ومختبَرًا في الليتورجيا ، خلال الكنيسة أم الأولاد الفرحة التي لا خلاص لأحدٍ خارجها، حيث موهبة الحق وعقيدة التسلسل الرسولى ( الهيرارخية المرقسية ) ، ورئاسة الأسقف كصورة للرب وكمعبر عن مشيئة الله.

    الأسقف لا بُد أن يعلن تعليم الكنيسة الجامعة حسب عموم الآباء واتفاق الكنيسة كلها، لأن كل تعليم وفكر لا بُد أن يتماشَى مع التعليم الواحد المشترك في كل موضع، فالإجماع على الحق هو علامة السلامة في الإيمان . ( من غير ابتداع أو اجتزاء أو انتقاء ) حتى لا ننقل التخم القديم الذي وضعه الآباء المعلمون الذين نقتفي آثارهم .

    مهمة الأسقف هي السهر على حفظ التعليم نقياً، وأن يُحذر من المعلمين الكذبة (2كو:3:11) في مواجهة الشطحات وكل ما لا يتفق مع روح ومنهج إيمان كنيستنا الذي تسلمناه فى صورته الصادقة والرصينة المستقرة عبر الزمان .

    إن الكنيسة وسلامها الداخلى يستلزم الحفاظ على الإيمان وتنقيته من الأفكار الغريبة التي تُحدِث الفوضى في الكنيسة، لذلك يقول القديس كليمنضس الروماني "يا من كنتم سبباً في الفوضى ؛ اخضعوا لآباءكم، أصلحوا أنفسكم بالتوبة، إحنوا رُكَب قلبكم، تعلموا الطاعة، اطرحوا عنكم الاِدعاء ووقاحة اللسان، أفضل أن تكونوا صغاراً في قطيع المسيح لا مشهورين خارج الرجاء المسيحي .

    حقيقة أن التعاظم والفضولية والاستعراض والنجومية والروح الصبيانية ، هي الأسباب الحقيقية لكل فوضى وانقسام". حيث بابل ، أما كنيسة الله الرسولية التي وُلدت في العنصرة هي كنيسة واحدة ، ثابتة قوية قويمة لا عيبَ فيها ، ومسبحنا أبو كل الأرواح ساهر فيها على كلمته ليُجريها ، لأنه المعلم الأوحد المدخَّر فيه كل كنوز الحكمة والعلم يعلمنا؛ وقد أرسل رسله الأطهار ليكرزوا بكل مجاهرة ، وأقام الآباء والمعلمين ليحفظوا ويعلموا ما تسلموه باتباع لا بابتداع ، والرب الإله الضابط الكل يعمل معهم ، ويثبت الكلام بالآيات التابعة... كلام العِشرة الإلهية ، كلام الإلهيات المعزي والمشبع بغنىً الخيرات الأبدية لا كلام التنافس والتعاظم والغرائب والتراشق والملاسنات ، مجاوبين لا (محاربين ) عن سبب الرجاء الذي فينا ، ماحين الذنب بالتعليم لا بالتشهير لكل من يقبل ، أما من لا يقبل فقد قَطَعَ نفسه بنفسه ، من فم الكنيسة المجتمعة . ولتكن عندنا سيرة وحياة وتقوى أثناسيوس وكيرلس السكندريين هما منهجا ودَرْباً وطريقةَ حياةٍ ، لأن الكنيسة القبطية لم تبدأ بنا نحن الذين انتهت إلينا الخدمة في أواخر الدهور.

  • نِعْمَةُ القُمُّصِيَّةِ

    القمص أثناسيوس فهمي جورج

    كلمة إيغومانوس Ηγούμενουςتعني مدبراً ؛ أو كما يسميها كِتاب الرسامات ”الهادي“ و ”المرشد“، وهاتان صفتان لقائد السفينة ودليلها الذي ينال روح سلطة المعرفة بوداعة؛ والمحبة بصبر ؛ ليُرضي الله في كل عمل صالح ، ويكون مثلاً للذين تحت طاعته:-

    ١- ينذر الذين بلا ترتيب.

    ٢- يشجع صغار النفوس.
    ٣- يسند الضعفاء.

    ٤- يتأنى على الجميع.
    ٥- لا يجازي أحدًا.

    ٦- يتبع الخير مع الجميع.
    ٧- يصلي بلا انقطاع.

