موضوع مكانة الكتاب المقدس واستحالة تحريفه مطبوع فى كتاب تبسيط الإيمان الجزء الثالث "مكانة الكتاب المقدس واستحالة تحريفه" وأيضاً فى كتاب كتالوج المؤتمر – مؤتمر تثبيت العقيدة بالفيوم 27-29 سبتمبر 2004م - الذى أُعدّ قبل المؤتمر، وموجود أيضاً نفس هذا الموضوع فى الشريط الكاسيت رقم 3 من سلسلة تبسيط الإيمان..
ولكن موضوعنا الآن سيتدرج للرد على أحدث ما صدر من كتب تتدّعى أن الكتاب المقدس قد حُرِّف وأن المسيحية ديانة فاسدة..
لنرى معاً ما رأى ربنا نفسه فى الكتاب المقدس.. يقول الرب فى سفر إرميا: "ثم صارت كلمة الرب إلىَّ قائلاً ماذا أنت راءٍ يا إرميا فقلت أنا راءٍ قضيب لوز، فقال الرب لى أحسنت الرؤية لأنى أنا ساهر على كلمتى لأجريها" (إر 11:1-12).. عندما قال إرميا النبى: "أنا راءٍ قضيب لوز" قال له الرب: "أحسنت الرؤيا".. نحن لا نغفل العلاقة بين عصا هارون التى أفرخت وإنها كانت قضيب لوز (انظر عد17: 8)؛ وهى تُشير إلى التجسد الإلهى.. والتجسد الإلهى مرتبط بالله الكلمة.. وهنا نرى الارتباط بين "الله الكلمة" وبين "كلمة الله" فهما ليسا شيئاً واحداً.. ولذلك قال له الرب: "أحسنت الرؤيا" ثم قال: "أنا ساهر على كلمتى لأجريها"..لنرى رأى الله نفسه الذى تجسد ماذا قال؟ قال: "الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (مت 18:5) هذا يُرينا دور ملك الملوك ورب الأرباب ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الذى قال أنا ساهر على كلمتى لأجريها فى رؤية قضيب لوز؛ هو نفسه الذى قال لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس.. وقال أيضاً: "السماء والأرض تزولان ولكن كلامى لا يزول" (مت 35:24)، (مر 31:13)، (لو 33:21).. وبذلك نرى أن الله قال عن العهد القديم (الناموس): إن حرف واحد أو نقطة واحدة لا تسقط ولا تزول حتى نهاية العالم.. فالنقطة الواحدة فى اللغة العبرية تُغيّر معنى الكلمة كلها تماماً مثل اللغة العربية، فلو وضعنا نقطة واحدة مثلاً على كلمة "طهّر" تصير الكلمة "ظهر" غيّرت معنى الكلمة تماماً.. لذلك قال الرب لا يزول حرف واحد ولا نقطة واحدة حتى نهاية العالم..
طريقة كتابة الأسفار
لقد كان لليهود عادات وقوانين صارمة فى كتابة الأسفار الخاصة بالعهد القديم. مثل الاغتسال، وارتداء الثياب العبرانية، وأن تكون الرقوق من جلود الحيوانات الطاهرة، ويكون الحِبر أسود نقى من العسل والكربون، ولا تكتب كلمة واحدة من الذاكرة. والكاتب يقرأ الكلمة بصوت مسموع أثناء الكتابة. وعند كتابة اسم من أسماء الله. لابد أن يذهب الكاتب للاغتسال وتغيير الملابس، ثم يكتب بريشة خاصة، وحبر خاص. وإذا وجد فى نسخة ثلاثة أخطاء أو أكثر تُعدم هذه النسخة كلها وإن وُجدت غلطة واحدة أو إثنتان فقط؛ يقومون بتصحيح هذا الخطأ. ولذلك كانوا يستطيعون أن يحفظوا كل سفر وأجزاءه وسطوره وآياته وكلماته وحروفه. فمثلاً كان معروفاً عندهم أن حرف الألف ورد فى التوراة العبرية (أى أسفار موسى الخمسة) 42377 مرة لأنهم قاموا بإحصائه فى كل التوراة، وحرف الباء 38218 مرة. فهم يقومون بإحصاء الحرف الواحد كم مرة ورد فى كل التوراة، فإن نقص مجرد حرف واحد فقط يقومون بمراجعة السفر كله من بدايته ويتم اكتشاف هذا الحرف. وممنوع على الكاتب أن يكتب من الذاكرة أية عبارة حتى ولو كان حافظ المزمور كله مثلاً.. لأنه من الممكن أن تتغير ولو كلمة واحدة من تكرار الحفظ؛ فبدلاً من أن يقول "وعلى لباسى يقترعون" (مز 18:22) يخطأ ويقول: "وعلى لباسى ألقوا قرعة".. هذا ممنوع، بل أيضاً الكاتب ليس حُراً أن ينقل الصفحة الواحدة إلى صفحة ونصف مثلاً أو صفحة وسطر أو صفحة إلاّ سطر. وليس أيضاً حُراً أن ينقل السطر بكلمات أقل من السطر الأصلى المنقول منه. بمعنى لابد أن يبدأ الصفحة بنفس الكلمة التى فى الصفحة المنقول منها وينتهى عند نفس الكلمة التى فى نهاية الصفحة الأصلية. يكون مثل القرطاس مقفول، وعند الانتهاء من قراءة صفحة؛ يلف الرولل ويبدأ فى الصفحة التالية..
وحدة الكتاب المقدس
إن الكتاب المقدس بجزئيه العهد القديم والـعهد الجديد هو كتاب واحد. فلا يمكن أن نفـصل كلام الله حتى وإن كان مقسماً إلى أسفار، والأسفار مقسمة إلى إصحاحات. ونتكلم عن العهد القديم والعهد الجديد.
إن وحدة الكتاب المقدس يستطيع أن يشعر بها كل إنسان تعمل نعمة الله فى حياته، ويعمل الروح القدس فى قلبه. وقد قال القديس بولس الرسول: "كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذى فى البر، لكى يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح" (2تى 16:3،17).
إن عبارة "كل الكتاب هو موحى به من الله" تؤكد وحدة أسفار الكتاب المقدس. وكذلك قال معلمنا بطرس الرسول: "عالمين هذا أولاً أن كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص. لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط 20:1-21). إن الكتاب المقدس يمثل ذخيرة أو كنزاً، وأمانة قد تسلمناها لابد أن نحافظ عليها. فكيف نجعل الكتاب المقدسيعيشفىداخلنا،وكيفنحافظعليهكوديعةمقدسةتسلمناها؟
الكتاب المقدس هو سر قوة المسيحية
قال القديس بولس الرسول: "فلا تخجل بشهادة ربنا ولا بى أنا أسيره بل اشترك فى احتمال المشقات لأجل الإنجيل، بحسب قوة الله الذى خلصنا ودعانا دعوة مقدسة لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التى أعطيت لنا فى المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية، وإنما أظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح الذى أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل" (2تى 8:1-10).
فكما أن السيد المسيح قد داس الموت بالموت، وانتصر عليه وقام من الأموات. فقد أرسل تلاميذه إلى العالم لكى يبشروا بالقيامة. وهذا هو سر قوة المسيحية لذلك يقول: "الذى أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل". ويقول معلمنا بولس الرسول: "الذى جُعِلت أنا له كارزاً ورسولاً ومعلماً للأمم. لهذا السبب أحتمل هذه الأمور أيضاً لكننى لست أخجل لأننى عالم بمن آمنت وموقن أنه قادر أن يحفظ وديعتى إلى ذلك اليوم" (2تى 11:1-12). فهو يقول إذا وضعت فى السجن لا أخجل لأننى عالم بمن آمنت وأيضاً يقول: "ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله الذين هم مدعوون حسب قصده" (رو 28:8).
كلمة الله لا تقيد
وكذلك وهو فى السجن يقول: "إن أمـورى قد آلت إلى تقدم الإنجيل حتى أن وثقى صارت ظاهرة فى المسيح فى كل دار الولاية وفى باقى الأماكن أجمع" (فى 12:1،13). أى أنه عندما وضعونى فى السجن، وذهبوا بى إلى دار الولاية كانت هذه فرصة أن يسمع جميع الشعب الذى فى دار الولاية أخبار الإنجيل. وبذلك تقدم الإنجيل ولم يتأخر.
فمن الممكن أن بولس الرسول يُسجن ويُقيد. ولكن كلمة الله لا تُسجن أو تُقيد، ويقول لتلميذه تيموثاوس "تمسك بصورة الكلام الصحيح الذى سمعته منى فى الإيمان والمحبة التى فى المسيح يسوع احفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا" (2تى 13:1-14).وهنا يطالبنا بولس الرسول. أن نتمسك بصورة الكلام الصحيح فى التعليم، وبحفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا. فهناك وديعة صالحة قد تسلمت على مدى الأجيال من جيل إلى جيل.. من الأنبياء.. من الرسل.. وتسلمت للكنيسة.
الروح القدس حارس للكتاب المقدس
إن هناك حارس للكتاب المقدس وهو الروح القدس. فنلاحظ أنه لم يقل: "الروح القدس الساكن فيك" بل قال: "الروح القدس الساكن فينا" أى أن الروح القدس يعمل فى الجماعة، من أجل حراسة التعليم الصحيح، وحراسة الإنجيل. ولكن هذا يحدث فى جماعة القديسين وليس جماعة الهراطقة.
إن ذلك يذكرنا بعهد الله الذى قاله على فم إرميا النبى عن وضع الكتاب المقدس فى العهد الجديد: "ها أيام تأتى يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهداً جديداً. ليس كالعهد الذى قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدى فرفضتهم يقول الرب. بل هذا هو العهد الذى أقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب. أجعل شريعتى فى داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهاً وهم يكونون لى شعباً" (إر 31:31-33). فالمقصود بالعهد القديم هنا؛ هو موقف الإنسان فى العهد مع الله. وليس كتاب العهد القديم.
أجعل شريعتى فى داخلهم
قديماً كانت الشريعة مكتوبة على ألواح من حجارة، وعندما أخذ موسى النبى الوصايا العشـرة كانت مكتوبة بإصبع الله على لوحين؛ أربعة على اللوح الأول، وستة على اللوح الثانى. ولكن الله وعد فى هذه المرة بأن تكون الوصية مكتوبة على قلوبنا.إن الكتاب المقدس مكتوب على قلوبنا. وقد وعد السيد المسيح وقال: "أما المعزى الروح القدس الذى سيرسله الآب باسمى فهو يعلمكم كل شىء ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يو 26:14). وأيضاً "وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية" (يو 13:16). وقد تحقق هذا الوعد عندما بدأ التلاميذ فى كتابة الأناجيل. فقد تذكروا كلام السيد المسيح.
مثال لذلك؛ عندما كتب معلمنا متى البشير الموعظة على الجبل. فالروح القدس هو الذى أوحى إليه بهذه الكلمات وذكره بها. فعندما نقرأ الكتاب المقدس ونحن مصلون وخاشعون، وفى حالة اتصال حقيقى مع الله. نشعر أن ما نقرأه موجود فى داخلنا، وليس غريباً عنا. كما أننا نعيش فيه، والله ينطق به فى داخلنا بقوة الروح القدس الساكن فينا. لذلك نستطيع أن نميز إن كان ما نقرأه هو كلام الله، أم كلام شخص آخر. ولذلك إذا فُرض أن شخصاً إدّعى أن لديه إنجيلاً، أو سفراً من أسفار الكتاب المقدس، وقال إن هذا السـفر ينسب إلى أسفار العهد الجديد أو أسفار العهد القديم. فإذا قرأنا هذا الكتاب بالروح نستطيع أن نكتشف إن كان هذا إنجيلاً حقيقياً أم لا بدون أن نشعر بالاحتياج إلى الدراسة أو التعمق فى التاريخ واللغات والعلوم.
