محاكمة السيد المسيح - للقس طوبيا اسكندر

تقييم المستخدم: 4 / 5

تفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتفعيل النجومتعطيل النجوم
 

يا له من منظر عجيب .. السيد المسيح يُقبض عليه ويتعرض لمختلف أنواع الاهانة ..
ومن يقوم بهذه الاهانة ؟  بـشـر !
ومن هو السيد المسيح ؟  الإله المتجسد .. الإله واهب الحياة .. الذى قال عنه يوحنا البشير "فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس والنور أضاء فى الظلمة"(1)..
بالعقل البشرى لا يمكن أن يحدث هذا، لأنه كيف يهين البشر خالقهم وجابلهم، وواهب الحياة لهم ؟!
 لكن بمنطق السماء .. بمنطق الحب الإلهى الغير متناهى يستقيم هذا المنظر لأنه "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية"(2).
محاكمات السيد المسيح

1- القبض على السيد المسيح
 منذ اقتراب عملية القبض على السيد المسيح، والمسيح يعرف ماذا سيحدث، وكما أنبأ تلاميذه أنه يُسلم لرؤساء الكهنة والكتبة ليصلب ويموت، وفى ثالث يوم يقوم، فها هو يقول لتلاميذه "هوذا الذى سيسلمنى قد اقترب"(3).. "وفيما هو يتكلم إذا يهوذا أحد الاثنى عشر قد أقبل عليه ومعه جمع عظيم بسيوف وعصى من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب"(4).
 (1)-(يو1: 4).                (2)-(يو3: 16).    
 (3)-(مت26: 46).             (4)-(مت26: 47).

القبض على المسيح

 ولما رآهم السيد المسيح قال لهم من تطلبون، فأجابوه يسوع الناصرى .. ولاحظ عزيزى القارئ لقب "الناصرى" حيث يقول الكتاب المقدس على لسان "أمن الناصرة يكون شئ صالح"(1).
 وكان الرد من الرب يسوع مختصر وواضح وقوى حيث قال "أنا هو"(2).. وهى بالعبرية (الله يهوه)، وهى تعنى الذى له الكينونة فى ذاته. وهنا كان لابد أن يروا جزءاً من مجد لاهوته، وهذا واضح من رد فعلهم عندما قال لهم هذا .. إذ يقول الكتاب "ارتدوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض"(3).
هذا هو سلطان الخالق على المخلوق .. سلطان الجابل على الجبلة .. سلطان واهب الحياة لمن وهب لهم الحياة.
ومما يثبت قدرة السيد المسيح الإلهية حديثه مع بطرس بعد أن استخدم بطرس السيف وقطع أذن عبد رئيس الكهنة إذ قال "أتظن أنى لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبى فيقدم لى فى الحال أكثر من اثنتى عشر جيشاً من الملائكة"(4).. من ذا الذى يستطيع أن يطلب جيوش من الملائكة إلا رب الأرباب وملك الملوك.
واستكمالا للسابق نجد أن الفرقة، والقائد، وخدام اليهود أخذوا يسوع وأوثقوه.        

2- الفحص المبدئى أمام حنانيا
وصلت هذه القوة القابضة على يسوع إلى قصر رئيس الكهنة قيافا. وهذا المكان متسع يحتوى على عدة أجنحة، وهناك جناحان كبيران أحدهما لرئيس الكهنة قيافا، والآخر لحميه حنانيا، وبين الجناحان توجد ساحة متسعة.
بعد أن أصبح القبض على يسوع حقيقة واقعة، ورأى قيافا المسـيح بنفسه

 (1)-(يو1: 46).                (2)-(يو18: 5).
 (3)-(يو18: 6).                (4)-(مت26: 53).
أصدر مرسوماً بصفته رئيس الكهنة بتأجيل الاحتفال بعيد الفصح (وهو اليوم التالى لذبح الخروف) من يوم الجمعة إلى يوم السبت. حتى يتمكن من الانتهاء من محاكمة السيد المسيح وقتله يوم الجمعة لأنه لا يصح إعدام إنسان يوم العيد.
أمر قيافا بإرسال يسوع إلى حَنَّانَ ليفرح بهذه الغنيمة الكبرى التى كانت حلماً بالنسبة لكل الكهنة والكتبة ورؤساء اليهود.
ثم أعاد حَنَّانَ يسوع إلى قيافا لأنه كان منشغلاً باستدعاء أعضاء مجمع السنهدريم، وإعداد شهود زور ضد السيد المسيح، وإعداد من يهتف ضد السيد المسيح.
قبل أن نعرض للمحاكمات التى تعرض لها السيد المسيح لابد من الإشارة إلى أن السيد المسيح قد تعرض إلى ستة محاكمات منها ماهو دينى، ومنها ماهو سياسى.

