1- حول العهد القديم:
يحاول البعض - من خارج الكنيسة القبطية - أن ينال من قدسية العهد القديم، مدعين أن أسفاره ليست موحى بها من الله. قال بهذا بعض غير المسيحيين، وبعض رواد مدارس نقد الكتاب المقدس، وإستجاب له بعض أبناء الكنيسة القبطية. لهذا رأينا أن ننبه إلى هذا الإنحراف الخطير الذى أصاب البعض، حتى من العالم الأرثوذكسى، حتى أن أحدهم قال بجسارة: "أنا أكفر بهذا الإله الجزار
† "لقد رفضت الأمم التوراة لسخافتها، وعدم إنسانيتها، ولم تقبل ناموس موسى الذى ينادى بإله عنصرى غاصب غاضب. وفى نفس الوقت، قبلت هذه الأمم المسيحية، بدون توراة، كما بشر بها بولس ويوحنا، إذ قدما المسيحية متجردة من كل ما سبقها فى الفكر اليهودى".
† وقال كاتب سورى سنة 1984 : "ان المسيحى الذى يقيم دينه على التوراة، ويعتبرها الأساس أو القاعدة التى يرتكز عليها، يصبح أرضاً خصبة لتقبل كل دعاية يهودية أو تفسير يهودى للإنجيل".
† وقال آخر : المسيح أسس شريعة جديدة متكاملة تتناقض تماماَ مع شريعة موسى" ... "الدعوة للمسيحية لا تحتاج إطلاقاً إلى العهد القديم"... "إن أصابع يهودية لعبت دورها بمهارة فى كتابة وترجمة التوراة... فشهدت إضافات وضعها أحبار اليهود لتأكيد خرافات وأكاذيب، تقدس الشعب اليهودى، وتربط الإنجيل بالتوراة"...
كيف هذا بينما قال السيد المسيح: "لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإنى الحق أقول لكم، إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد، أو نقطة واحدة من الناموس، حتى يكون الكل" (مت 17:5،18). وقال معلمنا يوحنا: "إن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة، يحذف الله نصيبه من سفر الحياة" (رؤ 19:22).وقال معلمنا بولس الرسول: إن "كل الكتاب هو موحىّ به من الله..." (1تى 16:3)، وقال معلمنا بطرس الرسول: "كل نبوة الكتاب، ليست من تفسير خاص،
لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون، مسوقين من الروح القدس" (2بط 20:1،21)."وعندنا الكلمة النبوية، وهى أثبت، التى تفعلون حسناً إن إنتبهتم إليها، كما إلى سراج منير، فى موضع مظلم، إلى أن ينفجر النهار، ويطلع كوكب الصبح فى قلوبكم" (2بط 19:1).
كما قال القديس أغسطينوس: "أن العهد الجديــد مخبــوء فــى القديـم، والعهد القديم مكشوف فى الجديد".. هناك - بالفعل - صلة عضوية وجوهرية، بين العهدين.
فما هى الحكاية؟ ولماذا يهاجم بعضهم العهد القديم؟ وما ردنا على ذلك؟
أولاً: قدسية العهد القديم
يتصور البعض أن العهد القديم ليس بنفس القدسية التى للعهد الجديد. فلماذا تصوروا ذلك؟ وما هو الموقف المسيحى والكنسى السليم من العهد القديم؟ لاشك أن الموقف المسيحى والكنسى من العهد القديم، هو أن كاتبه هو الروح القدس، وأن كُتابه سجلوا هذه الأسفار مسوقين من الروح القدس، لا بمشيئتهم الشخصية فقط .وقد أكد السيد المسيح نفسه، وأسفار العهد الجديد هذه القدسية، وهذه بعض الأدلة كأمثلة على ذلك :
1- من أقوال السيد المسيح
أ- "لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإنى الحق أقول لكم، إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس، حتى يكون الكل" (مت 17:5،18).
والتكميل هنا معناه تكميل الهدف من الناموس وهو معرفة السيد المسيح، وتكميل الإنسان حتى يصنع الناموس، وذلك من خلال تجديد الطبيعة البشرية بالروح القدس. كذلك فهو تكميل الوصية حتى لا تقف عند حدود الفعل كالزنا والقتل، بل تصل إلى الدوافع الكامنة وراء ذلك كالشهوة والحقد.
ب- "فتشوا الكتب (كتب العهد القديم طبعاً فى ذلك الوقت)، لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة، وهى التى تشهد لى" (يو 39:5،40)... "تضلون إذ لا تعرفون الكتب، ولا قوة الله" (مت 29:22).
ج- "إن موسى من أجل قساوة قلوبكم، أذن لكم أن تُطلقوا نساءكم" (مت 3:19-12)، وهذا مأخوذ عن سفر (تث 1:24-4).
د- "لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنـــى فــى نامـــوس موســـى والأنبياء، والمزامير.. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب، وقــال لهــم هكــذا هــو مكتــوب، وهكذا كان ينبغى أن المسيح يتألم ويقوم من بين الأموات فى اليوم الثالث.." (لو 44:24-49).
هـ- قال له الكتبة والفريسيون: "يا معلم نريد أن نرى منك آية"، فأجاب وقال لهم: "جيل شرير وفاسق يطلب آية، ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبى، لأنه كما كان يونان فى بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان فى قلب الأرض، ثلاثة أيام وثلاث ليال.رجال نينوى سيقومون فى الدين مع هذا الجيل ويدينونه، لأنهم تابوا بمناداة يونان، وهوذا أعظم من يونان ههنا" (مت 38:12-41). وهنا يتحدث الرب ليس فقط عن سفر يونان، الذى حاول البعض أن يعتبروه أسطورة خيالية، بل عن شخص يونان، وحوت يونان، ومناداة يونان، وأهل نينوى، وتوبتهم. والرمز الواضح بين يونان والسيد المسيح.