إن الصغير مثل الكبير يستطيع أن يميّز كلام الله كما قال الكتاب: "ولا يعلِّمون بعد كل واحد صاحبه وكل واحد أخاه قائلين: اعرفوا الرب لأنهم كلهم سيعرفوننى من صغيرهم إلى كبيرهم يقول الرب لأنى أصفح عن إثمهم ولا أذكر خطيتهم بعد" (إر 34:31).
كيف يعلمنا الروح القدس ما فى الأسفار المقدسة؟
كانت توجد فتاة من أسرة مسيحية. عاشت فى مدينة الإسكندرية فى القرون الأولى للمسيحية. وكانت تدعى مريم، وقد توفى والداها وكان عمرها حوالى اثنتى عشرة سنة، وقد سيطر الشيطان عليها وانحرفت وهى فى مرحلة المراهقة والشباب. وعاشت حياة خطية محزنة جداً.وكان فى أيام الفصح يذهب عدد كبير من المسيحيين إلى القدس لحضور الأسبوع المقدس (أسبوع الآلام) وعيد القيامة هناك. وكانوا يأخذون السفن من ميناء الإسكندرية إلى ميناء حيفا، ثم يكملون إلى مدينة أورشليم. ففكرت مريم الذهاب إلى هناك لممارسة الخطية فى هذه الأماكن السياحية، وعندما وصلت إلى أورشليم حيث كنيسة القيامة هناك حاولت الدخول ولكنها لم تستطع، وبدأت تبكى لأنها شعرت بغضب الله عليها. وذهبت إلى أيقونة السيدة العذراء وبدأت تبكى. فسمعت صوتاً من الأيقونة يقول لها: (إن أردت أن تخلصى فاخرجى إلى البرية) فذهبت إلى الصحراء المحيطة بنهر الأردن، القريبة من جبل التجربة الذى خرج إليه السيد المسيح بعد عماده من نهر الأردن.
وبعد أن عاشت القديسة مريم ما يقرب من خمسين سنة فى البرية، قابلها القديس زوسيما فى الأربعين المقدسة. رآها من بعيد فظن فى البداية أنها خيال، فقالت له لا تقترب لأنى امرأة عارية وكانت الشمس قد لوحت جسمها فاسمر لون جلدها. فطرح لها العباءة الخاصة به، ثم بدأت تتحدث معه، وحكت له قصتها واعترفت بخطاياها. وقد كانت أثناء حديثها معه تتكلم من الكتاب المقدس. فقال لها كيف وأنت فى البرية منذ شبابك المبكر عرفت كل هذه الآيات، وأنا لم أرَ معك أى كتاب؟!! فقالت له إن الروح القدس الذى أوحى للأنبياء والرسل ما كتبوه فى الكتاب المقدس هو الذى علمنى ما فى الكتاب المقدس.ثم طلبت منه أن يأتى إليها فى العام القادم عندما يخرج إلى البرية فى الصوم الأربعينى، وأن يحضر معه الجسد المقدس لكى تتناول من الأسرار المقدسة. وفعلاً فى العام التالى ذهب إليها وناولها من الأسرار المقدسة، ثم انفصلت عنه بضع خطوات وبدأت تصلى. وقد وجدها وهى تصلى مرتفعة عن الأرض مسافة حوالى متر. وهذا يعنى أنها قد وصلت إلى درجة روحية عالية جداً. ثم ركعت وأسلمت الروح. فقام بدفن جسدها وكتب سيرتها.وقد دعيت القديسة "مريم المصرية" لأنها كانت من مصر ولكنها لم تعش فى مصر فترة سياحتها فى البرية، بل قضتها فى برارى الأردن. وهذا يوضح لنا أنه لا يجب أن نشعر أن الكتاب المقدس خارج عنا أو غريب عنا. ولا نسـتطيع أن نقبل أى إدعاء يقول بتحريف الكتاب المقدس.
من يستطيع أن يقف أمام كلام الله؟
إن الكتاب المقدس هو كلام الله مثال لذلك "كـلام إرميا بن حلقيا من الكهنة الذين فى عناثوث فى أرض بنيامين، الذى كانت كلمة الرب إليه فى أيام يوشيا بن آمون ملك يهوذا فى السنة الثالثة عشرة من ملكه.. فكانت كلمة الرب إلىَّ قائلاً قبلما صورتك فى البطن عرفتك وقبلما خرجت من الرحم قدستك جعلتك نبياً للشعوب" (إر 1:1-5).
فقد قال له الله: "جعلتك نبياً للشعوب" هذه أذهلت النبى فقال: "آه يا سيد الرب إنى لا أعرف أن أتكلم لأنى ولد، فقال الرب لى لا تقل إنى ولد لأنك إلى كل من أرسلك إليه تذهب وتتكلم بكل ما آمرك به. لا تخف من وجوههم لأنى أنا معك لأنقذك يقول الرب. ومد الرب يده ولمس فمى وقال الرب لى ها قد جعلت كلامى فى فمك" (إر 6:1-9) جعلت كلامى فى فمك بمعنى أن ما سيقوله إرميا هو كلام الرب.. "انظر قد وكَّلتك هذا اليوم على الشعوب وعلى الممالك لتقلع وتهدم وتـهلك وتنقض وتبنى وتغرس" (إر 10:1) لا يهدم ويهلك ويبنى ويغرس إرميا النبى بيده، بل يفعل هذا بالكلمة التى يقولها. فإذا قال ستنهدم المدينة، تنهدم بالفعل. وإذا قال سيذهب هذا الشعب للسبى، يذهب الشعب للسبى.. فالكلمة تخرج من فمه وكأنه يأمر المدينة بالانهدام أو يأمر الشعب بالذهاب إلى السبى.. "ثم صارت كلمة الرب إلىَّ قائلاً: ماذا أنت راءٍ يا إرميا فقلت أنا راءٍ قضيب لوز، فقال الرب لى أحسنت الرؤية لأنى أنا ساهر على كلمتى لأجريها" (إر 11:1-12).
إن الكتاب المقدس هو كلام الله. فعندما يتعامل الإنسان مع الكتاب المقدس، يجب أن يتعامل معه بكل الاحترام. فلا يليق أن يحاول الإنسان أن ينتقد الكتاب المقدس كما هو موجود فى العالم الغربى الآن علماء يسمون (علماء نقد الكتاب المقدس) فمن يستطيع أن يقف أمام كلام الله؟!!كلام الله ينير لنا الطريق كقول المرنم: "مصباح لرجلىّ كلامك ونور لسبيلى" (مز 105:118).
وقد قال الله لموسى النبى ولشعب إسرائيل: "ولتكن هذه الكلمات التى أنا أوصيك بها اليوم على قلبك، وقصها على أولادك، وتكلم بها حين تجلس فى بيتك، وحين تمشى فى الطريق، وحين تنام وحين تقوم، وأربطها علامة على يدك، ولتكن عصائب بين عينيك، واكتبها على قوائم أبواب بيتك وعلى أبوابك" (تث 6:6-9). وعندما يقول: ضعها على قلبك أى احفظها عن ظهر قلب، لذلك فإن هذه وصية إلهية بحفظ الأسفار المقدسة. وقداسة البابا شنوده الثالث دائماً يقول: (احفظوا المزامير تحفظكم المزامير).
استحالة تحريف العهد القديم
+ لم يستطع اليهود أن يحذفوا من الكتاب ما يثبت الديانة المسيحية :
+ لم يستطع اليهود أن يحذفوا من الكتاب ما يثبت الديانة المسيحية :
الدليل أن الكتاب المقدس لم يُحرّف؛ إن كل ما فى الكتاب المقدس مما يُثبِت الديانة المسيحية؛ لم يستطع اليهود أن يحذفوه؛ ولا نقدر نحن أن نُدخِله فى نسخهم إذا كان غير موجود من الأصل.
العجيب أن شعب إسرائيل بالرغم من عداوته للسيد المسيح، لكن اعتزازه بالكتاب المقدس والأسفار المقدسة جعله لا يحذف النبوات التى تكلمت عن السيد المسيح فى الكتب المقدسة التى شملتها قوانينهم مثل نبوة إشعياء: "لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً، وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا" (إش 4:53-5) كلام محرج جداً لليهود.. لكن هذا يوضح لنا مدى حرص شعب إسرائيل على المحافظة على الأسفار بدون تحريف على الرغم من أن كلامها فيه إحراج لهم.
فهناك الكثير من النبوات والرموز عن السيد المسيح فى الكتاب المقدس الذى يمثل بعهديه أساساً راسخاً للديانة المسيحية. فالمسيحية لم تأتِ من فراغ ولكنها بُنيت على أساس نبوات سبق فأنبأ بها أنبياء قديسون قبل مجىء السيد المسيح بآلاف السنين.. وقد قال السيد المسيح لليهود: موسى كتب عنى "لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقوننى لأنه هو كتب عنى" (يو5: 46).. وقال أيضاً "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومى فرأى وفرح" (يو 56:8).قد بُنيت المسيحية على أساس نبوات كثيرة، فمنذ آلاف السنين والله يعد البشرية لمجىء المخلّص.. وقد امتلأ زكريا من الروح القدس فى يوم ميلاد يوحنا المعمدان "امتلأ زكريا أبوه من الروح القدس وتنبأ قائلاً مبارك الرب إله إسرائيل، لأنه افتقد وصنع فداءً لشعبه وأقام لنا قرن خلاص فى بيت داود فتاه. كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر. خلاص من أعدائنا ومن أيدى جميع مبغضينا. ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس. القسم الذى حلف لإبراهيم أبينا أن يعطينا إننا بلا خوف منقذين من أيدى أعدائنا نعبده بقداسة وبر قدامه جميع أيام حياتنا" (لو 67:1-75)...
ومن بعض النبوات عن السيد المسيح :
عن ميلاد السيد المسيح "ها العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل" (إش 14:7). وتنبأ عن ميلاده فى بيت لحم "أما أنت يا بيت لحـم إفـراته وأنت صغيرة أن تكونى بين ألوف يـهوذا فمنك يخرج لى الذى يكون متسلطاً على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" (مى 2:5). وأيضاً تنبأ إشعياء وقال بفم الرب "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه ويدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أباً أبدياً رئيس السلام" (إش 6:9).
وكذلك عن هروب السيد المسيح إلى مصر "لما كان إسرائيل غلاماً أحببته ومن مصر دعوت ابنى" (هو11: 1).وعن دخول السيد المسيح إلى أورشـليم "ابتهجى جداً يا ابنة صهيون اهتفى يا بنت أورشليم، هوذا ملكك يأتى إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان" (زك 9:9).