أولاً : المحاكمة الدينية الأولى
كان من المفروض أن يظل السيد المسيح بالسجن حتى يأتى وقت المحاكمة التى ينبغى أن تكون نهاراً، ويحضرها على الأقل ثلث أعضاء مجمع السنهدريم أى ثلاثة وعشرون عضواً على الأقل.
ولكن قيافا كان يريد أن يفرغ من القضية بسرعة لأنه يعلم أن الاتهام ظالم، والأدلة واهية، وليست هناك قضية أصلاً.                
بدأت المحاكمة الدينية الأولى فى قصر رئيس الكهنة، وكان اتهام رئيس الكهنة له :
1-    إثارة الفتنة ضد الديانة اليهودية، وضد الدولة الرومانية.
2-    اتهامه بالهرطقة.
ثم تم سؤاله عن تلاميذه، والسيد المسيح من جهة تلاميذه لم يجب بشئ .. أما من جهة تعليمه فقد أجاب أنه تكلم علانية أمام الجميع، وفى كل مكان. ولما قال هذا لطمه أحد الخدام، وكان تتميماً لنبوة أيوب الصديق "لطمونى على فكى تعييراً"(1).
وكان السيد المسيح فى ذلك الوقت موثق اليدين، ويظن البعض أن هذا الخادم هو ملخس.    

ثانياً : المحاكمة الدينية الثانية
تمت هذه المحاكمة أيضاً بطريقة غير قانونية إذ كانت أيضاً فى الظلام قبل شروق الشمس. وإن اختلفت عن المحاكمة الأولى فى أنه قد حضرها بعض أعضاء مجمع السنهدريم، وكانت أيضاً فى قصر رئيس الكهنة.
ولأنهم أرادوا قتل السيد المسيح بدون جريمة لذلك أحضروا شاهدى زور شهدا :
1-    أنه عـدو للهيكل ويسعى لهدمه.
2-    يدعى القدرة على إعادة بناءه فى ثلاثة أيام.
والحقيقة أن السيد المسيح لم يقل إنى أقدر أن أنقض هيكل الله وفى ثلاثة أيام أبنيه ولكنه قال "أنقضوا هذا الهيكل وأنا فى ثلاثة أيام أقيمه"(2).
وقد كانوا يفهمون ما يقصد بدليل أنهم بعد موته على الصليب ودفنه ذهبوا إلى بيلاطس وطلبوا ضبط القبر قائلين "إننا نذكر يا سيدنا أن ذلك المضل قال وهو حى أنى بعد ثلاثة أيام أقوم"(3).
ولو كان إدعائهم السابق سليماً لكانوا قد حاكموه على ذلك منذ زمن طويل.
سأل رئيس الكهنة السيد المسيح سؤالاً يريد منه اصطياده بكلمة. وسـؤال
 (1)-(أى16: 10).        (2)-(يو2: 19).        (3)-(مت27: 63).
لابد من الإجابة عليه، وكان السؤال :
"استحلفك بالله الحى أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله"(1).. وهنا كان لابد أن يجيب السيد المسيح على هذا السؤال، فقال أنه المسيح ابن الله لأن عدم اعترافه سيؤدى إلى :
1-    عدم وجود قضية أصلاً، وبالتالى لن يحكم عليه بالموت.
2-    إذ حكم عليه بالموت سيكون لأسباب أخرى.
3-    سيكون لليهود عذراً أنهم سألوه من هو وهو لم يجب عليهم، فكيف يتأكدوا من هو ؟
أسرع قيافا قائلاً "لقد جدف فما حاجتنا بعد إلى شهود .. ها أنتم قد سمعتم تجديفه"(2)، ثم شق ثيابه. وهى عادة عند اليهود إذا ما سمعوا، أو رأوا شيئاً فيه إهانة لله.
ثم أسرع يسأل من حوله فماذا ترون ؟! بحكم وضعه كرئيس للمجمع، ووصفه للسيد المسيح بأنه جدف. وقد جاءت إجابتهم "أنه يستحق الموت"(3).
أهدر دمه فصاروا يهينونه بما يفعلونه ويقولونه لتصدق النبوة "وجهى لم أستر عن العار والبصق"(4).

