الأمراض الجسدية:
س : وصلنا من الأخت (....) هل من الممكن أن يصاب المؤمن بالأمراض الجسدية ؟ وهل هذا دليل على ضعف الإيمان ؟ وهل يفضل ذهابه للطبيب ؟
ج : فى البداية يجب أن نعلم أنه يوجد كثير من الأفكار التى تظهر فى بادئها أنها صحيحة .. لكن عند فحصها بالتدقيق نجدها غير صحيحة بل يتعرض من يثق فيها إلى متاعب لا حصر لها بل وتصيب بهواجس ومتاعب نفسية.
أفـكار مغـلوطة .. ومن ضمن هـذه الأفـكار قالوا :
[ إن فعل الخطية هو السبب الرئيسى والوحيد لكل الأمراض ] ..
بمعنى أن أفكار من يصاب بأى مرض فهو قد عمل شراً وهذا قصاصه، وفاتهم أن الأشرار يملأون الأرض ويتمتعون بصحتهم حتى إن آساف النبى غار منهم فقال "لأنى غرت من المتكبرين إذ رأيت سلامة الأشرار لأنه ليس فى موتهم شدائد وجسمهم سمين ليسوا فى تعب الناس ومع البشر لا يصابون"(1).
(1)-(مز73: 3- 5).
المؤمن لا يمكن أن يصاب بأى مرض لأن الرب إمتلكه نفساً وروحاً وجسداً، وهو كفيل أن يحفظه، والرب صار ضامنه .. وهذا بالطبع فكر غير صحيح.
إن كل مرض يصيب الإنسان هو نتيجة لعنة من اللعنات الوارد ذكرها فى سفر التثنية الإصحاح الثامن والعشرين والتى تكلم بها الرب، وهذا نتيجة شر فى الحياة وعدم طاعة للرب .. وهذا أيضاً فكر خاطئ.
نخطئ إذا إستعملنا الأدوية، بل إستعمالها شر، لأن هذا يعلن عدم ثقتنا فى الرب وفى وعده القائل "أنا الرب شافيك"(1).
ومن وراء هذه الفكرة المغلوطة كثرت الأسئلة مثل : لماذا لا أُشفى بالإيمان؟ وهل الرب لا يستطيع أن يشفينى حتى أذهب للدكتور؟ .. وغيرها من الأفكار والأقوال التى تتردد على ألسنة الكثيرين وخاصةً فى هذا العصر.
ونجيب ونقول : إننا نؤمن بالشفاء الإلهى، بل ونؤمن أن كل شفاء هو شفاء إلهى. فقد يتدخل الرب بصورة مباشرة دون تدخل الطبيب عن طريق الصلاة "فصلاة الإيمان تشفى المريض"(2).
وقد يتدخل الرب بصورة غير مباشرة من خلال الأطباء والأدوية، ونرى هذا واضحاً فى كلمة الله. فلقد أوصى أشعياء النبى من جهة الملك حزقيا عندما كان مريضاً بالقول "ليأخذوا قرص تين ويضمدوه على الدبل فيبرأ"(3).
ولقد أوصى بولس الرسول تلميذه تيموثاوس الذى كان يعانى من أمراض كثيرة بالقول "لا تكن فيما بعد شراب ماء بل استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة"(4).
ولا تنسى قول الرب يسوع "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى"(5).
+ إذا أصيب أكثر من واحد فى عائلة واحدة بنفس المرضى فهذا يعنى أن لعنة الناموس قد دخلت بهذا البيت مستندين على ما جاء فى سفر التثنية الإصحاح الثامن والعشرين، والشفاء من هذه اللعنة يتطلب صلواتاً وتذللاً وبكاء حتى يتنازل الرب ويرفع هذه اللعنة عن هذا البيت، وقد فاقهم أن الرب يسـوع
(1)-(خر15: 16). (2)-(يع5: 15،14). (3)-(أش38: 21).
(4)-(1تى5: 23). (5)-(مت9: 12).
بموته على الصليب قد رفع لعنة الناموس تماماً .. يقول الروح القدس "المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون كل من عُلق على خشبة لتصير بركة إبراهيم للأمم فى المسيح يسوع لننال بالإيمان موعد الروح"(1).