و- كذلك تحدث الرب عن ملكة التيمن، التى أتت من أقاصى الأرض لتسمع حكمة سليمان، وقال: "هوذا أعظم من سليمان ههنا" (مت 42:12). وهنا يتحدث الرب عن زيارة ملكة التيمن لسليمان، وعن حكمة سليمان.. وهذا كله فى العهد القديم.
ز- حديث الرب عن الزواج من امرأة واحدة، وعن عدم الطلاق إلا لعلة الزنا، وكيف أعاد الرب الأمور إلى أصولها حينما قال: "من البدء لم يكن هكذا" (مت 8:19) (يقصد سهولة التطليق وكيف أن التطليق سمح به موسى، من أجل قساوة قلوبهم). وكذلك حينما تحدث عن شريعة الزوجة الواحدة بقوله: "أما قرأتم (فى العهد القديم طبعاً) أن الذى خلق من البدء، خلقهما ذكراً وأنثى، وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بأمرأته، ويصير الإثنان جسداً واحداً" (مت 1:19-9). وواضح أن هذه كلها إقتباسات من أسفار العهد القديم، ودعوة إلى قراءة أسفاره: "أما قرأتم"؟!
ح- وفى إمتداح السيد المسيح ليوحنا المعمدان، آخر أنبياء العهد القديم. تأكيد على قدسيته. وذلك حين قال: "ماذا خرجتم إلى البرية لتنظروا.. أنبياً؟ نعم أقول لكم وأفضل من نبى! فإن هذا هو الذى كتب عنه: ها أنا أرسل أمام وجهك، ملاكى الذى يهيئ طريقك قدامك. الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر فى ملكوت السموات أعظم منه" (مت 7:11-11).وواضح أن الرب يقتبس من نبوات العهد القديم ما جاء عن تجسده الإلهى، وعن المعمدان كسابق له.وواضح أيضاً أن "الأصغر" هنا قد يكون السيد المسيح نفسه (لأنه أصغر سناً من المعمدان - بالجسد - بستة أشهر)، أو هو مؤمن العهد الجديد الذى لن يمر بالجحيم بل يدخل إلى الفردوس مباشرة، بعد أن فتح الرب الفردوس بصليبه، الأمر الذى لم يحدث مع المعمدان، إذ عبرت نفسه بالجحيم فى إنتظار الفداء والفادى.
ى- قال الرب لبطرس: "أتظن أنى لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبى، فيقدم لى أكثر من أثنى عشر جيشاً من الملائكة؟ فكيف تكمل الكتب، إنه هكذا ينبغى أن يكون" (مت 53:26،54).هذه مجرد أمثلة بسيطة عن مدى تقديس رب المجد للعهد القديم: أسفاره وأنبيائه، ففى النهاية هو مسيح العهدين، والعهد القديم كان مرحلة فى طريق العهد الجديد، والروح القدس هو كاتب جميع الأسفار، عاصماً كاتبيها من الزلل.
2- من الأناجيل المقدسة
هذا بحر مستفيض، فالأناجيل المقدسة إقتبست كمية ضخمة من آيات العهد القديم، لتؤكد لنا الإرتباط العضوى والصميمى بين العهدين. فالعهد القديم كان التمهيد والأنين والنبوات، أما العهد الجديد فكان الفرح بالخلاص والمخلص، الذى فيه تحققت كل النبوات.وكمجرد إحصاء عن هذه الحقيقة :
أ- إنجيل معلمنا متى : أورد 53 إقتباساً من العهد القديم.
ب- إنجيل معلمنا مرقس : أورد 36 إقتباساً من العهد القديم.
ج- إنجيل معلمنا لوقا : أورد 25 إقتباساً من العهد القديم.
د- إنجيل معلمنا يوحنا : أورد 20 إقتباساً من العهد القديم.
وأترك للقارئ الحبيب، أن يقرأ هذه الأناجيل المقدسة ويسجل فى دراسة خاصة له هذه الإقتباسات، وهى واضحة وضوح الشمس. وهذه مجرد عينة بسيطة من إنجيل واحد هو إنجيل معلمنا متى :
(1:1-17) (22:1،23) (5:2،6) (15:2)(17:2،18) (23:2) (4:4،7،10) (14:4-16)(17:5) (21:5) (27:5) (31:5)(33:5) (38:5) (43:5) (29:6)(4:8) (17:8) (40:10) (9:11،10)(14:11) (3:12-6) (17:12-21) (38:12-41)(42:12) (17:13) (8:15) (3:16،4)(11:17-13) (16:18) (3:19-9) (17:19) (4:21،5) (13:21) (16:21) (25:21) (42:21) (29:22-32) (32:22-40) (21:22-46)(31:26) (53:26،54) (56:26) (6:27-10)(35:27) (42:27) (46:27)
3- من رسائل الآباء الرسل
حفلت رسائل البولس والكاثوليكون بإقتباسات كثيرة من العهد القديم، مؤكدة الترابط العضوى بين العهدين، وهذه مجرد أمثلة، من رسالة واحدة هى الرسالة إلى رومية :
1- "إنجيل الله الذى سبق فوعد به بأنبيائه فى الكتب المقدسة" (رو 1:1،2).
2- "لأن ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند الله، بل الذين يعملون بالناموس، هم يبررون" (رو 13:2).