    ٨- يشكر على كل شيء.
    ٩- لا يطفئ الروح.

    ١٠- لا يحتقر النبوات.
    ١١ - يتمسك بالحسن.

    ١٢- يمتحن كل شيء.
    ١٣ - يمتنع عن كل شر.

    ١٤- يحمل أثقال الجميع.
    ١٥ - يكرز بالتعليم الصحيح.

    ١٦- يرتب العطايا والتدابير

    لذلك لا تأتي نعمة التدبير إلا بتعضيد الروح الرئاسي ”بروح رئاسي عضدني“ ، هذا الروح يعضد فقط المساكين بالروح الخاضعين لمشيئة إلههم ، بجحدهم مشيئتهم الذاتية وإنكارها ، فيظهر فيهم وبهم تدبير المدبر الذي حمل الرئاسة على كتفيه بالصليب... وكل مَن يصير قمصًا ”إيغومانوسًا“ أي مدبرًا ، يرفض الراحة والرخاوة في عمل الملكوت ؛ وعندئذٍ يكون قد صار إيغومانوسًا عند القديسين والملائكة ، مكملاً خدمته بضبط النفس وانسحاق الخادم المريح لرعيته وأبنائه ، ليكون بذلك قد صار شريكًا في نصيب الابن الوحيد؛ رئيس آباء مثل رؤساء الآباء.

    نَعَمْ إنها درجة من درجات المجد الحقيقي ؛ لذلك قال معلمنا بولس ”المُدَبِّرُونَ حَسَنًا فَلْيُحْسَبوا أَهْلاً لِكَرَامَةٍ مُضَاعَفَةٍ“ (١تي ٥ : ١٧) ، وهي معطاة لكل من لا يرفع عقله وفكره فوق تدابير الله ، محترساً من لدغات الحية ؛ والتذمر ومن أصوات الغرباء المقلقة للروح ؛ حتى لا يفقد اختياره الحر في طقس الذبيحة وخدمة الفقر المجيد ، مكملاً مع الابن الوحيد طقس طاعته ؛ كما سُر هو بالحزن ليأتي بأبناء كثيرين إلى المجد ، ملتزمًا بشكل خدمته ؛ ليكون طقسها مثل جوهرها كما تسلمناه ، استرضاءًا للروح القدس الفاعل في سِرّنا وكهنوتنا ؛ لأنه هو عزاؤنا الوحيد بالفهم والمشورة والمعرفة والنصح والتبكيت والحرية ، التي ترنّ في حياتنا كأرغن سماوي ينقل أصداء ليتورجيا الرؤيا السماوية وغسل الأرجل منذ تأسيس سر خميس العهد .

    صلواتنا الشخصية والسرية هي طقس الطريق وقوته ؛ التي تُلهمنا لندقق ونفتش ونراجع أنفسنا حتى لا ننساها ، ونرصد حركاتها ليكون خلاصنا نُصْبَ عيوننا فوق كل اعتبار ، فتكون عملنا قبل كل عمل ، إذ أن تقديسنا الشخصي هو أيقونتنا ، وبه نخدم أكثر من كل برهان كلام ؛ لأن دعوتنا الذبيحية للعبور مفتوحة كل حين بإستعدادنا لخدمة المذبح. ونحن مطالبون بدخول بستان معصرتنا في جثسيماني وجلجثة قسمتنا الشرطونية ؛ القادرة أن تغير المجازاة والمقادير وقضاء المحاكمة. فلهذا فقط رُسِمْنا كهنة عنده ، ولهذا فقط نحن موضوعون برسم الحمل السالم ولا بديل... محاصَرين للعمل الذي وُضعت علينا الأيادي من أجله ، وهو مدينة ملجأنا ومعصرتنا ؛ حتى يشفق الله على شعبه وعلى خدام المذبح المقامين كحراس لأسوار أورشليم ، حارسينها في نوبات السواعي الليلية والنهارية من دون انشغال ولا غفلة كالأجراء .