وكذلك عن آلام السيد المسيح "ظُلِم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه" (إش 7:53). وكذلك من مزامير داود النبى "ثقبوا يدىَّ ورجلىَّ، أُحصى كل عظامى وهم ينظرون ويتفرسون فىَّ. يقسمون ثيابى بينهم وعلى لباسى يقترعون" (مز 16:22-18)
شِهادة يهودى :
تقابلنا مرة مع أحد المحامين اليهود خارج مصر بشأن قضية دير السلطان؛ ودار بيننا هذا الحوار؛ سألناه كيف تنال الغفران؟ فقال نطلب الغفران من الله. فقلنا إن الكتاب المقدس يقول إن الغفران بالذبيحة، وأنتم لا يوجد لديكم ذبيحة. لأن الهيكل قد هُدم منذ ألفى عام تقريباً، ولا يوجد الآن ذبيحة لغفران الخطايا حسب الطقس اليهودى القديم لأن الذبيحة الحقيقية هى ذبيحة الصليب.. ثار وقال لا؛ لا يوجد شئ يسمى ذبيحة بشرية، والله لا يقبل ذبائح بشرية.فعرضنا له ما هو مكتوب فى المزمور (22) ليقرأه إلى أن وصل إلى الآيات التى تقول: "ثقبوا يدىَّ ورجلىَّ، أُحصى كل عظامى وهم ينظرون ويتفرسون فىَّ. يقسـمون ثيابى بينهم وعلى لباسى يقترعون" (مز 16:22-18) سألناه هل داود النبى كان يتكلم عن نفسه؟!! أى هل قد ثُقبت يداه ورجلاه؟ فقال لا، لأنه مات على فراشه. وهذا مكتوب فى أسفار الكتاب المقدس. فقلنا له متسائلين: إذن عمن يتحدث هذا المزمور الذى يقول "يبست مثل شقفة قوتى ولصق لسانى بحنكى وإلى تراب الموت تضعنى لأنه قد أحاطت بى كلاب. جماعة من الأشرار اكتنفتنى. ثقبوا يدىَّ ورجلىَّ أُحصى كل عظامى وهم ينظرون ويتفرسون فىَّ يقسمون ثيابى بينهم وعلى لباسى يقترعون. أما أنت يارب فلا تبعد. يا قوتى أسرع إلى نصرتى. أنقذ من السيف نفسى. من يد الكلب وحيدتى. خلصنى من فم الأسد ومن قرون بقر الوحش استجب لى. أُخبر باسمك إخوتى. فى وسط الجماعة أسبحك" (مز 15:22-22)؟!. وفى النهاية اعترف المحامى اليهودى وقال (هذا وصف دقيق لصلب السيد المسيح)!!
ومن أمثلة النبوات أيضاً التى قيلت عن آلامه وصلبه "وعظماً لا تكسروا منه" (خر12: 46). وكذلك "رجل أوجاع ومختبر الحزن.. كشاة تساق إلى الذبح.. وجُعل مع الأشرار قبره ومع غنىّ عند موته على أنه لم يعمل ظلماً ولم يكن فى فمه غش" (إش 3:53،7،9).. "مع الأشرار قبره" حيث صُلب مع اللصوص وكان سيُوضع فى مقبرتهم، ولكن أسرع يوسف الرامى وأخذ الجسد من بيلاطس وتحققت النبوة "مع غنىّ عند موته".. "سكب للموت نفسه وأحصى مع آثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع فى المذنبين" (إش 12:53).
وكذلك قيل: "لأنك لا تترك نفسى فى الجحيم، ولا تدع قدوسك يرى فساداً" (مز 10:15). لأن جسده لم يفسد وقام منتصراً فى اليوم الثالث كقول المزمور "أنا اضطجعت ونمت؛ ثم استيقظت لأن الرب ناصرى" (مز 5:3).
وأيضاً عن قيامة السيد المسيح فى اليوم الثالث "فى اليوم الثالث يقيمنا فنحيا أمامه" (هو 2:6).
وعن التجسد "طأطأ السماوات ونزل وضباب تحت رجليه. ركب على كروب وطار وهفَّ على أجنحة الرياح" (مز 9:18-10).
وعن صعوده "صعد الله بتهليل، والرب بصوت البوق" (مز 5:46).
وعن حلول الروح القدس "ويكون بعد ذلك أنى أسكب روحى على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاماً ويرى شبابكم رؤى، وعلى العبيد أيضاً وعلى الإماء أسكب روحى فى تلك الأيام" (يؤ 28:2-29)..
كل ما حدث فى العهد الجديد؛ سبق وتنبأ عنه الأنبياء فى العهد القديم. وهذه مجرد أمثلة أى قليل من كثير جداً من النبوات التى وردت فى الكتب المقدسة. هل بعد كل هذا يشككون فى صحة الكتاب المقدس؟! نحن لا نقبل أى إدعاء بتحريف الكتاب.
+ نبوات لا يمكن أن يقبلها اليهود ولكنها بكتبهم إلى هذا اليوم :
تنبأ الكتاب المقدس بأمور لم يكن اليهود أنفسهم من الممكن أن يقبلوها. وبالرغم من ذلك فهى موجودة فى كتبهم إلى هذا اليوم مثلما ورد فى سفر إشعياء النبى "فى ذلك اليوم يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر وعمود للرب عند تخمها" (إش 19:19). فاليهود يرفضون تماماً إقامة أى مذبح خارج أورشليم. وأيضاً مكتوب "فيكون علامة وشهادة لرب الجنود فى أرض مصر، لأنهم يصرخون إلى الرب بسبب المضايقين فيرسل لهم مخلصاً ومحامياً وينقذهم، فيُعرَف الرب فى مصر ويعرف المصريون الرب فى ذلك اليوم ويقدمون ذبيحة وتقدمة وينذرون للرب نذراً ويوفون به" (إش 20:19-21) هذا هو مذبح الرب الذى للعهد الجديد.. فمَن يقبل مِن اليهود أن يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر؟!! فهم مشتتون فى العالم كله إلى اليوم، ومع ذلك لم يقيموا أى مذبح خارج أورشليم، وإذ يحاولون إعادة المذبح مكان هيكل سليمان مرة أخرى، لكنهم لم يستطيعوا أن يعملوا هذا..
وتنبأ أيضاً عن مجىء العائلة المقدسة إلى أرض مصر "هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها" (إش 1:19).
من الممكن أن نجيب المشككين بأنه لا يمكن تحريف الكتاب المقدس لا فى العهد القديم، ولا فى العهد الجديد. لأنه لو قمنا بتحريف أى آيات فى العهد القديم فحتمياً كان اليهود سيحتجون ويهيجون علينا، ويقولون إننا نؤلف آيات لكى نثبت بها مسيحيتنا.. ولكن هذا بالطبع لم يحدث على الإطلاق ولم يحتج اليهود علينا ولم يقولوا إننا أضفنا آيات إلى سفر إشعياء أو إلى غيره من الأسفار.
+ بل وأيضاً لم يستطع اليهود أن يحذفوا أى لعنة من اللعنات التى ضدهم فى الكتاب المقدس :
كل اللعنات التى فى الكتاب المقدس على شعب إسرائيل؛ لم يستطيعوا حذفها، بل وكل التعييرات التى بلا حصر الموجودة فى الكتاب المقدس "وقد صار عقاب بنت شعبى أعظم من قصاص خطية سدوم التى انقلبت كأنه فى لحظة ولم تلق عليها أياد. كان نذرها أنقى من الثلج وأكثر بياضاً من اللبن.. لم يُعرفوا فى الشوارع لصق جلدهم بعظمهم.. أيادى النساء الحنائن طبخت أولادهن. صاروا طعاماً لهن فى سحق بنت شعبى. أتم الرب غيظه، سكب حمو غضبه وأشعل ناراً فى صهيون فأكلت أسسها. لم تصدق ملوك الأرض وكل سكان المسكونة أن العدو والمبغض يدخلان أبواب أورشليم. من أجل خطايا أنبيائها وآثام كهنتها السافكين فى وسطها دم الصديقين. تاهوا كعُمىٍ فى الشوارع وتلطخوا بالدم حتى لم يستطع أحد أن يمس ملابسهم" (مرا 6:4-14) تركوا كل هذه الفضائح مُسجلة ضدهم ولم يستطيعوا حذفها.. مَن مِن الشعوب يقبل على نفسه أن يقال عنه إن النساء طبخت أولادهن.. عبارة "من أجل خطايا أنبيائها" يقصد بها الأنبياء الكذبة الذين كانوا يتملقون الملوك ويكذبون عليهم.
ففى قول الكتاب: "ثم قال الرب لى وإن وقف موسى وصموئيل أمامى لا تكون نفسى نحو هذا الشعب" (أر15: 1)، فهذه الكلمات تعتبر تجريحاً لشعب إسرائيل..
فلو أراد اليهود تحريف هذه الأسفار لكانوا قد حذفوا هذه العبارة مثلاً، ولكنهم لا يقدرون أن يحذفوا ولا حرف واحد ولا كلمة واحدة من توراتهم، لأنهم وقت كتابتهم صفحة فى الكتاب المقدس يحصون عدد الأحرف فى السطر، وعدد السطور فى الصفحة كلها.. فكيف يُحذف بعد حتى ولو كلمة واحدة إن كان من المحال أن يتغير عدد الأحرف.
وأيضاً "وقال الرب لى فى أيام يوشيا الملك هل رأيت ما فعلت العاصية إسرائيل انطلقت إلى كل جبل عال وإلى كل شجرة خضراء وزنت هناك. فقلت بعدما فعلت كل هذه ارجعى إلىّ فلم ترجع فرأت أختها الخائنة يهوذا. فرأيت إنه لأجل كل الأسباب إذ زنت العاصية إسرائيل فطلّقتها وأعطيتها كتاب طلاقها، لم تخف الخائنة يهوذا أختها بل مضت وزنت هى أيضا" (إر 6:3-8) ما هذا؟! هل يرضى أحد أن يُسجّل على نفسه هذا الكلام ويتركه مُسجل عبر الأجيال؟!!
ثم يقول الرب: "اذهب ونادِ بهذه الكلمات نحو الشمال وقل إرجعى أيتها العاصية إسرائيل يقول الرب" (أر 12:3).. ثم بعد أن يقول الرب فى الآية 15 فى نفس الإصحاح: "وأعطيكم رعاة حسب قلبى فيرعونكم بالمعرفة والفهم" يعود ويقول فى الآية 16: "ويكون إذ تكثرون وتثمرون فى الأرض فى تلك الأيام يقول الرب، إنهم لا يقولون بعد تابوت عهد الرب
ولا يخطر على بال ولا يذكرونه ولا يتعهدونه ولا يصنع بعد" (أر16:3) كيف بعد أن يعطيهم الرب رعاة حسب قلبه، لا يقولون بعد تابوت عهد الرب، ولا يخطر على بال، ولا يذكرونه، ولا يتعهدونه.. يقصد الرب بهذا بأن يُعلِمهم إنه سوف لا يكون لهم هيكل.. لا يقولون تابوت عهد الرب، ولا يخطر على بال، ولا يذكرونه، ولا يتعهدونه، ولا يُصنع بعد.. أى لا يوجد تابوت العهد، ولا يقدرون أن يعملوا غيره.. هذه الآية تُفسِّر كذِب الأساطير المخترعة التى تقول بأن اليهود سيؤمنون بعد أن يُبنى الهيكل لأنه واضح من كلام الرب فى هذه الآية عدم وجود هيكل لهم، ولا حتى سيخطر على بال.