3- "اسم الله يجدف عليه بسببكم بين الأمم، كما هو مكتوب" (رو 24:2).
4- "كما هو مكتوب: لكى تتبرر فى كلامك وتغلب متى حوكمت" (رو 4:3).
5- "كما هو مكتوب: أنه ليس بار ولا واحد.." (رو 9:3).
6- "ماذا نقول إن أبانا إبراهيم قد وجد حسب الجسد.." (رو 1:4-25).
7- "كإنما بإنسان واحد قد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا إجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع.." (رو 12:5-21).
8- "المرأة التى تحت رجل هى مرتبطة بالناموس بالرجل الحى.." (رو 1:7-6).
9- "الذين هم إسرائيليون، ولهم التبنى والمجد والعهود والإشتراع والعبادة والمواعيد، ولهم الآباء، ومنهم المسيح حسب الجسد.." (رو 4:9،5).
10- "كما هو مكتوب أحببت يعقوب وأبغضت عيسو" (رو 13:9).
11- يقول الكتاب لفرعون: "إنى لهذا بعينه أقمتك، لكى أظهر فيك قوتى.." (رو 17:9).
12- كما فى هوشع أيضاً: "سأدعو الذى ليس شعبى شعبى، والتى ليست محبوبة محبوبة.." (رو 25:9).
13- وإشعياء يصرخ من جهة إسرائيل: "وإن كان عدد بنى إسرائيل كرمل البحر، فالبقية ستخلص.." (رو 27:9).
14- وكما سبق إشعياء فقال: "لولا أن رب الجنود أبقى لنا نسلاً، لصرنا مثل سدوم، وشابهنا عمورة" (رو 29:9).
15- كما هو مكتوب: "ها أنا أضع فى صهيون حجر صدمة، وصخرة عثرة، وكل من يؤمن به لا يخزى" (رو 33:9).
16- "لأن موسى يكتب فى البر الذى بالناموس، إن الإنسان الذى يفعلها سيحيا بها.." (رو 5:10).
17- الكتاب يقول: "كل من يؤمن به لا يخزى" (رو 11:10).
18- "كما هو مكتوب: ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام، المبشرين بالخيرات" (رو 15:10).
19- لأن إشعياء يقول: "يارب من صدق خبرنا.." (رو 16:10).
20- "إلى كل الأرض خرج صوتهم، وإلى أقاصى المسكونة أقوالهم" (رو 18:10).
21- موسى يقول: "أنا أغيركم بما ليس أمة، بأمة غبية أغيظكم" (رو 19:10).
22- أشعياء يتجاسر ويقول: "وجدت من الذين لم يطلبونى، وصرت ظاهراً للذين لم يسألوا عنى.. طول النهار بسطت يدى إلى شعب معاند ومقاوم" (رو 20:10،21).
23- ماذا يقول الكتاب عن إيليا، كيف توسل إلى الله ضد إسرائيل قائلاً: يارب قتلوا أنبياءك، وهدموا مذابحك، وبقيت أنا وحدى، وهم يطلبون نفسى. لكن ماذا يقول الوحى؟ "أبقيت لنفسى سبعة آلاف رجل، لم يحنوا ركبة لبعل" (رو 2:11-4).
24- "كما هو مكتوب أعطاهم الله روح سبات، وعيوناً حتى لا يبصروا، وآذاناً حتى لا يسمعوا إلى هذا اليوم" (رو 8:11).
25- وداود يقول: "لتصر مائدتهم فخاً وقنصاً وعثرة ومجازاة لهم، لتظلم عيونهم،كى لا يبصروا، ولتحن ظهورهم فى كل حين" (رو 9:11).
26- "كما هو مكتوب: سيخرج من صهيون المنقذ، ويرد الفجور عن يعقوب.." (رو 26:11).
27- "من عرف فكر الرب أو من صار له مشيراً" (رو 33:11-35).
28- "أعطوا مكاناً للغضب، لأنه مكتوب: لى النقمة، أنا أجازى، يقول الرب.." (رو 19:12).
29- "لأن لا تزن، لا تسرق، لا تشهد بالزور، لا تشته، وإن كانت وصية أخرى، هى مجموعة فى هذه الكلمة: أن تحب قريبك كنفسك" (رو 9:13).
30- "لأنه مكتوب: أنا حى يقول الرب، إنه لى ستجثو كل ركبة، وكل لسان سيحمد الله" (رو 11:14).
31- "كما هو مكتوب: تعييرات معيريك، وقعت على" (رو 3:15).
32- "لأن كل ما سبق فكتب، كتب لأجل تعليمنا، حتى بالصبر والتعزية بما فى الكتب، يكون لنا رجاء" (رو 4:15).
33- "أن يسوع المسيح قد صار خادم الختان، من أجل صدق الله، حتى يثبت مواعيد الآباء" (رو 8:15).
34- "كما هو مكتوب: من أجل ذلك سأحمدك فى الأمم، وأرتل لأسمك" (ثم إقتباسات أخرى متتالية) (رو 9:15-12).
35- "كما هو مكتوب: الذين لم يخبروا به سيبصرون، والذين لم يسمعوا سيفهمون" (رو 21:15).
36- "السر الذى كان مكتوماً فى الأزمنة الأزلية، ولكن ظهر الآن وأعلم به جميع الأمم بالكتب النبوية، حسب أمر الإله الأزلى، لإطاعة الإيمان" (رو 25:16،26).
تصور أيها القارئ الحبيب، كل هذه الإقتباسات من العهد القديم فى رسالة واحدة، فماذا نقول عن باقى الرسائل؟ إنها دراسة شيقة يمكنك أن تقوم بها، خصوصاً فى رسالتى غلاطية والعبرانيين..