ثالثاً : المحاكمة الدينية الثالثة
مع بداية النهار عُقدت جلسة قانونية للمجمع (السنهدريم) اكتمل فيها النِصاب القانونى، وعقدت فى المكان القانونى فى أحد أروقة الهيكل .. هذه الجلسة القانونية كانت من أجل إضفاء الصفة القانونية للحكم عليه، وإعداد التهمة التى سيتهمونه بها أمام بيلاطس.
وفى هذه المحاكمة سأل المجمع السيد المسيح نفسه "أأنت المسيح" قل لنا، فقال لهم "إنى قلت لكم فلن تصدقوا وإن سألتكم فلن تجيبوا. إن ابن الإنسان منذ الآن سيكون جالساً عن يمين قدرة الله".          

 (1)-(مت26: 63).        (2)-(مت26: 65).     (3)-(مت26: 66).
 (4)-(اش50: 6).            

رئيس الكهنة يشق ثيابه

 أعادوا السؤال مرة أخرى "أفأنت إذن ابن الله" ..
قال "نعم أنا هو كقولكم"، فقالوا "ما حاجتنا بعد إلى شهادة شهود فإننا بأنفسنا قد سمعنا من فمه هو"(1).

رابعاً : المحاكمة المدنية الأولى (أمام بيلاطس)
    لماذا كانت هذه المحاكمة ؟
   لأنه يجب أن تصدق السلطة الرومانية على الحكم بالموت. ولهذا أوثقوه السيد المسيح وأخذوه إلى بيلاطس ليحاكمه وذلك فى قلعة أنطونيا (مقر الوالى الرومانى فى أورشليم).
   ومن الغريب أنهم لم يدخلوا إلى دار الولاية مع السيد المسيح، ولكنه ليس غريب إذا عرفنا أنهم لم يدخلوا لأنها دار وثنيين لكيلا يتنجسوا فيأكلون الفصح.
   والمقصود أن يأكلوا ولائم عيد الفصح الذى تم تأجيله إلى يوم السبت، وهذا طبعاً خلاف خروف الفصح.
   خرج إليهم بيلاطس كقاض وسألهم بيلاطس "أية شكاية توردون على هذا الرجل"(2).
   فردوا عليه بوقاحة وقالوا "لو لم يكن هذا فاعل شر لما كنا أسلمناه إليك"(3).
   رد عليهم بيلاطس "خذوه أنتم واحكموا عليه حسب ناموسكم"(4).
   ردوا عليه بأنهم لا يملكون الحكم بموت واحد "لا يجوز لنا أن نقتل أحداً"(5). أى أنهم أتوا بالمتهم يطلبون حكماً محدداً فى ذهنهم سبق أن استقروا عليه.
   ثم دخل بيلاطس أيضاً إلى دار الولاية ودعا السيد المسيح ليحاكمه .. سأله بيلاطس "أأنت ملك اليهود"(6).          

 (1)-(لو22: 67- 71).         (2)-(يو18: 29).        (3)-(يو18: 30).
 (4)-(يو18: 31).            (5)-(يو18: 32).        (6)-(يو18: 33).
   سؤال استنكارى : لأنه رأى من هيئة المتهم ما ينافى التهمة.
   أجاب السيد المسيح "أمن ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عنى"(1).
   رد يسمى فى الاصطلاح القانونى اعتراف واعتراض : هل رأيت فىّ ما ينبئك أننى ملك ؟
   أم أن اليهود قالوا لك هذا لإثارتك ضدى ؟
   رد بيلاطس : ألعلى أنا يهودى. أمتك ورؤساء الكهنة أسلموك إلىّ. فما الذى صنعت"(2).
   ونختصر الحديث لنقول أن بيلاطس قال "إنى لا أجد فيه علة واحدة"(3).
   فألح عليه اليهود فى إصرار قائلين "إنه يهيج الشعب ويعلم فى كل اليهودية ابتداء من الجليل إلى هنا".
   لقد برأ بيلاطس السيد المسيح ورغم ذلك استمر يعامله كمتهم، فلما سمع بيلاطس ذكر الجليل سأل عما إذا كان الرجل جليلياً، فما أن علم أنه تابع لولاية هيرودس حتى أرسله إلى هيرودس الذى كان هو أيضاً فى أورشليم فى تلك الأيام.