وإذا قلنا أن لعنة الناموس يمكن أن تحل على كل من لا يعيش الناموس الآن فهذا إلغاء لتجسد ربنا يسوع المسيح وموته على الصليب وقيامته .. ومن يرضى بهذا ؟!
كل تعب نفسى أو مرض نفسى ضربة من الشيطان أو سحر أو عمل شرير حتى أنهم ظنوا أن هؤلاء المرضى نفسياً أو عصبياً أو عقلياً بهم أرواح نجسة .. الأمر الذى زاد من متاعب الناس وتعاستهم أكثر(2).
والكثيرين يسألون لماذا نصاب بالأمراض ؟ ولماذا يسمح الرب لنا بذلك ؟
الأمراض وأسبابها
ما أكثر الأمراض التى تصيب البشرية والتى تزايدت عبر القرون والسنين وخاصة فى عصرنا هذا الذى كثرت فيه الأمراض التى يطلق عليها أمراضاً مستعصية (رغم التقدم فى العلوم الطبية) مثل الإيدز والسرطان والفشل الكلوى، والسارس (الالتهاب الرئوى الحاد)، وغيرها من الأمراض ...
لا يوجد مرض واحد بدون سبب بل لكل مرض سبب وربما أسباب .. وسنتخذ أساس حديثنا من الكتاب المقدس .. كلمة الله التى هى النور الذى ينير لنا ويضئ أذهاننا لنعرف أسباب المرض، وأرجو أن نلاحظ أنه ليس من الصواب أن تمسك بأحد الأسباب دون الآخر ونجعله السبب الرئيسى للمرض.
أولاً : الخطية .. الله لم يخلق الإنسان للمرض والتعب والألم والموت، ولم يخلق المرض والتعب والموت للإنسان لكن بسبب سقوط الإنسان الأول آدم فى الخطية بمخالفته لوصية الله التى أوصاه بها. ولكونه رأس الخليقة المنظورة .. انفصل ومعه الخليقة عن الله مصدر حياته وسعادته وسروره وراحته، وصار مستعبداً للشيطان الذى صار رئيس هذا العالم .. وهكذا دخلت الخطية إلى العالم
(1)- (غل3: 13، 14). (2)- ارجع ليشوع بن سيراخ (38: 1- 15).
التى تسببت فى فساد كل شئ، وبالتالى دخل المرض والموت، ولذلك فى الإصحاح الخامس من سفر التكوين نقرأ عن آدم ونسله، ويذكر كل واحد منهم أنه عاش ومات.
لقد أصبح كل البشر عرضة للإصابة بالمرض فى عالم أفسدته الخطية .. إننا لا نجد إنساناً واحداً يحيا على هذه الأرض أو عاش عليها إلا وقد تعرض لأمراض كثيرة وليس لمرض واحد.
إن الخطية هى أسـاس دخـول المرض والتعب والشـقاء لكل البشرية .. لكن تليها أسباب أخرى كثيرة ..
ثانياً : العصيان وعدم طاعة الله ..
قال الرب بنى إسرائيل "إن لم تسمع لصوت الرب إلهك .. يضربك الرب بالسُل والحكى والبرداء والالتهاب والجفاف واللفح والذبول .. يضربك الرب بجنون وعمى وحيرة قلب"(1).
لكن ما يجب أن نلاحظه أنه ليست هذه قاعدة عامة نراها فى جميع الأحوال بمعنى أن ليس من الضرورى أن يصاب كل خاطئ بأحد هذه الأمراض السابق ذكرها. فنحن نرى فى المجتمعات حولنا كم من الفجار والخطاة الذين تحدوا الله وعملوا ما لا يليق ضده، لكنهم يتمتعون بالصحة أفضل من مؤمنين أتقياء يحبون الرب.
قال آساف عن هؤلاء الأشرار "ليسوا فى تعب الناس ومع البشر لا يصابون"(2)، ومن كلمة الله نفهم أن الله يهتم بجميع خليقته، فهو "يشرق شمسه على الأشرار والصالحين"(3)، "هو منعم على غير الشاكرين والأشرار"(4)..
وعلى هذا فالإصابة بالمرض هى إحدى وسائل الله للتعامل مع الإنسان للعقاب أو التأديب.
(1)- (تث28: 15، 22، 28). (2)-(مز73: 5). (3)-(مت5: 45).
(4)-(لو6: 35).
