إن الوعود الإلهية من أكثر الأمور التى تعزى الإنسان فى حياته اليومية، فهى تعطى ثقة إن الله معه، ويفرحه ويعطيه من روحه القدوس ..
نبدأ التأمل فى أهم الوعود التى وعد بها الله البشـرية وهـو :
الوعـد بالـخـلاص
بدأ هذا الوعد بعد خطية آدم وطرده من الجنة، وبعد أن فقد آدم وحواء كل شئ كان وعد الله " نسل المرأة يسحق رأس الحية"(1) .. نسل المرأة هو السيد المسيح الذى سحق رأس الحية، وأكمل عمل الخلاص.
قاعدة الوعود الإلهية
1- نتعلمها من الكتاب المقدس. 2- نطلبها بالصلاة.
3- نقبلها بالإيمان. 4- ننالها بالجهاد.
مفهوم الخلاص فى العهد القديم
هو الخلاص من الآلام والضيقات التى كانت تواجه الشعب، لذلك كان الكاهن أثناء اجتماعه مع المؤمنين يطلب من أجل خلاص الشعب "خلص شعبك وبارك ميراثك وارعهم واحملهم إلى الأبد"(2) ..
وحتى يومنا هذا نستخدم هذه الطلبة فى نهاية كل اجتماع.
وداود النبى عندما يتحدث عن خلاص الرب لقطيعه من يد الأسد قال "الرب نورى وخلاصى ممن أخاف"(3).
(1)- (تك3: 15). (2)- (مز28: 9). (3)-(مز27: 1).
الطرد من الجنة
أيضاً يتحدث سفر أشعياء عن الخلاص من الضيقات "فى كل ضيقهم تضايق وملاك حضرته خلصهم"(1).
مفهوم الخلاص فى العهد الجديد
لم يكن هو الخلاص من الآلام والضيقات فقط بل أيضاً الخلاص من الخطية ونتائجها أى الخلاص بدم السيد المسيح، لذلك عندما بشر الملاك الرعاة بميلاد السيد المسيح قال لهم "إنه ولد لكم اليوم فى مدينة داود مخلص هو المسيح الرب"(2).
وتقول العذراء مريم فى تسبحتها " تبتهج روحى بالله مخلصى"(3).
كما يسمى الإنجيل فى العهد الجديد (إنجيل الخلاص).
يذكر معلمنا بولس الرسول فى رسائله "هوذا الآن يوم خلاص"(4).. لأن الكتاب المقدس يركز فى العهد الجديد على الخلاص الأبدى بفداء السيد المسيح بدلاً من الخلاص المادى.
كانت الشرائع والممارسات فى العهد القديم تهيئ ذهن الشعب لمجئ المخلص، لذلك عندما دخل السيد المسيح أورشليم صرخ الشعب "أوصنا" أى "خلصنا"، وكان كل ما يشغل ذهنهم هو الخلاص المادى من الاستعمار .. أما عمل السيد المسيح الأساسى هو الخلاص من الخطية حتى يعيد الإنسان إلى الملكوت السماوى، لذلك كان يقول فى تعاليمه "الذى يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص"(5).. أى الخلاص الأبدى.
مفهوم الخلاص فى الإيمان المسيحى
غير المسيحيين يؤمنون بأن الله يخلص بواسطة آخرين حيث يرسل (نبياً .. رسولاً .. قائداً .. إلخ). لكى يخلص، وهذا الخلاص يرتبط بعمل مادى.
(1)- (أش63: 9). (2)-(لو2: 11). (3)- (لو1: 47).
(4)- (2كو6: 2). (5)- (مت24: 13).
أوصنا = خلصنا
أما فى المسيحية فإن الخلاص يتميز بأمرين هما :
(أ)- إنه خلاص من عمل الخطية.
(ب)- يرتبط الخلاص بالإله المتجسد الذى يخلص بذاته، فهو مخلص. وليس فقط ديان ورحيم ورحمن !!