فإن أراد اليهود تحريف الكتاب المقدس لكانوا قد حذفوا هذه الاتهامات التى ضدهم، واللعنات الموجهه إليهم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كانوا قد حذفوا النبوات الواضحة عن السيد المسيح.
+ فإن كان من يغيرّ فى تفسير الشريعة فقط، وليس فى نصها، كان يُحكم عليه بالموت، فماذا سوف يكون الموقف إذا قام أحد بتغيير النص؟!!
فالسيد المسيح لم يغيّر فى النص على الإطلاق، لكن قال لهم: "السبت إنما جُعل لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل السبت، إذاً ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً" (مر 27:2،28). وسألهم "ألا يحل كل واحد منكم فى السبت ثوره أو حماره من المذود ويمضى ويسقيه، وهذه هى ابنة إبراهيم قد ربطها الشيطان ثمانى عشرة سنة، أما كان ينبغى أن تُحل من هذا الرباط فى يوم السبت" (لو 15:13،16) كانت المسألة مجرد حوار حول التفسير فقط، لكن لم يحدث إطلاقاً صراع حول النص. بل على العكس لقد شهد السيد المسيح للعهد القديم فى مواقف كثيرة كما أوضحنا سابقاً، وقد سألهم أيضاً: "ماذا تظنون فى المسيح، ابن من هو؟ قالوا له ابن داود. قال لهم: فكيف يدعوه داود بالروح رباً قائلاً: قال الرب لربى اجلس عن يمينى حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك" (مت 42:22-45) شهد الرب أن ما قاله داود هو بالروح.وإن كان المسيحيون حرّفوا الكتاب المقدس، لما سكت اليهود إطلاقاً، لأن الكتاب المقدس العهد القديم هو كتابهم.
إن لمجرد تفسير بولس الرسول بأن الختان كان رمزاً للمعمودية، قام عليه اليهود. ونذر أربعون شخصاً أن لا يأكلوا إلا بعد قتله لأنهم اعتبروه ناقضاً للناموس. وكذلك السيد المسيح عندما شفى مرضى فى يوم السبت قام عليه اليهود وحكموا عليه بالموت..
من تمم النبوات؟!!
إن المهم فى إتمام هذه النبوات هو أن بعضها لم يتممها أصدقاء للسيد المسيح، ولكن تممها الذين قتلوه!!
نبوة عن تلميذه الذى خانه "أيضاً رجل سلامتى الذى وثقت به آكِلُ خبزى رفع علىَّ عقبه" (مز 9:41). وأيضاً "فقال لى الرب ألقها إلى الفخارى الثمن الكريم الذى ثمنونى به فأخذت الثلاثين من الفضة وألقيتها إلى الفخارى فى بيت الرب" (زك 13:11) وهذا ما حدث بالفعل، فقد أخذوا الثلاثين من الفضة واشتروا بها حقل الفخارى..
إن رؤساء الكهنة.. يهوذا الإسخريوطى.. بيلاطس البنطى.. هيرودس الملك.. كل هؤلاء قد تمموا النبوات مع أنهم كانوا أعداءً للسيد المسيح.
فقد تنبأ الكتاب عن قتل أطفال بيت لحم "هكذا قال الرب: صوت سمع فى الرامة، نوح بكاء مر، راحيل تبكى على أولادها وتأبى أن تتعزى عن أولادها لأنهم ليسوا بموجودين"
(إر 15:31) فعندما أرسل هيرودس وقتل كل أطفال بيت لحم من سن سنتين فما دون، هرب السيد المسيح إلى أرض مصر.. لم يهرب من الخوف، بل من أجل أن يبدأ رسالته ويُعلِّم تعاليم العهد الجديد، ثم يقدّم نفسه ذبيحة فداءً عن حياة العالم كله.حقاً "من الآكل خرج أكل ومن الجافى خرجت حلاوة" (قض 14:14). لأن أعداء المسيح قد حققوا جزءًا هاماً من النبوات التى كُتبت عنه.
الاكتشافات التى تمت للكتب المقدسة
كان هناك بعض رعاة للأغنام فى وادى قمران جهة البحر الميت سنة 1945م، هؤلاء اكتشفوا قدوراً أثناء فتحهم لبعض المغائر، وعند فتحهم لهذه القدور وجدوا لفائف ورقائق لا يستطيع أحد أن يفردها. فذهبوا للمطران مارِيشوع صموئيل السريانى - قد زرته فى نيويورك مع قداسة البابا سنة 1989م - فاشتراها منهم ولكنه لم يستطع فتحها. فاتصل بالجماعات الأمريكية فطلبوا أن يشتروها منه؛ وبالفعل قام بتسليمها لهم. واشترتها الجامعة العبرية وفتحوا الأسفار، ووجدوا نسختين كاملتين من سفر إشعياء بالنص كما هو فى المازوريتك العبرى الذى منه تُرجمت النسخ التى بين أيدينا لسفر إشعياء المملوء بالنبوات عن السيد المسيح ويرجع تاريخ نسخهما إلى القرن الثانى قبل الميلاد.
استحالة تحريف العهد الجديد
قد قال السيد المسيح: "فإنى الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (مت 18:5). وأيضاً "السماء والأرض تزولان ولكن كلامى لا يزول" (مر 31:13) وهذا وعد من السيد المسيح بأن كلامه لا يزول..
وقال القديس يوحنا الرسول فى كتابته لسفر الرؤيا آخر أسفار العهد الجديد: "إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة فى هذا الكتاب. وإن كان أحـد يحذف من أقوال كتاب، هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب فى هذا الكتاب" (رؤ 18:22-19).
وقد حاولت مجموعة من العلماء بحث نتيجة افتراض فقد كتاب العهد الجديد بأكمله؟ فاستطاعوا أن يجمّعوا من خلال كتابات الآباء القديسين فى القرنين الثانى والثالث الميلادى آيات العهد الجديد بأكمله ماعدا 11 آية فقط. وذلك حسب ما ورد فى مرجع }نورمان جسلر ووليم نكس{ وأحصيت كتابات الآباء السابقين لمجمع نيقية فوجدوا أن الاقتباسات التى اقتبسوها من العهد الجديد 36289 آية؛ من الأناجيل الأربعة 19368، ومن سفر الأعمال 1352، ومن رسائل القديس بولس الرسول 14035، ومن الرسائل الجامعة 870، ومن سفر الرؤيا 664 اقتباس.. معنى هذا إذا حدث وفُقد العهد الجديد كله الـ 27 سِفر الذى وضع قانونهم القديس أثناسيوس الرسولى؛ من الممكن تجميعه مرة أخرى ماعدا 11 آية فقط من كتابات الآباء فى القرن الثانى والثالث الميلادى. إذا وضعنا إلى جوارهم كتابات قداسة البابا أو كتابات آباء القرن الثالث أو الرابع سيكمّلوا الـ 11 آية المفقودة..
كيف يمكن تحريف الإنجيل مع وجود هرطقات متنوعة؟!
هناك من الهراطقة الذين جادلوا ضد القديسين. أريوس ضد البابا ألكسندروس منذ سنة 313م. وأيضاً الحوار الذى دار بين القديس أثناسيوس الرسولى وبين أريوس فى أوائل القرن الرابع الميلادى. فأريوس كان ينكر ألوهية السيد المسيح، والقديس أثناسيوس كان يدافع عن لاهوت السيد المسيح. فلم يحدث إطلاقاً أن قال أريوس للبابا ألكسندروس أو للقديس أثناسيوس إن الآيات التى قمتما باستخدامها لإثبات ألوهية السيد المسيح ليس لها وجود فى الكتاب المقدس، لم يستطع إنكار أية آية استخدمها البابا ألكسندروس أو القديس أثناسيوس لإثبات لاهوت السيد المسيح لكنه كان يحاول إثبات هرطقته بالتحوير فى تفسير الآيات أو استخدام آيات أخرى يسئ هو فهمها وتفسيرها. كما أن الآباء أيضاً لم يحذفوا الآيات التى استخدمها أريوس أو الهراطقة والتى أساءوا فهمها مثل: "ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين فى السماء ولا الابن إلاّ الآب" (مر 32:13) مجرد حرف وكلمة "ولا الابن" لكن تركتهم الكنيسة.. وأيضاً "أبى أعظم منى" (يو 28:14) نقولها يومياً فى إنجيل الساعة الثالثة بصلوات الأجبية ولا يهمنا كلام الهراطقة وسوء فهمهم للآيات لأننا واثقين أن الكتاب المقدس بأكمله يثبت لاهوت السيد المسيح ووحدانية الثالوث القدوس.. فإن كنا فعلاً قد حرّفنا الكتاب كما يدّعى المسيئون ضد الكتاب، فلماذا لم نحذف كلمة "ولا الابن"؟ ولماذا لم نحذف من رسالة كورنثوس الأولى الآية التى شرحها قداسة البابا صباح اليوم أن الابن سيخضع لله "حينئذ الابن نفسه أيضاً سيخضع للذى أخضع له الكل كى يكون الله الكل فى الكل" (1كو 28:15).. لم نقم بحذف أو إضافة أى حرف لأن الكتاب يقول: "إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات.. وإن كان أحـد يحذف.. يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب فى هذا الكتاب" (رؤ 18:22-19).
ومن المعروف أن المسيحية قامت ضدها هرطقات منذ القرن الأول الميلادى - ليس فقط فى زماننا هذا - ولم يحدث إطلاقاً أن اليهود أو الوثنيين أو الهراطقة اتهموا المسيحيين بتحريف الكتاب المقدس. لقد بدأ القديس يوحنا الرد على الغنوسيين فى إثبات لاهوت السيد المسيح فى القرن الأول الميلادى.. ومذكور فى سفر الرؤيا "تعاليم النقولاويين الذى أبضغه" (رؤ 15:2)، وتكلّم بولس الرسول عن أناس هراطقة ينكرون القيامة ويقلبون الإيمان "اللذان زاغا عن الحق قائلين إن القيامة قد صارت فيقلبان إيمان قوم" (2تى 18:2).. استمرت الهرطقات على مدى الزمان، فإذا تجاسر أحد أن يُغيّر آية فى العهد الجديد؛ لكانوا وضعوا أمامه الآية التى تقول: "إن كان أحد يزيد على هذا يزيد الله عليه الضربات المكتوبة فى هذا الكتاب. وإن كان أحـد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب فى هذا الكتاب" (رؤ 18:22-19). فمن الذى يجرؤ أمام هذه الآية أن يغيّر؛ يحذف أو يزيد كلمة من الكتاب المقدس.. ينظر الهراطقة بالمرصاد فإذا تغيّر أى حرف فى الكتاب المقدس؛ لقاموا بإعلان الحرب والفضائح بتحريف الكتاب. إن المسيحيين قد استشهدوا من أجل الإنجيل، وقد دفـعوا الثمن غالياً. فكيف يمكن إنسان أن يحرّف الحقيقة وفى نفس الوقت يضحى بحياته فى سبيل حقيقة محرّفة؟!! فمن جيل إلى جيل لم توجد ديانة فى العالم كله احتملت الاضطهاد وقدمت شهداء مثل المسيحية. منذ فجر المسيحية الأول وإلى ملء التاريخ.
و كيف يمكن تحريف الإنجيل مع وجود خلافات بين الكنائس؟!
حدثت انقسامات فى الكنيسة وصار هناك نساطرة، وكاثوليك، وخلقيدونيون، ولا خلقيدونيون.. جماعات كثيرة انشقت عن الكنيسة الأرثوذكسية، فكيف يمكن أن تتفق هذه الكنائس كلها على التحريف؟!
