الروح القدس يحل عليك - للقمص ميخائيل جرجس

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

البشارة بالتجسد الإلهى
يخبرنا القديس لوقا الإنجيلى فى حديثه عن بشارة العذراء مريم قائلاً "فى الشهر السادس أُرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف واسم العذراء مريم ..."(1).
فالله قد أرسل رئيس الملائكة جبرائيل(2) لكى يخبر العذراء بالتجسد الإلهى ..

وعندما يقول "عذراء مخطوبة" يشير إلى بتولية العذراء، فالقديس أغناطيوس(3) يقول [ إن يوسف يشكك الشيطان فى أمر المولود ويربكه من جهة التجسد الإلهى ].
ويقول أيضاً القديس أمبروسيوس(4) [ أن رئيس هذا العالم (الشيطان) لم يكتشف بتولية العذراء، فهو إذ رآها مع رجلها (يوسف) لم يشك فى المولود منها ].
وقد كرر الإنجيلى لوقا كلمة "عذراء" لأنه يريد تأكيد بتوليتها (عذراويتها) ليعلن أن السيد المسيح ليس من زرع بشر، وهذا ما اعلنه حزقيال النبى عندما قال "هذا الباب يكون مغلقاً لا يفتح ولا يدخل منه إنسان لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقاً"(5).       
 (1)- (لو1: 26).        (2)- أحد رؤساء الملائكة السبعة الواقفين أمام عرش الله.
 (3)، (4)- تفسير إنجيل لوقا للقمص تادرس يعقوب.
 (5)-(حز44: 1- 3).
لذلك يقول القديس كيرلس الكبير [ لنمجد مريم دائمة البتولية بتسابيح الفرح التى هى نفسها الكنيسة المقدسة ].
الممتلئة نعمة
ثم يكمل رئيس الملائكة قوله للعذراء "سلام لكِ أيتها الممتلئة نعمة الرب معك مباركة أنتِ فى النساء"(1).
يقول القديس أمبروسيوس [ انفردت العذراء بدعوتها الممتلئة نعمة إذ وحدها نالت النعمة التى لم يقتنيها أحد آخر غيرها إذ امتلأت بمواهب النعمة ].
ويقول القديس أغسطينوس [ هذا الميلاد مطلقاً هو نعمة فيه تم الاتحاد بين الله والإنسان، وبين الكلمة والجسد .. لم تكن الأعمال الصالحة هى الاستحقاق لتحقيقه ].      
ويقول الأب ثيئودسيوس(2) [ التحفت بالنعمة الإلهية كثوب، وامتلأت نفسها بالحكمة الإلهية، فى القلب تنعمت بالزيجة مع الله، وتسلمت الله فى أحشائها ].    
"فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية. فقال لها الملاك لا تخافى يا مريم لأنك وجدت نعمة عند الله"(3).
يقول القديس جيروم [ لقد اضطربت ولم تستطع أن تجاوبه إذ لم يسبق لها أن قدمت تحية لرجل من قبل لكنها إذ عرفته من هو أجابته ].
الوعد الإلهى
جاء الوعد الإلهى للقديسة مريم على لسان الملاك "وها أنت ستحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع هذا يكون عظيماً وابن العلى يدعى ويعطيه الرب الإله كرسى داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية"(4).
ونقول فى لحن البركة [ ليس من يشبه والدة الإله فإنك وانت تسكنين الأرض صرت أماً للخالق ].
 (1)-(لو1: 28).                (2)- أسقف أنقرة.
 (3)-(لو1: 29، 30).            (4)-(لو1: 32).