خامساً : المحاكمة المدنية الثانية (أمام هيرودس)(4)
   سمح بيلاطس لهيرودس أن يعقد محاكمة فى منطقة نفوذه مستنداً إلى أن السيد المسيح اتهم بارتكاب تعدياته فى الجليل.
   هيرودس كان يريد أن يرى السيد المسيح وترجى أن يرى معجزة تُصنع منه وسأله بكلام كثير فلم يجيبه بشئ.
   فى نفس الوقت كان رؤساء الكهنة قلقين جداً لمرور الوقت فكانوا يشتكون على السيد المسيح باشتداد. ولما لم يجب السيد المسيح بشئ أخذ هيرودس يسخر مع عسكره بالسيد المسيح، وألبسه لباساً لامعاً من النوع الذى كان يلبسه شيوخ القبائل.

 (1)-(يو18: 34).            (2)-(يو18: 35).        (3)-(يو18: 38).
 (4)-(لو23: 6- 12).                
 ثم أعاد هيرودس السيد المسيح إلى بيلاطس لأنه لم يجد فيه علة تدينه، لكن لماذا لم يقم هيرودس بإعدام السيد المسيح –الذى مارس إعدام الكثيرين دون خوف من أحد- خاصة وأن هيرودس كان يسخر منه هو وعسكره ؟!
 وللإجابة على هذا السؤال نقول :
 أن هيرودس لم يرد أن يساعد بيلاطس فى الخروج من مأزقه، وربما لم يرد أن يكرر مأساة قطع رأس يوحنا المعمدان .. وواضح أن تبرئة بيلاطس للسيد المسيح كانت قد وصلته ..
وقد تمت هذه المحاكمة فى القصر الأسموفى مقر إقامة هيرودس فى أورشليم.

سادساً : المحاكمة المدنية الثالثة
تمت أمام بيلاطس على مراحل :
        1- بيلاطس يُخِّير اليهود بين يسوع وباراباس
خرج بيلاطس لرؤساء الكهنة والشعب وقال لهم "لقد جئتمونى بهذا الرجل كمفسد للشعب وها أنا ذا قد استجوبته أمامكم فلم يثبت لى أى شر مما تتهمون به هذا الرجل ولا ثبت لهيرودس أيضاً إذ أعاده إلينا. ما من شئ يستوجب الموت قد صدر عنه"(1).
رغم ذلك نجده يساوى بين السيد المسيح وباراباس المتهم بإثارة فتنة وارتكاب جرائم قتل ولصوصية. نجده يخير اليهود من يطلق لهم وقال "من تريدون أن أطلق لكم أباراباس أم يسوع الذى يدعى المسيح"(2).
إذ كانت له عادة أن يطلق لهم أحد السجناء المحكوم عليهم بالموت كهدية منه لهم فى العيد.

 (1)-(لو23: 14).                (2)-(مت27:  17).

السيد المسيح يُحاكم أمام بيلاطس

   اختار رؤساء الشعب باراباس "خذ هذا وأطلق لنا باراباس"(1).
   سألهم بيلاطس "فماذا أفعل إذن بيسوع الذى يدعى المسيح".
   فقالوا له جميعاً "فليصلب" وكان فى ذلك هيرودس مثل القاضى الذى لا يحكم بما يراه، وإنما يطلب رأى المدعين.
   فى هذا الوقت وصلت لبيلاطس رسالة من زوجته كلوديا بروكولا.

رسالة زوجة بيلاطس
   علمت زوجة بيلاطس بخبر القبض على السيد المسيح حين جاء قيافا لزوجها ليلاً، وقالت فى رسالتها "إياك وذاك البار فإنى توجعت الليلة كثيراً فى الحلم من أجله"(2).
   أخذ بيلاطس يحاول مع الشعب وسألهم : لماذا ؟ أى شر فعل ؟
   لكنهم "ازدادوا صراخاً قائلين "أصلبه"(3).                      
   وهنا نجد بيلاطس القاضى بعدما برأ المتهم يعود ويقول للشعب :
   أى شر فعل ؟ إننى لم أجد فيه علة تستوجب الموت لذلك فإننى سأجلده وأطلق سراحه.
   وهنا لابد أن نقول : يجلده بأى ذنب وهو نفسه شهد ببراءة السيد المسيح، ورغم ذلك يجلده.
   "إنى برئ من دم هذا البار أنتم وشأنكم"(4).
   فأجاب الشعب وقالوا "دمه علينا وعلى أبنائنا"(5).
   لذلك : أطلق لهم باراباس.