ومازال كل هؤلاء موجودين إلى يومنا هذا. وقد أصدرت لكم كتاب عن الكنيسة الآشورية تاريخها وعقيدتها بين الماضى والحاضر.. مازالت تقول هذه الكنيسة على نسطور إنه قديس وتذكر اسمه، وتلعن القديس كيرلس عمود الدين، والقديس ساويرس الأنطاكى تاج السريان.. ولا تؤمن هذه الكنيسة بأن عمانوئيل إله حقيقى، ولا بأن العذراء مريم والدة الإله.. وعلى الرغم من هذا كله لم تجرؤ هذه الكنسية أن تتهمنا بتحريف الكتاب المقدس..
و كيف يمكن تحريف الإنجيل بعد تعدد النسخ فى أنحاء العالم كله؟!
لقد كانت عادة المسيحيين عند دفن موتاهم. إنهم يضعون نسخة من الكتاب المقدس تحت رأس المنتقل. وقد وجدوا فى حفريات نجع حمادى فى مصر فتاة قبطية وتحت رأسها نسخة من سفر المزامير بأكمله باللغة القبطية من القرون الأولى للمسيحية.. كيف يستطيع أحد بعد ذلك أن يجمع كل هذه النسخ المنتشرة فى أنحاء العالم ليحرّف فيها؟!
"فقال الرب لى: أحسنت الرؤية لأنى أنا ساهر على كلمتى لأجريها" (إر 12:1). فهل الله لم يستطع أن يحفظ ولو نسخة واحدة من الكتاب المقدس؟!! إنه يوجد نسخ من الكتب المقدسة موجودة فى المتاحف، بعضها أجزاء من الكتاب المقدس وبعضها نسخ كاملة من الكتاب المقدس تشمل العهدين القديم والجديد موجودة مثل النسخة الفاتيكانية، والنسخة السينائية، والنسخة الإسكندرية.
فالنسخة الفاتيكانية خطت سنة 328م بأمر الملك قسطنطين، وهى محفوظة الآن فى الفاتيكان وكتبت فى مصر، وتتضمن العهدين القديم والجديد باللغة اليونانية. والنسخة السينائية خطت فى أواخر القرن الرابع الميلادى على رقوق مرهفة من أربعة أعمدة فى الصفحة الواحدة وقد عثر عليها العالِم شندروم فى دير سانت كاترين عند سفح جبل سيناء وهى موجودة الآن فى المتحف البريطانى. والنسخة الإسكندرية خطت فى القرن الخامس الميلادى، وظلت فى حفظ بطاركة الإسكندرية حتى عام 1828م حيث أهداها البطريرك لوكارس الكريدى (الملكانى) إلى ملك بريطانية شارل الأول وهى الآن محفوظة فى المتحف البريطانى فى إنجلترا.
إلى جانب أنه وُجدت قصاصات متناثرة من الأناجيل فى أماكن متعددة فى العالم موجودة بالمتاحف، ولم يحدث إطلاقاً أن وجدت قصاصة من صفحة من صفحات الإنجيل، ووُجدت مختلفة عن الأناجيل الذى بين أيدينا الآن. مهما كان عمرها، إن رجعت إلى القرن الأول الميلادى أو الثانى أو ما بعد ذلك.. لذلك لا يمكن أن نقبل إطلاقاً إدّعاء تحريف الكتاب المقدس.
أحياناً يرى البعض اختلافات فى الكتاب المقدس بين أجزاء وأجزاء. مثال لذلك إنجيل يوحنا يقول عن المريمات: "جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً والظلام باق" (يو 1:20). وإنجيل آخر هو إنجيل مرقس يقول: إنهن "أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس" (مر 2:16). لكن فى الحقيقة إن هذا ليس اختلافاً ولكنه سوء فهم من القارئ لأنه عندما يقول "إذ طلعت الشمس" يقصد نور الشمس وليس قرص الشمس. وعند طلوع الشمس من ناحية الشرق يكون الظلام باق من ناحية الغرب. فليس هناك أى تناقض. وأى تناقض ظاهرى يراه القارئ يكون نتيجة عدم فهم وسرعة فى الحكم على الآية.
فمن الطبيعى أننا نقرأ الكتاب المقدس فى خشوع، وفى احترام، ونسأل الآباء ومعلمى البيعة ونستشير أقوال وكتابات الآباء القديسين إذا اُغلق علينا فهم أى جزء من أجزاء الكتاب المقدس لأن الكتاب كله هو موحى به من الله "كل نبوة الكتاب ليست من تفسير خاص. لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط 20:1،21).
بعد كل ما سبق وأوضحناه؛ للرد عليهم نستطيع أيضاً أن نسألهم؛ كيف بعد أن كُتبت الأناجيل كلها وانتشرت فى العالم كله، يستطيع أحد بعد ذلك أن يحرّف فيها؟!! كيف يستطيع أن يُجمِّع كل هذه النسخ المنتشرة فى أنحاء العالم أجمع ليُحرِّف فيها؟!!
مكتبة الإسكندرية
الذين يتهموننا بتحريف الكتاب المقدس؛ لماذا حرقوا مكتبة الاسكندرية؟ إن أولادنا الأقباط العاملين بمكتبة الإسكندرية لديهم أوامر أن يكذبوا على السواح الزائرين المكتبة ويقولون لهم إن الأقباط هم الذين حرقوا المكتبة.. لماذا سنحرق نحن المكتبة؟!! وكيف نحرق نحن أقوال آبائنا أبطال الإيمان القديس أثناسيوس والقديس كيرلس عمود الدين؟! لقد أرسل بابا الإسكندرية القديس كيرلس عمود الدين البابا الرابع والعشرون رسالة إلى الإمبراطور ثيئودسيوس الثانى يقول له: أرسلت لك نسخة أصلية منسوخة من النسخة الأصلية لرسالة أبينا الطيب الذِكر أثناسيوس البابا العشرين لأبيكتيتوس عن طبيعة السيد المسيح (الكريستولوجى)، لوجود بعض أناس يحرّفون كتابات القديس أثناسيوس.. لذلك أرسل له النسخة الأصلية. ولو قرأت رسالة القديس أثناسيوس لأبيكتيتوس؛ تجدها تماماً مثل تعليم القديس كيرلس عمود الدين عن تجسد الكلمة وعن الكريستولوجى؛ مثلاً: يقول القديس أثناسيوس لقد جاء الله الكلمة فى شخصه الخاص، أى شخص الله الكلمة هو شخص يسوع المسيح نفسه ولم يتخّذ شخص من البشر وهكذا شرح القديس كيرلس عبارة "الكلمة صار جسداً" بمعنى أن الكلمة اتخذ جسداً؛ وليس أن الكلمة تحوّل إلى جسد؛ مثلما نقول "صار لعنة لأجلنا" أى حمل لعنة خطايانا وليس بمعنى تحوّل إلى لعنة..فمن هو الذى يحرق مكتبة الإسكندرية؟ هل بطاركة الإسكندرية الذين كانوا هم مديرى الكلية الإكليريكية بمدرسة الإسكندرية أعظم مدرسة لاهوتية فى العالم.. ظلت الكتب تُحرق لمدة ستة شهور، وبعد كل ذلك يأمرون أولادنا الأقباط أن يكذبوا على السواح ويقولوا أن الأقباط هم الذين حرقوا المكتبة. ولكن:
الحق يتكلم حتى ولو صمت. ويتكلم ولو بدا أنه قد ضاع لأن الحق لا يمكن أن يضيع
ضلالة إنجيل برنابا
يقول السيد محمد على سلامة فى كتابه بعنوان "فيلم آلام المسيح" The Passion of Christ: إن العهد الجديد الحقيقى هو "إنجيل برنابا".. واستند إلى هذا الكتاب المزيّف فى أقواله فى أكثر من مكان فى كتاباته مثل صفحة 62، وصفحة 117، وصفحة 119 ويعتبر أن كل ما ورد فى إنجيل برنابا هو الحق وكل الحق..
تعالوا بنا للنظر فى ما يقوله هذا الإنجيل: يقول: عند خلق الله لآدم، عمل الرب عجينة ووضعها تخمر 25 ألف سنة فى الجنة. ثم جاء الشيطان وبصق عليها. فجاء الرب وأخذ بصقة الشيطان مع جزء من عجينة آدم وصنع منها الكلب ولذلك الكلب يكون نجس لأنه عبارة عن بصقة شيطان!!.
والرب لم يخترَ مكاناً لوضع العجينة إلاّ وسط الشارع!!.. ثم أمر الرب الكلب أن ينبح على الحِصِنة، وبعد أن نبح الكلب جريت الحِصنة فى الجنة. ثم اضطر الرب أن يأخذ العجينة وعمل آدم، وقيل إن مكان بصقة الشيطان هى صُرّة آدم.ويقول الأستاذ محمد شفيق غربال فى موسوعته: إن كتاب إنجيل برنابا كتاب مملوء بالخرافات والأخطاء العلمية والعقلية ولا يستطيع أن يقبله ضمير مسيحى أو مُسلم ولا أى إنسان عاقل يستطيع أن يقبل أن هذا كتاب موحى به من الله.. لذى كتب إنجيل برنابا هو فاراو مارينو راهب فى أسبانيا فى القرن الخامس عشر. وقد أشهر هذا الراهب إسلامه وكتب هذا الكتاب ونَسَبَه إلى برنابا الرسول. وهو كتاب مملوء بالأخطاء الجغرافية والعلمية ليس مجالها الآن. ولكن قد صدر الكثير من الشرائط الكاسيت والكتب ترد على هذا الإنجيل المملوء بالخرافات. ونحن ردّينا على خرافة إنجيل برنابا من جهة أن علماء المسلمين أنفسهم يعتبرونه كتاب لا يقبله العقل ولا الضمير.
وقد ذكر السيد محمد على سلامة فى كتابه اسم إنجيل برنابا فى أكثر من مكان.. مثلاً؛ على صفحة 117 يقول "نص حديث المسيح مع المرأة السامرية.." وعلى صفحة 119 ذكر من إنجيل برنابا إصحاح (81 إلى 83) ومُعتبر إن أى حاجة وردت فى إنجيل برنابا تكون هى الحق وكل الحق. وعلمياً يوضع كتاب السيد محمد على سلامة فى مستوى الصفر مادام أقام دعواه أساساً على هذا الكتاب المزيّف – إنجيل برنابا.ثم يتحسّر السيد محمد على سلامة على الأقباط ويقول إن الأقباط عاشوا فى ضلال وسيهلكون.. وسنذكر بعض هذه الدعاوى:
على صفحة 62 فى كتاب السيد محمد على سلامة يقول: "إنجيل برنابا هو الإنجيل الذى كتبه الحوارى برنابا أحد حوارى المسيح عيسى عليه السلام وقد اكتشفه أحد النصارى فى القرن الثامن عشر الميلادى وترجمه إلى العربية أحد النصارى أيضاً وهو الدكتور خليل سعادة. والمسيحيون أنكروا هذا الإنجيل دون أن يقدموا دليلاً علمياً مقنعاً على رفضهم له (من يقبل هذا الكلام؟!! نحن قدّمنا الكثير من الدلائل العلمية المقنعة على رفضنا لهذا الإنجيل المزيّف الذى من داخل أقواله يقول: القمل الذى فى شعر الإنسان سيتحوّل إلى لآلئ فى الجنة..) فهُم الذين اكتشفوه، وهُم الذين ترجموه، فالله الأمر (أى أننا فى ضلال مبين). ولم يعترفوا بهذا الإنجيل لِما فيه من نصوص تهدم الديانة المسيحية من أساسها وتؤيد عقائد الإسلام. وفيه أن عيسى عبد الله ونبيه لا إنه إله أو ابن إله، وفيه أن محمد رسول الله ودعوة عيسى عليه السلام إلى الإيمان بآخر الأنبياء وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلّم. ومن تأمل هذا الإنجيل وقرأه؛ يُحِّس فيه بنفس الأسلوب والعبارات الموجودة فى الأناجيل الأخرى". هذا كلام مؤلف الكتاب محمد على سلامة.نحن ردينا على خرافة إنجيل برنابا من جهة أن نفس علماء المسلمين يعتبروه كتاب لا يقبله العقل ولا الضمير.