ثالثاً : سيادة الشيطان على العالم
لقد نُزعت السلطة من الإنسان بعد سقوطه فى الخطية، وصارت ممالك العالم لإبليس(1)..
إبليس عدو الله ومدمر كل ماهو حسن، والذى لم يكتف بنشر الفساد على الأرض وتحول الناس عن الله مصدر حياتهم وراحتهم وسعادتهم .. بل امتلك أجساد بعض الناس وأصابها بالمرض مثل المرأة المنحنية التى ربطها ثمانية عشر سنة، ولم تقدر أن تنتصب البتة، والتى قال الرب يسوع عنها إن الشيطان ربطها تلك الفترة(2) .. كذلك الأخرس الذى عندما أخرج الرب الشيطان منه تكلم(3)، والغلام الذى قدمه أبوه للرب يسوع "فلما أخرج الشيطان منه شُفى فى الحال"(4).
ومجنون كورة الجدريين الذى صار عاقلاً ولابساً وجالساً عند قدمى يسوع بعد أن حرره الرب يسوع وأخرج منه لجئون(5). وهذه الأمراض التى تسببها الأرواح الشريرة لا يقدر الطب أن يتداخل فيها أو يقدم علاجاً لها، ويجب أن نعلم أن الشيطان لا يقدر أن يفعل شيئاً إلا بتصريح من الله كما حدث فى تجربة أيوب المعروفة والمشهورة فى سفره والواردة ذكرها فى الإصحاحين الأول والثانى. ولا يغيب عنا هذا الحق الواضح.
إن الشيطان لا سلطان له إطلاقاً على المؤمن لان المسيح امتلكه روحاً ونفساً وجسداً فهو ليس ملكاً لنفسه بل الله(6).
ويجب أن نعرف أنه ليس كل مرض عقلى أو نفسى هو عمل شيطانى لأن الجهاز العصبى مثله مثل باقى أجهزة الجسد عرضة للإصابة بالمرض.
رابعاً : ناموس الطبيعة
نحن نعيش فى عالم متقلب تحدث فيه تغيرات يومياً فالأحوال الجوية مثلاً تتحول من حار و بارد إلى معتدل. والأجواء ملوثة فى أغلب الأماكن ومملوءة بمسببات الأمراض مثل البكتريا والفيروسات والطفيليات واللفطريات وغيرها.
(1)-(مت4: 8، 9). (2)-(لو13: 16). (3)-(مت9: 33).
(4)-(مر9: 25). (5)-(لو8: 30). (6)-(1كو6: 20).
فبدون الحيطة والإهتمام نكون عرضة للإصابة بأى مرض. ومن جانب آخر التغيرات التى تحدث مع الإنسان نفسه مع الزمن، فلا يمكن أن يحيا الإنسان طوال حياته طفلاً أوشاباً، لكن لابد مع مرور الأيام أن يصل الشخص إلى سن الشيخوخة، التى تهجم عليه بالمتاعب والأمراض التى تسمى أمراض الشيخوخة.
خذ مثلاً لذلك : قيل عن إسحق "لما شاخ إسحق وكلت عيناه عن النظر.."(1). وقيل عن داود الملك "وشاخ الملك داود، تقدم فى الأيام وكانوا يدثرونه بالثياب فلم يدفأ"(2). وغيرها.
خامساً : أسـباب شخصية
مثل الإدمان والكحوليات. وكذلك من يتعرضون لضربة الشمس مثل إبن الشونمية(3). وآخرون يتعرضون لحوادث مثل تصادم السيارات، أوسقوط من مكان مرتفع مثل أفتيخوس الذى كان متثقلاً بنوم عميق فسقط من الطابق الثالث وحُمل ميتاً(4).
سادساً : أحياناً كثيرة يسمح الرب بالمرض لحفظ المؤمن من الكبرياء والتشامخ
مثل ما حدث مع الرسول بولس الذى سمح له الرب بشوكة فى الجسد، لذلك يقول "لئلا أرتفع من فرط الإعلانات أُعطيت شوكة فى الجسد، ملاك الشيطان ليلطمنى لئلا أرتفع"(5). ولقد كرر القول "لئلا أرتفع" مرتين لأنه أدرك الغرض من هذه الشوكة الواقية له. ولقد قال عنها لمؤمنى غلاطية "وتجربتى التى فى جسدى"(6).