عادة غسل الأيدى
   هى إجراء رمزى لتبرئة الذات، وهو تقليد معروف فى هذا الوقت، وهو تقليد يهودى.          
 (1)-(لو23: 18).            (2)-(مت27: 19).        (3)-(مت27: 23).
 (4)-(مت27: 24).        (5)-(مت27: 25).
   "ويغسل جميع شيوخ تلك المدينة القريبين من القتيل أيديهم على العجلة المكسورة العنق فى الوادى"(1).
     2- بيلاطس يأمر بجلد السيد المسيح
   لكى يهدئ بيلاطس اليهود أمر بجلد السيد المسيح الجلدات الرومانية المعروفة بعقوبة نصف الموت لعل الشعب يكتفى بهذا.
   ومن المعروف أنه لا يحكم بالإعدام على من يجلد الجلدات الرومانية، وهى عقوبة تامة ومنفصلة، وليست تمهيداً للصلب.
   فى ذلك الوقت علم يوحنا الحبيب الاتجاه السائد فى المحاكمة، وأنه بات من المؤكد أن يصلب السيد المسيح .. سارع إلى بيت عينيا يُخبر السيدة العذراء ومن معها من النسوة. وقد طلبت من يوحنا أن يأخذها لتكون بجانب ابنها، وربما فى ساعات آلامه.

إكليل الشوك
   أخذوه إلى الداخل وعروه وجلدوه وضفروا إكليلاً من شوك ووضعوه على رأسه وقصبة فى يمينه. وكانوا يجثون قدامه ويستهزئون به قائلين السلام يا ملك. وبصقوا عليه. وأخذوا القصبة وضربوه على رأسه"(2).             