لتدرك قدسية العهد القديم، والترابط العضوى بين العهدين.
لهذا كان طبيعياً أن يقول الرسول بولـس للقـديس تيموثـاوس: "وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة (أسفار العهد القديم طبعـاً) القــادرة أن تحكمــك للخلاص، بالإيمان الذى فى المسيح يسوع. كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذى فى البر، لكى يكون إنسان الله كاملاً، ومتأهباً لكل عمل صالح" (1تى 15:3-17).
لاحظ أيها القارئ الحبيب كيف أن كتب العهد القديم تقود تيموثاوس قارئها إلى الإيمان بالمسيح والخلاص به. ولاحظ قول الرسول أن "كل" الكتاب هو موحى به من الله!! عجبى إذن على أناس ينتقصون من قدسية العهد القديم!!
ألم يقل معلمنا بطرس: "وعندنا الكلمة النبوية، وهى أثبت، التى تفعلون حسناً إن أنتبهتم إليها، كما إلى سراج منير فى موضع مظلم، إلى أن ينفجر النهار، ويطلع كوكب الصبح فى قلوبكم. عالميـن هــذا أولاً أن كل نبوة الكتاب، ليست من تفسير خاص، لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون، مسوقين من الروح القدس" (2بط 19:1-21).
ولاحظ أيها الحبيب فى هذا النص :
1- أن كلمات الأنبياء هى أثبت، أى أنها ثابتة وأثبت من كلام البشر.
2- أنه يوصينا أن ندرسها إذ أننا نفعل حسناً إذا إنتبهنا إليها.
3- أنها كسراج منير فى موضع مظلم.
4- أنها مرحلة تمهيدية تقودنا إلى المسيح كوكب الصبح.
5- أن كل نبوة الكتاب هى من الله وليس بعضها.
6- أن مشيئة الإنسان ليست هى الدافع للكتابة بل روح الله.
7- أنهم قديسون، كانوا مسوقين بالروح. هل بعد ذلك نتساءل عن قدسية العهد القديم؟!
4- من سفر الرؤيا
1- "جعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه" (رؤ 6:1). 2- "ستنظره كل عين، والذين طعنوه" (رؤ 7:1).
3- "عندك هناك قوماً متمسكين بتعليم بلعام، الذى كان يعلم بالاق أن يلقى معثرة أمام بنى إسرائيل: وأن يأكلوا ما ذبح للأوثان، ويزنوا.." (رؤ 14:2).
4- "هوذا قد غلب الأسد الذى من سبط يهوذا، أصل داود" (رؤ 5:5).
5- الأسباط المذكورة فى (رؤ 7). 6- "يتم أيضاً سر الله، كما بشر عبيده الأنبياء" (رؤ 7:10).
7- الزيتونتان والمنارتان، هما شخصيتان من العهد القديم (رؤ 11).
8- المرأة المذكورة فى (رؤ 12) هى الأمة اليهودية وهى أيضاً رمز العذراء الطاهرة.
9- الخروف الواقف على جبل صهيون، رمز إنتصار الكنيسة على الشيطان (رؤ 14)، وكذلك سقوط بابل (الشعب الذى سبى بنى إسرائيل رمز حروب الخطية وإنتصار أولاد الله عليها.
10- "ترنيمة موسى، عبد الله، والخروف" (رؤ 15) وكذلك هيكل خيمة الشهادة.
11- سقوط بابل (الجديدة) رمز بابل القديمة التى سبت شعب الله (رؤ 10:18).
12- أورشليم الجديدة (رؤ 21). 13- شجرة الحياة (رؤ 22).
وبعد فماذا نقول؟ أن مئات بل آلاف الإقتباسات من العهد القديم. وردت فى العهد الجديد، فهل يجوز أن نكابر ونفصل العهدين؟ أو ننتقص من قدسية العهد القديم، وها آياته وأحداثه تملأ إصحاحات العهد الجديد؟! وإلى القارئ الحبيب جدول مختصر يوضح بعض النبوات عن السيد المسيح كما جاءت فى العهدين القديم والجديد.