ويظن هذا المؤلف أنه قد جاء بأخطر ضربة للمسيحية على صفحة 56: ويقول؛ إن الآية التى على أساسها أقام المسيحيون عقيدتهم فى وحدانية الجوهر للثالوث هى "إن الذين يشهدون فى السماء هم ثلاثة الآب والكلمة والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1يو 7:5).. بدأ حديثه عن هذه الآية من صفحة 54 وقال: "والآن استمع إلى هذه الكارثة: صيغة التثليث الوحيدة فى الأناجيل تُمحى من الطبعات الحديثة. وردت هذه الصيغة فى رسالة يوحنا الأولى. وكانت تُعتبر النص الوحيد فى الكتاب المقدس الذى يعطى الأساس لعقيدة التثليث عن المسيحيين وهذا النص هو "إن الذين يشهدون فى السماء هم ثلاثة الأب (لم يرِد أن يكتب الآب، بل كتب الأب) والكلمة والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1يو 7:5) لكن التراجم الحديثة للكتاب المقدس حذفتها باعتبارها نصاً دخيلاً أقحمه كاتب مجهول منذ قرون. يقول كتاب(1): هل الكتاب المقدس حقاً كلمة الله الذى طُبع فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1969م، ثم فى بيروت بالعربية عام 1971. ويوزّع كرسالة تنصيرية فى صفحة 160 وهو يتحدث عن الترجمات المختلفة المتلاحقة التى من شأنها تنقية الكتاب المقدس مما يكون قد عَلقَ به من أخطاء نتيجة لقصور الترجمات السابقة ما يلى(2):
بمقارنة أعداد كبيرة من المخطوطات القديمة باعتناء؛ يتمكن العلماء من اقتلاع أية أخطاء ربما تسللت إليها، مثالاً على ذلك الإدخال الزائف فى يوحنا الأولى الإصحاح الخامس الجزء الأخير من العدد 7 والجزء الأول من العدد 8 يقول حسب الترجمة البروتستانتية العربية طبع الأمريكان فى بيروت، ونقرأ فى الترجمة اليسوعية العربية شيئاً مماثلاً فى السماء الأب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد والذين يشهدون فى الأرض هم ثلاثة. ولكن طوال القرون الثلاثة عشر الأولى للميلاد لم تشتمل أية مخطوطة يونانية على هذه الكلمات والترجمة البروتستانتية العربية ذات الشواهد وضعها بين هلالين موضحة فى المقدمة إنه ليس لها وجود فى أقدم النسخ وأصحها. وهكذا تساعدنا الترجمات العصرية للكتاب المقدس الوصول إلى المعنى الصحيح لِما نقرأه.
هذا وتقول ترجمة الكتاب المقدس العربية للكاثوليك: "لأن الشهود فى السماء ثلاثة الأب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد، والشهود فى الأرض ثلاثة الروح والماء والدم وهؤلاء الثلاثة هم فى واحد" (1يو 7:5،8).وتقول ترجمة الكتاب المقدس العربية للبروتستانت: "فإن الذين يشهدون (فى السماء) هم ثلاثة (الآب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد. والذين يشهدون فى الأرض هم ثلاثة) الروح والماء والدم والثلاثة هم فى الواحد"(3). وإذا رجعنا إلى التنبيه الذى وضعته هذه الترجمة فى مطلعها؛ نجده يقول فى الكلمات التى توضع بين هلالين
أو قوسين ما يلى: والهلالان يدلان على الكلمات التى بينها ليس لها وجود فى
أقدم النسخ وأصحها. أى أن صيغة التثليث هذه فقرة مزيفة من عمل كاتب مجهول، وترجمة العهد الجديد العربية للكاثوليك والذين يشهدون ثلاث الروح والماء والدم، وهؤلاء متفقون. ثم فى الحاشية السفلى تعليقاً على العدد 7 فى بعض الأصول الأب والكلمة والروح القدس وهؤلاء الثلاثة هم واحد، لم يرِد ذلك فى الأصول اليونانية المعوّل
عليها. والأرجح أنه أُدخل إلى المتن فى بعض النسخ. وهذا هو ما تقوله أيضاً ترجمة العهد الجديد العربية للمطبعة الكاثوليكية سواء بالنسبة للمتن أو للحاشية وتظهر
صيغة التثليث هذه فى ترجمة الملك جيمز الإنجليزية فقط، ولكنها اختفت من كل من الترجمة القياسية الإنجليزية والترجمة الفرنسية المسكونية وترجمة أورشليم الفرنسية وترجمة لويسيجو الفرنسية.
ومن الملاحظ أن صيغة التثليث قد اختفت بوجه عام من أغلب التراجم الحديثة فى اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية، بينما هى لا تزال فى الترجمة العربية للكتاب المقدس للبروتستانت ولو أنها وُضعت بين هلالين علامةً على عدم أصالتها.
والسؤال الآن إليك أيها المسيحى المخلص ويا من تخاف الله؛ مَن المسئول عن مصائر الملايين من المسيحيين الذين هلكوا وهم يعتقدون أن عقيدة التثليث التى تَعلَّموها تقوم على نص صريح فى كتابهم المقدس، بينما هو نص دخيل أقحمته يد كاتب مجهول. إن الإجابة والمسئولية لتقع أولاً وأخيراً على عاتق الذين أؤتمنوا على الكتاب المقدس وكانوا عليه حفاظاً ومترجمين (ثم كتب فى الملاحظات فى أسفل الكتاب اسم مرجع "الإسلام والأديان الأخرى لأحمد عبد الوهاب من صفحة 91 إلى صفحة 94)..
الدفاع عن الآية "وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1يو 7:5).
نسأل السيد محمد على سلامة؛ هل يستطيع أن يقوم بإصدار كتاب آخر يقول فيه إن كل ما ورد فى العهد الجديد فى الكتاب المقدس للمسيحيين هو صحيح وصادق ماعدا هذه الآية فقط (1يو 7:5)!!!. فإذا كان الأمر كذلك وإذا كان السيد محمد على سلامة حسب ما اقتبسه وأعلنه أن كل الكتب قالوا أن هذه الآية ليست موجودة فى أقدم النسخ وأصحها. معنى هذا أن السيد محمد على سلامة يشهد أن كل المسيحيين حذفوها أو على الأقل أعلنوا إنها كانت غير موجودة. وبذلك يشهد هو نفسه للمسيحيين إنهم إذا اكتشفوا آية مزيدة؛ هم أنفسهم (المسيحيين) يعلنوا أن هذه الآية غير موجودة فى أقدم النسخ وأصحها. وهل هذه الآية هى الوحيدة التى تثبت عقيدة الثالوث فىنظرالكاتب؟
لدينا مئات الردود من الآيات لإثبات عقيدة الثالوث، مثلاً؛ فى سفر أيوب نجده يشهد بألوهية الروح القدس - أحد أقانيم الثالوث - إنه الخالق ويقول:
"روح الله صنعنى ونسمة القدير أحيتنى" (أى 4:33). وبطرس الرسول فى سفر الأعمال يشهد للروح القدس بأنه الله ويقول: "يا حنانيا لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس وتختلس من ثمن الحقل.. أنت لم تكذب على الناس بل على الله" (أع 3:5،4).. والمزمور يشهد للروح القدس بأنه كائن فى كل مكان "أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب. إن صعدت إلى السماوات فأنت هناك وإن فرشت فى الهاوية فها أنت. إن أخذت جناحى الصبح وسكنت فى أقاصى البحر. فهناك أيضاً تهدينى يدك وتمسكنى يمينك"
(مز 7:139-10) أين أذهب من روحك؟ فروحك يملأ الوجود كله؛ فى السماء وفى الأرض وفى أقاصى البحار. الروح القدس كائن فى كل مكان؛ الروح القدس هو الخالق؛ الروح القدس هو الله.
قال السيد المسيح عن الروح القدس: إنه روح الحق "ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذى من عند الآب ينبثق فهو يشهد لى" (يو 26:15) ولم يكن الروح القدس مجرد طاقة لأن السيد المسيح قال "يأخذ مما لى ويخبركم" (يو 14:16،15). وما يسمعه يتكلم به "متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية" (يو 13:16)..
إثبات أقنومية الروح القدس.. إثبات ألوهية الروح القدس.. إثبات ألوهية الابن.. الآيات التى تثبت ألوهية السيد المسيح ليس لها حصر.
نقول للسيد محمد على سلامة المعترض على الآية التى تقول: "هؤلاء الثلاثة هم واحد" ما الفرق بين هذه الآية وبين قول السيد المسيح: "أنا والآب واحد" (يو 30:10). هل سيقول أن هذه الآية أيضاً؛ لم توجد فى أقدم النسخ وأصحها؟!.. لقد وردت هذه الآية بنفس المعنى عدة مرات فى العهد الجديد: "أنا فى الآب والآب فىّ" (يو 10:14)، "الآب لا يدين أحداً بل قد أعطى كل الدينونة للابن" (يو 22:5)، "الله لم يره أحد قط الابن الوحيد الذى هو فى حضن الآب هو خبّر" (يو 18:1)، "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (مت 19:28،20) "باسم" وليس "باسماء" وأمرهم بممارسة سِر المعمودية الذى بدأ من العصر الرسولى على اسم الثالوث القدوس، ثلاث غطسات فى معمودية واحدة "رب واحد إيمان واحد معمودية واحدة" (أف 5:4) لماذا معمودية واحدة فى ثلاث غطسات؟ كيف تكون معمودية واحدة، وتكون ثلاثة فى نفس الوقت؟ لأن ثالوث فى واحد، وواحد فى ثالوث. إذاً الكنيسة لم تعتبر الثالوث واحد بالكلام المكتوب فقط، لكن اعتبرته واحد بالممارسة. فحتى الإنسان المعمد الذى لا يعرف القراءة، نجده وقت معموديته يُعلن إيمانه ويقول "ونعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا"..
وليس هذا فقط بل سنرى أيضاً ما كتبه آباء ما قبل نيقية وما قبل أقدم نسخ للكتاب المقدس الموجودة فى العالم عن هذه الآية "وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1يو 7:5):
مكتوب فى مقدمة الجزء الخامس لآباء ما قبل نيقية صفحة 418 :It is hard to believe that 1 John v. 7 was not cited by Cyprian(1).