نحن نؤمن بمحبة الله لنا محبة غامرة جداً جعلته يأخذ جسداً لكى يخلص البشرية "ليس بأحد غيره الخلاص"(1) لذلك من ألقاب السيد المسيح "مخلص هو المسيح الرب"(2)، ونردد كثيراً فى صلواتنا [ مخلصنا يسوع المسيح ]، وهذا التعبير لا نجده فى أى ديانة أخرى ..
وأيضاً عبارة "عينى قـد أبصرتا خلاصك"(3)، وأول من نطق بها هو سمعان الشيخ عندما حمل السيد المسيح على ذراعيه، وأعلمه الروح القدس أن هـذا هـو المخلص الذى أنتظره ..
كيف نفـرق بين التعبيرين (مسئولية الخطية، ونتائج الخطية) ؟
بعد أن أخطأ آدم حُكم عليه موتاً يموت، وطُرد من الجنة. وهكذا تقع مسئولية الخطية على آدم وحواء .. أما أنا فقد تحملت نتيجة هذه الخطية لأنى ولدت خارج الجنة مثل إنسان يسير فى طريق الشر، وعندما يولد له ابناً يصير هذا الابن حاملاً للمرض الذى يعانى منه أبيه بسبب خطيته، ولكن هذا الطفل يمكن علاجه من هذا المرض.
هكذا نحن لكى نعود إلى الملكوت مرة أخرى لابد من وجود إنسان يدفع الثمن، ويقبل حكم الموت وهو (الفادى) الذى فدى آدم وحواء ونسلهما أيضاً "إن كان بخطية واحد مات الكثيرون فبالأولى كثيراً نعمة الله والعطية بالنعمة التى بالإنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين"(4).
(1)- (أع4: 12). (2)- (لو2: 11). (3)- (لو2: 30).
(4)- (رو5: 15).
سمعان الشيخ يقول عينا قد أبصرتا خلاصك
شروط الفادى والمخلص
أولاً : غــير محتاج للـخــلاص
كما دخل الموت إلى العالم عن طريق واحد الذى هو آدم هكذا تكون الحياة من خلال واحد هو الإله الذى تجسد من أجل خلاصنا لأنه عندما أراد الله فداء البشرية لم يجد هناك من يستطيع القيام بهذا الخلاص.
(أ)- لا ملاك ولا رئيس ملائكة
لأن الملاك لا يموت لأنه روح، وأيضاً الملاك لم يكن فى درجة الإنسان الذى خُلق على صورة الله ومثاله.
(ب)- لا نبى ولا رئيس آباء
لأن النبى يكون قد اشترك مع الإنسان فى الخطية، ويحتاج أيضاً إلى الخلاص.
(ج)- لا العذراء مريم
إيمان كنيستنا الأرثوذكسية هو أن العذراء نقية ولكنها حملت نتائج الخطية فى جسدها، ولذلك فهى محتاجة إلى الخلاص .. وتقول فى تسبحتها "تبتهج روحى بالله مخلصى"(1)..
أما إخوتنا الكاثوليك - مع محبتنا لهم- يؤمنون بعقيدة (الحبل بلا دنس) أى أن العذراء غير محتاجة للخلاص، فإذا كان الأمر هكذا .. كانت العذراء قد تممت الخلاص بدلاً من التجسد الإلهى.
ثانياً : غـــير مـحـــدود
كانت خطية آدم ضد الله غير المحدود، فالذى يدفع ثمن الخطية لابد أن يكون أيضاً غير محدود لكى تكون قيمة الفداء معادلة للخطية. ولم يوجد من هو غير محدود سوى الله، فكان لابد أن يأخذ جسد إنسان من أجل الفداء.
(1)- (لو1: 47).
ثالثاً : له حق التصرف فى ذاته
الله هو الوحيد الذى له سلطان الخِلقة، ويأخذ جسداً ويولد من عذراء ويسلم ذاته للموت لأنه قال "لى سلطان أن أضعها ولى سلطان أن آخذها أيضاً"(1).