النبات الذى صُنع منه الإكليل
   الشوك الذى استعمله الجنود هو نبات اسمه (باليورس أكيولياتس) ينمو بكثرة فى المناطق الجبلية حول أورشليم، وقد ضفروا الإكليل على هيئة غطاء الرأس الرومانى المصنوع من اللباد.
   الشوك الذى أنبتته الأرض للإنسان بعد الخطيئة واتعب الإنسان حمله السيد المسيح على رأسه.
    (1)-(تث21: 6).                (2)-(مت27: 27).
      3- بيلاطس يسعى لإطلاق السيد المسيح    
   خاف الكهنة من جلد السيد المسيح إذ لم يسبق أن جلد المحكوم بإعدامه. فعمدوا إلى تهيج الشعب أكثر. وعلا هتافهم مطالبين بصلب السيد المسيح.
   فخرج بيلاطس أيضاً وقال لهم ها أنا أخرجه إليكم لتعلموا إنى لا أجد فيه علة .. بهذا أدان بيلاطس نفسه .. إذ كيف أنه لم يجد فى السيد المسيح علة واحدة، ورغم ذلك جلده الجلدات الرومانية !!
   فخرج يسوع وعليه إكليل الشوك، وثوب الأرجوان.
   "اخرجن يا بنات صهيون وانظرن الملك سليمان بالتاج الذى توجته به أمه فى يوم عرسه وفى يوم فرح قلبه"(1).
   ولكن الشعب القاسى لم يرق لمنظر السيد المسيح وإنما لما رآه رؤساء الكهنة والخدام صرخوا قائلين "أصلبه أصلبه"(2).
   قال لهم بيلاطس "خذوه أنتم واصلبوه فإنى لا أجد فيه علة"(3).
   أجابه اليهود "أجابه اليهود لنا ناموس وحسب ناموسنا يجب أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الله"(4).
   فلما سمع بيلاطس هذا الكلام ازداد خوفاً .. لكن : لماذا خاف بيلاطس ؟         
   لأن عبارة ابن الله ليست عبارة عادية عابرة وإنما لها مفهومها اللاهوتى، وهى تعنى شيئاً واحداً [ إلهاً ظهر فى صورة بشرية ]، وهذا المفهوم معروف تماماً عند اليهود والوثنيين.
   فبالنسبة للوثنيين : نجد أن نبوخذ نصر عندما ألقى الفتية الثلاثة فى أتون النار ووجدهم أربعة يتمشون فى وسط النار. وصف الشخص الرابع وقال "ومنظر الرابع شبيه بابن الآلهة"(5).
 (1)-(نش3: 11).            (2)-(لو23: 21).       (3)-(يو19 :  6).    
 (4)-(يو19: 7).            (5)-(دا 3: 25).
   وهنا نجد أن عبارة ابن الله لها معنى واحد وهو أنه أحد الآلهة، وقد ظهر فى صورة بشرية إذ أن الوثنيين يؤمنون بآلهة عديدة.
   بالنسبة لليهود : نفس المفهوم كان عند اليهود إذ نفهم من كثير من نصوص الكتاب المقدس أن هذا التعبير له معنى واحد، وهو أن الله قد ظهر فى الجسد ومنها :
أ‌-    حين شفى السيد المسيح مريض بركة بيت حسدا يوم السبت قيل "فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه لأنه لم ينقض السبت فقط بل قال أيضاً أن الله أبوه مساوياً نفسه بالله"(1).
ب‌-     حين شفى السيد المسيح المولود أعمى ثم قابله وأعلن له أنه ابن الله نجد أن المولود أعمى سجد له سجود عبادة "فقال له قد آمنت يارب ثم سجد له"(2).
ج- عندما قال السيد المسيح لليهود "أنا والآب واحد"(3).. تناول اليهود حجارة ليرجموه، فقال لهم يسوع : بسبب أى عمل ترجموننى.
أجابه اليهود قائلين "لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف، فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً"(4).
أجاب يسوع وقال فى ختام حديثه "إن كنت لست أعمل أعمال أبى فلا تؤمنوا بى ولكن إن كنت أعمل فإن لم تؤمنوا بى فآمنوا بالأعمال لكى تعرفوا وتؤمنوا أن الآب فىّ وأنا فيه"(5).
   بهذا ارتعب بيلاطس حين سمع من اليهود أن السيد المسيح جعل نفسه ابن الله، ودخل إلى دار الولاية، وقال ليسوع : من أين أنت ؟ أى ماهـو مصدرك ؟
   أما السيد المسيح فلم يعطه جواباً.
 (1)-(يو5: 18).            (2)-(يو9: 38).        (3)-(يو10: 30).  
 (4)-(يو10: 33).            (5)-(يو10: 37).

جــــلد المـســــيح

   قال بيلاطس ثانية "ألا تكلمنى أما تعلم إن لى سلطاناً أن أطلقك ولى سلطاناً أن أصلبك"(1).
   رد عليه السيد المسيح "ما كان لك علىّ سلطان لو لم يعط لك من فوق من أجل هذا فالذى أسلمنى إليك له خطيئة أعظم"(2).
   منذ ذلك كان بيلاطس يطلب أن يطلقه لكن اليهود كانوا يصرخون "إن أنت أطلقته فلست محباً لقيصر لأن كل من يجعل نفسه ملكاً يقاوم قيصر"(3).
   أى أنهم يهددونه بخيانة قيصر إذ أطلق السيد المسيح، فلما سـمع بيلاطس هذا القول أخرج يسوع وجلس على كرسى الولاية فى موضع يقال له البلاط بالعبرانية جباثا، وقال لليهود "هوذا ملككم فصرخوا خذه خذه أصلبه. قال لهم بيلاطس أأصلب ملككم ؟ أجاب رؤساء الكهنة ليس لنا ملك إلا قيصر فحينئذ أسلمه إليهم ليصلب"(4).   
   وهكذا صلبوا واهب الحياة. من يعطى الحياة الذى بصليبه وموته أنقذنا من الموت وأعطانا الحياة الأبدية.
ولربنا المجد الدائم إلى الأبد آمين

 (1)-(يو19: 10).            (2)-(يو19: 11).        (3)-(يو19: 12).
 (4)-(يو19: 15، 16).

أضف تعليق


كود امني
تحديث

تم التطوير بواسطة شركة ايجى مى دوت كوم
تصميم مواقع مصر - ايجى مى دوت كوم