رقم |
موضوع النبوة |
فى العهد القديم |
فى العهد الجديد |
1 |
نسبه الجسدى |
(أش 1:11) |
(مت 1:1-7) |
2 |
مكان ميلاده |
(مى 2:5) |
(مت 1:2-6) |
3 |
هو الإله المتجسد |
(أش 6:9) |
(يو 14:1) |
4 |
يسبقه المعمدان |
(أش 3:40) |
(مت 1:3-6) |
5 |
وقت مجيئه |
(دا 24:9-26) |
(غل 4:4) |
6 |
يولد من عذراء |
(أش 14:7) |
(مت 8:1-23) |
7 |
دخوله أورشليم |
(زك 9:9) |
(مت 1:21-11) |
8 |
يباع بالفضة |
(زك 12:11) |
(مت 14:26،15) |
9 |
يخونه صديق |
(مز 12:25-14، مز 9:41) |
(مت 47:26-50، يو 18:13) |
10 |
حقل الفخارى |
(زك 13:11) |
(مت 1:27-10) |
11 |
التلاميذ يتركونه |
(زك 7:13) |
(مت 56:26) |
12 |
شهود الزور ضده |
(مز 11:35) |
(مت 59:26،60) |
13 |
الضرب والبصق |
(أش 4:50-6، مز 15:35،21) |
( لو 64:22، مت 67:26،68) |
14 |
صمته أمام متهميه |
(أش 7:53) |
(مت 15:27-24) |
15 |
جروحه |
(أش 5:53) |
(مت 26:27،29) |
16 |
وقوعه تحت الصليب |
(مز 24:109) |
(يو 17:19) |
17 |
ثقب يديه ورجليه |
(مز 16:22) |
(لو 33:23) |
18 |
صلبه مع لصوص |
(أش 12:53) |
(مر 27:15،28) |
19 |
صلاته عن صالبيه |
(أش 13:53) |
(لو 24:23) |
20 |
هز الرؤوس عليه |
(مز 25:109) |
(مت 39:27) |
21 |
استهزاء الناس به |
(مز 7:22،17) |
(مت 41:27-43) |
22 |
إندهاش الناس منه |
(مز 17:22، أش 14:52) |
(لو 35:23) |
23 |
اقتسام الثياب |
(مز 18:22) |
(يو 23:19،24) |
24 |
صرخته على الصليب |
(مز 1:22) |
(مت 46:27) |
25 |
شربه الخل والمرارة |
(مز 21:61) |
(مت 34:27) |
26 |
تسليمه الروح |
(مز 5:31) |
(لو 46:23) |
27 |
وقوف التلاميذ بعيداً |
(مز 11:38) |
(لو 49:23) |
28 |
عدم كسر عظامه |
(مز 30:34، خر 46:12) |
(يو 31:19-36) |
29 |
طعن جنبه |
(زك 10:12) |
(يو 34:19-37) |
30 |
انكسار قلبه |
(مز 14:22) |
(يو 24:19) |
31 |
الظلمة وقت الصلب |
(عا 9:8) |
(مت 45:27) |
32 |
دفنه فى قبر غنى |
(أش 9:53) |
(مت 57:27-60) |
33 |
قيامته من الأموات |
(مز 10:16، (مز 33، مز 10:41، مز 22:22) |
(مت 28، 1كو 15، يو 21:20) |
34 |
صعوده إلى السموات |
(مز 7:4، مز 18:68، مز 19:118) |
(لو 51:24، أع 9:1-12) |
35 |
جلوسه عن يمين العظمة |
(مز 1:110) |
(مر 19:16) |
ثانياً: إعتراضات على العهد القديم
لماذا إذن يعترض البعض على العهد القديم؟
الحقيقة أن هذه الإعتراضات ليست حديثة، بل هى قديمة جداً قدم مركيان الهرطوقى الذى حاول التشكيك فى العهد القديم، بسبب ما تصوره من قسوة معاملات الله فيه. وبينما هو يمتدح إله العهد الجديد، إله المحبة، أنكر غالبية أسفار العهد الجديد وإختار منها إنجيل لوقا وبعض الرسائل. وهذه نتيجة طبيعية للكبرياء العقلية، حينما يضع الإنسان الكتاب المقدس، الموحى به من الله، موضع فحصه العقلى المحدود. وبدل أن يجعل الكتاب يدرسه، صار هو يدرس الكتاب!! وهذا ما نراه الآن فى مدارس يسمونها "مدارس نقد الكتاب المقدس". فقد صار الكتاب لديهم كتاباً أدبياً أو تاريخياً يصلح للنقد كأى كتاب آخر.
والحمد لله أن هذه المدارس كانت سبب بركة كبيرة للمسيحية، إذ أنه من خلال إعتراضاتها والرد عليها، تأكدت قدسية الكتاب المقدس بعهديه، من خلال الأبحاث والدراسات العلمية والأثرية، حتى أن هذه المدارس إندثرت ولم يعد لها أى أثر تقريباً.
وما يستند إليه البعض فى الإعتراض على العهد القديم هو فى جوهره ما يلى :
1- تصور البعض أن إله العهد القديم كان يتعامل بقسوة مع البشر عموماً، ومع الأمم بالذات معطياً للشعب اليهودى مكانة خاصة.
2- تشابه ما ورد فى العهد القديم، مع بعض ما ورد فى كتابات الحضارات القديمة الأشورية والمصرية والبابلية وشريعة حمورابى..
3- تصور أن بعض إصحاحات وأسفار العهد القديم تتعارض مع العلم، مثل قصتى: الخلق، ويونان النبى.
4- عدم إرتياح لبعض الأسفار التى ترد فيها بعض التعبيرات ذات الإيحاء الجسدى أو الحسِّى.ولكن هذه الإعتراضات طالما أوردت الكنيسة ردوداً عليها، فهى إعتراضات قديمة ليس لها أى أهمية حقيقية.
وليس هذا المقال مجالاً للرد التفصيلى، ولكننا نورد هنا ملاحظات سريعة عامة :
1- بالنسبة لإله العهد القديم
فهو لا يختلف عن إله العهد الجديد. كل ما فى الأمر أنها مراحل تمر بها البشرية، من الطفولة إلى النضج. ومعروف أن الطفل حسى أكثر منه عقلانى. لذلك استخدم الرب الحسيات كالحروب والأوبئة والمكافآت الأرضية، وهى الأمور التى تناسب إنسان العهد القديم البدائى. وقديماً قال حكماء الفراعنة: "إن أذنى الطفل فى ظهره". ولكن حينما نضجت البشرية، مجتازة فترة الطفولة الروحية، جاء العهد الجديد مقدماً عقوبات ومكافآت روحية معنوية أكثر منها مادية وحسية.