سابعاً : يسمح الرب أحياناً بالمرض كواحد من وسائل التأديب
عندما تكلمت مريم وهارون بالسوء على موسى عبد الرب، يقول الروح القدس "حمى غضب الرب عليها، فالتفت هارون إلى مريم وإذ هى برصاء"(7).
ويقول الرسول بولس للمؤمنين فى مدينة كورنثوس "من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى، وكثيرون يرقدون لأننا لو حكمنا على أنفسنا لما حُكم
(1)-(تك27: 1). (2)-(1مل1: 10). (3)-(2مل4: 18-20).
(4)-(أع20: 9). (5)-(2كو12: 7). (6)-(غل4: 14).
(7)-(عدد12: 10،9).
الشاب أفتيخوس نائماً على الشرفة قبل أن يقع منها
بولس الرسول يحاول إقامة أفتيخوس من الموت
علينا. ولكن إذ قد حُكم علينا نُؤدب من الرب لكى لا ندان مع العالم"(1).
وهذا الأمر قد يشمل المؤمن كتأديب من الرب أو غير المؤمن كعقاب من الله كما حدث فى بيت فرعون كما هو معلن فى كلمة الله فى سفر التكوين "فضرب الرب فرعون وبيته ضربات عظيمة بسبب ساراى امرأة ابرآم"(2).
ثامناً : قد يسمح الرب بالمرض بغرض إعلان مجده
مثل لعازر الذى من قرية بيت عنيا عندما أرسلت الأختان مرثا ومريم للرب يسوع قائلين "يا سيد هوذا الذى تحبه مريض"(3).. قال الرب يسوع عن مرضه "هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله ليتمجد ابن الله فيه"(4).
والمولود أعمى عندما قال التلاميذ للرب يسوع من أخطأ هذا أم أبواه ؟ حتى ولد أعمى ؟
أجاب "لا هذا أخطأ ولا أبواه لكن لتظهر أعمال الله فيه"(5).. وكانت معجزة تفتيح عينيه سبباً فى إيمانه بالرب يسوع والسجود له.
هل يصاب المؤمن بالأمراض ؟
فى هذا العصر ما أكثر التيارات الدينية التى تنفى تماماً إمكانية إصابة المؤمن بالمرض، وهذا الفكر يسبب قلقاً لكثيرين تاهوا وسط هذه الضلالات قائلين أين الحقيقة ؟ وقد فاتهم أننا كبشر مؤمنين كنا أو غير مؤمنين خاضعين للأسباب السابق ذكرها والمسببة للمرض.
كما أنهم تجاهلوا أبطالاً فى الإيمان أصيبوا بالأمراض مثل :
أليشع : "ومرض أليشع مرضه الذى مات به"(6). فهل كلن مرضه مرتبط بخطأ قد فعله؟ إننا لا نجد فى الكتاب ما يدل على ذلك.
تيموثاوس : الذى قال عنه الرسول بولس "الصريح فى الإيمان"(7).يكتب الرسول بولس له وصية طبيب، ربما أوصى بها لوقـا الطبيب أحد رفقاء بولس
(1)-(1كو11: 30-32). (2)-(تك12: 17). (3)-(يو11: 3).
(4)-(يو11: 4). (5)-(يو9: 38،3،2). (6)-(2مل13: 14).
(7)-(1تى1: 2).
فى الخدمة يقول فيها "لا تكن فيما بعد شراب ماء، بل إستعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة"(1).. لاحظ القول "أسقامك الكثيرة" ليس مرضاً بل أمراض.
أبفرودتس : الذى كانت له أوصاف روحية نادرة فى كنيسة فيلبى. يقول الرسول بولس عنه "أنه مرض قريباً من الموت، لكن الله رحمه (أى شفاه)"(2).
تروفيمس : الرسول بولس مع أن الله إستخدمه فى معجزات الشفاء الكثيرة، لكنه كتب بنفسه قائلاً "وأما تروفيمس فتركته فى ميليتس مريضاً"(3).
الرسول بولس نفسه : كانت له شوكة فى الجسد عانى منها كل أيام حياته(4).
الرجل الذى أخرج منه المسيح الشياطين (لو8: 26)
(1)-(1تى5: 23). (2)-(فى2: 27). (3)-(2تى4: 20).
(4)-(2كو12: 7).