ســلام لك أيتها الممتلئة نعمة الرب معك
ويقول القديس يوحنا ذهبى الفم [ إن كان ابن الله قد صار ابناً لداود، فلاشك يا ابن آدم أنك ابناً لله .. وإن كان الله قد نزل أعماقاً كهذه فإنه لم يفعل هذا باطلاً إنما يدفعنا للأعالى .. وُلد بالجسد لكى تولد أنت ثانية بالروح ].
كيف يكون لى هذا ؟
دُهشت العذراء بهذا الوعد الإلهى، وبروح الاتضاع سألت الملاك "كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً ؟ فأجاب الملاك وقال لها "الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الله"(1).    
 (1)-(لو1: 34، 35).
يقول القديس أمبروسيوس [ لم ترفض مريم الإيمان بكلام الملاك ولا اعتذرت عن قبوله، بل أبدت استعدادها له .. أما عبارة "كيف يكون هذا" فلا تنم عن الشك فى الأمر قط إنما تساؤل عن كيفية إتمام الأمر .. إنها تحاول أن تجد حلا للقضية، فمن حقها أن تعرف كيف تتم الولادة الإعجازية ].
الروح القدس يحل عليك
لذلك جاءت إجابة الملاك قائلاً "الروح القدس يحل عليك وقوة العلى تظللك".
الروح القدس يحل عليها لتقديس بطنها .. لكى تكون مستعدة لقبول مشيئة الآب الذى يرسل ابنه ليتحد بأحشائها ويتجسد منها.