تعنى هذه العبارة؛ إنه من الصعب أن نصدّق أن يوحنا الأولى 7:5) لم يعاينها (لم يرها ولم يستخدمها) الأسقف الشهيد كبريانوس - الذى عاش ما بين سنة 200 إلى 258م. فهذه تعتبر قبل أقدم نسخة فى الكتاب المقدس الموجودة حالياً - حيث تم كتابة هذا الكلام من قبل منتصف القرن الثالث الميلادى. ولم توجد نسخة لرسالة القديس يوحنا الأولى قبل هذا الوقت.
أما ما قاله القديس كبريانوس نفسه فى الجزء الخامس لآباء ما قبل نيقية صفحة 423 الطبعة الإنجليزية:
The Lord says, “I and the Father are one” and again it is written of the Father, and of the Son, and of the Holy Spirit, “And these three are one”(2).
الترجمة: لقد قال الرب: أنا والآب واحد. وأيضاً مكتوب عن الآب والابن والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد.. قال "مكتوب" ولم يقل "مفهوم" أو "اعتقد"..
إذاً من قبل أقدم النسخ للكتاب المقدس كانت هذه الآية موجودة "وهؤلاء الثلاثة هم واحد".
أما السؤال لماذا اختفت هذه الآية من بعض النسخ وتسلسلت بالرغم من إنها كانت موجودة من قبل أقدم النسخ؟ الإجابة:
كان هناك طابع لدى المسيحيين احتراماً للأيقونات المدشّنة والكتب المقدسة إنه إذا أكلت العِتّة كتاب أو أيقونة مدشّنة؛ يتم حرقه فى فرن القربان. و هذا ثابت تاريخياً – عندما رُسمت أسقف؛ وجدت قرابنى كنيسة مارجرجس المزاحم فى بساط النصارة يوقِد فرن القربان بالمخطوطات القديمة..
ورق الكتب له عُمر، ولا يعيش إلى ما لا نهاية، بعد زمن نرى أن المتبقى من الصفحة جزء بسيط وباقى الورقة ذابت أو أكلتها العِتّة.. نجد أن الناسخ يمسك دوبارة فوق الورق ويعمل سطور، وأثناء النقل؛ وجد آيتين تحت بعض؛ إحداهما تقول:
"فالذين يشهدون فى السماء هم ثلاثة؛ الآب والكلمة والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم واحد".. والسطر الذى تحته وجدت الآية:
"والذين يشهدون فى الأرض هم ثلاثة؛ الماء والروح والدم؛ وهؤلاء الثلاثة هم فى الواحد"..
فطبعاً بمقارنة الناسخ للسطرين معاً؛ وجد تطابق فى الكلمات للسطرين وخصوصاً فى بداية كل سطر ونهايته، والسطرين تحت بعض تماماً، لذلك من الممكن بدون قصد؛ يغفل نظره عن السطر الأول ويحذف هذه الآية.. من الممكن جداً أن يكون حدث هذا الأمر..
وإذا سألنا؛ إذا كان هذا هو ما حدث، فلماذا انتشر هذا الأمر؟! ولماذا توجد نسخ أجدد؛ بها الآية، والنسخ الأقدم ليس فيها الآية؟!! الإجابة لأن ليست كل النسخ تُنقل من أصل واحد.. فقد انتشر الكتاب المقدس وحتى القرن الثالث الميلادى كانت موجودة فى كل النسخ، ولكن الذى حدث إنه عندما لن تُنقل مرة؛ نُسخ منها الكثير، ولكن النُسخ القديمة التى تم إعدامها تسببت لأن تصير النُسخ التى بها الآية أحدث من التى ليس بها الآية.هناك راهب فى الأديرة يستطيع أن ينسخ مخطوطة فى أسبوع فقط، وغيره من الرهبان يظل ينسخ المخطوطة لمدة سنة.. فمن الممكن جداً أن النساخ فى منطقة ما ينسخون كثيراً، وفى منطقة أخرى ينسخون ببطء.
أما مسألة أنها لم توجد فى أقدم النسخ، فأين هى أقدم النسخ؟! لا يوجد سوى النسخ التى ذكرناها فى مقدمة كلامنا لهذا الموضوع (الفاتيكانية والسكندرية والسينائية). ولكن تاريخ الأسقف الشهيد كبريانوس الذى هو منتصف القرن الثالث الميلادى قبل سنة 258م؛ وهو قبل تاريخ هذه النسخ الثلاث وأقدم منهم - بل وقبل كل النسخ الموجودة حالياً بين أيدينا، ذكر أن الآية "الذين يشهدون فى السماء هم الآب والابن والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد" (1يو 7:5). ولا توجد إطلاقاً نسخة لرسالة يوحنا الأولى أقدم من تاريخ هذا الأسقف..
هذه الآية موجودة أيضاً فى إنجيل يوحنا وليست فى الرسالة الأولى فقط
عندما قابل السيد المسيح نيقوديموس قال له: "الحق الحق أقول لك إننا إنما نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا ولستم تقبلون شهادتنا. إن كنت قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون، فكيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات" (يو 11:3،12) يتكلم بصيغة الجمع إننا نتكلم، نعلم، نشهد، رأينا؛ شهادتنا أى شهادة واحدة ولم يقل شهادتينا.
من هم الذين يشهدون فى السماء؟ "كيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات".
يقول عن الروح القدس: "ومتى جاء المعزى الذى سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذى من عند الآب ينبثق فهو يشهد لى. وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معى من الابتداء" (يو 26:15،27) بدأ يتكلم هنا عن شاهد الذى هو الروح القدس. وقال أيضاً عن الروح القدس؛ إنه لا يتكلم من نفسه بل ما يسمعه يتكلم به "وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية" (يو 13:16).
أما عن شهادة الآب قال "ليس أن أحداً رأى الآب إلاّ الذى من الله، هذا قد رأى الآب"
(يو 46:6)، وقال فى يوحنا 5 ابتداءً من الآية 30 "أنا لا أقدر أن أفعل من نفسى شيئاً كما أسمع أدين ودينونتى عادلة لأنى لا أطلب مشيئتى بل مشيئة الآب الذى أرسلنى. إن كنت أشهد لنفسى فشهادتى ليست حقاً. الذى يشهد لى هو آخر وأنا أعلم أن شهادته التى يشهدها لى هى حق.. وأنا لا أقبل شهادة من إنسان.. وأما أنا فلى شهادة أعظم من يوحنا لأن الأعمال التى أعطانى الآب لأكملها هذه الأعمال بعينها التى أنا أعملها هى تشهد لى أن الآب قد أرسلنى. والآب نفسه الذى أرسلنى يشهد لى (شهادة الآب)" (يو 30:5-37)..
وقال لهم: "فى ناموسكم مكتوب إن شهادة رجلين حق. أنا هو الشاهد لنفسى ويشهد لى الآب الذى أرسلنى" (يو 17:8،18) إذاً كم شاهد هنا؟ ثلاثة:
1- أنا هو الشاهد لنفسى.
2- ويشهد لى الآب الذى أرسلنى.
3- وشهادة الروح القدس فى (يو 26:15).
إذاً الذين يشهدون فى السماء هم ثلاثة مثلما قال لنا القديس يوحنا فى رسالته الأولى (1يو 7:5). فالذى كتب إنجيل يوحنا هو الذى كتب رسالة يوحنا وكلامه واحد مسوق من الروح القدس.
ويقول فى يو 16: "إن لى أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدنى لأنه يأخذ مما لى ويخبركم. كل ما للآب هو لى لهذا قلت إنه يأخذ مما لى ويخبركم" (يو 12:16-15) يقول هنا عن الروح القدس إنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به. وقال لنيقوديموس: "إننا إنما نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا" (يو 11:3). لا أتخيل ولو للحظة واحدة أن القديس يوحنا الإنجيلى بعدما شرح بالتفصيل فى إنجيله وذكر إجمالاً شهادة الأقانيم، إنه يتكلم فى رسالته الأولى عن الذين يشهدون على الأرض ولا يذكر إطلاقاً الذين يشهدون فى السماء.. لذلك نجد أن كاتب مقدمة آباء ما قبل نيقية: It is hard to believe that 1 John v. 7 was not cited by Cyprian(1).أى؛ من الصعب أن نصدّق أن يوحنا الأولى 7:5 لم يعاينها الأسقف الشهيد كبريانوس.
حفظ الوديعة
يجب أن نعلم أطفالنا ونحفّظهم الكتاب المقدس، فقد قال بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس "وإنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكّمك للخلاص بالإيمان الذى فى المسيح يسوع" (2تى 15:3) مقصود بعبارة "الكتب المقدسة" هنا العهد القديم لأنه فى وقت طفولية القديس تيموثاوس لم تكن أناجيل العهد الجديد والرسائل قد كُتبت بعد.. فلابد أن نُحفِّظ أطفالنا أكبر كمية ممكنة من الكتب المقدسة وهذه مسئولية خطيرة جداً لأن المثل الشائع يقول إن "التعليم فى الصغر مثل النقش على الحجر". وإذا قصّرنا فى ذلك فإننا نُقصّر فى حفظ الوديعة.
ففى العصر المسيحى الأول؛ كان المؤمنون يحفظون الأسفار المقدسة.. فكانت تُكتب وتُحفظ فى قلوب وعقول المؤمنين فى آنٍ واحد. وإنه لشىء جميل جداً أن كلام الله يكون على الورق مكتوباً، وفى القلب محفوظاً. فالكتاب المقدس ليس هو فقط مخطوطات تنسخ ولكنه قديسين يحيوْن بكلام الله. لذلك قال السيد المسيح "الكلام الذى أكلمكم به هو روح وحياة" (يو 63:6).
الكنيسة شاهدة للكتاب المقدس
إن الكنيسة هى شاهدة للكتاب المقدس.. شاهدة لصحته.. شاهدة لعصمته، والكتاب المقدس شاهد للكنيسة. فالكتاب المقدس هو جزء من التقليد الرسولى الذى استلمته الكنيسة وأيضاً هو حارس التقليد، لأنه هو الذى يحمي التقليد من أى شئ يندس فيه ويتعارض مع فكر الله ومشيئته. فالكتاب المقدس هو فى التقليد وهو أيضاً حارس للتقليد، وهو صاحب السلطة العليا عليه.. فالكنيسة تحرس الكتاب المقدس، والكتاب يحرس الكنيسة، والروح القدس هو الذى يقود هذا وتلك. "لأنه لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط 21:1).
فالروح القدس هو الذى يسوق الكنيسة ويقودها ويعمل فيها. ولذلك تحترم الكنيسة الكتاب المقدس جداً وتقرأ فصول كثيرة من العهد القديم والعهد الجديد فى كل المناسبات. وحينما يُقرأ الإنجيل يقف الجميع بخوف وخشوع، ويقول الشماس: "قفوا بخوف أمام الله وانصتوا لسماع الإنجيل المقدس". وتنار الشموع حول الإنجيل لأن الإنجيل هو نور العالم. لهذا قال القديس بولس الرسول "لا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة التى أعطيت لنا فى المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية وإنما أظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح الذى أبطل المـوت وأنـار الحيـاة والخلـود بواسطة الإنجيـل" (2تى 9:1،10).وفى كل قداس وكل معمودية وكل سر من أسرار الكنيسة السبعة تُقرأ فصول من الكتاب المقدس. وعندما يقرأ فصل من الإنجيل، وتصلى صلاة خاصة تسمى "أوشية الإنجيل" وهى طلبة خاصة يقال فيها: "فلنستحق أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة بطلبات قديسيك" ويقول الشماس "صلوا من أجل الإنجيل المقدس".