    المسيح أولنا وآخرنا ؛ وهو لنا الأول والآخر ، ولحظات عزائه تساوي أتعاب هذا الدهر كله.. لذلك لا ننشغل بكرامات رخيصة مغرورة ، ولا بالآلام والمضايقات ؛ لأنها هي عُمْلةُ التعامل هنا ، وهي التي تضفر لنا الإكليل لبلوغ القصد السعيد ، الذي من أجله تم تكريسنا وتعهدنا به. أما جرس الكنيسة فهو منذرنا ؛ وكأنه صاحب الديْن ؛ ينادينا لندفع ما علينا ونُوفِي نذورنا بلا عثرة ولا توانٍ ، متجهين إلى ما هو قدام ”لا تردّنا إلى خلف“ حيث ربنا هو قسمتنا ونصيب حظنا مع كل سبط لاوي الذي بدأ ولن ينتهي.

    تمسُّكنا بكرامة الدعوة الكهنوتية التي أدخلنا فيها المسيح مجانًا ، تستلزم أن نقدم له مشورات حريتنا ؛ وأن نكتب أعمالنا تبعًا لأقواله ”أقوالنا مطابقة لأفعالنا“ ، وهو الذي أعطانا خدمة عظيمة ومملوءة سرًا ، كل من يستهزئ بها ولا يعيشها ؛ يصير مثل عيسو الذي باع بكوريته بأكلةٍ... هكذا من يتثقل أو يتباطأ أو يعمل عمل الله بيدٍ مرتخية أو يسعَى لأي ربح قبيح ؛ متسلطًا على الأنصبة ، يكون مخالفًا لطقس وقانون الكنيسة ، الذي كل من يلتزمها ؛ تحل عليه بركتها وهباتها الغنية.

    كهنوتنا معمول ليكون إكرامًا ومجدًا للثالوث القدوس ؛ ولبنيان كنيسة الله الواحدة، وليس لإرضاء أحد ؛ لكنه مفتوح على السيد الرب الإله الضابط الكل لا على الناس ، ولا لإسترضاء اللحم والدم ؛ بل لاسترضاء وجه رئيس كهنة الخيرات العتيدة ، الذي يدخر أعمال السيرة كعُملات سماوية ورصيد محفوظ في سجل التذكرة مع كل الفعلة الأمناء. أمّا من يهمل ؛ فمصيره أن يشرب من عُكارة كأس الاعتداد بالذات ؛ وخسارة الزيغان لمسافة طويلة في محظورات الخطايا.
    والكاهن الحق لا يرخي النظر عن كاهننا الأوحد ؛ ليجدد ويغيِّر صورتنا كصورته؛ لأنه هو فاحص الخفايا وحده ؛ ولا شيء غير ظاهر قدامه. وإن كان كاهنه يخدمه وهو غير مستعد ولا مستحق ولا مستوجب لهذه الخدمة ، وليس له وجه أن يقف أمام جلاله ، فمِنْ عنده معونة الخيرات الكاملة. كهنته يُعِيروه أياديهم ليحملوا كنوز أدويته ، بمقام حضوره ؛ طالبين منه أن لا يمقتهم ولا يصرف وجهه عنهم ، بل لتهرب عنهم سيئاتهم في هذه الساعة ؛ وكل ساعات حياتهم ، غاسلهم من الدنس ومطهرهم بالكمال ؛ بقوة يمينه غير المرئية ، فلا يخدموا أسراره للدينونة بل بقوته العليا؛ ليكملوها ذكية سمائية ، منعمًا عليهم بعقل وقوة وفهم ليهربوا إلى التمام من كل أمر رديء ومُضاد ، ومن كل ملاقاة الهراطقة والأشرار ، صانعين مرضاته كل حين.

    ويذكر كتاب التقليد الرسولي أن محتوى صلوات الرسامات تختمنا ، عندما يطَّلع الله على عبيده ويملأهم من روح نعمة المشورة ومن حكمته ؛ ليخدموا في وحدانية القلب ، ويملأهم من أعمال الشفاء ؛ مكملين أعمال الكهنوت على الشعب ، كخدام للمذبح ، ويصيروا في قُمُّصية الأبوّة والتدبير الحسن ، مَرْكَبًا روحيًا يحمل البركات إلى ميناء الخلاص ، معلمين روحانيين نورانيين ، يرفعون المتعلمين إلى درجات الاختصاص ؛ ويستحقوا الأجر المتضاعف ؛ ويسبُغ عليهم الرب الخير المترادف.

تم التطوير بواسطة شركة ايجى مى دوت كوم
تصميم مواقع مصر - ايجى مى دوت كوم