الروح القدس يحل فى بطن العذراء لتقديسها (الدائرة)
حقاً إنه سر إلهى فائق يعلن فيه الله حبه العجيب للإنسان وتكريمه له !
يقول القديس يوحنا الإنجيلى "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية"(1).  
ويقول القديس يوحنا "والكلمة اتخذ جسداً وحل بيننا ورأينا مجده كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً"(2).
طاعة الأمر الإلهى
أجابت مريم قائلة "هوذا أنا أمة الرب ليكن لى كقولك"(3) ..
أحنت العذراء مريم رأسها بالطاعة مع الاتضاع، فقولها "أمتك" معناها "عبدتك"، وهذا منتهى الاتضاع لأمنا وسيدتنا العذراء مريم.
لقد فاقت زكريا الكاهن فى تصديق كلام الملاك، فزكريا الكاهن شك فى كلام الملاك، فأصابه العقاب بالصمت .. أما العذراء فقبلت القول باتضاع شديد.
يقول القديس أمبروسيوس [ لقد سمت بإيمانها على الكاهن، فالكاهن أخطأ وتوارى، والعذراء قامت بإصلاح الخطأ ].        
يقول القديس إيريناؤس [ إن طاعة العذراء مريم قد حلت موضع عصيان أمها حواء. فالأخيرة بعصيانها عقدت الأمر، وجاءت ابنتها تحل العقدة بالطاعة ].
ويقول القديس أمبروسيوس [ أنها تصف نفسها أمة الرب مع أنها أختيرت أماً له، فإن الوعد الذى تحقق لم يسقطها فى الكبرياء ].
لقاء مريم بأليصابات
يقول لنا الإنجيلى لوقا البشير "فقامت مريم فى تلك الأيام وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا ودخلت بيت زكريا الكاهن وسلمت على أليصابات فلما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين فى بطنها وامتلأت أليصابات من الروح القدس"(4).
 (1)- (يو3: 16).            (2)-(يو1: 14).        (3)-(لو1: 38).
 (4)- (لو1: 39).       
مريم وأليصابات
أسرعت مريم لتعمل الواجب مع نسيبتها أليصابات .. حسب المنطق البشرى كان يلزمها أن تتريث وتبحث الأمر مع خطيبها لتدبير أمر الحبل الإلهى، ولكنها - وقد حملت سيد الخليقة الذى يحمل هموم العالم كله والذى يدبر كل الأمر- لم تفكر فى نفسها بل بروح المحبة والخدمة انطلقت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا لتخدم أليصابات.
إن حملنا مسيحنا القدوس داخلنا نتقدس، فننطلق إلى كل موضع مشتاقين أن نقدس الكل معنا !
يا ليتنا نتعلم من القديسة مريم رقتها واتضاعها ومحبتها للخدمة وتكريمها للكبار.
دخلت مريم بيت أليصابات تحمل ابنها فى أحشائها لذلك عندما سلمت عليها يقول الإنجيلى "فلما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين فى بطنها وامتلأت أليصابات من الروح القدس"(1).
إن كلمة "ارتكض" بالعبرية جاءت بمعنى "رقص"، وهى ذات الكلمة التى استخدمت حين رقص داود أمام تابوت العهد.
ليتنا فى زياراتنا ولقاءاتنا مع الآخرين نحمل إليهم مسيحنا القدوس الذى يبهج أحشاءهم الداخلية، ويلهب روحه القدوس فيهم عوض أن نحمل معنا أفكاراً شريرة، وكلمات إدانة فنملأهم غماً ونطفئ الروح فى داخلهم.
أعظم سلام
   إنه أعظم سلام حدث فى لقاء مريم وأليصابات لأنه حل فيه الروح القدس مبعث السلام والطمأنينة.
   إن يوحنا الجنين لم يستطع احتمال هذا السلام السمائى فارتكض ورقص فرحاً .. يعطى السجود للجنين الموجود فى بطن العذراء !
   إن أليصابات اعترفت – بالروح القدس – بأن الجنين الذى فى بطن العذراء هو الله الكلمة .. إذ صرخت قائلة "كيف تأتى أم ربى إلىّ"(2).       
   لقد طوبت أليصابات مريم لأنها صارت أماً لله خلال تجسد الكلمة .. وقد ظلت الكنيسة عبر الأجيال تطوبها.
   لقد وقف القديس كيرلس الكبير يتحدث أمام آباء مجمع أفسس المسكونى قائلاً: السلام لمريم والدة الإله.. كنز العالم كله الملوكى، المصباح غير المنطفئ
 (1)-(لو1: 41).                (2)-(لو1: 42).
إكليل البتولية صولجان الأرثوذكسية، الهيكل غير المفهوم، مسكن غير محدود، الأم وعذراء .. السلام لك يا من حملت غير المحوى فى أحشائك البتولية المقدسة.     
تسبحة العذراء
   احتفظت العذراء بتواضعها الشديد أمام هذه الإعلانات الإلهية ووقفت تسبح الله قائلة "تعظم نفسى الرب وتبتهج روحى بالله مخلصى لانه نظر إلى اتضاع أمته"(1).
   فبدلاً من أن تنتفخ بالكرامة الزائفة عظمت الرب، ونسبت هذه الكرامة لله وحده، وهذا ما يجب أن تفعله عندما نسمع صوت المديح لنا.
   أما كلمة "تبتهج روحى بالله مخلصى" فتحمل مفهوماً لاهوتياً هاماً، وهو أن القديسة مريم مع سموها العظيم تحتاج إلى الخلاص كسائر البشر..
   لذلك قلنا عندما تحدثنا عن حلول الروح القدس أنه طهر الإناء (بطن العذراء) فقط لكى يولد منه الله الكلمة المتجسد طاهراً.
تعاليم
   إننا نخرج من هذا المقال بتعاليم إلهية سامية .. يا ليتنا نستخدمها فى حياتنا :
1-    اتضاع وطاعة العذراء مريم فى قبول الحبل الإلهى.
2-    سرعة خدمة الآخرين خصوصاً الكبار منهم (زيارة أليصابات).
3-    إظهار المحبة لكل من نعرفهم كما فعلت العذراء فى زيارتها لأليصابات.
4-    تعظيم الرب وتسبيحه عندما يقابلنا أى مديح لنا وننسبه دائماً لله.
5-    نعترف بخلاص الله لنا، ونشكره على ذلك كل حين.
ولربنا المجد الدائم إلى الأبد آمين

 (1)-(لو1: 46).

أضف تعليق


كود امني
تحديث

تم التطوير بواسطة شركة ايجى مى دوت كوم
تصميم مواقع مصر - ايجى مى دوت كوم