جميع هذه الشروط لا تنطبق إلا على شخص ربنا يسوع المسـيح الذى جاء إلى العالم متجسداً لكى يكمل الوعد بالخلاص، لذلك يقول الكتاب "جعل الذى لم يعرف خطية خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه"(2).
ويقول عنه يوحنا المعمدان "هوذا حمل الله الذى يرفع خطية العالم"(3).
والكنيسة فى حكمتها تقدم لنا يسوع فى التناول حيث يتحول القربان إلى جسد الرب بعد حلول الروح القدس، وهذا القربان يكون خبزاً مختمراً وليس فطيراً بدون خمير لأن الخمير يرمز فى الكتاب المقدس إلى الخطية .. وهكذا حمل السيد المسيح خطيتنا فى جسده كما نقول فى التسبحة [ أخذ الذى لنا وأعطانا الذى له ] هذا هو مركز الإيمان المسيحى المبنى على الخلاص بالسيد المسيح الإله المتجسد.
لماذا الصليب ؟
كانت أقصى عقوبة فى العهد القديم هى "مكتوب ملعون كل من عُلق على خشبة"(4)، لذلك اختار يسوع الصليب لكى يقدم الفداء فى أقصى صوره، وأعمق آلامه ..
لذلك عندما قال على الصليب "أنا عطشان"(5) قدموا له خلاً فلم يرد أن يشرب لأن الخل يعطى نوعاً من التخدير، وهو يريد احتمال الآلام فى عمقها لكى يوفى الدين كاملاً .. إذن فى الصليب عار.
(1)- (يو10: 18). (2)- (2كو5: 21). (3)-(يو1: 29).
(4)- (غل3: 13). (5)-(يو19: 28).
الصليب يؤكد "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة"(1).. كانت الذبائح فى العهد القديم ترمز إلى دم المسيح الفادى حيث يضع الإنسان الخاطئ يده على رأس الذبيحة ويعترف بخطأه ويموت الخروف بدلاً من المخطئ ..
أما فى العهد الجديد نحن نؤمن أنه ليس هناك خلاص إلا من خلال دم ربنا يسوع الذى يطهر من كل خطية، وهذا الدم غير محدود لأنه يقول "هو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً"(2).
ضرورة الخلاص بدم المسيح
الإنسان الذى يؤمن بالإله الواحد وبدون دم المسيح لا يكون له خلاص "أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أى المؤمنون باسمه"(3).. أى المؤمنين به كفادى ومخلص.
بعض المسيحيين يؤمنون بعقيدة (خلاص غير المؤمنين) أى بدون دم المسيح .. ولكن كيف يخلص إنسان بدون الإيمان بدم المسيح ؟!
مهما كان الإيمان الذى فى قلبى بالله الخالق العادل الرحيم، ولكن لا أؤمن بالله الذى سفك دمه من أجل خلاصى يصير هذا الإيمان باطلاً، لذلك نحن نرفض خلاص غير المؤمنين لأنهم لا يؤمنون بدم المسيح.
بعض الأديان الشرق آسيوية تتميز بالفضائل الكثيرة .. هل هذه الأعمال تخلصهم ؟!
ليس هناك خلاص بأعمال الإنسان أياً كانت إلا فى استحقاق دم المسيح.
الأسرار المقدسة والخلاص
المعمودية هى مدخل الأسرار كلها، وهى تذكار لعمل السيد المسيح الذى مات وقبر وقام. وتكون المعمودية على إيمان الإشبين إذا كان الشخص المعمد
(1)-(عب9: 22). (2)-(1يو2: 2). (3)-(يو1: 12).
طفلاً "من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يـدن"(1).
وهنا سؤال : هل يكفى الإيمان والمعمودية، ولا ضرورة للأعمال ؟
هنا خطورة الآية الواحدة – كما يعلمنا قداسة البابا شنوده- لذلك لابد أن نضع الآيات التى تتحدث عن المعمودية مع بعضها، فنجد هناك ضرورة للإيمان بربنا يسوع ثم الدفن مع المسيح فى المعمودية فى استحقاقات الصليب، ثم تأتى الأعمال التى هى ثمرة الإيمان.