ومع ذلك، فإله العهد القديم عادل ورحيم، وإله العهد الجديد رحيم وعادل. وإذا درسنا العهدين سنجد مئات الأدلة على محبة ورحمة إله العهد القديم (نينوى - آخاب - وعود الفداء.. إلخ)، وأدلة أخرى على عدل إله العهد الجديد: "مخيف هو الوقوع فى يدى الله الحــى" (عب 31:10)، "أم تستهين بغنــى لطفه، وإمهاله، وطول أناته، غير عالم أن لطف الله يقتادك إلى التوبة، ولكنــك مــن أجل قساوتك، وقلبك غير التائب، تذخــر لنفســك غضبــاً فــى يــوم الغضب، وإستعلان دينونة الله العادلة" (رو 4:2،5).
أما التعامل الخاص مع الشعب اليهودى، فكان بسبب التعليم العام، "فكل ما كتب.. كتب لأجل تعليمنا" (رو 4:15)، وبسبب الفداء، إذ لابد من إختيار فتاة للتجسد منها، وهذه لابد أن تأتى من شعب ما، أراد الرب أن يجهزه بالشريعة والأنبياء، ويطهره بالحروب والعقوبات والإرشادات، من عبادة الأصنام، ليكون شعب العذراء "لأن الخلاص هو من اليهود" (يو 22:4).
وواضح أن الرب أعطى بنى إسرائيل بركة ميلاد السيد المسيح من نسلهم، ولكن هذا لا يعنى "الخلاص التلقائى" أى بمجرد أنهم يهود، بل بالعكس إذا لم يؤمنوا بالسيد المسيح فلا خلاص لهم.
وها هم قد رفضوه وصلبوه، ومازالوا فى إنتظار مسيا وهمى!! كذلك فالأمم الذين لم يولد الرب بالجسد من داخل شعوبهم، باب الخلاص مفتوح أمامهم، بالإيمان بالمسيح، وليسوا محرومين من بركات الفداء، بل ها هم يدخلون إلى ميراث الملكوت قبل اليهود!!أما موضوع الموت الجماعى لمئات أو ألوف، فهذا موضوع بسيط، حيث أن الله أراد أن يعطى دروساً وصدمات تدعو الناس إلى التوبة، لهذا جعل أعداداً كبيرة تمـوت فـى يوم واحد وكان من الممكن أن يموتوا - قطعاً - ولكن على مدى زمنى. فما المشكلة؟! بدل أن يموتوا خلال 5 سنوات ما توافى ساعة واحدة، ليقدم الله درساً للبشرية للتوبة.
2- تشابه الأسفار مع كتابات قديمة
هذا موضوع بسيط جداً فهناك :
أ- تداخل الحضارات، وإنتشار اليهود فى كل مكان، وإستفادة الشعوب بعضها من تراث بعض.
ب- عمل روح الله فى الأمم من خلال حكمائهم وفلاسفتهم، تمهيداً لمجىء المسيح والفداء المحى.
ج- توارث القصص الهامة فى التاريخ مثل الخلق والطوفان، الذى تشاركت فيه جميع الشعوب. وهذا ما يسمى بالتقليد الشفاهى. كل الفرق أن كُتاب العهد القديم إستعانوا بالتقليد الشفاهى معصومين من الزلل بالروح القدس، أما كُتاب الحضارات القديمة فكتبوا ما توارثوه كما هو، وقد تسرب إليه الكثير من الخيال والخطأ.
د- هناك كتابات قديمة قبل كتاب العهد القديم، ونعرف أن هناك "مكتبة" منذ أيام أبينا إبراهيم، على الشقف والجلود وغيرها. وهذا التقليد المكتوب، ينطبق عليه ما ذكرناه عن التقليد الشفاهى، فى النقطة السابقة.
لذلك كله فهناك تشابه، وهناك مصادر مشتركة: التراث الشفاهى والكتابة البدائية، ولكن هناك فرق هام هو دقة الوحى وعصمة أسفار العهد القديم، بسبب ضبط روح الله للكاتب.
3- الدين والعلم
وهذه دراسات مستفيضة فى موضوعات قتلت بحثاً، كتوافق أيام (أو حقب) الخليقة مع معطيات العلم الحديث، وكمجرد أمثلة، نذكر موضوع الخليقة فنقول :
1- اليوم حقبة، فمازلنا فى اليوم السابع..
2- الترتيب سليم علمياً، النور، ثم الأرض، ثم النبات، ثم الحيوان، ثم الإنسان..
3- المادة الأولى للكون: السديم، وكيف سبقت الأرض والشمس..
ويمكن الإستزادة من هذا الموضوع فى كتب كثيرة.
أما عن قصة يونان النبى، فالرب نفسه أكد صحتها فى العهد الجديد، وأطلال نينوى مازالت تحكى تاريخها، كما أن حجم الحيتان التى أكتشفت، تعطينا فكرة عن ذلك الحوت الخاص، الذى
أعده الله لنجاة يونان. وفى النهاية هى معجزة، وإلهنا قادر على كل شئ، وإلا فكيف نصدق كل معجزات العهد الجديد؟!
4- الأسفار الخاصة
كسفر نشيد الأنشاد، يجب ألا يقرأه الإنسان بعين حسية جسدية بل هو سفر رمزى يتحدث عن علاقة الله بالكنيسة ولا يوجد أقدس من علاقة الزواج المقدس لتكون مثالاً، يمكن الإستعانة به، فى شرح الوحدة التى تحدث بين الله والنفس البشرية، والكنيسة جمعاء.أما بعض الحوادث الأخلاقية المذكورة فى الكتاب، فهى أمور عادية تشرح الإنسان كما هو، وتشرح حاجته إلى مخلص، ومثلها مذكور فى كل الكتب الأخرى.
†††
إن العهد القديم :
1- مدرسة إختبارات : فيها نرى تعامل الله مع البشر، ونضيف إلى عمرنا وإختباراتنا، أعمار وإختبارات شخصيات الكتاب المتعددة والمتنوعة.
