المشكلة تكمن في عدم وجود استعداد داخلي.
لا تقل "إنني أذهب إلى الكنيسة ولا أستفيد".. لأن غيرك يذهب ويستفيد. لو كنت تريد أن تستفيد لاستفدت. إن لم تستفد من القداس، يمكنك أن تستفيد من العظة وإن لم تستفد من العظة، يمكنك أن تستفيد من مجرد القراءات، بل من مجرد الوجود في الكنيسة في جو روحي.. بل يمكنك أن تستفيد -لو أردت- من منظر الأيقونات، ومن الشموع.. أو على الأقل تخلو إلى نفسك مع الله، ولو لُحيظات..
إذا لم تكن له أذنان للسمع، فلم يسمع..
ربما أثناء حديث الرب معه، كان منشغلًا بالغيرة التي في قلبه، وكان الحسد يسد أذنيه، وكان الانفعال الداخلي أعلى صوتًا في القلب، كانت ذاته حائلًا يحجب حكمة الوصية والنصيحة..
"وكلم قايين هابيل" (تك 4 : 8). ترى ماذا قال له؟
أتراه قال له "هيا بنا إلى الحقل، نقضى الوقت بعيدًا عن الأسرة معًا.. بعيدًا عن ملاحظة الأبوين".. على أية الحالات، لم يكن هابيل ينتظر خيانة من أخيه قايين. إنه شقيقه، ويمكن أن ينام إلى جواره ويغمض عينيه، دون أن يخشى شرًا، في ثقة بهذه الأخوة.. لو كان في قلبه أدنى شك من جهته لاحترس منه. ولكن حينما يأتي الشر ممن هم فوق مستوى الشك، حينئذ تكون المأساة أعمق وأكثر تأثيرًا في النفس..
"وقام قايين على هابيل أخيه وقتله". وهكذا تطورت به الخطية من سيء إلى أسوأ، وهو مستسلم لها.
تطور من غيره إلى حسد، إلى غيظ، إلى حقد، إلى فكر الشر، إلى تدبيره وتنفيذه، إلى قتل أخيه وبعد أن كانت الخطية رابضة عند الباب، دخلت إلى قلبه، وسيطرت على فكره ومشاعره وأعصابه وانفعالاته.
وبعد أن كان يسود عليها، صارت تسود عليه..
ودفعته الخطية في طريقها، فخضع لها ونفذها.. وحينما نفذ اختفت من أمامه كل المثل: لا محبة، ولا شفقة، ولا إرضاء الله..
وربما ظن قايين، أنه لا يوجد أحد يراه..
وأنه سوف لا يعلم أحد بجريمته، وأنه قد تخلص من هذا المتفوق الذي تصغر نفسه أمامه، إن صوت هابيل قد سكت إلى الأبد وهابيل البار، لم يستطيع أن يدافع عن نفسه.