فى يوم سر المعمودية نمارس ثلاثة أمور :
1- إعلان الإيمان بربنا يسوع المسيح.
2- إعـلان تـوبـة.
3- الميلاد الجديد فى المعمودية فى استحقاقات الصليب.
إذا كان الشخص المُعمد ناضجاً يعلن إيمانه، ويقول [ أجحدك أيها الشيطان وأؤمن بالله الواحد ].
أما إذا كان المُعمد طفلاً، فالسيد المسيح يعلمنا "دعوا الأولاد يأتون إلىّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله"(2).
فإن الإشبين يعلن الإيمان والتوبة حتى تتم معمودية الطفل، وهكذا يستحق السماء.
وعادة مادة السر يكون لها علاقة بالبركة التى نحصل عليها، فمادة سر المعمودية هى الماء الذى يغسل من كل خطية ".. بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثانى وتجديد الروح القدس"(3).
كيف ننال عمل الخلاص ؟
1- الإيمان بدم المسيح
إن كل شئ نناله فى دم المسيح، ولكى يكمل عمله فينا لابد أن نؤمن به.
(1)-(مر16:16). (2)- (لو18: 16). (3)-(تى3: 5).
مثل سجان فيلبى لكى ينال الخلاص .. كان لابد له من الإيمان أولاً "آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك .."(1).
المدخل هو الإيمان بيسوع الفادى والمخلص.
2- المعمودية المقدسة
التى من خلالها ننال شركة دم المسيح فى دفنه وقيامته.
3- ممارسة الأسرار اللازمة للخلاص
إذا أخطأت لابد من التوبة وممارسة التوبة والاعتراف.
4- الأعمال الصالحة (الإيمان العامل بالمحبة)
إذا كنت تؤمن بالمسيح فلابد من إتمام الوصية، وهذه الأعمال تؤكد إيمانك ولذلك تحدثت رسالة يعقوب الرسول عن أعمال راحاب الزانية التى أظهرت بها إيمانها(2)..
أما معلمنا بولس الرسول فيتحدث فى رسالة رومية عن أعمال الناموس مثل الختان والذبائح ..إلخ. وهذه كلها لا تخلص فنجـده يقـول "أما البـار فبالإيمان يحيا"(3).
كل هذه المعارف اللاهوتية توصلنا إلى محور الفداء الذى هو محبة الله للبشرية "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية"(4)، وأيضاً "ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه"(5).
محبة السيد المسيح غير محدودة ومن عظم محبته أخلى ذاته آخذاً صورة عبد، وعندما نسأله لماذا فعلت ذلك ؟
فيجيب لأنى أحبك، فأقول له : أنا أريد أن أحبك يارب .. هذه هى الخلاصة الروحية من الفكر اللاهوتى.
(1)-(أع16: 31). (2)- (يع2: 25). (3)-(رو1: 17).
(4)- (يو3: 16). (5)-(يو15: 13).
اسأل نفسك الآن : هل تستطيع أن تقول أنا أحبك يارب لأنك أحببتنى ؟!
هل تقول : إنى أحبك يارب، وأنت ما زلت تتحدث بكلام غير لائق، ولم تدخلنى إلى بيتك، ولم تهتم بإخوتى الأصاغر.
الآن .. الله يقرع على قلب كل واحد ويقول له من أجل محبتى لك أنا تجسدت من أجلك، وبذلت ذاتى، وأرسلت لك الأنبياء، وقدمت لك الكتاب المقدس، والكنيسة بكل ما فيها من خدام وممارسات .. وأنت ماذا فعلت لكى تبادلنى هذا الحب ؟!
هل هناك خطية محبوبة فى حياتك ؟
هل تحب الخطية أكثر منى ؟
هل تحب كبرياءك، ومجدك الشخصى أكثر من مجد ربنا ؟
يارب كل الأشياء التى تعطل محبتى لك سوف أضعها تحت قدميك لكى أتمتع بعمل خلاصك.