2- مصدر شبع روحى : من خلال وعود الله فيه والصلوات العذبة التى نجدها فى المزامير، وفى حياة رجال الله.
3- دعوة توبة : ففيه نرى بركات التوبة، وعواقب العصيان على الله، الذى يدمر الإنسان والحيوان والثروات..
4- منجم حكمة : إذ فيه نقرأ أمثال سليمان الحكيم وحكمته الرائعة الممنوحة له من الله.
5- ينبوع نبوات : تحققت فى القديم والحديث، وتؤكد أن كاتب هذه الأسفار هو الله.
6- ثروة أدبية : ففيه القصة والشعر والحكمة والقانون والفن..إن العهد القديم هو جزء لا يتجزأ من الوحى الإلهى، ومن يدرسه على هذا الأساس، سوف يبنى نفسه والآخرين أيضاً.
لهاذ تقدم لنا الكنيسة دائماً :
1- مزموراً فى كل من عشية وباكر والقداس الإلهى.
2- نبوات فى الصوم الكبير، ويونان.
3- قراءات كثيرة فى البصخة المقدسة.
4- إقتباسات فى التسبحة اليومية.
5- استخدام المزامير فى صلوات الأجبية.
حذارى - إذن - أن ننتقص من قدسية العهد القديم، بسبب هجمات تستهدفه، وتستهدف العهد الجديد أيضاً.
2- حول العهد الجديد
تحاول بعض مدارس نقد الكتاب المقدس، كما حاول قادة البروتستانت فى الماضى، النيل من قدسية العهد الجديد أيضاً. فقديماً قال بعضهم عن رسالة معلمنا يعقوب: "أنها رسالة كالتبن!!"... لأنها تتحدث عن أهمية الأعمال الصالحة فى تكميل الإيمان، وكثمرة له، إذ يريدون أن يكون الخلاص بالإيمان فقط.
وفى العصر الحديث حاول البعض أن ينالوا من قدسية العهد الجديد، ونورد هنا مثلين فقط :
1- هل "أخطأ" معلمنا متى فى الحديث عن "آتان وجحش إبن أتان" فى دخول السيد المسيح إلى أورشليم، يوم أحد الشعانين؟.
2- هل يمكنا أن نتحدث عن "ضياع" جزء كبير من الإصحاح السادس عشر من إنجيل معلمنا مرقس، فلا نورده فى تفسيرنا لهذا الإنجيل؟
1- آتان وجحش إبن آتان
يقول البعض فى الغرب (وقد استمعت إلى ذلك شخصياً من أحد كهنة الكنيسة الهندية) ووجدوا من يتجاوب معهم فى الكنيسة القبطية، أنه قد حدث خطأ فى فهم نبوة زكريا النبى، إذ أخطأ النساخ، وبعدهم المترجمون، حين قال: "إبتهجى جداً يا إبنة صهيون. أهتفى يا إبنة أورشليم. هوذا ملكك يأتى إليك. هو عادل ومنصور، وديع، وراكب على حمار وعلى جحش إبن آتان" (زك 9:9). يقول أصحاب هذا الفكر، إن من عادة الأدب النبوى اليهودى، تكرار الكلام، لتحسين النغم والوزن، ولتوضيح المعنى. وها هو زكريا يكرر: "يا إبنة صهيون"، و "يا إبنة أورشليم". ثم عاد يكرر راكباً على حمار. وإذ أراد أن يوضح أنه حمار صغير قال: "إبن آتان". وهنا أخطأ النساخ، ثم تبعهم المترجمون، فكتبوها: "على حمار وعلى جحش إبن آتان" مضيفين واو العطف (بدلاً من تكرار الوصف والتوضيح أنه حمار صغير)، وكأن الرب سيجلس على حمار وعلى جحش معاً، والصحيح أنه على حمار صغير، أى جحش.
ثم يقول هذا الفكر: أن معلمنا متى أضطر - بسبب هذا الخطأ الذى ورد فى الترجمة السبعينية، أن يتحدث عن آتاناً مربوطة، وجحشاً معها. فحلاهما، واتيانى بهما. وإن قال لكما أحد شيئاً فقولا: الرب محتاج إليهما، وللوقت يرسلهما. فكان هذا لكى يتم ما قيل بالنبى القائل: "قولوا لإبنة صهيون، هوذا ملكك يأتيك وديعاً، راكباً على أتان، وجحش إبن أتان" (مت 2:21-7).
ثم يقول: هذا الخطأ بالنقل غير المقصود، تلافاه كل من القديسين مرقس ولوقا ويوحنا، حيث ذكروا أنه جحش واحد فقط. ويزيد كل من القديس مرقس والقديس لوقا كلمة: "وجحشاً لم يركب عليه أحد من الناس" (مر 2:11)، (لو 30:19).ويضيف: "يمتاز القديس مرقس بالقول إن الجحش لم يركبه أحـد من الناس، وهذا أمر محال، إذ يتحتم تمرين الجحش على أحد يركبه فـى السابـق، وإلا استحال ركوبه..".
والسؤال الآن :
1- هل كان معلمنا متى تحت وحى وضبط الروح القدس أم لا؟! فكيف يخطئ إذن؟!
2- ألم يكن معلمنا متى شاهد عيان للحدث، فكيف يقول عن شئ لم يره؟! لقد شاهد بنفسه، وسمع كلام الرب بالمثنى!!
3- هل يستحيل على الرب شئ؟ فكيف يستحيل عليه ركوب جحش لم يركبه أحد قط، ولم يتم تمرينه؟!