ونتذكر فى هذه الصلاة كلمات السيد المسيح التى قالها لرسله: "ولكن طوبى لعيونكم لأنها تبصر ولآذانكم لأنها تسمع" (مت 16:13). فنشعر إننا مغبوطون لأننا قد نلنا هذا الشرف العظيم أن نستمع إلى كلمات الإنجيل. فالقديس أنطونيوس عندما دخل الكنيسة، وكانت الأذن مستعدة للسمع، والقلب مستعد للطاعة، وسمع كلمات الإنجيل "إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك واعط الفقراء فيكون لك كنز فى السماء وتعال اتبعنى" (مت 21:19). ذهب وصنع ما سمعه فى فصل الإنجيل المقدس وهكذا خرج أبو الرهبان ليبدأ مرحلة جديدة فى تاريخ الرهبنة المسيحية. لذلك فإن السيد المسيح قد شبه كلامه بالزارع الذى خرج ليزرع. فالذى وقع على الأرض الجيدة أعطى ثمراً ثلاثين وستين ومائة.
ارتباط العهد القديم و العهد الجديد
فى كلام معلمنا بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس: "إنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تُحكّمك للخلاص بالإيمان الذى فى المسيح يسوع" (2تى 15:3)، ربط عجيب جداً بين العهد القديم والجديد. لأن المقصود بالكتب المقدسة التى عرفها منذ الطفولية هى العهد القديم وعند قوله: "القادرة أن تُحكّمك للخلاص بالإيمان الذى فى المسيح يسوع" فهى انطلاقة من القديم إلى الجديد.. فهى التى تحكمك للخلاص، وهى التى تعطيك الحكمة والاستنارة والفهم فيما يخص الإيمان الذى بالمسيح يسوع.
لذلك قال السيد المسيح لليهود: "فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية وهى التى تشهد لى" (يو 39:5). وقال أيضاً: "لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقوننى لأنه هو كتب عنى" (يو 46:5)، ومن الاقتباسات أيضاً من العهد القديم وموجودة فى العهد الجديد؛ أقوال كثيرة للسيد المسيح فى العهد الجديد مأخوذة من العهد القديم مثل حديثه مع تلميذى عمواس سجل القديس لوقا الإنجيلى عنه: "ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به فى جميع الكتب" (لو 27:24). وكذلك عند ظهوره للرسل مجتمعين بعد القيامة "قال لهم هذا هو الكلام الذى كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى فى ناموس موسى والأنبياء والمزامير" (لو 44:24) عبارة "وأنا بعد معكم" بمعنى أن هذا الكلام قاله السيد المسيح لهم قبل الصلب، ثم عاد وقاله لهم بعد القيامة، فتح ذهنهم ليفهموا الكتب.. أى أن السيد المسيح قد شهد لجميع أسفار العهد القديم التى كانت موجودة فى أيامه وسُجِل ذلك فى العهد الجديد.
وقول السيد المسيح: "مكتوب أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة من الله" (لو 4:4). فلا يستطيع أحد أن يدّعى تحريف العهد القديم.
ولكن أحياناً يقول البعض: إن العهد الجديد هو الذى يجب أن نتبعه، لأن العهد القديم به وصايا قد انتهت بمجىء السيد المسيح، لدرجة أنهم يقولون إن إله العهد القديم ليس هو إله العهد الجديد!!.. هذا كلام خاطئ جداً، لأن الذى تغير هو الإنسان وليس الله. لأن عهد الخلاص الذى أعطاه الله لإبراهيم فى العهد القديم هو نفسه الذى تحقق فى العهد الجديد "وأقام لنا قرن خلاص فى بيت داود فتاه.. ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس، القسم الذى حلف لإبراهيم أبينا أن يعطينا إننا بلا خوف منقذين من أيدى أعدائنا نعبده بقداسة وبر جميع أيام حياتنا" (لو 69:1-75).
صلوا من أجل الإنجيل
نحتاج أن نصلى صلوات خاصة لكى يفتح الله أذهاننا لنفهم الكتب. وأوشية الإنجيل هى إحدى هذه الصلوات وأهمها. وأيضاً فى صلواتنا الخاصة يجب أن نصلى لكى يعطينا الله فهماً للأسفار المقدسة. هناك أشخاص يقرأون الكتاب المقدس وهم راكعون أو وهم وقوف فى وضع صلاة لأن الإنجيل هو كلام الله.
يقول المرنم فى المزمور: "إنى أسمع ما يتكلم به الرب الإله لأنه يتكلم بالسلام لشعبه ولقديسيه" (مز 8:84). لذلك عندما نقرأ الإنجيل نكون فى وضع المتلقى لرسالة سماوية تمس حياتنا الخاصة، وأيضاً لكى نفهم أعماق الأسرار المذخّرة وراء هذه الكلمات "وُجد كلامك فأكلته فكان كلامك لى للفرح" (إر 16:15).
إن الإنسان الروحى يتغذى بكلام الكتب المقدسة، وهذا ما قال عنه السيد المسيح: "مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (مت 4:4). هناك أشخاص يهملون دراسة الكتاب المقدس فى العهد القديم. ولكن بولس الرسول يحذرنا بقوله "الكتب المقدسة القادرة أن تحكّمك للخلاص" (2تى 15:3).
فعندما نقرأ فى سفر إرميا "ها أيام تأتى يقول الرب وأقيم لداود غصن بر فيملك ملك وينجح ويُجرى حقاً وعدلاً فى الأرض. فى أيامه يُخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمناً وهذا هو اسمه الذى يدعونه به الرب برنا" (إر 5:23-6). فنجد أن هذه الكلمات لها نغمة خاصة فى أذهان المنتظرين الفداء فى إسرائيل لأنها تشير بوضوح إلى السيد المسيح البار القدوس ابن داود الذى أعطى الأمان لمؤمنيه بمصالحتهم مع أبيه السماوى.
يذكر عهده المقدس
تحمل عبارة "العهد القديم" أكثر من معنى؛ فعندما نقول: "كتب العهد القديم" نقصد الأسفار التى كتبت قبل مجىء السيد المسيح، وعندما نقول "العهد بين الله وشعبه" الذى نقضه الشعب فهذا معنى آخر لكلمة العهد.. والعهد الذى بين الله وإبراهيم هو عهد خلاص، لذلك هو هو نفسه العهد الذى تكلم عنه زكريا أبو يوحنا المعمدان.. وهو العهد الذى تكلمت عنه السيدة العذراء فى تسبحتها "تبتهج روحى بالله مخلصى.. كما كلم آباءنا لإبراهيم ونسله إلى الأبد" (لو 47:1،55).لا يوجد شئ يسمى إله العهد القديم، وإله العهد الجديد. ويقول معلمنا بولس الرسول "يسوع المسيح هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد" (عب 8:13). وكذلك يقول الكتاب عن الله "الذى ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يع 17:1). فالإنسان هو الذى يتغير وليس الله.
لذلك عندما سُئل السيد المسيح عن الطلاق "قالوا له فلماذا أوصى موسى أن يعطى كتاب طلاق فتطلّق" (مت 7:19). قال: "من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم" (مت 8:19). فليس التغير فى الله معطى الوصية، ولكن فى الإنسان الذى ينفّذ الوصية.
النعمة و الإنسان
ما الفرق بين الإنسان قبل النعمة والإنسان بعد النعمة؟ قد جاء السيد المسيح ليحرر الإنسان من الخطية والعبودية، ويعبر بالبشر من الموت الأبدى إلى الحياة، ومن الظلمة إلى النور. فكيف تكون وصايا العهد القديم هى نفسها وصايا العهد الجديد؟!! كيف يُطالب الله الإنسان قبل الخلاص بنفس الوصايا التى يطالبه بها بعد إتمام الخلاص؟!! فأين التجديد؟!!
يقول الكتاب "إذاً إن كان أحد فى المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو 17:5). فالإنسان الذى أخذ النعمة والبنوة والتجديد، مطالَب بوصايا سامية ومقدسة جداً. لأن الإنسان الذى ورث خطية آدم ويعيش تحت لعنة الناموس كيف يُطلب منه وصايا العهد الجديد؟!! وكيف يستطيع تنفيذها بدون أن يأخذ إمكانية تنفيذها؟!! ولكى نستطيع تنفيذ وصايا السيد المسيح، أعطانا الرب نعمة التجديد والتبنى، وصالحنا مع الآب السماوى، وأعطانا سكنى الروح القدس فى داخلنا. وبذلك نستطيع أن ننفذ وصايا الكمال.
ما جئت لأنقض بل لأكمل
نحن نرفض تماماً الإدعاء بأن هناك إله يسمى "إله العهد القديم" وإله يسمى "إله العهد الجديد". فيقولون قديماً كان الله يوصى شعبه أن يخرجوا للحرب، وفى العهد الجديد قال "أحبوا أعداءكم" (مت 44:5).. فنحن نقول إن الله قد أوصى أيضاً فى العهد الجديد أن نحارب الشيطان ففى العهد القديم كان الإنسان يحارب الوثنية، لكى يستطع أن يحافظ على كيانه، لأنه ليس له سيف الروح القدس وكلمة الله. لذلك كان يحارب بالسيف، لكى يستطيع كشعب خاص، ومملكة كهنة أن يحافظ على كيانه من عبادة الأوثان. لكن فى العهد الجديد قال: "ها أنا أرسلكم كغنم فى وسط ذئاب، فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام" (مت 16:10). فإنسان العهد الجديد له إمكانيات تختلف تماماً عن إنسان العهد القديم. وهو قال أيضاً: "لأنى أنا أعطيكم فماً وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها" (لو 15:21).
لقد خرجت المسيحية تهز العالم كله "وهذه الآيات تتبع المؤمنين، يخرجون الشياطين باسمى ويتكلمون بألسنة جديدة" (مر 17:16). فمن كان يستطيع أن يخرج شيطاناً فى العهد القديم؟!! لقد اهتزت مملكة الشيطان أمام قوة الكرازة بالإنجيل بواسطة رسل المسيح الذين "إلى كل الأرض خرج صوتهم وإلى أقاصى المسكونة أقوالهم" (رو 18:10).
فى العهد القديم كان الله يحافظ على شعبه، ويحوطه فى مساحة ضيقة، وأقصى شئ كان هو منع تسلل الوثنيين فى وسطهم. أما فى العهد الجديد فقد قال لهم: "اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مر 15:16)، وهنا أصبحت الكنيسة تنطلق إلى العالم أجمع. لأنها تحمل قوة الشهادة للمسيح، ومعها ما هو أقوى من الموت. لأنها تشهد للحياة الأبدية التى كانت عند الآب وأظهرت لنا، لم تعد تخشى الموت.. فلهذا علينا أن نشهد دائماً بقيامة ربنا يسوع المسيح من الأموات. وكما نقول فى القداس الإلهى: "آمين آمين آمين بموتك يارب نبشر وبقيامتك المقدسة وصعودك إلى السموات نعترف". هذه هى رسالتنا فى هذا العالم؛ ننشر السلام.. ننشر الحب.. نكرز بالحياة.. نكرز بقيامة يسوع المسيح من الأموات. ليجعلنا يسوع المسيح إلهنا شهود حقيقيين للقيامة وبشارة الإنجيل.