4- كل ما فى الأمر أن الرب إستخدم الأتان والجحش فى تبادل ليريحهما.. ثم دخل إلى أورشليم راكباً على الجحش وليس الأتان، فما المشكلة؟ هل من تناقض فى الأناجيل؟ على الإطلاق لا يوجد. لذلك فمن غير المناسب ولا من اللائق أن ننسب الخطأ إلى كلمات كتبها معلمنا متى، وكرر فيها
3 مرات أنهما أتان وجحش معاً، كما كرر صيغة المثنى 6 مرات، وقد كان شاهد عيان، كما كان سامعاً لكلمات الرب: "إتيانى بهما"!! أما أن معلمنا لوقا ومعلمنا مرقس تحدثا عن "الجحش" فقط فلأن الرب كان يتبادل استخدام الآتان والجحش، وحينما دخل إلى أورشليم كان يركب الجحش.
2- إنجيل معلمنا مرقس (ص 16)
يقول البعض: أن الآيات الواردة فى إنجيل معلمنا مرقس الإصحاح السادس عشر، من 9-20 قد فقدت، وأعاد كتابتها أحد التلاميذ السبعين، ويدعى أريستون، جامعاً إياها من إنجيلى القديس لوقا والقديس يوحنا.وحتى لو صح هذا الكلام، وهو مجرد رأى لبعض العلماء، إلا أنها اعتمدت كجزء من الإنجيل، تماماً كما حدث مع سفر يشوع، حينما كتب خاتمته كاتب آخر، ودخل فى صلب السفر، وإعتمده الأباء، وسلموه لنا هكذا. ولذلك فإن حذف هذا الجزء هو أمر مرفوض تماماً، ويحدث بلبلة للمؤمنين البسطاء. هل مجرد رأى أو بحث أو دراسة لبعض علماء نقد الكتاب، تجعلنا نتنازل ببساطة عن جزء هام فى إنجيل معلمنا مرقس، حتى أننا نحذفه، ولا نفسِّره حينما نفسر هذا الإنجيل؟! وكيف نسمح لأنفسنا بأن نسير وراء هذا الرأى، إن هذا الجزء "ضاع" من الإنجيل، وأعاد كتابته أحد التلاميذ السبعين؟! هل يسمح الله - ببساطة - بضياع جزء من الإنجيل؟! وكيف يمكن أن "يحدث" هذا الضياع، وكيف لنا أن نؤكد حدوثه؟!
ومع أن بعض العلماء والآباء نادوا بهذا الرأى، إلا أن :
1- هذه الآيات موجودة فى النسخ القديمة : الاسكندرانية، والسريانية، والعربية، واللاتينية.
2- وقد تناقلها القديس أغسطينوس والقديس امبروسيوس.
3- كما استشهد بها القديس ايريناوس فى القرن الثانى مستنداً إلى (مر 19:16) فى صعود الرب وجلوسه عن يمين الآب.
4- كما شهد هيبوليتوس بتأييدها، وهو من علماء القرن الثالث.
وحتى لو كان كاتب هذه الآيات هو شخص آخر من السبعين تلميذاً، فما المشكلة؟ مادام هذا الكلام متناسقاً مع بقية الأناجيل والأعمال، واعتمدته الكنيسة منذ القرون الأولى. إن كثيرين كانوا يشتركون فى كتابة السفر الواحد، كالأسفار التاريخية والمزامير، ولا مشكلة فى ذلك، مادام داخل دائرة الوحى الإلهى، وتسليم الكنيسة، بالتقليد الرسولى.
وماذا فى هذا الجزء، مما لم يرد فى الأسفار الأخرى؟ هل فيه تعاليم نرفضها أو أحداث نستنكرها؟!
إن كل ما فى هذا الجزء (مر 9:16-20) هو :
1- ظهور الرب للمجدلية : وسبق أن ورد فى (مر 1:16، مت 1:28، يو 20).
2- وظهوره لتلميذى عمواس : وقد ورد أيضاً فى (لو 24) بالتفصيل.
3- وعدم تصديق الرسل للقيامة فى البداية : وهذا ورد أيضاً فى (لو 24).
4- وإرسال التلاميذ للكرازة فى العالم : وقد ورد أيضاً فى (مت 19:28).
5- وإرتفاع الرب إلى السماء : وقد ورد فى (أع 9:1).
6- وجلوسه عن يمين العظمة : وورد فى (أع 55:7، أع 20:1، أع 33:2، مت 44:22، مز 1:110، عب 2:12، رؤ 1:5).
7- كرازة التلاميذ والآيات التابعة : وهذا ثابت فى سفر الأعمال كله حيث بدأوا فى أورشليم، ثم اليهودية، ثم السامرة، ثم إلى أقصى الأرض. وكان الرب يدعم أقوالهم بالآيات والمعجزات الكثيرة.
فما المشكلة؟! ولماذا نختلق مشكلة بدون داعٍ؟! إن الرب أوصانا أن نحافظ على كلمته المقدسة، محذراً إياناً من أن نزيد عليها، أو نحذف منها، حتى لا نضع أنفسنا تحت دينونة.إن السير وراء "علماء" الغرب، فى نقدهم للكتاب المقدس، حتى أنهم فقدوا الطريق، وتركوا كلمة الحق، وصار بعضهم يشكك فى المعجزات، وفى الحبل البتولى بالمسيح، وفى القيامة، هو أمر خطير، لا يليق بنا كأولاد لله، إستلمنا الكتاب المقدس بالتقليد الكنسى، مشروحاً بالآباء، ومعاشاً فى القديسين، كما تعلمنا من القديس أغسطينوس